الفاحشة
الفاحشة

أسامة قفيشة في الأحد ١٠ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الفاحشة

كلنا يعلم بأن الفاحشة هي كل اتصال جنسي غير شرعي أو مخالفاً للفطرة , حيث يقول جل وعلا ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) , و يقول ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) .

فالفاحشة هي كناية عن كل اتصال جنسي غير شرعي أو مخالف للفطرة و هذا هو التعريف الشامل لمفهوم الفاحشة , و عليه يكون كل اتصال جنسي بين ذكرٍ و أنثى خارج إطار الزواج هو اتصالٌ غير شرعي يعبر عنه بالزنا و هو أحد الفواحش , و كذلك الأمر فكل اتصال جنسي بين ذكرين هو اتصالٌ جنسيٌ مخالف للفطرة و هو من الفواحش أيضاً , و عليه فكل اتصال جنسي بين أنثيين هو من الفواحش كذلك كونه اتصالاً جنسياً مخالفاً للفطرة .

قوم لوط هم مثالٌ للفاحشة المخالفة للفطرة , و هذا متفق عليه بيننا جميعاً , على الرغم بان هلاكهم ما كان ليكون إلا بسبب كفرهم في الدرجة الأولى , فلو كان سبب هلاكهم هو فعل رجالهم الآثم المخالف للفطرة لما شمل الهلاك نسوتهم .

و هنا نتساءل هل إتيانهم للفاحشة المخالفة للفطرة تم حصرها برجالهم فقط دون النساء !

في الحقيقة لا يوجد تصريح ينفي أو يؤكد ذلك عن نسائهم , فهلاك قوم لوط جميعاً برجالهم و نسائهم هو كما قلنا مرجعه لكفرهم أولا ً , حيث يصف الله جل وعلا تلك القرية بغالبيتها بأنها كانت تعمل الخبائث ( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ) ,

فنحن نرى بوضوح بأن رجالهم كانوا يمارسون الاتصال الجنسي المِثلي , لأن كلمة قوم غالباً ما تشير للرجال دون النساء , و لو نظرنا لامرأة لوط و التي أصابها ما أصاب القوم من عذاب , لوجدنا بأن قصتها قد ذكرت تسع مرات في مجمل القرآن الكريم , و هذا يضعها في المرتبة الثانية من مجمل النساء المذكورات , و هي المرأة الوحيدة التي وصفت بأنها من الغابرين , و يبدو بان هذا الوصف له دلالته الخاصة حيث لم ترد كلمة ( الغابرين ) سوى وصفاً لحال و سلوك تلك المرأة , فهل كان سلوك نسائهم كسلوك رجالهم فكانت نسائهم تعمل الخبائث أيضاً ! و الجواب من عندي ربما و لما لا ! فهذا غير مستبعد في ظل هذا الانحلال الشامل , فماذا ننتظر من النساء حين يرون رجالهم يمارسون تلك الخبائث .

موضوعنا هو حول الفاحشة بشكلٍ عام و هي كما قلنا تتعلق بالاتصال الجنسي فقط , سواء كان اتصالاً غير شرعي أو اتصالاً مخالفاً للفطرة .  

لماذا أرى بأن قوله جل وعلا ( وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) لا يشير لفاحشة الزنا و إنما يشير لفاحشة الاتصال الجنسي بين أنثيين , و هذا لعدة نواحي و عدة أسباب :

أولاً :

لو قلنا و اعتمدنا بأن تلك الفاحشة هي فاحشة الزنا فهذا يضعنا أمام حكم آخر و عقوبة أخرى مغايرة لعقوبة الجلد بمائة جلدة للزاني أو الزانية .

ثانياً :

حكم تنفيذ العقوبات هو خاضع للدولة , أي لا يمكن تنفيذه إلا في ظل دولةٍ تعتمد على الشرع الإسلامي في تشريعاتها , أي في ظل دولةٍ تحكم بشرع الله جل وعلا , و نحن كما نعلم فإن أساس تلك الدولة هي دولة علمانية لا إكراه فيها و لا تعدي على الحريات الفردية , فإن كان الله جل وعلا قد ضمن للبشر حريتهم بالأيمان أو الكفر دون إكراه , فمن الطبيعي ضمان حريتهم في سلوكهم و ممارساتهم بكل حرية و دون إكراه أيضاً , طبعاً ضمن حدود و قوانين تلك الدولة , فالدولة الإسلامية تجرم الزنا كما تجرم الاتصال الجنسي المخالف للفطرة , أي إن حدثت تلك المخالفات بشكلٍ علني أمام عامة الناس يحق للدولة من معاقبة المخالفين , و لكن لا يحق للدولة من التجسس و ملاحقة الناس لما يفعلونه بالسر و بالتراضي و دون اعتداء على خصوصية الغير .

