القاموس القرآنى : خليفة
مقدمة : جاءنى هذا السؤال : ( لدي سؤال اود طرحه على حضرتك وهو: مامعنى الخليفة , وما معنى امير المؤمنين ومالفرق بين التسميتين؟ وكلمة الخليفة, اليس اصلها من كلمة خلف يخلف خليفة , اي ياتي من بعده , فمن كان المقصود به والذييخلفه الخليفة ؟ واسمع بان مجموعة من الاخوة المسلمين يريدون ارجاع عصر الخلافةوتعيين خليفة للمسلمين , فاين تعتقد ستكون العاصمة المقترحة للخلافة , و اعتقدالاخوة السنة هم الذين يفكرون بهذا , فما دور او رأي الدول التي اكثرها شيعة مثلايران مثلا؟ هذا السؤال راودني بعد ان قرأت خبرا يقول , في غزة وفي صلاة الجمعة, سمى خطيب الجمعة في خطبته السيداسماعيل هنية بخليفة الله على الارض . هل يجوز هذا؟. ولذلك راودني السؤال , فهل معنى كلمة خليفة هو خليفة الله على الارض؟ , هل يجوزهذا ؟, ما رأي حضرتك بماسمعته و كتبته هنا , ولحضرتك جزيل الشكر. ).
أولا : أقول سريعا :
1 ـ المعنى السياسى المتوارث لكلمتى ( خليفة ) بدأ بتولى أبى بكر الحكم بعد موت النبى ، أى ( خليفة رسول الله ) إنه جاء ( خلفه ) فى الحكم. ثم جاء بعده (عمر ) فقالوا ( خليفة خليفة رسول الله ) ، لقب طويل ومُملّ فإختاروا لقب ( أمير المؤمنين ) مع الاحتفاظ بلقب خليفة لأى حاكم يأتى مستبدا من عثمان الى آخر ( خليفة عثمانى ) .
2 ـ الأخ اسماعيل ابن الست هنية قيل إنه يتشبه بعمر بن الخطاب وقيل إنه يطمح الى أن يكون ( خليفة الله على الأرض ) أى أرض غزة ، وهو لا يستطيع أن يسافر خارجها إلا بإذن وزير الداخلية الاسرائيلى مثله فى ذلك الأخ محمود عباس . موقف الأخ ابن الست هنية يذكرنا بملوك الطوائف فى الاندلس ، وقد تكاثروا عددا وتطاحنوا وإستعان بعضهم على بعض بالأسبان والبرتغال ، ولكن إتفقوا فى أن يحمل كل منهم نفسه ألقاب الخلفاء العباسيين . فقال فيهم الشاعر ( ذو الوزارتين ) الوزير أبو بكر بن عمار:
مما يزهّدنى فى أرض أندلس
أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة فى غير موضعها
كالهرّ يحكى إنتفاخا صولة الأسد .
3 ـ الفاطميون فى دولتهم الشيعية إستخدموا لقب (خليفة ) لأنه اصبح المصطلح السائد .
4 ـ الذى إهتموا به هو الوصول الى الحكم أو الإحتفاظ به. ويا حبذا لو كان حكما بالدين الأرضى شيعيا كان أوسنيا أو حتى صوفيا . فالمستبد فى الدولة الدينية يحكم بسيف الشرع الذى يخترعه له فقهاؤه بالدين الذى يملكون. وبسيف هذا الدين يقتل من يشاء ويستبقى من يشاء ، ويملك الأرض والرعية ، فهو الراعى وهم الرعية ، أو الأنعام التى له حق رعايتها وحق ذبحها . ومن إعترض فجزاؤه القتل فى الدنيا والخلود فى النار ــ بزعمهم .
5 ـ هذا الحلم الجميل يراود الوهابيين الطموحين للسلطة . ليس أولهم الاخوان المسلمين وليس آخرهم ( داعش ) . وهناك رواية تقول إن الداعشى الذى كان يقوم على بيت المال هرب بالملايين وترك رسالة ساخرة لزملائه يقول لهم فيها : ( خلافة إيه يا أولاد الهبلة ). !
