الصبر الايجابى للمصلحين فى داخل مجتمعاتهم

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠١ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 الصبر الايجابى للمصلحين فى داخل مجتمعاتهم  

أولا : الخطاب القرآنى بين المجموع والفرد

1 ـ الخطاب القرآنى يتوجه فى الأغلب للمجموع : ( يا بنى آدم )، ( يا أيها الناس )،( الذين آمنوا ، الذين كفروا ) .. الخ ) . ويتوجه للنبى الفرد فى خطاب مباشر : ( يا أيها النبى ) . ومنه خطاب خاص به مثل :( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿١١٠﴾ الكهف )، ومنه خطاب يتعلق بالدعوة وبالتالى يكون خطابا لمن يسير على خُطى النبوة ،مثل : (  قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٨﴾ يوسف  ). محمد بن عبد الله كان خاتم النبيين والقرآن الكريم هو خاتمة الرسالات الالهية الى نهاية العالم . والأوامر بالصبر الايجابى أتت للنبى وأيضا لمن يسير على طريق النبى فى الدعوة بالقرآن الكريم الى نهاية هذا العالم .

2 ـ وفى يوم القيامة هناك التوازى بين الفرد ومجتمعه . هناك كتاب أعمال جماعى قال جل وعلا عنه : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿٤٩﴾ الكهف ) ، وهناك كتاب أعمال فردى يسجل كل ما يطير عن الشخص من أعمال وأقوال ونبضات ومشاعر، قال جل وعلا :( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ﴿١٣﴾اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾ الاسراء ) . كتاب الأعمال لكل فرد يسجل حياتهالخاصة وتفاعله مع مجتمعه إن خيرا أو شرا. يؤتى بكل جماعة أو مجتمع جاثية تنتظر موعدها فى الحساب ومعها كتاب أعمالها الجماعى . قال جل وعلا : ( وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴿٢٨ هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾الجاثية ) . من كتاب الأعمال الجماعى تأتى نُسخ لكل فرد (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) . كل فرد من البشر والجن والملائكة والشياطين يأتى فردا للحساب ، قال جل وعلا : ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾ مريم ) .

3 ـ ويوم الحساب يؤتى بالنبيين والشهداء أولا ثم يكون حساب بقية الأمم والأفراد، قال جل وعلا : ( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ الزمر ) . الشهداء هم الذين يشهدون على أقوامهم.

كل نبى يأتى شهيدا على قومه شهادة خصومة قال جل وعلا : (  فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴿٤١﴾ النساء )  ، وكذلك هناك شهود من غير الأنبياء ، وهم الذين ساروا على طريق النبى فى الدعوة للحق ( لا إله إلا الله ) وتحملوا من الكافرين العنت والاضطهاد. يؤتى بالشهداء الأنبياء و الشهداء غير الأنبياء فى المقدمة ليشهدوا على ما عانوه من أقوامهم .

4 ـ الصبر الايجابى هنا هو محور شهادتهم. كيف صبروا على أذى أقوامهم .

ثانيا :  فى التفاعل الايجابى وعظا وإصلاحا فى بنى اسرائيل  

1 ـ كان من بنى إسرائيل مؤمنون ورد ذكرهم كثيرا فى القرآن الكريم ، من ذك قوله جل وعلا : (  وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴿١٥٩﴾ الاعراف ). وكانوا صابرين فأصبحو أئمة بصبرهم ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿٢٣﴾ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖوَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿٢٤﴾ السجدة ). وكان منهم كافرون لا يتناهون عن المنكر ، فإستحقوا اللعن على لسان داود وعيسى عليهما السلام . قال جل وعلا : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٧٨﴾ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿٧٩﴾ المائدة ) . وظلوا الى عهد النبى محمد فقال جل وعلا عنهم : (  وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٦٢﴾ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ٦٣﴾ المائدة ) . وذكر رب العزة قصة القرية الاسرائيليه الساحلية والتى إعتدت فى السبت ، وقام بعض المؤمنين فيها بوعظ المعتدين فلم يرتدعوا فكان عقابهم ، وأنجى الله الدعاة الواعظين : ( الاعراف 163 : 170 ).

هذا عن بنى اسرائيل فى الداخل. أفراد قاموا بالاصلاح وسط أقوامهم يهدون بالحق وبه يعدلون ، فكانوا أئمة صابرين .

