أتعجب وأندهش من كم السباب والشتائم والسفالات التى يتعرض لها كل من يكتب فكراً مخالفاً للسائد خاصة الفكر المخالف لما يتحدث به الدعاة ورجال الدين، قاموس الشتائم وضيع إلى حد العفن، ولهجة التهديدات عنيفة إلى حد البلطجة، والعجيب أنك عندما تدخل على صفحات التواصل الاجتماعى لديهم تجد كلها أدعية وأذكاراً وآيات وأحاديث، وكأنهم ملائكة تحلق فى الفردوس، هذه الازدواجية تفسر على أنها فوبيا التغيير، الخوف من أن تقتحمنى الفكرة المختلفة، أو يؤثر على عقلى الرأى المغاير، فيصبح سلوكى عدوانياً، وأسب وألعن كميكانزم دفاعى ضد تلك الأفكار، وخوفاً من الفتنة، كما يسمونها ويطلقون عليها فى مصطلحاتهم، لديهم وسواس الثبات وهستيريا الاستقرار على المألوف والسائد، الشتائم أسوار حماية تتحول إلى زنزانة يتنفسون فيها سموم أفكارهم الفاشية، يلقحونها وتلقحهم وتتوالد سرطاناً مدمراً، لا يعرفون أن التقدم لا يحدث إلا بمراجعة تلك الأفكار التى يسمونها ثوابت، كل منهم يخترع ثوابته ويجعلها فولاذية لا تخترقها إعادة الرؤية أو اختلاف النظرة، هو مستمتع بخدر الدفء اللذيذ للقطيع، هو منتعش بكسل النوم المعطل للفكر والحواس، فما أن توقظه طالباً منه التفكير والتحليل، ما أن ينتفض ويلطمك بسفالاته وكأن نحلة لدغته.
عن هذا المعنى وصلتنى رسالة من الكابتن طيار حورس الشمسى وهو مثقف مستنير وصاحب فكر ورؤية، يقول فيها:
يقابلنا يومياً من يسبوننا لأننا نهز موروثاتهم ويلعنوننا لأننا نكشف خرافية معتقداتهم.. وتتعجب ممن يسبك لمحاولتك تغيير ثوابته السياسية مع أنه هو نفسه قد نجح فى تغيير ثوابته الدينية أو العكس.
هذا يرجع للإصابة بدرجات مختلفة من هذه الفوبيا.. metathesiophobia أو الخوف من التغيير.. التأصيل البيولوجى لهذا الخوف هو أن عقلك البدائى يقول لك «طالما أن منظومتك العقلية الحالية أبقتك على قيد الحياة حتى الآن إياك أن تغيرها».
فعقلنا البدائى لم يعِ بعد أننا لم نعد نحيا فى الكهوف والغابات ولم نعد مطاردين من الحيوانات المفترسة كإجراء روتينى يومى.. ولذلك يتعامل مع موروثاتك الثقافية والدينية والسياسية بل وعاداتك وتقاليدك وحتى وساوسك القهرية وكأنها هى التى أدت بك إلى النجاة حتى الآن من هذه الأخطار وطالما أنك على قيد الحياة حتى الآن فلابد أنها ناجحة ولا يجب أن تغيرها.. غير عالم أن ما أوصلك بسلام لهذه النقطة فى الزمن هو الطعوم واللقاحات والتطور العلمى والإنسانى (الذى لقصر مدته فى التاريخ التطورى لم يتجذر بعد فى عقلنا البدائى).
معرفتك بهذه الحقيقة تساعدك على التغير والتغيير متفهماً ومتغلباً على مخاوفك.