(4) : الصبر الايجابى للمؤمن على ظلم الظالمين
أولا : الصبر الايجابى والاحسان
1 ـ لنفترض أننى مظلوم ( ولقد تعرضتُ للظلم ولا أزال ) : أمامى أن أعفو أو أن أرد السيئة بمثلها : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) ﴿٤٠﴾ الشورى ) . إن عفوت فهذا إحسان : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾، وإن عاقبت قصاصا السيئة بمثلها فهذا هو العدل.
2 ـ والاحسان فى الاسلام فوق العدل. والله جل وعلا أمر بالعدل والاحسان ونهى عن الفحشاء والمنكر (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾ النحل 90 ) .
3 ـ والاحسان درجات :
3 / 1 : الدرجة الدنيا ، وهو مجرد الغفران مع الصبر على الأذى ، وهذا لغير القادر على دفع السيئة إلا بالسكوت والصبر والغفران تسامحا وأملا فى ألجر من رب العزة الذى لا يكلف نفسا إلا وسعها . قال جل وعلا : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾) (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴿٤٣﴾ الشورى ). الصبر هنا إيجابى لأن المظلوم لديه وعى بما يحل به من ظلم ، ووجوب مقاومته ولكن لا يستطيع إلا الصبر والعفو.
3 / 2 : الدرجة العليا : أن ترد السيئة بالحسنة ، وليس مجرد العفو. كأن يشتمك شخص فترد عليه بالدعاء له . قال جل وعلا فى الصابرين إبتغاء مرضاة ربهم جل وعلا : ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴿٢٢﴾ القصص ). أى يردون السيئة بالحسنة . ومن صفات عباد الرحمن أنهم يردون على جهل الجاهلين بالسلام ، قال جل وعلا : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴿٦٣﴾ الفرقان )
3 / 3 : الدرجة الأعلى :
3 / 3 / 1 أن ترد السيئة بالتى هى أحسن . قال جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) ﴿٩٦﴾ المؤمنون ).
3 / 3 / 2 : أى أن يسبك شخص فتدعو له وتمدحه وتعطيه مالا . هذه درجة عليا تستلزم صبرا عظيما ، لا يقوم بها إلا أحسن المؤمنين إيمانا وصبرا. قال جل وعلا :( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ فصلت ) أنت بهذا تخاطب الخير فى داخله فلا يملك إلا أن يستجيب لك بالخير ويتصرف ( كأنه ) ولى حميم ، وما هو ب ( ولى حميم ). فى الآية التالية قال جل عن هذه الدرجة من الصبر الايجابى والاحسان والتسامح : ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾ فصلت ).
ثانيا : صبر الدعاة للحق
1 ـ الداعية للحق هو الأكثر تعرضا للأذى ، ولأنه يبتغى مرضاة ربه جل وعلا وليس مرضاة الناس فهو لا تأخذه فى الحق لومة لائم . فى معرض التأنيب للصحابة ضعاف الايمان قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٥٤﴾ المائدة ). الداعية الى الحق يرجو ان يكون بجهاده فى سبيل الرحمن ضمن أولئك الذين يحبهم الله جل وعلا ويحبونه ومن المتمتعين بفضله جل وعلا ، لذا لا تعنيهم مرضاة الناس أو سخط الناس ، يكفيهم مرضاة رب الناس ، ولو تعرضوا الى لوم فى قول الحق لا يأبهون بهذا اللوم .
2 ـ يأتيهم اللوم من طبيعة الدعوة للحق ، فهى لا تعرف التوسط : ( لا إله إلا الله ، لا يعلم الغيب إلا الله ، ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع ، فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) ، وهذا يعنى تحطيم أساطير الشفاعات وتقديس الأنبياء والأولياء وتقديس الكتب والأحاديث . المشركون يعتبرون هذا سبّا فى آلهتهم ، أن تصف النبى محمدا بما جاء عن بشريته فى القرآن الكريم يكون عندهم سبّا وعداءا للإله الذى أسموه محمدا . أن تعرض أعمال الصحابة وخلفائهم ( الراشدين ) على القرآن الكريم فهذا عندهم كفر بالصحابة المعصومين عندهم . أن تثبت كذب البخارى وغيره فهذا إنكار لدينهم أو إنكار للسنة. أن تناقش خرافات التشيع والتصوف فهذا كفر عندهم . الداعية يصدع بالحق ويعرض عن المشركين الجاهلين ، فهذا ما قاله رب العالمين لخاتم النبيين : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿٩٤﴾ الحجر ) (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٦﴾ الانعام ) ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿١٩٩﴾ الاعراف ).
