قراءة فى كتاب لماذا أعدمونى ؟

رضا البطاوى البطاوى في الأربعاء ٠١ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة فى كتاب لماذا أعدمونى ؟
هذا الكتاب قرأته مرتين الأولى عندما كنت فى السادسة عشر أو السابعة عشر منذ 35 سنة تقريبا قرأته على حلقات كانت تنشرها جريدة المسلمون مسلسلة فى ثلث العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجرى والثانية هذا العام
جريدة المسلمون كانت تصدر عن نفس جهة إصدار جريدة الشرق الأوسط السعودية وكانت تصدر من لندن وقيل فى تلك الأيام أنها جريدة إخوانية ولكن بعد مرور عقود ثلاثة على ذلك تبين المرء أنها كانت إما جريدة الغرض منها التربح من خلال البيع حيث صدرت أيام ما كان يسمى خطأ بالصحوة الإسلامية فكانت أعدادها تنفد بمجرد نزولها وكان هناك تعطش كبير لدى الناس فى العالم الإسلامى لجريدة مثلها وقد توقفت بعد عدة سنوات
الغريب أن من كان يرأس تحريرها أو مجلس إدارتها على حد ذاكرتى الضعيفة عماد الدين أديب فى أول صدورها وأولاد أديب المصريين همهم واحد وهو التربح وخدمة السلطات ثم تبعه صلاح قبضايا وكان معظم الكاتبين فيها من المصريين ويبدو أن الغرض من إنشاء الجريدة كان التجسس على الإخوان من خلال جمع العديد منهم فى مكان واحد والالتقاء بقيادتهم فى معظم بلاد العالم والتجسس فى العرف هو معرفة الأخبار ولكنه عند الأجهزة الأمنية معرفة الخطط التى تتبناها الجماعات لتحقيق أهدافها للتدخل فى الوقت المناسب لتحويلها لمصائد ومصائب لهم وهو أمر لم تتعلمه الجماعات فى منطقتنا حتى الآن فكل الجماعات مخترقة فى كل بلادنا فالأجهزة الأمنية ترسل أناس لينضموا للجماعات لينقلوا الأخبار أو ليوحوا للقيادات أو لبعض الأفراد كى يرتكبوا أخطاء على أثرها يتم القبض على البعض منهم أو حظر الجماعات
الوثيقة تظهر لنا صحة هذا فجمال ربيع أحد الضباط الأحرار دخل معهم السجون وكذلك العديد من الضباط فى الخمسينات والستينات ومن الأغرب أن يكون عبد الباسط البنا أخو حسن البنا ضابطا فى الجيش طوال عقد أو أكثر فى عهد حكم عبد الناصر وأن يكون قريبا من السجون التى كان فيها الاخوان وكان جمال ربيع يحرضهم كما تقول الوثيقة على الانقلاب على عبد الناصر والاستيلاء على الحكم والغريب أن جمال ربيع كان ضيفا على أجهزة الإعلام فى السلطة للحديث عن ذكريات ثورة 23 يوليو وأنه كان رئيس حزب مصر على ما أتذكر فى أيام السادات وأن الدولة كرمته ومن يلاحظ ما حدث عند اغتيال السادات يجد نفس الأمر فعبود وخالد الزمر وغيرهم من العسكريين تم وضعهم مع الإخوان فى السجون فى بداية عهد مبارك وفى عهد السيسى تكرر الأمر بصورة مغايرة فبعضهم فى السجون والتى تضم معهم حاليا كثير ممن ناصروا السيسى من السياسيين ثم سجنهم ربما للتجسس وأيضا خرج بعض القوم لتركيا ومعهم بعض الضباط والممثلين والإعلاميين والسياسيين الذين كانوا معروفين بولاءهم للنظام على أنهم معارضين للنظام
ومن يلاحظ كل الحوادث الكبرى المتعلقة بما يسمى الإرهاب فى مصر يلاحظ أنها تم تدبيرها من السلطة ويلاحظ أن مرتكبيها فى الغالب كانوا ضباطا فى الجيش حادث المنشية وتنظيم الفنية العسكرية واغتيال السادات وحتى ما يجرى حاليا فى شمال سيناء ولا نعرف لماذا الأمن مستتب فى جنوبها تماما وكأن الإرهابيين المزعومين لا يعرفونها رغم كونها أكثر وعورة لكونها جبلية وأصلح للاختباء ووجود أهداف لو ضربت تهز النظام فيها
