طلبة من دارسى الفن يُجمّلون ميدان العباسية بلوحات جميلة ورسومات رائعة وألوان مبهجة وبموافقة الحى، يأتى موظفو الحى بعد كل هذا الجهد ليزيلوا تلك اللوحات ويهدروا ذلك الجهد فى دقائق!! وكأن هناك عداء مزمناً مع الجمال، أو ثأراً مقيماً مع الفن، يتركون تلال القمامة تُغرق الشوارع، ويتآلفون مع تماثيل هى سُبّة وعار على فن النحت، لكن عندما يظهر إلى النور مشروع جمالى جديد بأيدى شباب، يخرج كاره الحياة وكاره الفن وكاره نفسه لتلطيش الحوائط باللون الأسمنتى الخرسانى القبيح.
فى أهم مدن العالم تجد تلك الرسوم الجميلة التى تهذب العين وتروض الروح وتدمج المواطن مع مواطن الجمال وتعوّده على الفن، يتسرب إلى أعماق الروح والوجدان، فيخرج إلى الحياة بسلوك راقٍ، يصبح متصالحاً مع نفسه ومع من حوله. موسيقى الحدائق وتماثيل الميادين ورسومات الجدران ومنحوتات ونمنمات وزهور الشرفات، كل تلك المظاهر تنعكس على سلوكيات البشر، لا تأخذها بسخرية على أنها من التوافه، من يتأمل تمثالاً ويسمع موسيقى ويرقص على أنغامها ويصرخ «الله» على ألوان لوحة، هذا الشخص لن يذبح لأن أمير جماعة قال له اقتل هذا الكافر أو اذبح هذا المرتد، لأن كل الآخرين عنده شفرتهم هى الإنسانية التى تعلّم مفرداتها وحل لغزها مع الفن.
استمعوا إلى إسراء جمال، إحدى طالبات الفرقة الرابعة بكلية تربية نوعية جامعة عين شمس وعضوة بفريق مبادرة «معاً لنرتقى» الذين قاموا بتجميل الحوائط والشوارع بالفن التشكيلى فى حى العباسية بمحافظة القاهرة، تتحدث بإحباط إلى «صدى البلد» قائلة إنهم فوجئوا بمسح كل الجداريات التى قاموا برسمها من قبَل الحى دون الرجوع إليهم أو إخبارهم بذلك، وأضافت قائلة: قام الحى بمسح كل أعمالنا رغم موافقة الحى على ذلك والاتفاق مع الكلية بالعمل من خلال الدكتورة نهى عبدالعزيز أستاذة رسم وتصوير بالكلية، مشيرة إلى أنهم قاموا بالتجميل والرسم على حوائط ميدان العباسية والكبارى والأعمدة وذلك بموافقة الحى، وقالت إننا بدأنا الرسم وظللنا 3 أشهر فى العام الماضى 2018، وكنا نحو 150 طالباً، واستطعنا تجميل الحى برسومات رائعة وفن تشكيلى عالى الجودة، واشتكت: «مسحوا تعبنا من غير ما حد يبلغنا»، وأكدت إسراء أنهم قاموا بتلك الرسومات على نفقة الحى، فقد كان يمدهم بأدوات الرسم، مشيرة إلى أن أعضاء الفريق تعبوا كثيراً لإنجاز تلك المهمة وتجميل المكان بكل ما فى وسعهم، خاصة أنه كانت هناك بعض الأماكن المرتفعة التى كانوا يواجهون فيها صعوبة وكانوا معرضين للإصابات، ورغم ذلك استطاعوا إنهاءها بأفضل ما يمكن، وأشارت إلى أنهم فوجئوا بموظفى الحى يزيلون الرسومات والأعمال، لافتة إلى أنهم عانوا من سوء نظافة المكان ورائحته الكريهة، ورغم ذلك استطاعوا تغييره بأفضل نتيجة.
السؤال الأخير الذى أطرحه: لماذا كل تلك الكراهية والخصام للجمال والتآلف والتصالح مع القبح؟!