أفراس النهر .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الأربعاء ٠٦ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كان "يكن"، رئيساً لجمعية خيرية في بلده البني، وكان لجمعيته فروع عديدة، إفتتح آخرها في حي شعبي، فوجد في هذا الحي .. أمراض منتشرة، وفقر مدقع، وحالة بؤس تبدو على وجوه ساكني الحي !.

فقرر أن يتقدم لإحدى الجهات المانحة الإنجليزية، ليحصل على مشروع خيري، بقيمة مالية تتجاوز الـ 2 مليون إسترليني، ليوزعها على النساء المعيلات، ليتمكن من العمل بالتطريز، وبعد أن أتم مشروعه، راجع ميزانيته، إقتنعت الجهة المانحة بالمشروع، وقررت أن ترسل باحثاً من عندها، ليكتب تقريراً لها عن هذا الحي الشعبي، كخطوة أخيرة قبل إعطاء "يكن" المنحة.

 

وإختارت الجهة المانحة الإنجليزية الباحث "أشقر"، والذي له من الخبرة، الكثير والكثير في مجال العمل العام، وبعد أن وصل أشقر إلى الحي الشعبي، وجد أن أكثر من 90 %، من نساء ورجال الحي، يتسمون بالبدانة لدرجة كبيرة !، سواء كانوا كباراً أم صغارا، وكان الفقر بادياً عليهم جميعاً، فطلب من "يكن"، أن يعد له لقاء مع بعض نساء الحي، المزمع إشراكهم في المنحة، فكان له ما أراد، وتم ترتيب لقاء بينه وبين خمسة من نساء الحي، أكبرهن جدة، وأصغرهن عذراء تحت العشرين.

لكن .. كان هناك قاسم مشترك بين الخمسة نساء .. فجميعهن بدينات لدرجة ملفتة، فرقابهن ممتلئة لدرجة تبدو أنها في حجم أجسادهن، وهنا سأل أشقر النساء :

 

  • أشقر : لماذا أنتن بدينات ؟، فإن كان ذلك من كثرة الطعام، فأنتن إذاً غير فقيرات، وإن كان بسبب مرض، فلماذا لا تبحثون عن الدواء ؟.

 

  • النساء : ليس من كثرة طعام، فنحن لا نأكل كثيرا، أو بسبب مرض، فنحن أصحاء، إنها عوامل وراثية، فها هي أكبرنا سناً، بدينة الجسد، وتلك العذراء تشبهها.

 

  • أشقر : لماذ تنجبون إذاً، إن كنتم على علم بأن الذرية ستتوارث البدانة.

 

  • النساء : إنها إرادة الله، والأبناء نعمة، فهل تريد أن تمنع عنا عطية الله.

 

  • أشقر : وهل رجالكم قادرين على الإنفاق على عائلاتهم.

 

  • النساء : لا.

 

  • أشقر : فلماذا تحملون الرجال عبء الإنفاق ؟.

 

  • النساء : إن رجالنا، أكثر حرصاً منا على الإنجاب، وهم يدركون أن الله وحده يرزق الجميع، كما أننا إن كنا بدينات، فرجالنا أيضاً يشاركونا البدانة.

 

  • أشقر : أي نعمة هذه في الإنجاب، وأنتم تنجبون أطفالاً ليعذبوا في الحياة.

 

  • النساء : جميعنا يريد أن يكون أبناؤه الأفضل في العالم، ونجتهد لذلك رجالاً ونساء.

 

  • أشقر : حتى وإن إجتهدتم للإنفاق على الذرية، فماذا تتوقعون أن يكونوا ؟، إنهم لن يختلفوا عنكم يا معشر البنيين، فمن أين سيأتي نابغة، وأنتم محدودي القدرات، مورثين للبدانة.

 

  • النساء : إنه إيمان منا بما نعتقد.

 

  • أشقر : ألا تعني الوجاهة لكم شيئاً.

 

  • النساء : وفي أي أمر نحتاج الوجاهة ؟.

 

  • أشقر : إن لم تكن الوجاهة مهمة للناس، فلأنفسكن.

 

  • النساء : نحن إرتضينا أشكالنا بما ترانا عليه.

 

إنتهت المقابلة، وقرر أشقر، أن يقوم بزيارة السوق، فوجد الزحام الشديد على أسواق اللحوم، والدجاج، والأسماك، ووجد أن المستهلكين يشترون كميات كبيرة من الطعام !، مما يدل على أن تلك الكميات تستهلك من عدة أفراد في الأسرة الواحدة عددهم غير قليل !، أو أن سكان الحي يأكلون كثيراً.

فقرر أشقر .. أن يقوم بعمل مأدبة غداء لأسرتين متباعدتين من الحي، وطلب من يكن أن يختارهما للدعوة للمأدبة.

وجاء يوم الغداء، وأتت أسرتين، تتكون كل منهما من زوج وزوجة، وثلاثة أبناء، فكان العدد عشرة بخلاف كل من أشقر ويكن، وكانت المأدبة تكفي لعشرين فرد على الأقل.

وحرص أشقر على متابعة الأسرتين أثناء الأكل، وبغض النضر عن كون كل أفراد الأسرتين سمان !، إلا أن سمنتهم لو كانت بسبب الوراثة كما يدعون، فإنهم لن يكثروا من الطعام.

لكن الأسرتين أجهزتا على كل الطعام !، فعلم "أشقر" أنهم قوم يحبون الطعام، وما سمنتهم إلا بسبب أفواههم التي لا تغلق !.

إنتهت رحلة بحث "أشقر"، وإنتظر "يكن" أن يكتب الرجل تقريره النهائي، حتى يحصل على المنحة، إلا أن أشقر إنتهى من إعداد التقرير، بيد أنه أوصى الجهة المانحة برفض المشروع.

 

تذمر "يكن"، من تقرير أشقر، وسأله :

 

  • يكن : أوجدتني كذبت في مشروع المنحة.

 

  • أشقر : لا.

 

  • يكن : فلماذا رفضت المشروع ؟.

 

  • أشقر : سكان الحي .. لا يدركون أنهم بشر، إنهم ليسوا بحاجة إلى نجدتهم من الفقر، فإنفاقهم على الطعام فيه بذخ، إنهم بحاجة إلى مزيد من الوعي، لتحديد النسل، وأن يعلموا أن المعدة بيت الداء، قد أصبحوا من شدة بدانتهم، كــ "أفراس النهر"، شكلاً، وموضوعاً، غير مدركين قدراتهم الإنسانية.

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 5010