2 ـ الصبر الايجابى لدى الداعية للحق يتجلى فى تمسكه ما إستطاع بالدرجة الأعلى من الاحسان والصبر . قال جل وعلا : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣﴾ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾ فصلت ) .
3 ـ الايمان باليوم الآخر ويوم الحساب وما يتبعه من خلود فى الجنة أو خلود فى النار يدفع الداعية للتسامح والصفح الممزوج بالصبر .
3 / 1 : تأمل قوله جل وعلا لخاتم النبيين : ( وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴿٨٥﴾ الحجر) . أى ليس مجرد الصفح ولكنه الصفح الجميل .
3 / 2 : وقال له جل وعلا: ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ ﴿٨٨﴾ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴿٨٩﴾ الزخرف). هنا صفح مرتبط بقول السلام. والسلام هو الاسلام السلوكى .
3 / 3 : وقال جل وعلا للمؤمنين عموما يأمرهم بالغفران : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٤﴾ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١٥﴾ الجاثية ). الغفران لأن الكافرين المشركين يؤذون المؤمنين بالقول وبالفعل ، ويجب على المؤمنين الرد عليهم بالغفران ، ففى النهاية فإن الذى يكسب إثما إنما يأتى يوم القيامة يحمل إثمه . قال جل وعلا : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّـهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴿٣١﴾ الانعام ). الاضطهاد الذى يتعرض له المؤمنون سينتهى بوقته أما جزاء الكافرين فى النار فهو خلود لا نهاية له.!!
4 ـ هذا الصفح الجميل ومقابلة السيئة بالسلام هو أعلى مراتب الصبر الايجابى ، وهذا لا يوجد إلّا لمن لديه إيمان حقيقى بالله جل وعلا مالك يوم الدين.
ثالثا : فى عصرنا الحزين فى بلاد المحمديين
1 ـ المستبد يحتكر السلطة والثروة وبأعوانه وبدولته العميقة يقهر الشعب بالتعذيب. المؤمنون من المستضعفين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، وهم لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
2 ـ المؤسف أن اكثرية المستضعفين هم أيضا ظالمون ؛ إذ يظلمون رب العزة بتقديس البشر والحجر ، وهم أيضا خانعون راضون بالظلم راكعون له ، يقفون موقفا معاديا من دعاة الاصلاح السلمى ، وهم معادون أيضا للثوار المسالمين كما حدث فى ثورة الأحرار المصريين على حسنى مبارك عام 2011. لا يمكن تحقيق الاصلاح إلا بتغيير هذه الأغلبية ما فى أنفسها من صبر سلبى من خنوع ورضى بالذل الى الصبر الايجابى الذى يعنى النضال والرضى بتحمل النتائج . إذا حدث هذا التغيير فى أنفس الأغلبية بإرادتهم الحُرّة كانت إرادة الله جل وعلا مؤيدة لهذا التغيير . قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (١١﴾ الرعد ).
3 ـ المستبد بأجهزته القمعية يخشى وصول هذا التغيير الى القاعدة العريضة ( الكتلة الحرجة ) ، لذا لا يتأتى هذا التغيير إلا بتضحيات يدفعها المصلحون القائمون بالتوعية ؛ التوعية بالظلم القائم وضرورة التصدى له ، والتوعية بأن التصدى له فرض واجب وهو حتى فى مصلحة الحاكم . فالحاكم فى نظام ديمقراطى لا يعيش فى الرعب الذى يعيش فيه الحاكم المستبد . لو تصدى العراقيون لصدام حسين من البداية لسقط منهم بضعة آلاف ، ولكن سكتوا فسقط منهم ملايين وفقدوا ملايين البلايين من الأموال. لو تمسك الثوار المصريون بمواقعهم ورضوا بالتضحية بعشرات ألوف إضافية لما سقط منهم عشرات الألوف عدا آلاف قادمة من الضحايا وتعذيب وذل وهوان لا مثيل له من قبل .