فى ذلك الحين كتبت العديد من المقالات حول الوثيقة فى الجريدة نفسها التى نشرت تحت عنوان لماذا أعدمونى وتمت نسبتها للراحل سيد قطب والبعض نفى أن يكون سيد قطب قد كتبها والبعض الأخر قال أنه نفس أسلوب سيد قطب وكذلك خطه مع أن الخطوط لا يمكن إثبات شىء من خلالها حتى ولو كان هناك ألف خبير قد اتفقوا على ذلك فقد لاحظت أننى لا أكتب اسمى متشابها فى كل مرة رغم عدم قصدى لذلك وحتى أسماء الأخرين عندما أكتبها وعندما قارنت خطى مثلا فى عقد من عقود حياتى بخطى فى عقد أخر وجدت اختلافات ظاهرة وكذلك التلاميذ خطوطهم تتطور من سنة لأخرى فى التعليم
فقط يمكن أن تعرف الخط فى فترة سنة أو أقل أنه خط فلان أو علان لكن مرور السنوات يغير الخطوط
المذكرات تحكى عن فترة انضمام سيد قطب للإخوان وفترة السجن والخروج والعودة للسجن حتى الإعدام وما تم فيها من لقاءات وقيام الرجل بعمل منهج للإخوان يعتمد على التربية وليس العنف وهو لا ينفى أنه فكر فى وجود جانب جهادى لحماية الجماعة إذا أعدت السلطة لها مجزرة أو مصيبة للقبض على أعضاء الجماعة ولكن هذا الجانب لم يتم تنفيذه على الإطلاق لعدم وجود أعضاء مدربين على استخدام السلاح
النظام فى مصر كما فى بلاد العالم المختلفة يفعل أمورا تبدو لنا غريبة فالرجل المحكوم عليه بالإعدام والذى تم إعدامه كتبه كانت ولا زالت يتم نشرها فى مصر وبإذن السلطات ويتم بيعها أتذكر أنه فى تلك الفترة التى صدرت فيها جريدة المسلمون أن جريدة النور المصرية التى كان يرأسها الراحل الحمزة دعبس كانت تطبع فى ظلال القرآن مع الجريدة فى أجزاء مسلسلة وكانت الطباعة تتم فى مؤسسة الأهرام الحكومية
هل هى سياسة أمنية أن تصنع من تسميهم إلإرهابيين من خلال نشر تلك الكتب وبعد هذا تقوم بالقبض على بعضهم؟
تجارة وأمن واقتصاد متصل ببعضه البعض حتى الكارثة التى سموها توظيف الأموال كانت تتم تحت سمع وبصر السلطات لا لشىء إلا لكى تستولى السلطة على الأموال وتصادرها لمصلحتها فيما بعد حارمة بذلك الجماعات والناس من بعض أموالها
نفس ما حدث فى عهد السيسى فقد استولت السلطات على مقار الجماعة ومدارسها ومشافيها وجمعياتها الأهلية كما قبضت على المسئولين الماليين للجماعة الشاطر ومالك لكى تنتزع منهم اعترافات بحسابات الجماعة وشركاتها التى تدار بواسطة أفراد من خارج الجماعة ويبدو أنها لم تحصل على شىء منهم لأن الجماعة فى الأمور الاقتصادية يبدو أنها تدار بطريقة غير مركزية وطريقة غير مكتوبة سوى الذاكرة الشخصية أو مكتوبة فى أماكن خارجية
رغم تكرار لعبة القط والفأر بين السلطة والجماعات إلا أن الجماعات لم تتعلم شىء رغم أنها لدغت كثيرا من السلطة كل ما تقوم به الجماعات كالإخوان هو أن تحاول الحفاظ على أموالها عن طريق إعادة توزيع أموالها على أشخاص غير معروفين بالانتماء لهم وأعرف أن بعض النصارى تم إعطاءهم بعض أموال الجماعة ليتاجروا بها كشركاء من الباطن فالعملية بالأساس هى عملية تجارية مكسبة لهم ومن ثم لا يهمهم أن يكون المكسب من الإخوان أو من الحكومة أو من غيرهم
نعود إلى المذكرات أو الوصية وهى فى مجملها ليس لها أهمية لأنها مجرد تذكر لحوادث والمفيد فيها هو أمرين:
