كان هناك قصر ضخم لأحد الأغنياء، ملحق به غرفة خارجية، جهزها بأفخم الأثاث، بها حمام منفصل عن القصر، ونظراً لإتساع مساحة القصر، فإن صاحبه لم يذهب لتلك الغرفة إلا قليلاً، حتى غاب عنها عام كامل، لكنه .. نسي أن يحكم غلق نافذة الغرفة في آخر مرة تواجد فيها، وترك مساحة صغيرة مفتوحة من النافذة، تسمح بدخول الحشرات.
وبدأت الحشرات التي تبحث عن مأوى آمن، تراقب غرفة القصر الخارجية الفارهة، فجاءت نحلة تستكشف المكان، فوجدته آمن، وصالح لبناء بيت للنحل، وما لبثت أن أخبرت أهلها، حتى أتوا وبنوا بيتاً من العسل.
ثم جاء عنكبوت بصحبة رفيقته، يبحث أيضاً عن مكان آمن، فوجد أن الغرفة تفي بالغرض، فدخلا وبنا بيتاً في أعلى سقف الغرفة.
كما جاء صرصار مع رفيقته، فوجدا بالوعة في حمام الغرفة، تصلح لإقامتهما الدائمة الآمنة.
ومرت الأيام والشهور بالغرفة، وتكاثرت الحشرات التي تنعم بالأمان، والإستقرار، بخلاف المتعة التي وجدوها داخل الغرفة الفارهة، فكان معشر النحل، والعناكب، ينعمون تارة بالنوم على الأثاث الفاخر، وتارة في التجول بين التحف، والزينة ذات الروائح الزكية.
إلا الصرصار ورفيقته، وقبيلتهما التي نتجت عن تزاوجهما، لم يتركوا بالوعة الحمام أبداً !، وإذا ما خرج أي منهم، فإنما يخرج للإستكشاف، والتأمين، ثم يعود أدراجه بسرعة.
وكلما خرج صرصار من البالوعة، وإلتقى بنحلة، أو بعنكبوت، عن طريق الصدفة، كان الأول يشعر بالخزي !، بينما كان النحل والعناكب يشعران بالزهو، والرفعة !.
وفي أحد الأيام إلتقت نحلة صغيرة، بعنكبوت صغير مصادفة أثناء التجول بالغرفة، فتبادلا الحديث :
- النحلة : أنا من خلية النحل الثابت على الفخار الثمين بالحائط هناك.
- العنكبوت : وأنا من بيت العناكب الكائن أعلى الغرفة، الثابت بسقفها.
- النحلة : نحن معشر النحل نشعر بالسعادة في هذه الغرفة.
- العنكبوت : ونحن أيضاً معشر العناكب، سعداء بأننا شركاء النحل في الغرفة، وما يعكر صفونا إلا وجود الصراصير معنا.
- النحلة : إنهم قوم نشمئز منهم .. رائحتهم كريهة، وطعامهم عفن مقزز، وأنا لا أعلم لماذا لا يخرجون من البالوعة ليستمتعوا معنا بالحياة في الغرفة الفارهة.
- العنكبوت : إن الصراصير في مرتبة سفلى !، وهم لا يجرؤون على مجاراة النحل، أو العناكب، فقد نشأوا على حياة المذلة وسط القاذورات، فإن حاولتي تنظيفهم سيقتلون أنفسهم.
وجاء يوم علم فيه أحد الدبابير، بأن النحل والعناكب، تقطن في الغرفة الفارهة، فسارع وأخبر قبيلته، وقرروا مهاجمة كل الحشرات بالغرفة.
وجاء يوم الهجوم، فأكلوا بيت النحل، وقتلوا كل أفراد الخلية، كما قتلوا كل العناكب، ولم ينجو من الحرب إلا النحلة الصغيرة، والتي سقطت أثناء الحرب، في البالوعة عند الصراصير، مغشياً عليها.
وبعد مرور ساعة، إنتهت حرب الدبابير، وإستفاقت النحلة الصغيرة من غيبوبتها، وإذ بها تجد نفسها بين الصراصير وسط المجاري !، شعرت النحلة بالقيئ، بينما الصرصار الكبير يقدم لها الطعام العفن، آتياً به من المجاري، فشكرته النحلة، وهي تحاول الإبتعاد عنه :
- النحلة : شكراً لا أريد هذا الطعام.
- الصرصار : أراكِ تتكبرين على طعامنا، بينما أنتِ الآن وحيدة، فلا أهل لكِ ولا صُحبة إلا نحن، وعليكي أن تتكيفي مع حياتنا إن أردتِ أن تعيشي.
- النحلة : وأي حياة هذه التي ساعيشها، إنكم قوم تعيشون على الفضلات، ولم أخلق لمثل هذا.
- الصرصار :
- (حقاً أننا فقراء، لكننا أحياء، وأهلك اليوم أمواتا)
- (حقاً أننا سكان بالوعات، لكنك فقدتِ بيتك في الغرفة الفارهة)
- (حقاً أننا نأكل الفضلات، وأنت فقدت طعامك)
- (حقاً أننا سكان الأسفل بيد أننا في أمان فلن يطمع الدبابير في بيوتنا، لكنكم يا سكان الأعالي، صرتم مطمعاً).
- النحلة : إذاً فأنت تحاول إقناعي، بأن أعيش كما تعيشون، أقطن في الأسفل، وآكل من أحط الطعام، وأرتضي الذل، وكل ذلك في مقابل، أن أعيش في أمان.
- الصرصار : نعم .. وليس أمامك خيار.
- النحلة : قد سمعت منك، فاسمع مني : سأخرج من البالوعة لأواجه مصيري، فإما أن أنجو بنفسي، وأتمكن من الخروج من الغرفة، لأبحث عن عالم آخر، أو أنني سألقى حتفي، وسيقتلني الدبابير، وصدقني يا صرصار .. لن أتمكن من العيش معكم، فما خلقني الله إلا نحلة، أما أنتم فقد خلقتم صراصير.
وقررت النحلة ترك البالوعة، والخروج لمواجهة مصيرها .. فإما حياة ترتضيها، أو الموت، بيد أنها تعرضت لمطارة الدبابير، اللذين إقتربوا منها لقتلها، وقبل أن يجهزوا عليها، إذا بباب الغرفة يفتح !، قد كان صاحب القصر، ومعه فرقة متخصصة لإبادة الدبابير.
إنتفضت الدبابير لحظة فتح باب الغرفة، وهاجموا الفرقة التي جاءت لإبادتهم، وانشغلوا بحربهم الجديدة.
وتركوا النحلة الصغيرة، التي فازت بحياتها لمرة أخرى، فطارت تبحث لنفسها عن عالم أفضل.
شادي طلعت