جذور معسكر الشّر الغربى: شنائع الاسبان مع المسلمين واليهود بعد سقوط غرناطة

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٢ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

جذور معسكر الشّر الغربى: شنائع الاسبان مع المسلمين واليهود بعد سقوط غرناطة

مقدمة

1 ـ فتح الأمويون الأندلس عام 92 هجرية / 107 ميلادية) . وعاشت الأندلس تحت حكم المسلمين الى أن سقط آخر معقل لهم ( غرناطة ) عام 897 هجرية / 1492 ميلادية . خلال ثمانية قرون عرفت الاندلس حياة رائعة من التسامح ، أشاد بها كثيرون ، بعضهم من الغرب. شمل التسامح التزاوج والحياة الدينية والثقافية لجميع السكان . كانت نموذجا فريدا فى الغرب .  

2 ـ بإستيلاء فرديناد وإيزابيلا على غرناطة آخر معقل للمسلمين إكتملت فى إسبانيا دولة دينيه سلطوية تتحكم فيها الكنيسة ، تعين فيها الطنيسة الملوك والأباطرة الذين يحكمون بحاكميه تسمى ظل الله في الأرض أو قانون الحق الإلهي ( Divine right of king) .وبدأ عهد من التعصب الأعمى عصف بالسكان المسلمين واليهود الذين أصبحوا مستضعفين تحت السلطة الجديدة ، والتى رسمت سياسة للقضاء على غير المسيحيين ، بل نال هذا التعصب من مساجد المسلمين ومظاهر حضارتهم.  ونعطى بعض تفصيل :

أولا : ( لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴿١٠﴾) التوبة )

1 ـ بعد حصار إستمر تسعة أشهر تسلم فرديناند الخامس غرناطة من أميرها العربى أبى عبد الله بن أبى الحسن الأحمر . كان هذا التسليم وفق معاهدة بينهما تنص على إحترام الأسبان للسكان وشعائرهم وتأمين الصغير والكبير وعدم إيذاءهم أو الإستيلاء على أموالهم أو عقارهم مع إحترام شريعتهم وحرمة مساجدهم وتولية المسلم على المسلم ، وألا يعاقب مسلم إعتدى على كاثوليكي في زمن الحرب وألا يضع المسلم علامة او رمز يميزه عن غيره ولا يمنع مؤذن أو صائم ولا مصل من أمور دينه .

2 ـ   فى يوم التسليم دخل الجيش القشتالي غرناطة، وتأكيدا على حربه الدينية الصليبية رفع الجيش الأسبانى فوق برج قصر الحمراء صليبا فضيا كبيرا كان يضعه الملك فيرديناند على عنقه في حروبه مع غرناطة،  ثم أُعلنوا تبعية غرناطة ليس لأسبانيا بل للحكم الكاثوليكي. أى دولة دينية كاثولوكية . وبهذه الصفة كان تعاملها مع المسلمين واليهود برغم المعاهدة.

3 ـ وكما إخترع السنيون المتعصبون حديثا زعموا فيه أن النبى محمدا قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..) فإن أسقف غرناطة زعم ( مناما ) رأى فيه المسيح ( وهى نفس مزاعم أئمة المحمديين عن رؤيتهم النبى محمد أو رؤيتهم رب العزة فى المنامات ) . زعم اسقف غرناطة أن المسيح ظهر له وأمره بالعمل على إجبار المسلمين واليهود فى اسبانيا على دخول الكاثولوكية ، ووافقه الملك ، وبهذا إحتل هذا الأسقف المساجد وحولها الى كنائس وصادر الأوقاف الاسلامية واليهودية لصالح الكنيسة ، وقامت إحتجاجات من المسلمين فقوبلت بالاعدام الجماعى والسجن والتعذيب.  

5 ـ وبدأت محاكم التفتيش عملها فى إسبانيا .

ثانيا : محاكم التفتيش  

1 ـ فى تاريخ المحمديين فى العصور الوسطى لم تكن المحاكمات الدينية شائعة مثل أوربا وقتها. كانت الكنيسة الكاثولوكية تضطهد مناوئي البابا بالمحاكمات الكنسية أو محاكم التفتيش. أشهر الضحايا كان الراهب الواعظ سافونا رولا الذى كان ينتمى الى طائفة الدومينيكان ، وقد إحتج على البابا إسكندر السادس المشهور بإنحلاله الخلقى وتدخلاته السياسية . تعرض سافونا رولا الى محاكمة مقترنة بالتعذيب للحصول على إعترافات مزيفة له ، وبعدها أحرقوه عام 1498 .

