لا يمكن لمؤمن أن يعبد الله تعالى بالنيابة.
قال الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(27).الحج.
لقد استجاب الناس للحج من يوم أذن إبراهيم عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، للحج، فكانوا يأتون الحج رجالا ( أي مشيا على الأرجل) وعلى كل أنواع الدواب المركوبة وغيرها من وسائل الضرب في الأرض، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات،( من الأشهر الحرم الأربعة المخصصة للحج،).
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28).الحج.
لكن رحمة الله تعالى بعباده رفع عنهم الحرج ولم يوجب الحج إلا على من يستطيع ذلك، بدأ بتحمل مشقة السفر وأمن الطريق والمصاريف الواجبة لأداء مناسك الحج في أحسن الظروف، أما من سنحت له كل ظروف الحج ولم يرد أن يحج جحودا وكفلرا فإن الله تعالى غني عن العالمين. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ(97).آل عمران.
وبما أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يحملها ما لا طاقة لها كما يقول سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286) البقرة. فإن المؤمن الذي لم يتيسر له أن يلبي النداء للحج لأمر ما، وقلبه مطمئن بالإيمان فإن الله تعالى لن يحاسبه لعدم استطاعته الحج.
أما أن يطلب شخص من أحد لينوبه في أداء الحج فهذا من غير المعقول، لأن العبادة لا تؤدى بالنيابة أبدا. وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(18).فاطر. إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(7).الزمر.
لكن رجال الدين الأرضي البشري يروجون في خطبهم، ويحضون الناس على وجوب الحج على كل مؤمن، ويخوفونهم بالكفر إن لم يحجوا أو يوكلوا شيخا تقيا ليحج بالنيابة عنهم، فأصبح رجال الدين يتسابقون في المتاجرة بالحج نيابة عن الموتى والعجزة الذين لا حول لهم ولا استطاعة أن يحجوا.
ـ هل يستفيد الوكيل من الحج الذي يقوم به النائب عنه شيئا من المنافع التي ذكرها الله تعالى. ( ليشهدوا منافع لهم) أي للحاج نفسه وليس للموكل؟؟؟
ـ هل سيأجر الوكيل أم الذي قام بالحج بالنيابة؟؟؟
ـ هل الموكل يستغفر لذنوبه أم لذنوب موكله؟؟؟
ـ هل يؤجر الوكيل عن الحج أم الموكل أم يشتركان في الأجر؟؟؟
ـ هل سيصبح الوكيل أم الموكل بعد الحج كيوم ولدته أمه، كما يروج في لهو الحديث البخاري:
1691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. صحيح البخاري - (ج 6 / ص 346) المكتبة الشاملة.
إن الحج مثل باقي العبادات ولا يمكن أن ينوب شخص عن شخص أبدا.
قال رسول الله عن الروح عن ربه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8).الزلزلة.
إن عبادة الله تعالى تكون فردية ويجزى كل فرد بما كسب فلا تظلم نفس شيئا.
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(17). غافر.
وَخَلَقَ االلَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(22).الجاثية.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21).الطور.
لذا فإن للحج شروطا إذا نقص منها شرطا، لم يوجب على صاحبه، سواء كان العجز الصحي أو المادي أو لم يخرج في القرعة التي فردتها آل سعود على المؤمنين، أو أي عائق حال بين المؤمن بالحج وقلبه مطمئن بالإيمان وراغب في الوصول إلى بيت الله الحرام، أما أن يوصي بها أو يكلف رجل الدين ليقوم مقامه في أداء مناسك الحج فهذا مخالف لما سنَّ الله تعالى الحج وفرضه بشرط الاستطاعة الفردية.
فليعلم الذين يحضون الناس على الحج بالنيابة أنهم يقترفون إثما، لأنهم يأكلون أموال الناس بالباطل، لأن حجهم عن غيرهم لن يُقبل حسب الآيات السالفة الذكر، فكل نفس بما كسبت رهينة. كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38).المدثر.
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.