بين الصبر والتوكل على الله جل وعلا ( 1 من 2 )

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٥ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بين الصبر والتوكل على الله جل وعلا ( 1 من 2 )

مقدمة

1 ـ هناك صبر سلبى بالقعود والسكون وإنتظار النتيجة والرضا مقدما بها تمسكا بالهوان والخنوع يحسبون ذلك صبرا . هذا يقترب من معنى التواكل ، والاعتماد على( المقادير ) ، ويترك هذا الصابر السلبى نفسه تحمله وتتلاعب به أمواج الحياة كجثة هامدة راضية .

2 ـ الصبر الاسلامى على النقيض . هو صبر إيجابى يقوم ليس مجرد التغيير ، فقد يكون التغيير الى الأسفل ، ولكنه التغيير الى الأفضل ، أى الاصلاح. وهو فى سعيه الى التغيير الى الأفضل يعرف ما  يتطلبه هذا الاصلاح من تضحيات ، ويكون مستعدا لها مقدما ، وبهذا يصطحب معه الصبر فى حركته الاصلاحية معتمدا على الله جل وعلا متوكلا عليه . هنا يكون الصبر الايجابى الاسلامى قرينا للتوكل على الله جل وعلا .

3 ـ وهذا الارتباط بين الصبر الاسلامى والتوكل على الله جل وعلا هو موضوعنا . ونعطى بعض تفصيل :

أولا : ( إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )

1 ـ قال جل وعلا  فى خطاب مباشر للمؤمنين : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴿١٥٢﴾ البقرة ) . هنا اسلوب مجازى هو ( المشاكلة ) كقوله جل وعلا : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴿٣٠﴾ الانفال ) (  إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ الطارق) . العقل البشرى لا يمكن أن يتخيل الفعل الالهى ، لذا يأتى التعبير عنه بشكل يفهمه البشر. وهذا معنى المشاكلة . المفهوم من الآية 152 من سورة البقرة أنك إذا ذكرت الله جل وعلا ذكرك الله جل وعلا .إذا ذكرته جل وعلا تعظيما وتسبيحا وحمدا وتقديسا وتنزيها ذكرك جل وعلا برحمته وحفظه . لكن يبقى المعنى الرائع فى أن يذكرك الخالق جل وعلا. أنت فلان ابن فلان ، أو أنا فلان ابن فلان يذكرنى ربى الرحمن ؟ يا له من تكريم .!. فخر هائل تشعر به لو قيل لك إن رئيس الجمهورية او الملك ذكرك ، فكيف بالخالق جل وعلا ؟

2 ـ نفس المعنى إذا قيل لك ان رئيس الجمهورية او الملك معك . سيملأ فخرك الأرض كلها لأنك فى معية الرئيس او الملك ، أو إن الرئيس أو الملك معك . فماذا إذا كان الذى معك هو رب العزة جل وعلا . يتحقق لك هذا إذا كنت من الصابرين لأن الله جل وعلا ( مع الصابرين )  

3 ـ معية الله جل وعلا ( مع الصابرين ) تكررت كثيرا فى القرآن الكريم حتى أصبحت مثلا يقال . جاءت فى قوله جل وعلا : (  وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٢٤٩﴾ البقرة) (  وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾ الانفال ) (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٤٦﴾ الانفال  )، وهو جل وعلا يبشرهم مقدما : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ البقرة ) ، وهو جل وعلا يحبهم : ( وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٦﴾ آل عمران )

ثانيا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٣﴾ البقرة )

1 ـ بعد قوله جل وعلا للمؤمنين : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴿١٥٢﴾ البقرة ) أمرهم جل وعلا فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٣﴾ البقرة ).

2 ـ لم يقل جل وعلا : إستعينوا على كذا بالصبر والصلاة . لم يقل إستعينوا على النصر او الرزق او النجاح او النجاة او السعادة .. بالصبر والصلاة . جاء التعبير مفتوحا ، بمعنى إستعينوا على أى شىء بالصبر والصلاة . بمعنى إذا كنت تريد تحقيق شىء فإستعن على تحقيقه بالصبر والصلاة .