6 ـ أما عن عاصمة الخلافة المنتظرة فهى على رأى المطربة شادية (أى مكان .. صحرا إن كان ... أو بستان .. يبقى أمان ). ولكن يستحيل أن يتحقق الأمان . فقد تم تدمير الرقة وأخواتها . والخليفة المنتظر اسماعيل ابن الست هنية تحت الحصار يفتقد الأمان ، والخليفة الآخر ابو بكر البغدادى لا نعرف إن كان حيا أو فى خبر ( كان ) ..!.
7 ـ المؤسف أن إبن الست هنية يجعل نفسه ــ فيما يقال ــ خليفة الله . هذا يدخل بنا فى موضوعنا .
ثانيا : لا يصح أن يكون فلان بن فلانة خليفة الله
1 ـ .( خليفة ) يعنى شخص حلّ محل شخص غائب أو ميت . والله جل وعلا هو الحى الذى لا يموت ( الفرقان 58 ) وهو جل وعلا الذى لا يغيب لأنه جل وعلا هو الشاهد على كل شىء (إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴿٣٣﴾ ) النساء ) ، وهو جل وعلا معنا أينما كنا : (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٤﴾ الحديد ) وهو جل وعلا الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات والأرض (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٦١﴾ يونس ) وقد قال جل وعلا عن يوم الحساب : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴿٧﴾ الاعراف )
2 ـ يمكن القول بأن فلانا جاء خليفة فى غياب فلان ، إما بغياب مؤقت أو بغياب دائم ( الموت ) .
2 / 1 : الغياب المؤقت جاء فى قصة موسى حين غاب عن قومه ذاهبا لميقات ربه جل وعلا فى جبل الطورو( إستخلف ) أخاه هارون فترة غيابه . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) ﴿١٤٢﴾ الاعراف ) أى يكون خليفة له فى قومه فترة غيابه
3 ـ الغياب الدائم جاء فى قوله جل وعلا عن فرعون : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) ﴿٩٢﴾ يونس ). من خلفه أى الذين سيبقون ويأتون بعده ، سيظل جسده آية لهم . بينما نفسه هو وقومه فى عذاب البرزخ.
3 ـ ما يسرى على الشخص الواحد يسرى على أجيال البشر .
ثالثا : إستخلاف أجيال البشر جيلا بعد جيل
1 ـ بعد هلاك قوم نوح جاء قوم عاد من ذرية الناجين المؤمنين من اصحاب السفينة . قال لهم نبيهم (هود ) : ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) ﴿٦٩﴾ الاعراف ). وبعد هلاك قوم عاد جاء بعدهم وخلفهم من ذرية المؤمنين الناجين منهم قوم ثمود. قال لهم نبيهم (صالح ) : ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ )﴿٧٤﴾الأعراف )
2 ـ وفى كل الأحوال تستمر الحياة خلال ذرية تأتى من ذرية قوم آخرين وتموت فيخلفها من ذريتها قوم آخرون ، وقد قال جل وعلا للعرب الذين كانوا يستعجلون الهلاك وقت نزول القرآن ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴿١٣٣﴾ الانعام ).
3 ـ وقد يأتى ( خلفُّ ) من العصاة بعد ( سلف ) من الأبرار ، أو جيل عاص بعد جيل صالح. قال جل وعلا : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗوَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿١٦٩﴾ الاعراف ) ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴿٥٩﴾ مريم )
رابعا : الله جل وعلا هو الخالق الذى يستخلف البشر جيلا بعد جيل
1 ـ من صفاته جل وعلا أنه الذى جعلنا (خلائف الأرض ) ( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ) (٣٩﴾ فاطر )( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ) ﴿١٦٥﴾ الانعام ) (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴿٦٢﴾ النمل )
2 ـ هذا يعنى موت أو هلاك جيل ثم يحل محله جيل آخر .