الأول تنبه سيد قطب أن السلطة هى من تقوم بتدبير الحوادث الإجرامية أو الإرهابية لتقوم بنسبتها للجماعة وأن على الإخوان أن يفوتوا الفرصة على السلطة بعدم الانجرار لفعل أى شىء يخالف القانون وهو ما يدل عليه قوله :
"بعد هذا كله رأيت أن هناك محاولات تبذل لخلق ظروف وملابسات يمكن بها إيقاع مذبحة كبرى للمعتقلين والمسجونين تحت ستار كستار حادث المنشية"ص19
وأيضا قوله:
"ولكن ما علاقة هذه المقدمة الطويلة بحادث المنشية والقضية الجديدة منذ أن وقع هذا الحادث وأنا أشك فى تدبيره لم أكن أعلم شيئا معينا فى ذلك ولكن كل الظروف المحيطة كانت تجعلنى أشك فى أنه ليس طبيعيا"ص10
وما فات سيد قطب هو وغيره أنه لو لم يوجد الإخوان أو غيرهم من الجماعات فالسلطة ستخترع الجماعات وتنسب لها الحوادث لتوجد سببا للقبض على بعض الأعضاء والاستيلاء على بعض أموالهم وسببا لشغل الناس عما يعانون من مشاكل اقتصادية
الثانى الخطة التى ابتكرها سيد قطب لكى تقوم الجماعة بالوصول لهدف المسلمين وهو تحكيم شرع الله وهى خطة تقوم على تربية الأجيال الجديدة على الإسلام مع وجود جانب دفاعى لحماية الجماعة من شر السلطة يتيح لها الهروب من القبض على كل أعضاءها والتخلى عن الانقلاب على السلطة وهو ما عبرت عنه الفقرات التالية:
"ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة وهى إحياء مدلول العقيدة الإسلامية فى القلوب والعقول وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة وعدم إضاعة الوقت فى الأحداث السياسية الجارية وعدم فرض النظام الإسلامى عن طريق الإستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة فى المجتمعات هى التى تطلب النظام الإسلامى لأنها عرفت حقيقته وتريد أن تحكم به"ص18 وأيضا:
"وفى الوقت نفسه ومع المضى فى برنامج تربوى كهذا لابد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج وتدميرها ووقف نشاطها وتعذيب أفرادها وتشريد بيوتهم وأطفالهم تحت تأثير مخططات ودسائس معادية .. وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريبا فدائيا بعد إتمام تربيتها الإسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق هذه المجموعات لا تبدأ هى اعتداء ولا محاولة لقلب نظام الحكم ولا مشاركة فى الأحداث السياسية المحلية وطالما الحركة آمنة ومستقرة فى طريق التعليم والتفهيم والتربية والتقويم وطالما الدعوة ممكنة بغير مصادرة لها بالقوة وبغير تدمير لها بالقوة وبغير تعذيب وتشريد وتقتيل فإن هذه المجموعات لا تتدخل فى الأحداث الجارية ولكنها تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة ترد الاعتداء وضرب القوة المعتدية بالقدر الذى يسمح للحركة أن تستمر فى طريقها" ص19
الوثيقة كتبها قطب بطلب من المحققين كما فى الفقرة التالية:
"ولابد أن أقول للسادة المشرفين على القضية إننى لا أستطيع أن أكتب إلا بطريقتى الخاصة طريقة الكاتب الذى زاول الكتابة أربعين سنة بأسلوب معين وطريقة معينة "ص5
ومن هذا الكتاب يتبين أن ما يذيعه كتبة السلطة وغيرهم من التيارات الأخرى عن كون الرجل داعيا للإرهاب وداعيا للانقلابات المسلحة هو كلام بلا دليل الغرض منه تشويه الرجل
والغريب أن يتناسى القوم أن سيد قطب كان يساريا فى بداياته وأنه كان رجلا يمارس الأدب والنقد الأدبى ومن يمارس الأدب بمعناه الشائع يكون لديه أحاسيس مرهفة ومشاعر بحيث لا يتحول لقاتل ذابح أو داعية للقتل اللهم إلا نادرا - كجزار الصرب رادوفان كاراديتش الشاعر الطبيب الذى قتل الآلاف فى البوسنة والهرسك - والذبح خاصة أن أمراضه الجسدية كانت كثيرة فى فترة انضمامه للإخوان