ثالثا :  فى التفاعل الايجابى وعظا وإصلاحا فى مجتمعات ( المسلمين )

1 ـ يحتاج الأمر أيضا لأفراد مصلحين بالقرآن الكريم يصبرون على الأذى والاضطهاد ، ومكافأتهم أن يكونوا من الشهداء على أقوامهم يوم القيامة.

2 ـ تأسست للمؤمنين فى المدينة دولة قائدها خاتم النبيين محمد عليهم السلام . ونزلت لهم الدعوة عامة بالتفاعل الايجابى الإصلاحى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعظا ونُصحا بمجرد القول ، دون إكراه فى الدين .  جاء هذا فى سياق أوامر عامة ونواهى عامة للمؤمنين فى قوله جل وعلا :

2 / 1 : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾ آل عمران ) . هنا أمر للمؤمنين عموما بالتقوى وبالاستمرار على الاسلام حتى الموت.

2 / 2 :  ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚوَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴿١٠٣﴾ آل عمران ) هنا أمر بالاعتصام بالقرآن الكريم وهو نعمة الله بالهداية.

2 / 3 : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ آل عمران ) . هنا خطاب عام أى لتكونوا جميعا أمة تدعو الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . أى ليس فيها طائفة تأمر الباقين بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتسلط على الناس مستمتعة بالنفوذ ، فتقع فى المنكر الذى تنهى عنه ، كما يحدث فى الوهابية ، وكما كان يحدث لدى بعض أهل الكتاب ، وقد قال فيهم رب العزة جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٤٤﴾ البقرة ) ، وكما كان يحدث من بعض المؤمنين وقد أنّبهم رب العزة جل وعلا فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٣﴾ الصف )

 3 ـ المؤمنون يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾ العصر). التواصى يعنى ان يكونوا جميعا أمة يأمر  بعضها بعضا بالمعروف وينهى بعضها بعضا عن المنكر ، أى أن يكونوا أمة تنبض بالخير ، تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الفحشاء والمنكر وتتقى الله جل وعلا وهو جل وعلا شديد العقاب ، قال جل وعلا : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾ المائدة  )

4 ـ هذا يستلزم صبرا إيجابيا .

ثالثا : التواصى بالحق والتواصى بالصبر : تجربة شخصية

1 ـ قد يكون صعبا أن تصل الى الحق وسط ركام من الموروثات الخرافية التى أصبحت ثوابت بسبب مرور القرون عليها دون أن يتعرض أحد لمناقشتها وعرضها على القرآن الكريم . ولكن الأصعب من معرفة الحق هو التمسك به والصبر عليه ومواجهة الناس به عملا بالاصلاح السلمى . وتجربتى الشخصية دليل.

2 ـ نحن فى مجتمع يزعم الاسلام ويدعى الايمان بالقرآن الكريم ، وبالتالى إذا قيل له ( قال الله فى كتابه (.. ) لا بد أن يرد ( صدق الله العظيم ). حدث العكس معى فى شبابى من أكثر من أربعين عاما ، أقول لهم : ( قال الله جل وعلا ) يقولون : ( قال البخارى قال ابن كثير قال النووى قال السيوطى ..)  أى أقوال أئمتهم تعلو عندهم فوق الآية القرآنية واضحة الدليل ، وهم شيوخ يحفظون القرآن ربما قبل مولدى .

3 ـ فى بحث الدكتوراة عن التصوف كتبت عن خرافات الأولياء الصوفية وتطرفهم فى الكفر. كنت ــ  فى سذاجة الشباب  ـ أتخيل التصفيق الذى ينتظرنى من شيوخ الأزهر . فى اكتوبر عام 1977 ، وقبل تقديم النسخة المخطوطة من الرسالة للمشرف عرضتها على ابن عمى الشقيق د عبد الحميد أحمد محمد على ، وكان استاذا فى نفس الكلية وأزهريا تقليديا . قرأ فيها صفحة ثم قال : ( لن يسمحوا لك بمناقشة هذه الرسالة .) . قلت : ( كل ما أكتبه موثق من التراث الصوفى والتاريخى وبالآيات القرآنية ). قال : ( لن يوافقوا على هذا الكلام ) . قلت : ( سيستمر الجدل بيننا عاما على الأكثر ، وأنا ليس مسموحا لى بمناقشة الرسالة إلا بعد عام فقد أكملتها عاما قبل الأوان. ) . قال : ( لا يمكن أن يسمحوا لك بالحصول على الدكتوراة بهذه الرسالة ) . وتحقق كلامه . المشرف على الرسالة قرأ الصفحات الأولى ثم اصابه الخبل . إستمر الصراع بينى وبينهم ثلاث سنوات وتم تغيير المشرف الى إثنين ، ثم حذف ثلثى الرسالة حتى تمت إجازتها فى اكتوبر عام 1980 .