2 / 1 : حدث هذا بعد غرق قوم نوح. المؤمنون الناجون فى السفينة أصبحوا وذراريهم خلائف فى الأرض : ( فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) ﴿٧٣﴾ يونس )
2 / 2 : وقالها النبى هود لقومه عاد يحذرهم مقدما : ( إِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚوَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) (٥٧﴾( هود )
3 ـ وفى كل الأحوال فإن الجيل الهالك الذى مات لا يمكن أن يرجع للحياة فى هذه الدنيا ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٩٥﴾ الأنبياء ) ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ يس ) ولكن سيتم تجميعهم يوم الجمع أى يوم القيامة ( وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ يس )
خامسا : إستخلاف الله جل وعلا للشخص أو للقوم هو إختبار لهم
1 ـ قالها جل وعلا للبشر وقت نزول القرآن يحذرهم : ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴿١٣﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴿١٤﴾ يونس ). جعلهم الله خلفاء بعد السابقين الهالكين ( ليختبرهم ) أو بالتعبير القرآنى (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ). وهو تعبير بالمشاكلة أى بالطريقة التى يفهمها البشر. وإلا فالله جل وعلا هو الذى يعلم الغيب ما مضى منه ما لم يأت بعد.
2 ـ وهو نفس المعنى فى قوله جل وعلا للنبى داود عليه السلام : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴿٢٦﴾ ص ). جعله خليفة بعد أن قتل جالوت : ( وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) ﴿٢٥١﴾ البقرة ) . وفى إستخلافه أمره الله جل وعلا ان يحكم بين الناس بالحق ونهاه عن إتّباع الهوى والضلال وحذّره من عذاب شديد يوم الحساب .
سادسا : الاستخلاف بين الاختيار والاختبار
الله جل وعلا هو عالم الغيب والشهادة ، وهو الذى يعلم مقدما ما سيحدث من البشر فى موضوع الاستخلاف والابتلاء ، ومن منهم سينجح ومن سيفشل . ولكن علمه جل وعلا لا يتدخل فى مشيئة البشر وإختيارتهم . بل إن الله جل وعلا فى الاختبار يعظهم ويحذرهم ولكن من يشاء الضلال يظل سادرا فى ضلاله الى هلاكه ، ثم إن الانسان وهو يختار لا يعلم الغيب ، فيشاء ويختار بمحض إرادته بعيدا عن علم الله جل وعلا بما سيكون من أمر.
ونأخذ من قصة فرعون وموسى الدليل :
1 ـ إرادة الله جل وعلا فى البداية أن يستخلف المستضعفين من بنى اسرائيل ليرثوا ملك فرعون وقومه البُغاة . قال جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٤﴾ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴿٥﴾ القصص ).
2 ـ إستخدم فرعون أقصى إمكاناته فى الطغيان والفساد والعصيان ، سواء فى تعذيب بنى اسرائيل أو فى تحدى رب العزة جل وعلا الى حدّ الزعم بأنه الرب الأعلى وأنه لا إله غيره للمصريين ، والإصرار على هذا برغم الآيات التى أراها الله جل وعلا له ، منها آيات على يد موسى وإنذارات بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والدمامل ، وهذا مع ان الله جل وعلا أمر موسى وهارون أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى . إختار فرعون بمحض إرادته الطغيان والعصيان ، فحقق هو بذلك لنفسه وقومه ما أنبأ به رب العزة سابقا ، من أن يرث المستضعفون الاسرائيليون مُلك مصر الذى كان يتباهى به فرعون .
3 ـ إشتكى بنو اسرائيل لموسى: ( قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) وأجاب موسى عليه السلام : ( قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴿١٢٩﴾ الاعراف ). أى هو وعد لهم بالاستخلاف الذى سيكون إختبارا لهم، وبتعبير المشاكلة : (فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ). وهو جل وعلا الذى يعلم مقدما ما سيكون.
