القاموس القرآنى : البر

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٥ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : البر

مقدمة : جاء هذا من الباحث القرآنى الاستاذ أسامة قفيشة ، أكرمه الله جل وعلا ، قال : ( يقول جل وعلا ( انه هو البر الرحيم ) و يقول ( خير البرية ) و ( شر البرية ) انا اعلم ان الْبِر هو الخير ( بكسر الباء ) هل الْبَر تعني نفس المعنى أي الخير ، و لكن قوله جل وعلا خير البرية و شر البرية تعطي بأن الْبَر في تلك البرية لا يعني الخير ! ، أم أن الْبَر تعني الخالق و البرية تعني المخلوقات ! و عليه يختلف المعنى كليا بين الْبِر و الْبَر . ارجو منك الرأي في هذا . ). هى فرصة لنا لتدبر كلمة ( البر) فى القاموس القرآنى . وأقول :

أولا : بين اللسان والنفس 

1 ـ اللسان المادى محدود الامكانات عكس النفس البرزخية وآفاقها الهائلة فى التفكير. المعانى التى تجول فى النفس قد تكون لا نهائية ، ولكن قدرة اللسان عن التعبير عنها بالألفاظ محدودة .

2 ـ يترتب على هذا أن اللفظ الواحد تتعدد معانية ، بل قد تختلف معانى اللفظ الواحد ، وقد يأتى اللفظ الواحد مختلف التشكيل وما يترتب على إختلاف التشكيل من إختلاف المعانى ، ونظرة سريعة الى القواميس العربية وغيرها تجد معانى كثيرة ومختلفة للّفظ الواحد. ونعطى مثلا لهذا التنوع فى المعانى بكلمة ( البر).

ثانيا : ( البر) ( بفتح الباء  ) إسما من أسماء الله الحسنى

أسماء الله الحسنى تتنوع ، منها ما يدل على الهيمنة مثل العزيز المهيمن الجبار المتكبر ، ومنها ما يدل على الرحمة مثل الحليم الرءوف والبّر ( بفح الباء ) والرحيم . نفهم هذا من الآية الكريمة : ( إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴿٢٨﴾ الطور )، جاء (البر ) مرادفا للرحيم.

ثالثا : ( البارىء ) من أسماء الله الحسنى وهو مشتق من ( برأ ) أى خلق

1 ـ جاء هذا فى قوله جل وعلا : ( هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢٤﴾ الحشر)

2 ـ وبمعنى الخلق جاء (نبرأ ) فى قوله جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ) ( ٢٢﴾ الحديد )

3 ـ ولأنه جل وعلا هو ( البارىء ) أى ( الخالق ) فإن المخلوقات هى ( البرية ) ، وهذه المخلوقات ( البرية ) منها الأخيار ومنها الأشرار . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴿٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴿٧﴾ البينة )

4 ـ ومنها ( برأ ) بمعنى ( شفى ) وتأتى مرتبطة بالخلق ، كما جاء فى القرآن الكريم عن آيات عيسى ( أو معجزاته ): ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٤٩﴾ آل عمران )( إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ ) ﴿١١٠﴾ المائدة )

رابعا : ( البر ) ( بكسر الباء ) بمعنى ( التقوى )

تكرر هذا وصفا للمؤمنين وأمرا لهم ووعظا ، فى قوله جل وعلا :   

1 ـ  ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿١٧٧﴾ البقرة ). فى بداية الآية ملامح (البر ) وفى نهايتها وصف الأبرار بالصدق وبالتقوى . فالبر مرادف للتقوى.

2 ـ ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٨٩) البقرة ). البر هنا يعنى التقوى.

3 ـ ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿٩٢﴾ آل عمران ). لنيل درجة ( البر) أن ينفق المؤمن إبتغاء مرضاة الله جل وعلا من أحسن ما يحب .

4 ـ (  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾ المائدة ). التعاون على البر والتقوى نقيضه التعاون على الإثم والعدوان.

5 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٩﴾ المجادلة ). هذا فى تشريع المناجاة أن تكون بالبر والتقوى.

6 ـ ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٤٤﴾ البقرة ). هذا تأنيب وعظى لأئمة اهل الكتاب .

خامسا : وتكرر الوصف لأهل الجنة بأنهم ( الأبرار ) . قال جل وعلا :

1 ـ  ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿١٣﴾ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴿١٤﴾ الانفطار )( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾ المطففين ) ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾ المطففين ) ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴿٥﴾ الانسان )

2 ـ ودعاء المؤمنين أن يكونوا يوم القيامة مع الأبرار المتقين فى الجنة :( رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴿١٩٣﴾ آل عمران )

3 ـ ومعلوم أن الجنة لا يدخلها إلا المتقون : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ) ﴿٦٣﴾ مريم  )

سادسا : (البر )  ( بفتح الباء ) بمعنى ( اليابسة ) أى نقيض ( البحر ).

وجاء هذا فى قوله جل وعلا :  

1 ـ فى تشريع الطعام : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٩٦﴾ المائدة )

2 ـ فى علمه جل وعلا بالغيب :  ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٥٩﴾ الانعام )

3 ـ عن معاصى الناس وتأثيرها فى التلوث برا وبحرا : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) ﴿٤١﴾ الروم )

4 ـ عن نعمته جل وعلا ورحمته بالناس فى ظلمات البر والبحر :

4 / 1 : ( أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ تَعَالَى اللَّـهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴿٦٣﴾ النمل )

4 / 2 : ( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾  الانعام )

4 / 3 : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )﴿٩٧﴾ الانعام )

5 : والناس إذا تعرضوا للغرق وهم فى البحر دعوا الله جل وعلا مخلصين له الدين فإذا أنجاهم الى البر أعرضوا. وتكرر هذا الحال فى هذا الآيات الكريمة وعظا :

5 / 1 : ( وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿٣٢﴾ لقمان )

5 / 2 :( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴿٦٥﴾ العنكبوت )

5 / 3 : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴿٢٢﴾ يونس )

5 / 4 : ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا ﴿٦٧﴾ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا ﴿٦٨﴾  أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴿٦٩﴾  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾الاسراء )

اجمالي القراءات 4660