الوسيلة
يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ,
و يقول ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) ,
الوسيلة هي كل عمل يقربنا للغاية و يساعد في تحقيقها ( أو يؤديها بالشكل المطلوب ) , و هي الطريق و الطريقة التي نصل بها للهدف المنشود .
إذا فهي إرادة ذاتية , يمارسها الفرد بحريته و رغبته , و ليست عطاء , أي لا يتم منحها .
ورد لفظ ( الوسيلة ) في كتاب الله جل وعلا مرتان فقط , و لعلنا في هذا المقال نقترب من مفهومها و مرادها , من خلال تدبر لفظها في هذين الموضعين بما اقترن بلفظها من ألفاظٍ أخرى :
ترسخ مفهوم ( الوسيلة ) عند الناس بأنها درجة أو مكانه في الجنة خاصة بالنبي محمد عليه السلام , ليس هذا فحسب بل يقول هؤلاء الناس قولا ينسبونه لرسول الله ظلماً و عدوانا ( سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ) , لذا فهم يرددون هذا الدعاء دائماً فيقولون (اللهم آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ ) , فإن كانت الوسيلة حسب زعمهم بأنها مكانه و منزلة لشخصٍ واحد من عباد الله , فلما يقول جل وعلا عن كل العباد المؤمنين بأنهم يبتغون إليه الوسيلة !
الوسيلة هي عمل يقرب للغاية و ليست منزلة و لا هي بمكانه :
لأنها لو كانت منزلة و مكانه كما يقولون لما قال الله جل وعلا في المرة الأولى ( وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) و في المرة الثانية ( يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) , فلفظ ( إليه ) و لفظ ( إلى ربهم ) تفيد بأن الوسيلة هي عمل يؤدى إليه - أي إلى ربهم - ,
فهي ليست بمنزلة , فلو كانت منزلة لقال ( و ابتغوا الوسيلة ) أو ( يبتغون الوسيلة ) , فعلى سبيل المثال فالفردوس يطلق على الجنة فهو مكانه و منزله , لذا لا نستطيع القول بأننا نبتغي إلية الفردوس , أو بالقول يبتغون إلى ربهم الفردوس , بل نقول بأننا نبتغي الفردوس أو يبتغون الفردوس .
الوسيلة هي عمل و ليست عطاء يمنح :
تم اقتران الوسيلة بلفظ ( الابتغاء ) , و الابتغاء هو السعي الحثيث و الجهد المبذول , لذا لابد من العمل الحثيث و من بذل الجهد , و عليه فالوسيلة هي عمل يمارس بإرادة و رغبة الفرد , و ليست شيئاً يمنح أو يعطى , لذا لا يصح قولهم ( آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ ) .
الوسيلة و التوسل ما بين الاقتران و الاشتقاق :
نلاحظ بأن الوسيلة هي الوسائل أي كل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله جل وعلا , و كل عملٍ نبتغي فيه وجهه الكريم , إن كان نهياً أو إتيان , تأديةً أو امتناع ,
كل تلك الأعمال هي وسائل نتقي بها الله جل وعلا , و كل تلك الأعمال نتوسل بها إليه أي نرجوه بتذلل و خضوع و خنوع في تأديتها ,
فالوسيلة ليست غايةٌ تدرك , بل هي عملٌ يؤتى طواعيةً بالاستجابة و التلبية .
أهداف الوسيلة :
أولها التقوى من أجل الفلاح ( اتقوا الله .... لعلكم تفلحون ) .
و ثانيها القرب و التقرب بها إلى الله جل وعلا , فتلك الوسائل هي التي تحدد هذا الاقتراب الذي تحدد عليه المنزلة , فكلما زادت تلك الوسائل المبذولة زادت المنزلة ( أيهم أقرب ) , فيقول جل وعلا مبيناً لنا نتيجة هذا التقرب ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) .
و ثالثها الرجاء , و هو التوسل خوفاً من عذاب الله جل وعلا , و طمعاً في رحمته سبحانه و تعالى ( يرجون رحمته و يخافون عذابه ) .