3 ـ هذا لا يعنى إطلاقا أن تعتكف فى المسجد تصلى وتدعو الله جل وعلا أن يحقق لك ما تريد وانت فى مكانك معتقدا أن هذا هو الصبر وتلك هى الصلاة. هنا يكون الصبر سلبيا . الصبر المُراد هو الصبر الايجابى ، أن تسعى وتناضل فى تحقيق ما تريد صابرا مثابرا ومستعينا أيضا بالصلاة متضرعا أن يحقق لك ربك مسعاك . تعبير ( إستعينوا ) فى حد ذاته يعنى العمل والأخذ بالأسباب متوكلا على الله جل وعلا . وبهذا يقترب معنى الاستعانة هنا بالتوكل على الله .

4 ـ والانبياء كانوا مأمورين بالصبر وكانوا أيضا مأمورين بالتوكل على الله ، وبهذا يكون رب العزة جل وعلا ( معهم ) فى صبرهم وفى توكلهم عليه.

ثانيا : التوكل على الله فى الدعوة الاصلاحية  

كل الأنبياء حملت رسالتهم الالهية دعوة إصلاحية ، صبروا على الأذى وإقترن صبرهم بالتوكل على الله جل وعلا . ونعطى أمثلة :

1 ـ كل الأنبياء مع إختلاف الزمان والمكان والأقوام قالوا لأقوامهم قولا واحد فى مواجهة الأذى : (  قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١١﴾ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿١٢﴾ ابراهيم ): هنا الصبر مقترنا بالتوكل على الله جل وعلا .

2 ـ نوح عليه السلام لبث فى قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما . صبر صبرا لا مثيل له فيما نعلم . وكان قومه يخوفونه بغضب ألاهتهم ، فتحداهم بأن يواجهوه بغضب هذه الآلهة المزعومة وهو لا يأبه بهم لأنه متوكل على الله جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّـهِ فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿٧١﴾ يونس )

3 ـ نفس الموقف حدث مع قوم عاد . ظنوا أن آلهتهم تعرضت للنبى هود بالضرر لأنه كفر بهم ،وإستعدوا عليه آلهتهم .رد هود عليه السلام عليهم قائلا :( مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿٥٥﴾ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّـهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴿٥٦﴾ هود)

4 ـ تكرر نفس الموقف من قريش مع خاتم النبيين عليه وعليهم السلام .

4 / 1 : كرر مقالة نوح عليه السلام بالتحدى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿١٩٤﴾ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ﴿١٩٥﴾ الاعراف  ).

4 / 2 : كانوا يهددونه ويخوفونه بغضب ألهتهم نوعا من الحرب النفسية . قال له ربه جل وعلا : ( أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿٣٦﴾ الزمر ). كانوا يخوفونه إنتقام آلهتهم الخرافية وجاء التأكيد من رب العزة جل وعلا بأنه جل وعلا كاف عبده . وجاء هذه بصيغة إستفهامية بالغة الدلالة (أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ).

4 / 3 : هذه الآية الكريمة هى العون  لنا ضد الحرب النفسية الطاغية التى يشنّها الأزهر والسلفيون .

5 ـ النبى شعيب عليه السلام

5 / 1 : اعلن لقومه تمسكه بالهدى الذى يدعو اليه وأنه يريد الاصلاح بكل ما لديه من استطاعة وينتظر التوفيق من ربه جل وعلا متوكلا عليه : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴿٨٨﴾ هود ).

5 / 2 : وكرر توكله على الله مستعينا بربه جل وعلا أن يحكم بينه وبين قومه : ( عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴿٨٩﴾ الاعراف )

6 ـ العادة فى الأديان الأرضية أن أئمته المختلفين مع بعضهم ومع غيرهم كل منهم يزعم الحقيقة المطلقة ويجعل خصومه فى جهنم وبئس المصير ، ويحتكر الجنة له ولأتباعه. ! خبل منقطع النظير.! . هذا يناقض الدعوة الاسلامية القائمة على التوكل على الله جل وعلا والصبر الايجابى؛ إذ ترتبط الدعوة الاسلامية بالاعراض عن الكافرين المعاندين وتقرير حريتهم فى إختيارهم الدينى وإنتظار الحكم عليهم وعلينا يوم الدين أمام رب العالمين.

6 / 1 : هذا ما قاله شعيب عليه السلام لقومه : ( وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴿٩٣﴾ هود ) .