عقيدة المؤمن الداعية الصابر المجاهد
الذى يدفع المؤمن راضيا الى تقديم هذه التضحية هو إيمانه بالله جل وعلا وباليوم الآخر. ونعطى بعض ملامحها :
1 ـ هذا الداعية الصابر المؤمن يعتبر الدنيا وحياته القصيرة فيها مجرد رحلة يتزود فيها بالتقوى. قال جل وعلا : (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ۗوَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٧﴾ البقرة ) .
2 ـ وهو لا تلهيه زخارف الدنيا وزينتها لأن مقصوده رحمة ربه وهى خير مما يجمعه المهووسون بالدنيا وزينتها ، قال جل وعلا : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗوَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٣٢﴾ الزخرف ) .
3 ـ وهو يعلم من القرآن الكريم أن عذابا حتميا سيحل بالظالمين فى الدنيا وفى الآخرة :
3 / 1 : عذاب الدنيا : يسلطه الله جل وعلا على الظالم فى حياته . يقول جل وعلا بأسلوب التأكيد الثقيل : (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢١﴾ السجدة) الظالم العادى قد يتوب ويرجع . أما المستبدون فعن إجرامهم لا يرجعون . لا يغرنك إبتسامة المستبد وملامح الثقة المصطنعة التى يرسمها على وجهه ، هو مرعوب مرعوب ، تطارده كوابيس ظلمه وأشباح ضحاياه ، ويتوقع الانتقام ، ولا يثق حتى بأقرب الناس اليه . وهو يرى مصارع أقرانه المستبدين وكل يوم يشعر بالاقتراب من نهايته ، ولعلاج هذا يزداد ظلما ليؤمّن نفسه فلا يزداد بظلمه إلا هلعا وخوفا ، ويظل يدور فى حلقة مفرغة من الظلم والرعب الى أن يسقط كما سقط أمثاله.
3 / 2 : عذاب الآخرة : قال جل وعلا : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿٤٢﴾ ابراهيم ) . يكفى التدبر فى قوله جل وعلا :(وَلَا تَحْسَبَنَّ ) وهى محمّلة باسلوب التأكيد الثقيل ، ثم قوله جل وعلا عن ذاته (غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) . يقشعر قلب المؤمن من هذا الاسلوب ، ولكن هذا الاسلوب يدفعه لأن يتأكد من بقية الآية وهو عذاب الظالمين المؤجل والذى جاء باسلوب القصر (إنما ) : (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )
4 ـ وهذا التأجيل يعنى :
4 / 1 : أن ينخدعوا بمظاهر النعمة ويحسبوها مسارعة لهم فى الخيرات . قال جل وعلا : ( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴿٥٤﴾أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴿٥٥﴾ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴿٥٦﴾ المؤمنون ).
4 / 2 : بالتالى ينغمسون اكثر وأكثر فى آثامهم فيتأهلون لعذاب مهين يوم الدين. قال جل وعلا : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿١٧٨﴾ آل عمران )
4 / 3 : إنه الاستدراج . قال جل وعلا : ( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٤٤﴾ وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴿٤٥﴾ القلم )
4 / 4 : إنه الإمهال . قال جل وعلا : ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧﴾ الطارق )
5 ـ هكذا كان الحال فى الماضى مع الطغاة الأقدمين: ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴿١١﴾ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴿١٢﴾ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿١٣﴾ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴿١٤﴾ الفجر ) . كان الله جل وعلا لهم بالمرصاد . وهو جل وعلا لطغاة اليوم بالمرصاد .
أحسن الحديث :
قال جل وعلا : (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٩٧﴾ آل عمران ).!!