الرجل فى هذه الوثيقة لا يدعو إلى الجهاد ولا يطلب استخدام الجهاد إلا فى حالة الاعتداء فقط وهو أمر موافق للشرع والرجل فى كتبه كفى ظلال القرآن يدعو لشىء واحد وهو تحكيم حكم الله وحده فى شتى مجالات الحياة كما فى الأقوال التالية:
"هذه الوحدانية الحاسمة الناصعة هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي؛ والتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها . فعن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة . فلا يكون إنسان عبداً إلا لله ، ولا يتجه بالعبادة إلا لله ، ولا يلتزم بطاعة إلا طاعة الله ، وما يأمره الله به من الطاعات . وعن هذا التصور تنشأ قاعدة : الحاكمية لله وحده . فيكون الله وحده هو المشرع للعباد؛ ويجيء تشريع البشر مستمداً من شريعة الله . إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكراً لوجود الله أصلاً إنما كان منكراً لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده ، كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ولكنهم يجعلون له أنداداً ينسبون إليها فاعلية وعملاً في حياتهم! وكذلك كان منكراً أن الحاكمية لله وحده ، فلا حكم إلا حكمه في شؤون الأرض وشريعة المجتمع . إن هذا الدين له حقيقة مميزة لا يوجد إلا بوجودها . . حقيقة الطاعة لشريعة الله ، والاتباع لرسول الله ، والتحاكم إلى كتاب الله . . وهي الحقيقة المنبثقة من عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام . توحيد الألوهية التي لها وحدها الحق في أن تعبد الناس لها ، وتطوّعهم لأمرها ، وتنفذ فيهم شرعها ، وتضع لهم القيم والموازين التي يتحاكمون إليها ويرتضون حكمها . ومن ثم توحيد القوامة التي تجعل الحاكمية لله وحده في حياة البشر وارتباطاتها جميعاً ، كما أن الحاكمية لله وحده في تدبير أمر الكون كله . وما الإنسان إلا قطاع من هذا الكون الكبير . في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة؛ وقاعدة الحكم ، ومصدر السلطان . . وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده؛ والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصاً ، من جزيئات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال؛ مما تختلف فيه العقول والآراء والأفهام . . ليكون هنالك الميزان الثابت ، الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام!"
"إن « الحاكمية » لله وحده في حياة البشر - ما جل منها وما دق ، وما كبر منها وما صغر - والله قد سن شريعة أودعها قرآنه . وأرسل بها رسولاً يبينها للناس . ولا ينطق عن الهوى . فسنته - صلى الله عليه وسلم - من ثم شريعة من شريعة الله . والأمر في هذا يرجع إلى ما سبق لنا تقريره؛ من أن رفض شيء من هذا المنهج ، الذي رضيه الله للمؤمنين ، واستبدال غيره به من صنع البشر؛ معناه الصريح هو رفض ألوهية الله - سبحانه - وإعطاء خصائص الألوهية لبعض البشر؛ واعتداء على سلطان الله في الأرض ، وادعاء للألوهية بادعاء خصيصتها الكبرى . . الحاكمية . . وهذا معناه الصريح الخروج على هذا الدين؛ والخروج من هذا الدين بالتبعية . . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . ."