ثالثاً :

من حق الدولة بل من واجبها العمل على أن لا تشيع الفاحشة بين الناس في المجتمع , و هذا من ضمن مسؤوليتها , فهذا العمل يتم من خلال التوعية و العلاج الإرشادي النفسي  و توفير و تأمين و تسهيل متطلبات الشباب و الشابات كي يستطيعوا من الزواج الشرعي للحد من تلك الفاحشة و القضاء عليها .

ربعاً :

إن كان من حق الدولة الإسلامية ملاحقة كل من يُعتقد بأنه يمارس الفاحشة , بأن تعتقله أو تحبسه بمجرد طلبها باستشهاد أربعة من الشهداء يقرون ظنناً منهم بان فلانة تمارس الفاحشة , فهذا يفتح باب الظلم و الاستبداد و القهر على مصراعيه , فيصبح الأمر مدعاةً للهيمنة و الاستضعاف , و هذا أمرٌ مرفوض .

خامساً :

لا يوجد في دين الله جل وعلا حكماً جزائياً مبنيٌ على الظن , في حين نجد في هذا الدين العظيم الإشارات الكثيرة التي تستدعينا و تأمرنا بعدم إتباع الظن ,

فنحن لا ننكر بأن هناك ظنٌ مبنيٌ على الحق , و هذا لا بأس فيه , و لكن ذاك الظن هو استدعاءٌ للخير و الحق , و لكن الظن في مسائل يترتب عليها عقاباً دنيوياً فهذا مرفوض , و كذلك الظن في سلوكيات البشر الغير علنية فهو مرفوض أيضاً , لأن الأحكام الجزائية و العقابية ينبغي أن يتحقق فيها اليقين البيّن , لأن الظن فيها لا يمنحنا الحق في العقاب ( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) , ليس هذا فحسب بل الظن في أعراض الناس هو من أخطر الأمور لأن تلك الفواحش تتعلق بالأعراض حيث يقول جل وعلا ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ) و هنا نلاحظ بأنه ينبغي الإعراض عن الظن السيئ و السلبي , بل يجب اعتماد الظن الإيجابي لأنه ظناً بالخير , و لأن الظن السلبي تم وصفه بالإفك المبين .

سادساً :

في نفاذ عقوبة الفاحشة على وجه الخصوص يشترط الاعتراف في كل الحالات , فعلى سبيل المثال فعقوبة السارق لا يشترط فيها اعترافه , فيكفي القبض عليه متلبساً أو العثور بحوزته على المسروقات , فلا داعي لاعترافه و لا يطلب منه اليمين بالقسم على براءته فهناك مثلاً يقول ( قالوا للحرامي إحلف ... قال إجى الفرج ) , في حين نرى بأن الاعتراف هو من ضرورات نفاذ عقوبة الزنا على سبيل المثال , ليس هذا فحسب , بل هناك أيضاً يمين البراءة خمس أيمان تكفل رفع الجزاء , و على تلك الأسس فلا عقوبة لمن أنكر فاحشة الزنا و أدى اليمين خمس مرات حتى و إن اكتمل الشهود , فنفاذ العقوبة مرهون بالاعتراف أو بممارسة تلك الفاحشة علناً أمام الناس و هذا قل ما يحدث , بل من الصعب حدوثه سواء بالاعتراف أو بحدوثه علانيةً , و هناك حاله أخرى استثنائية تجعل الزنا بائناً و بيناً و هي حالة الحمل .       

سابعاً :

لا يمكن لمن يمارسون الفاحشة بالقبض عليهم متلبسين , لأنهم يمارسون فعلتهم بعيداً عن أعين الناس , و يغلقون الأبواب على أنفسهم , ففي الدولة الإسلامية لا يجوز اقتحام البيوت على أصحابها إلا بعد الاستئذان , لذا لا يمكن بل من الصعب القبض على هؤلاء في حالة التلبس .

ثامناً :

في حالة شيوع السلوك السيئ حول أحدٍ ما في الدولة الإسلامية , يتوجب على الدولة مكافحة هذا الشيوع و معاقبة من يروجون له في المقام الأول , لا أن تنساق الدولة وراء هذا الشيوع بملاحقة من يشاع عنهم ذلك , لأن الإسلام يحارب الإشاعة و قد حذر منها و من أخطارها على المجتمع , فقد وصف الله جل وعلا مرددي و ناقلي الإشاعات بالفاسقين حيث قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) , فعلى أي أساس و ما هي الأسس و الشواهد التي تمنحنا الحق في اتهام أحدٍ من النساء بارتكابها للفاحشة !

