قتل وذبح ودمار وتسلط وتخلف وقهر هو ماوصلنا اليه بعد عودة ما يسمي تيار الاسلام السياسي في نهاية السبعينات الي الواجهة مرة أخري بعد ان كنا نعتقد ان هذا الكابوس قد انتهي الي غير رجعة منذ بداية المرحلة التنويرية في مصر والشام علي يد رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي وعلي عبد الرازق وطه حسين ثم بعد ظهور التيار الوطني والقومي الذي يدعو الي الاستقلال والتنمية من منطلقات وطنية وليس دينية .
أن الدين تحول في العصر الحالي الي علاقة خاصة بين الانسان وربه ليس للمجتمع وباقي البشر ان يتدخلوا فيها ويفرضون علي اي انسان او مجموعة من البشر كيف تكون هذه العلاقة , فحرية الاختيار واحترام حقوق الانسان هي اهم منجزات الانسان في القرن العشرين .. أن الله يحاسب البشر في الآخرة علي اساس فردي وليس جماعي .. فلماذا يريد ان يفرض علينا بشر فاني وجهة نظرهم في نوعية هذه العلاقة بين الانسان وخالقه .
أن أي محاولة لتحويل الدين من حالة فردية الي حالة جماعية لابد ان تؤدي الي القهر والاستبداد وسيطرة قلة تدعي انها تتكلم باسم الله علي باقي خلقه بصرف النظر ان كان الدين هو الاسلام او المسيحية او اليهودية او أي دين آخر سماوي او غير سماوي
ولهذا أبدي أسفي للجميع علي اضطراري لقول الحقيقة وهي أن الدين سواء رضينا أن لم نرضي تحول في العالم كله والعالم العربي الي قضية شخصية لن تستطيع جماعة أو حزب أو شخص أن يفرض مفهومه له علي الآخرين بالقوة .. سيبقي العامل الشخصي هو الذي يحدد علاقة الانسان بربه .. تمتليء المساجد والحمدلله بالمصلين ويكثر صراخ الخطباء بالويل والثبور والدعاء علي المخالفين والاعداء ..ثم يخرج الجميع ليمارس كل فرد مفهومه للدين و الحياة .. تخرج الغالبية لتمارس ما كانت فيه من غش ونفاق جريا وراء لقمة العيش وتوفيرها للأسرة لأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بدون هذا الغش وهذا النفاق لأن المجتمع الذي نعيش فيه لا يوفر الحد الأدني من الحياة الكريمة لأفراده ولا يوفر العدالة الاجتماعية وسيادة القانون ورغم ذلك نرفض النظام الذي وفر كل هذا لبشر لا يدينون بالاسلام ..
لماذا لم يسال أحد نفسه في مصر والعالم العربي لماذا زاد تحجب النساء وزاد أطلاق اللحية وزادت البرامج الدينية في التليفزيونات وزاد الصوت العالي لجماعات الاسلام السياسي .. ورغم ذلك نجد أن الكذب والنفاق والفساد السياسي والاخلاقي يزداد حدة .. لم يسال أحد نفسه لماذا زاد عدد نجوم الاعلام الديني الذين يزدادون ثراءا بينما الفقر يزداد بين عامة الشعب مما يضطرهم الي مخالفة كل تعاليم الدين ..اي دين وليس الاسلام فقط لكي يستطيعون البقاء علي قيد الحياة في خضم تحكم قلة في الثروة والسلطة وسيطرة الفساد والواسطة والمحسوبية التي يمارسها الجميع من شيخ الازهر الي اصغر فرد في المجتمع مهما لبس لبوس الدين والتقوي.. لماذا ازدادت عمليات العنف الموجهة للداخل والخارج ورغم ذلك يزداد ضعفنا وهواننا علي انفسنا وعلي الآخرين .. وتزداد هزائمنا العسكرية والحضارية علي كل الجبهات ..
نهاجم العري والتحرر في المسجد وشرائط الكاسيت ورغم ذلك تزيد متابعة الجمهور والشباب خاصة لكل أغاني العري وتزداد عدد قنوات التليفزيون التي تبث هذه البرامج علي الفضائيات ويمولها نفس الاشخاص الذين يمولون البرامج الاسلامية مثل برامج قناة أقرأ وبرامج عمرو خالد ..نفس الاشخاص يبيعون الوهم للجانيبين ليزدادوا ثراءا ونفس الاشخاص هم من يمولون العمليات الارهابية ليحتفظوا بتسلطهم علي الجميع ويستطيعون ان يقفوا في وجه التحول الديمقراطي بحجة أنه قد يأتي بهؤلاء الارهابيين الي الحكم
لماذا ؟
لأننا لا نريد أن نعترف بالحقيقة أن مجال عمل الدين هو الفرد أساسا ومن خلال بناء الفرد المتدين والمسلم عبر مخاطبته بالحكمة والموعظة الحسنة وعبر ضرب المثل والقدوة من خلال العمل والانتاج والخدمات الاجتماعية التي تؤكد علي مبدأ التكافل الاجتماعي يمكن بناء المجتمع الاسلامي ..الذي أن تبني مفهوم الدولة المدنية من خلال مؤسسات ديمقراطية وتشريعية ومن خلال سيادة القانون وحق المواطنة الكاملة للجميع بصرف النظر عن الطائفة والمذهب والدين .. ستصبح هذه الدولة وهذا المجتمع فعلا مجتمع اسلامي واخلاقي و أنساني دون الحاجة لوضع يافطة الاسلام عليه ..
استكمالا لقول الحقيقة أقول لكم يا سادة أن مجال عمل الدين والاسلام هو القاع ابتداءا من الفرد بالحكمة ودون أكراه ولا عنف .. ومجال عمل السياسة هو أصلاح القمة .. اصلاح النظام ليكون نظاما ديمقراطيا تراعي فيه حقوق المواطن وتسود فيه العدالة والحرية ويتم فيه تداول السلطة دوريا وسلميا,,
ان فهمنا هذه الحقيقة رغم بساطتها ..سيتحول المجتمع وستتحول الدولة فعلا الي دولة تطبق روح الاسلام وجوهرة حتي ان لم تسمي دولة اسلامية وحتي ان لم يكن اسمها جمهورية يثرب الاسلامية .. أو دولة الخلافة
هذا هو المفهوم الحقيقي للدين والاسلام والدولة في القرن الواحد والعشرين في رأي العبد الغلبان
سامحوني ويؤسفني قول الحقيقة ..