 2 ـ القسّ الأسبانى توماس دي تركميادا،  كان المعلم الروحي لأميرة القشتالية إيزابيلا منذ صغرها ، وغرس فيها التعصب ، وهو من أسهم في زواجها من فرناندو الأراغوني لتوحيد الإمارتين وضرب ما تبقى من الوجود الإسلامي في الأندلس. وبنفوذه إنتقلت محاكم التفتيش الى إسبانيا فى عام 1478 ، حيث حصل فريدناند وإيزابيلا على موافقة البابا سيكيستوس الرابع على حق تأسيس محاكم تفتيش إسبانية مسقلة عن البابوية يقودها القسّ الأسبانى توماس دي تركميادا. وهى تهدف الى الحفاظ على العقيدة الكاثوليكية في إسبانيا ومستعمراتها .

3 ـ بسقوط غرناطة عام 1492 صدر مرسوم بعملها يفرض على المسلمين واليهود التنصر أو ترك أسبانيا . تأكد هذا بمرسوم آخر عام 1502. وأصدر شارل الخامس عام 1524 مرسوماً يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصير أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تقلب جميع المساجد الباقية في إسبانيا إلى كنائس. ظلت محاكم التفتيش تؤدى دورها البغيض حوالى ثلاثة قرون ونصف القرن حتى أُلغيت نهائيا فى 15 يونية سنة 1834 . ولا يزال هناك من يؤيدها ، بدليل أنه فى نهاية عام 1960 أضافوا اسم "جوان دو ريبيرا" (مخطط عملية الطرد والإبادة وخطف الأطفال) إلى قائمة القديسيين.

4 ـ  ومن عام 1492 وتحت قيادة رجال الدين الأسبان لاحقت محاكم التفتيش المستضعفين من المسلمين واليهود فى كل البلاد لإجبارهم بالتعذيب على الدخول فى الكاثولوكية.

5ـ  ومن طرق التعذيب وقتها : إملاء البطن بالماء حتى الاختناق، وسحق العظام بآلات ضاغطة، و ربط يدى المتهم وراء ظهره، و ربطه بحبل حول راحتيه و بطنه و رفعه و خفضه معلقا سواء بمفرده أو مع أثقال تربط به، و الأسياخ المحمية على النار، و تمزيق الأرجل، و فسخ الفك.   وكان لهم توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيا، وأيضا أحواض يقيّد فيها الرجل ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يملأ الحوض ويموت. كانوا أيضا يقومون بدفنهم أحياء، ويجلدونهم بسياط من حديد شائك، وكانوا يقطعون اللسان بآلات خاصة.

 6ـ وشاع الإعدام بالإحرق طبقا للسنّة السائدة فى محاكم التفتيش . وكان تنفيذ الأحكام، خاصة الإعدام والحرق، يقع في ساحات المدن الكبيرة، وفي احتفال رسمي يشهده الأحبار والكبراء بأثوابهم الرسمية، وقد يشهده الملك. وكانت هذه الأحكام تنفذ في المحكوم عليهم بالجملة، وقد يبلغون العشرات الذين ينفذ فيهم الحكم أمام جموع الشعب التي تهرع لمشاهدتها. ومما يذكر في هذا المجال أن الملك فرناندو الكاثوليكي كان يعشق مواكب الإحراق ، ويحرص على مشاهدة حفلات الإحراق، وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها.

7 ـ وصدرت تعليمات بإحراق المساجد والكتب ومنع الزى المعتاد للمسلمين واليهود وتحريم الكلام بالعربية والغناء العربى والزواج الإسلامي ، وحظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة،  وإذا وجدوا رجلا لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام. وكذلك لو وجدوا في بيته مصحفا، أو امتنع عن الطعام في رمضان، وكانوا يكشفون عورة من يشكون أنه مسلم، فإذا وجدوه مختونًا أو كان أحد عائلته فمصيره الإعدام حرقا. وكان يجرى إحراقهم جماعيا فى الميادين والساحات العمومية علنا وأمام الملأ . وبلغ عدد الضحايا حتى سنة 1577 نصف مليون مسلم ـ و كانت ضمن أكبر حرب إبادة شهدها التاريخ الوسيط.هرب كثيرون الى الجبال والغابات فلاحقتهم السلطة الأسبانية فى حملات عسكرية ، تعتقلهم وتسوقهم الى معسكرات التعذيب ثم الحرق فى الساحات العامة. إضطر الكثيرون الى الهرب الى شمال أفريقيا وغيرها للنجاة بحياتهم .