هل هي زينتها أم تبرجها , أم اللبس الفاجر أم التواجد في أماكن اللهو أم التعطر أم طريقة الكلام أو طريقة السير أو لبس البكيني على الشواطئ أو الخروج ليلاً أو السفر بدون مرافق !!

فإن كانت تلك هي الشواهد على ارتكاب الفاحشة فهذا يعيدنا إلى المربع الأول في ظلم المرآة و الحكم المسبق عليها , و انتزاع إنسانيتها و الحكم عليها من خلال المظهر و إهداراً لكرامتها , و حينها يصبح المجتمع مجتمعاً ذكورياً بامتياز حيث تصبح كلمة الرجل فيه هي مفتاح انتهاك و هدر كرامة المرأة ,

و الحديث في أعراض الناس هو إفك و إشاعة سيئة و قذرة و قد تم التحذير من هذا ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) ,

تلك الإشاعات تحدث في كل مجتمع و في كل زمان لذا قد حذرنا الله جل وعلا من تداولها ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بل وضع عقوبة لهؤلاء الجرمين .

تاسعاً :

طلب إحضار الشهود هو شرط من شروط دعوة الاتهام , فمن من المؤمنين يستطيع أن يشهد على فتاة بأنها تأتي الفاحشة ؟  فأنا لا أعلم إن كان هناك مؤمن على وجه الأرض يستطيع أن يشهد على هذا الأمر بناءاً على ظنه ! .

عاشراً :

كيف يمكن لهؤلاء الشهود الأربع بأن تكون شهادتهم الظنية معياراً للحقيقة ! هل كانوا يعلمون الغيب مثلاً ! أم كانوا منزهين عن الخطأ ! , و هنا أكرر بأنه و بعد الاتهام و شهادة الشهود لابد من شهادة المتهم فإن اعترف فهنا يكون العقاب , أما إن أنكر فلا عقاب عليه بتاتاً و هذا في غياب البيّنة أي لم يكن الفعل علناً أو لم يكن هناك حمل .

أحد عشر :

إن كان هؤلاء الشهداء الأربعة هم مختصون في هذا المجال و ليسوا من عامة الناس , فهنا لا يسعني سوى أن أطلق عليهم بالكهنوت الديني الذي بهم فقط يستقيم سلوك المجتمع , و بهم فقط تزول الفاحشة من المجتمع و يتم محاربتها و حصرها إلى أن تتلاشى , فإن كان لابد من تسميةٍ لهذا المنصب فلنسيمهم ( هيئة النهي عن المنكر ) أو من الأفضل تسميتهم ( هيئة حبس النساء المتهمات بناءاً على الظن ) .

اثنا عشر :

ما فائدة التوبة اجتماعياً بعد أن شهر بها هؤلاء الأربعة ! نعم التوبة مطلوبة عند الله جل وعلا في كل التجاوزات , و هذه التوبة لا تنفع المجتمع بشيء , بل ينتفع بها صاحب الذنب , و التوبة هنا هي بين العبد و ربه , و ماذا إن كانت المتهمة بريئة عند الله جل وعلا ! و هل يجوز حبسها دون اعترافها بأنها قد ارتكبت هذا الذنب في ظل غياب البيّنة , أي حبسها بمجرد شهود الظن الأربع !

ثلاثة عشر :

الفاحشة البيّنة لا تتحقق و لا تكون بيّنة إلا في حال الاعتراف بارتكابها , أو في حال أن تتم تلك الفاحشة علانية أمام الناس , أو يفضي هذا الاتصال إلى الحمل .  

أربعة عشر :

إن كان المقصود ( وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ ) هم بنات الهوى أي النساء المحترفات , فهؤلاء لا يتم حبسهن , بل يتم جلدهن مائة جلدة أمام الناس , فأمام بنات الهوى أو النساء المحترفات لا ينبغي استدعاؤهن و طلب شهود الظن عليهن , بل يجب استدراجهن من قبل لجان التحقيق ثم يتم تنفيذ عقوبة الزنا بالجلد بناءاً على مجريات التحقيق الإستدراجي , أي يتم انتزاع اعترافهن منهن دون أن يشعرن .

خمسة عشر :

الرقابة الأخلاقية للدولة تعني ممارسات أركان الدولة القانونية , أي لا يجوز للدولة أن تخترق قانون الخصوصية للأفراد بأن تتجسس على مشاعرهم السلوكية و الذاتية , أي أن عليها أن لا تكون حكماً رقيباً على أهواء الناس , فالجرائم المتعلقة بالفاحشة هي من الجرائم الخصوصية التي يجرم فيها الشخص بحق نفسه و بحق فطرته , و هي تحدث بسبب اضطرابات سلوكيه أو نزوات غرائزيه قد تكون أحيانا غير فطريه , أي أنها تخالف فطرة هذا المضطرب , و لا أجد مسوغاً قانونياً أو دينياً يبرر الوصاية لأحدٍ على مشاعر و أحاسيس غيره إلا بتقوى النفس من داخلها .