4 ـ وتحقق ما أنبأ به عالم الغيب والشهادة جل وعلا :( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴿١٣٧﴾ الاعراف ) ( فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٧﴾ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿٥٨﴾كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ﴿٥٩﴾ الشعراء ).
5 ـ هو نفس الوعد الذى جاء للصحابة فى أول عهدهم بالمدينة حيث كانوا يخافون أن يتخطفهم الناس وحيث تابعتهم قريش بالغارات الهجومية . قال جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾ النور ). تحقق هذا حين دخل الناس فى الاسلام السلوكى ( ألسلام ) أفواجا . بعده كفرت قريش بالفتوحات الباغية .
6 ـ فى ضوء الاختبار والإختيار والاستخلاف نفهم قوله جل وعلا : ( قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿٢٦﴾ آل عمران)
أخيرا : آدم جعله الله جل وعلا خليفة فى الأرض
1 ـ آخر جيل من البشر هو الذى سيشهد قيام الساعة ، وقبل قيامها بقليل سيشهد هذا الجيل خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض .
لا يمكن لأى جيل سابق مات أن يعود حيا للأرض ، وهكذا الى آخر جيل من البشر. قال جل وعلا: ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٩٥﴾ الأنبياء ) بعدها كانت الإشارة لخروج يأجوج ومأجوج :( حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴿٩٦﴾ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٩٧﴾ الانبياء )
2 ـ آخرعلامات قيام الساعة ، قبيل (ساعة الصفر) هو خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض.الحديث عن يأجوج ومأجوج جاء مباشرا فى قوله جل وعلا : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) ( ـ الكهف ـ 93 : 99 ) (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ )( الأنبياء 95 : 97)
3 ـ والحديث القرآنى غير المباشر عن يأجوج ومأجوج جاء فى معرض خلق آدم وكونه خليفة فى الأرض يخلف قوما كانوا فيها مفسدين فى الأرض ويسفكون الدماء : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة 30 ). ( آدم ) هنا ليس ( خليفة الله ) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ولكنه كان خليفة ليأجوج ومأجوج الذين تم تغييبهم فى باطن الأرض.
4 ـ والمستفاد من القرآن الكريم أن يأجوج ومأجوج كانوا هم المتحكمين فى هذه الأرض قبل نزول آدم وتكاثر ذريته فيها ، وبمجىء آدم وذريته فان المنتظر أن يبيدهم يأجوج ومأجوج باعتبار أنه كانت لهم السيطرة ، وحتى تتحقق خلافة آدم وأبناء آدم على الأرض وينالوا حظهم من التطور ، وحتى لا يبيدهم يأجوج ومأجوج فقد أرسل الله تعالى (ذا القرنين ) الذى أدخل يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض وبنى عليهم سدا أو ردما ، فأصبحوا داخل جوف الأرض وتأقلموا على ذلك ، وأتيحت الفرصة لبنى آدم ليحققوا خلافتهم على سطح الأرض وليتطوروا نفس التطور الذى عاشه يأجوج ومأجوج من قبل ، ثم قبيل زلزال الأرض الأعظم الذى يخرج من الأرض أثقالها ( سورة الزلزلة ) يحس به يأجوج ومأجوج فيدمرون السد ويخرجون الى سطح الأرض يختلطون بالبشر يموج بعضهمم ببعض لحظة الفزع الرهيب عند قيام الساعة وتدمير العالم .
5 ـ أى إن يأجوج ومأجوج كانوا على سطح الأرض قبل الجنس البشرى ثم انتقلوا الى باطن الأرض ولا يزالون موجودين فيها ، وسيظلون هكذا الى أن يخرجوا من باطن الأرض الى سطحها قبيل تدمير العالم وحلول ساعة الصفر.
والتفاصيل جاءت فى مقال سابق منشور هنا ، وهو (علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر ) .