سوهاج «عاصمة الفقر في مصر» علي أبواب «المجاعة»

في الثلاثاء ١٨ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نميرى شومان



في محافظة سوهاج ليس مطلوباً منك أن تكون مواطناً «مستوراً» طالما أنك تعيش في ظل حكومة رجال الأعمال.. ليس مطلوباً منك أن تحلم بكسرة خبز تسد جوع أطفالك.. فكل ما عليك هو أن تنام علي أمل أن تنصلح الأحوال في مصر، رغم أنك عندما تستيقظ في الصباح سوف تكتشف أنك تعيش داخل «كابوس» حقيقي.. في سوهاج أصبحت الحياة نفسها كابوساً، فالمحافظة التي تقع في قلب «الصعيد» هي عاصمة الفقر «رقم 1» في مصر حسب تقارير التنمية البشرية الدولية والمحلية.

خلال شهر واحد فقط تغيرت كل معالم الحياة في سوهاج، فبعد أن كان سكانها يعانون في صمت بفضل قدرتهم «التاريخية» علي تحمل «المصاعب»، خارت قواهم أخيراً، وسقطوا بكل استسلام تحت عجلة «الفقر»، الذي يسكن حالياً كل شبر في المحافظة.

قبل أيام قليلة كان كل المارة في شارع القيسارية القريب من قسم شرطة سوهاج شاهدين علي أول صور «المجاعة» القادمة من سوهاج، وقتها كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهراً، عندما فوجئ المارة برجل في الخمسينيات من عمره يجري في الشارع بسرعة، وهو يحتضن «لفافة» صغيرة لم يتبين أحد ماذا بها، وخلفه كان يجري رجل آخر يحمل في يده ساطوراً، ويرتدي جلباباً ملطخاً بالدماء، وهو ما أشار بوضوح إلي أنه يعمل جزاراً، في البداية كانت الصورة تبدو مضحكة للجميع، خاصة أن الجزار كان يصرخ بأعلي صوته «حرام».. سرق اللحمة.. الحقوني»، وكانت المفاجأة أن «حرامي اللحمة» دخل قسم الشرطة بقدميه، وخلفه دخل الجزار، وطلب كل منهما مقابلة رئيس المباحث، وهناك أصيب «حرامي اللحمة» بحالة بكاء هيستيري، فهم منها رئيس المباحث والجزار أن الرجل خطف «كيلو اللحم» من الجزار قبل أن يدفع ثمنه، لأن أولاده لم يتذوقوا اللحم منذ 6 أشهر، وطلب الرجل من رئيس المباحث أن يتخذ ضده أي إجراء قانوني يراه مقابل توصيل كيلو اللحم إلي أسرته، عندها قرر رئيس المباحث أن يدفع للجزار ثمن كيلو اللحم حتي يترك «الرجل»، وجاء رد فعل الجزار بإعلانه أنه يمنح الرجل «اللحم» مجاناً عن «طيب خاطر» دون تحرير محضر ضده.

كانت هذه الحكاية هي الأكثر قسوة في حياة كل العاملين داخل قسم الشرطة، ففور خروج الرجل مع الجزار من القسم أصبحت هذه الحكاية هي الأشهر في تاريخ القسم.

وعلي بعد كيلو مترات قليلة من قسم شرطة سوهاج، وبالتحديد في مدينة أخميم، تقدم شاب اسمه سالم ببلاغ إلي قسم الشرطة في وقت متأخر ليلاً طلب فيه من «الحكومة» توفير 20 رغيف عيش لأولاده لأنهم لم يأكلوا منذ يومين - حسب ما ذكر في البلاغ - كما سجل «سالم» في البلاغ تهديداً بتنفيذ عملية انتحار جماعي لأسرته بالسم، إذا استمر فشله في الحصول علي رغيف العيش لهم.. الغريب أن أحداً لم يأخذ تهديد «سالم» باستخفاف، لأن الجميع يعلم في سوهاج أن الحياة أصبحت غير محتملة هذه الأيام، بسبب غول الغلاء الذي فتح شهية عدد كبير من النصابين لالتهام أموال الفقراء، خاصة بعد أن ارتفع سعر جوال الدقيق الذي يبلغ وزنه 25 كيلو جراماً إلي 75 جنيهاً في السوق السوداء.. ففي قرية شطورة التابعة لمركز «طهطا» لا يوجد سوي 8 مخابز فقط، رغم أن عدد سكانها يتجاوز الـ120 ألف نسمة، وهذه المخابز لا تعمل إلا سبع ساعات فقط من السادسة صباحاً حتي الواحدة ظهراً، وهو ما زاد من حدة الشعور بأزمة العيش، وقد استغل أحد النصابين حالة هذه القرية في خداع أهلها، الذين فوجئوا في أحد الأيام بوصول سيارتين نقل كبيرتين بهما كميات كبيرة من جوالات الدقيق وزجاجات الزيت، وعندما علم الأهالي أن سعر جوال الدقيق لا يزيد علي 40 جنيهاً أسرعوا لحجز كل الكميات التي تنقلها السيارتان، وفي دقائق قليلة نجع صاحب السيارتين في بيع ما يزيد علي الـ30 طن دقيق قبل أن يختفي تماماً من القرية، وبعد اختفائه اكتشف الأهالي أن صاحب السيارة باع لهم «الجير» و«الجبس» بدلاً من الدقيق داخل جوالات مكتوب عليها «مطاحن شمال القاهرة»، وعندها أسرع الأهالي إلي نقطة الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، لكنهم لم يقدموا أي بيانات حول صاحب السيارة، كما اكتشف أهالي القرية أيضاً أن زجاجات زيت الطعام التي اشتروها من الشخص نفسه تحتوي علي «حلبة حصي» مغلية وعليها آثار الزيت فقط.

اجمالي القراءات 3216