ستة عشر :

إن كانت هذه الآية تتحدث عن الزانيات اللواتي يتعذر على المجتمع إثبات جريمتهن بأن تكون عقوبتهن الحبس , فأين عقوبة الرجال الزناة الذين يتعذر على المجتمع إثبات جريمتهم , على الرغم بأنه قد أشيع عنهم بأنهم يأتون الفاحشة !

أم أن الرجال لا يتم ملاحقتهم من قبل المجتمع !

أم أن الرجل لا عقاب عليه ما لم يمسك بالجرم المشهود !

و لماذا لا يُطلب أيضاً من المجتمع شهادة أربع شهود على سوء سلوك الرجل , أم أن سوء سلوكه يغض الطرف عنه ! 

كل هذه الأسباب و تلك النواحي التي تجول في خاطري تدفعني بالقول بأن قوله جل وعلا ( وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) لا يمكن اعتبارها بأنها تتحدث عن فاحشة الزنا , و إنما تتحدث عن الفاحشة المخالفة للفطرة ,

و لا أرى بأن لفظ ( وَالَّلاتِي ) و هو الاسم الموصول الذي يشير للجمع كفيلٌ لنا لنفي هذا المقصد , فكثير من الآيات على سبيل المثال تأتي بالمفرد و تفيد الجمع أو العكس ,

كما أن الآية التي تلتها بشكلٍ مباشر تشير بوضوح للفاحشة المخالفة للفطرة بين الرجال ,

و لو نظرنا جيداً في الآية التي تلتها حيث يقول فيها جل وعلا ( وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) نلاحظ الآتي :

1 – تبدأ الآية بحرف العطف ( و ) , أي أن هذه الآية معطوفه على الآية التي سبقتها .

2 – هذا العطف واضح و صريح على نوع الفاحشة المذكورة في الآية السابقة , حيث تم التعبير و الإشارة لها من خلال قوله ( يَأْتِيَانِهَا ) , فقد غاب ذكر الفاحشة في هذه الآية بعطفها على الفاحشة المذكورة في الآية السابقة , فمن هنا نفهم بأن الفاحشة المقصودة بلفظ ( يَأْتِيَانِهَا ) هي من نفس نوع الفاحشة السابقة , و عليه تكون الفاحشة السابقة مخالفه للفطرة أيضاً ( اتصال جنسي مِثلي ) .

3 – لا أرى أي إشكال في ورود النص بصيغة الجمع للنساء بأن يكون المغزى هو اتصال جنسي مِثلي بينهن , و ليس لنا أن نناقش هيئة و شكل النص بقدر ارتباط و عطف هاتين الآيتين مع بعضهما البعض بهذا الاقتران القوي و الملحوظ .

و بالمناسبة فأنا أرى بأن الزانية و الزاني لابد من جلدهم مائة جلدة , بعد إقرارهم و اعترافهم أو من خلال ببيّنة الزنا ( بالحمل أو العلن ) , ففي حالة الاعتراف فهذا ضمنياً يشير لتوبتهم الصادقة , فاعترافهم لا يلغي عقوبتهم لأنه قد قال جل وعلا ( وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ ) , فالبعض ممكن بان يتهاون معهم بناءاً على اعترافهم ,

كما أرى بأن قوله جل وعلا في الآية الخمسة ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) لا تعود على الزانية و الزاني المذكورين في الآية الثانية , بل تعود على الذين يرمون المحصنات الوارد ذكرهم في الآية الرابعة ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) , و قد تحققت التوبة لهؤلاء لاحقاً في قوله جل و علا في الآية الرابعة عشر ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

و في الختام أؤكد مجددا على ضرورة حماية الجميع في قضية مس الأعراض , و لا يجوز التهاون في مثل تلك المسائل , كما أرى بان التوبة الحقيقية تكون بين العبد و ربه كسائر العلاقات الدينية , و تكون بالإقلاع و الندم و عدم العودة لارتكاب مثل تلك الجرائم و الآثام , و أكبر و أعظم تلك التوبة و هذا الندم هو الاعتراف لمن ملك الشجاعة , و هذا لا يقلل من عظمة التوبة الخالصة بالسر بين العبد و ربه .

أكتفي بهذا و لكم جميعاً كامل الحرية في تبني الرأي أو رفضه , مع خالص احترامي و تقديري . 

اجمالي القراءات 4579