"ولقد علم الله - سبحانه - أن الحكم بما أنزل الله ستواجهه - في كل زمان وفي كل أمة - معارضة من بعض الناس؛ ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضى والقبول والاستسلام . . ستواجهه معارضة الكبراء والطغاة وأصحاب السلطان الموروث . ذلك أنه سينزع عنهم رداء الألوهية الذي يدعونه؛ ويرد الألوهية لله خالصة ، حين ينزع عنهم حق الحاكمية والتشريع والحكم بما يشرعونه هم للناس مما لم يأذن به الله . . وستواجهه معارضة أصحاب المصالح المادية القائمة على الاستغلال والظلم والسحت . ذلك أن شريعة الله العادلة لن تبقي على مصالحهم الظالمة . . وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والأهواء والمتاع الفاجر والانحلال . ذلك أن دين الله سيأخذهم بالتطهر منها وسيأخذهم بالعقوبة عليها . . وستواجهه معارضة جهات شتى غير هذه وتيك وتلك؛ ممن لا يرضون أن يسود الخير والعدل والصلاح في الأرض . { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . ."
"بهذا الحسم الصارم الجازم . وبهذا التعميم الذي تحمله « من » الشرطية وجملة الجواب . بحيث يخرج من حدود الملابسة والزمان والمكان ، وينطلق حكماً عاماً ، على كل من لم يحكم بما أنزل الله ، في أي جيل ، ومن أي قبيل . ."
"والعلة هي التي أسلفنا . . هي أن الذي لا يحكم بما أنزل الله ، إنما يرفض ألوهية الله . فالألوهية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية . ومن يحكم بغير ما أنزل الله ، يرفض ألوهية الله وخصائصها في جانب ، ويدعي لنفسه هو حق الألوهية وخصائصها في جانب آخر . . وماذا يكون الكفر إن لم يكن هو هذا وذاك؟ وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان ، والعمل - وهو أقوى تعبيراً من الكلام - ينطق بالكفر أفصح من اللسان؟! وبهذا اعتبروا مشركين ، وسميت حياتهم بالجاهلية! فكيف بمن يخرجون الحاكمية في أمرهم كله من اختصاص الله سبحانه؛ ويزاولونها هم بأنفسهم؟! بماذا يوصفون وبماذا توصف حياتهم؟ لا بد من إعطائهم صفة أخرى غير الشرك . . فهو الكفر والظلم والفسق كما يقرر الله سبحانه . . أياً كانت دعواهم في الإسلام وأياً كانت الصفة التي تعطيها لهم شهادات الميلاد! فالأفراد ، كالتشكيلات ، كالشعوب ، ليست آلهة ، فليس لها إذن حق الحاكمية . . إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية ، وارتدت عن لا إله إلا الله . فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية . ولم تعد توحد الله ، وتخلص له الولاء . ."
"البشرية بجملتها ، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات : « لا إله إلا الله » بلا مدلول ولا واقع . . وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة ، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد - من بعدما تبين لهم الهدى - ومن بعد أن كانوا في دين الله!"
"فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويلاً أمام هذه الآيات البينات! وهي تأخذ أهميتها من ناحية تقرير المبدأ الإسلامي الأول : مبدأ حق الحاكمية المطلقة لله وحده؛ وتجريد البشر من ادعاء هذا الحق أو مزاولته في أية صورة من الصور . . وحين تكون القضية هي قضية هذا المبدأ فإن الصغيرة تكون كالكبيرة في تحقيق هذا المبدأ أو نقضه . . ولا يهم أن يكون الأمر أمر ذبيحة يؤكل منها أو لا يؤكل؛ أو أن يكون أمر دولة تقام أو نظام مجتمع يوضع . فهذه كتلك من ناحية المبدأ . وهذه كتلك تعني الاعتراف بألوهية الله وحده؛ أو تعني رفض هذه الألوهية ."
هذا الكلام المنقول عن الحاكمية هل يختلف عليه اثنان من المسلمين؟
كل من يحب الإسلام يريد أن يحكمه فى حياة المسلمين
اجمالي القراءات 4291