8ـ  ولكن ظل فى أسبانيا مسلمون ويهود رضوا بالدخول فى المسيحية . ولكن دخولهم المسيحية لم يمنحهم النجاة . أطلق عليهم الأسبان إسم ( المورسيكيين ) تحقيرا ، واخضعوهم الى محكمة تفتيش أخرى لإختبار إخلاصهم للمسيحية ، منها الإجبار على مداومة شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. إذا لوحظ فى أحدهم تهاون كان التعذيب فى إنتظاره ، حيث تفنن الأسبان فى فنون التعذيب ، يحسبون أنهم بهذا التطرف فى البغى والعدوان يحسنون صُنعا.  

 9 ـ في القرن السابع عشر أصدر الملك فيليب الثالث قراراً بطرد مئات الآلاف من الموريسيكيين مع بقاء أطفالهم في إسبانيا ليقوم الرهبان أو أي أشخاص آخرين موثوق بهم بتعليمهم المسيحية مع إبقائهم عبيداً بغير زواج. وفيما بين عامي 1609-1614 تم طرد ما لا يقل عن 500 ألف شخص إلى المغرب وتونس والجزائر بعد نهب ومصادرة ثرواتهم وأملاكهم.ثم تابعهم الأسبان بالهجوم على موانىء شمال أفريقيا .  

10 ـ يقول جوستاف لوبون فى كتابه ( حضارة العرب ) : ( يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرون  على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمّدوهم ( أى قاموا بتنصيرهم ) عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع. و اقترح القس "بليدا" قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء و الأطفال، و هكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي». و كان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مئة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه. و كان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرون ، و حجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين و الكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم. يقول د. لوبون: «الراهب بليدي أبدى ارتياحه لقتل مئة ألف مهاجر من قافلة واحدة مؤلفة من 140 ألف مهاجر مسلم، حينما كانت متجهة إلى إفريقية».

أخيرا

1 ـ إنتهت فى الغرب الدولة الدينية وسيطرة الكنيسة ومحاكم التفتيش والحق الملكى المقدس ، وبدأ الغرب يدخل فى الديمقراطية وحقوق الانسان معززا حرية الدين والفكر والتعبير ، وبدأت حركة فكرية نقدية تنال من كل ما كان مقدسا من قبل ، وبدأت حركة مراجعة وإعتذار عما حدث من قبل . وبهذا تقدم الغرب ..ولا يزال ..

2 ـ أما عندنا فلا تزال ثقافة العصور الوسطى سائدة ومتحكمة بالكهنوت والاستبداد والحروب المذهبية ومحاكمات التفتيش التى تضطهد المفكرين والمصلحين المسالمين الذين يخرجون على ثقافة القطيع .

3 ـ ونحن أهل القرآن أوضح مثال لهذا. نحتكم الى القرآن الكريم الذى يزعم المحمديون الايمان به ، وندعو الى مناقشة تراث ( المسلمين ) و( أديانهم الأرضية ) وتاريخهم فى ضوء الاحتكام الى القرآن الكريم ، وهى دعوة سلمية إصلاحية تكتشف القيم الاسلامية العليا التى هجرها الصحابة وخلفاؤهم منذ الفتوحات الكبرى . وقد أصبح مجرمو الحرب آلهة عند المحمديين ، كما تم تأليه الأئمة ممّن كذب على النبى محمد وإختلق وحيا كاذبا وشريعة ضالة مضلة .

4 ـ ولهذا لا يتقدم المحمديون . حتى ثوراتهم على الاستبداد تتعثر لأنه لا يزال فى قلوبهم تقديس للكهنوت ولا يزال للكهنوت سيطرة عليهم ، قد يتغير مستبد ولكن يأتى مستبد بعده ، وتتكرر المعاناة ، ولا يمكن الاصلاح إلا بالحرية المطلقة فى الدين والتعبير بكل أشكال التعبير.

5 ـ فى الغرب يحتفلون بمن ينتقد تاريخهم السابق ومن ينتقد أئمتهم وشخصياتهم التاريخية الكبرى . أما نحن فنتعرض الى السبّ والشتم حين نذكر المسكوت عنه من التاريخ المعتمد والكتب المعتمدة . نحن لا نخترع تاريخا ولا نتقول على أئمة الحديث والتفسير والفقه ، بل ننقل ما هو مكتوب ونناقشه مناقشة عقلية ومع عرضه على الميزان وهو القرآن الكريم . ولا نفرض رأينا على أحد ولا نفرض أنفسنا على أحد ، ولا نطلب أجرا من أحد ، ونعفو ونصفح قدر المستطاع ونحترم حق كل إنسان فى رفض ما نقول . ومع هذا نتعرض للسبّ والشتم. لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم .!

6 ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. 

اجمالي القراءات 5175