6 / 2 : وهو نفس ما أمر الله جل وعلا خاتم النبيين عليهم جميعا السلام :

6 / 2 / 1 : ( وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴿١٢١﴾ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ( 122 ) هود ) بعدها جاء التقرير بمرجعية الأمر له جل وعلا ، وأمر النبى بالتوكل عليه جل وعلا : ( وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) ﴿١٢٣﴾ هود )

6 / 2 / 2 : وتكرر هذا فى إثبات أنه لا ولى معبودا إلا الله جل وعلا ، ردا على إتخاذ أولياء من البشر يقصدهم الناس بالعبادة والاستغاثة وطلب المدد. كان هذا فى الجاهلية العربية ولا يزال بين المحمديين حيث تنتشر آلاف القبور المقدسة يقدسها أكثر من بليون من المحمديين.

6 / 2 / 2/ 1 : بعد إقامة الحجة عليهم كان الأمر له عليه السلام بأن يقول إن حسبه الله عليه يتوكل المتوكلون وأن يعملوا على مكانتهم . قال جل وعلا :( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿٣٨﴾ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٩﴾ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴿٤٠﴾ الزمر ).

6 / 2 / 2/ 2 : الله وحده هو الولى المعبدود والذى يحيى الموتى وهو وحده القدير على كل شىء . وهو جل وعلا اليه المرجعية فى الفصل بين المؤمنين والكافرين فى هذه القضية ، والنبى مأمور أن يؤكد أنه متوكل على ربه منيب اليه . قال جل وعلا : ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّـهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿٩﴾ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿١٠﴾ الشورى ) .

7 : وتكرر هذا فى قوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام فى تقرير الحرية للكافرين ومسئوليتهم على هذه الحرية :

7 / 1 : قال جل وعلا : (قُلِ اللَّـهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ﴿١٤﴾فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴿١٥﴾ الزمر ) .

7 / 2 : إرتبط هذا الخطاب فى تقرير الحرية الدينية بالتأكيد على التوكل على الله جل وعلا . قال جل وعلا :  ( كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴿٣٠﴾ الرعد )

8 ـ وحتى مع المؤمنين إذا أعرضوا وعصوا

8 / 1 : فما على النبى سوى تبليغ الرسالة ، والتوكل على ربه جل وعلا ، لا إله إلا هو رب العالمين . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للمؤمنين : ( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٢﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٣﴾ التغابن ).

8 / 2 : إذا واجهه المؤمنون بالعصيان فما عليه إلا أن يتبرا ــ ليس منهم ـ ولكن من عصيانهم فقط ، هذا مع تمسكه بالتوكل على العزيز الرحيم جل وعلا. قال له ربه جل وعلا : (  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢١٥﴾ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢١٦﴾ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴿٢١٧﴾ الشعراء )

ثالثا : المستفاد مما سبق :

1 ـ التوكل على الله جل وعلا مرتبط بالصبر الايجابى وهو الاستمرار فى الدعوة وتحمل التضحيات مهما كانت .

2 ـ تقرير الحرية الدينية للخصوم وأن يعملوا على مكانتهم من الكفر والانتظار الى أن يحكم الله جل وعلا بين النبى وبينهم .

3 ـ هذه الشخصية الحقيقية للنبى محمد فى القرآن الكريم تتناقض مع الصورة المزيفة التى صنعوها لإله أسموه محمدا ؛ جعلوه يقتل معارضيه بحد الردة ويقاتل الناس لإكراههم فى الدين حتى يشهدوا انه رسول الله .

4 ـ  لو كان للنبى نفوذ الاهى ما إحتاج الى الصبر والتوكل على الله إرجاء الحكم عليه وعلى خصومه الى يوم الدين أمام مالك يوم الدين .

5 ـ ولو كان النبى محمد يملك الشفاعة لنزل فى القرآن تخويله بأن يحرم أعداءه من شفاعته . ولكن الذى أخبرنا به رب العزة جل وعلا :

5 / 1 : أنه سيأتى خصما لأعدائه مع التساوى بينه وبينهم فى الموت وفى المساءلة (  إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴿٣٠﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴿٣١﴾ الزمر )

5 / 2 : وأنه سيأتى شاهد خصومة عليهم بسبب إتخاذهم القرآن مهجورا : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿٣٠﴾ الفرقان )

5 / 3 : وأن جوهر خصومته لهم عن رفضهم تبيان القرآن الكريم لكل شىء يحتاج الى تبيان : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾ النحل ).

ودائما : صدق الله العظيم .! 

اجمالي القراءات 4684