4 ـ وقتها مررت بتجربة نفسية هائلة ، كانوا يهددوننى بتحويلى الى موظف إدارى وهذا يعنى دخولى الجيش وحرمانى من مرتب كان يكفى وقتها ، وكنت متزوجا وصاحب مسئوليات عائلية ، وهم لا تأخذهم فى مؤمن إلّا ولا ذمة. لم يدر بخاطرى على الاطلاق التراجع عما كتبت ، والله جل وعلا شهيد على ذلك .!! . ولكن سيطر علىّ موضوع الرزق ، ماذا أفعل لو أحالونى الى درجة موظف إدارى ؟. أذكر الزمان والمكان الذى كنت افكر فيه فى أزمتى بعد مواجهة حادة بينى وبينهم . قلت فى نفسى : ليس النزاع بيننا شخصيا ، هو نزاع يخص رب العزة جل وعلا ، هم يؤمنون بالله وبالأولياء والأئمة وأنا أؤمن بالله جل وعلا وحده ، آلهتهم لا تملك لى رزقا ولا هم يملكون لى رزقا . الله جل وعلا هو الرزاق وحده . وأنا فى خصومة معهم إبتغاء مرضاة الرحمن جل وعلا ، وهو جل وعلا يبتلينى فلا بد أن اصبر لآنجح فى هذا الابتلاء ، وتذكرت قوله جل وعلا : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾ العنكبوت ) . لم أُرد أن أكون من الذين يعرفون الحق ويكتمونه حرصا على حُطام الدنيا ، وكيف يلعنهم الله جل وعلا ويلعنهم اللاعنون ، قال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿١٥٩﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٠﴾ البقرة )

5 ـ أذكر هذا لأننى تعلمت أن الوصول للحق قد يكون صعبا ، ولكن التمسك به والمعاناة فى سبيله هى الأصعب . ولقد عرفت كثيرين من الشيوخ كانوا يؤيدوننى سرا ، ويعرفون الحق ، ولكنهم يعجزون عن البوح به ، بل بعضهم تطوع بأن يكون ضدى وهو يشاركنى الرأى عارفا بالحق ، ولكنه يخاف على مكاسبه ومناصبه ودنياه ولا يريد أن يتعرض للأذى و( البهدلة ) خصوصا وقد رأى ما حدث لى من فصل من الجامعة وسجن وتشريد . هنا تبدو أهمية الربط بين الحق والصبر على شدائد التمسك بالحق ، وأهمية التواصى بهما معا . لو تواصى المؤمنون بالحق والصبر لاستحقوا ان يكونوا فعلا خير أمة  أُخرجت للناس ، وتحقق فيهم قوله جل وعلا : (  كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ ) ﴿١١٠﴾ آل عمران ) . هم الان شرّ أُمّة أُخرجت للناس . هذه حقيقة ساطعة لا ينكرها أحد .

6 ـ الدعوة تأتى للمؤمنين عامة بالصبر على الحق ، ولكن القليلين هم الذين يتصدون لقول الحق ويتمسكون به ويتواصون بالصبر عليه . وهم فى النهاية المفلحون ، غيرهم خاسرون ، وهذا فحوى أقصر سورة فى القرآن : ( وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾ العصر).

7 ـ الله جل وعلا وعدهم بالنصر فى هذه الدنيا وبالنصر الأكبر لهم يوم القيامة حين يؤتى بهم مع الأنبياء شهداء على أقوامهم ، قال جل وعلا : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴿٥١﴾ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿٥٢﴾ غافر ). ورأيت تحقق هذا النصر فى حياتى . عام 1977 كنت وحيدا فى مواجهة الجميع . الآن هناك ملايين كفروا بالبخارى وأئمة المحمديين . لولا الصبر الايجابى ما حدث هذا .

8 ـ اللهم إجعلنا من الصابرين .

اجمالي القراءات 5185