نقد كتاب تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر لابن الجوزى
مؤلف كتابنا جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الخزرجي المعروف بابن الجوزى والكتاب يدور حول تقسيم مراحل العمر وأهم ما يدور فى كل مرحلة منها من أمور وأفعال
قال ابن الجوزى فى باب ذكر مواسم العمر:
"اعلم وفقك الله تعالى أن مواسم العمر خمسة: الموسم الأول: من وقت الولادة إلى زمان البلوغ، وذلك، خمس عشر سنة
والثاني: من زمان بلوغه إلى نهاية شبابه، وذلك إلى تمام خمس وثلاثين سنة، وهو زمن الشباب
والثالث: من ذلك الزمان إلى تمام خمسين سنة، وذلك زمان الكهولة وقد يقال: كهلِ لما قبل ذلك
الرابع: من بعد الخمسين إلى تمام السبعين، وذلك زمان الشيخوخة
والخامس: ما بعد السبعين إلى آخر العمر، فهو زمن الهرم
وقد يتقدم ما ذكرنا من السنين ويتأخر "
تقسين المراحل لخمسة هى الطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة والهرم يخالف ما جاء فى القرآن وهى الطفولة والشباب وهى الأشد والشيخوخة كما قال تعالى :
"هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى ولتبلغوا أجلا مسمى "
فهنا الطفولة والأشد والشيخوخة وهو ما كرره الله تحت مسميات أخرى فى قوله :
"الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة "
فالضعف الأول وهو الطفولة ثم القوة وهى الأشد أى الشباب ثم الضعف الثانى وهو الشيخوخة والغريب أن الكلمة المتداولة فى حياتنا وهى الشباب لا وجود لها فى القرآن وهو ما يوحى بأنها تعبير خاطىء عن مرحلة الأشد فمرحلة الأشد لا يوجد شباب أى نمو أى تطاول فى البنيان وهو الجسد فهذا هو ما يحصل فى مرحلة الطفولة من اولها حتى منتهاها
ويبدو أن كلمة الكهولة تعنى الأشد وأما الهرم فهى تعنى الشيخوخة ومنها جزء يحدث للبعض دون البعض وهو أرذل العمر أى أسوأ ما يحدث الإنسان وهو النسيان المتدرج لنسيان كل شىء وهو ما جاء فى قوله تعالى :
"ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا "
والكلمة الحكمة فيما قاله ابن الجوزى هو أنه لا توجد سن معينة لمعرفة بداية ونهاية المراحل الوسطى فالمعروف فقط هو أن الولادة بداية سن الطفولة
وقال ابن الجوزى فيما يحدث فى مرحلة الطفولة:
"اعلم أن هذا الموسم يتعلق معظمه بالوالدين، فهما يربيان ولدهما ويعلمانه، ويحملانه على مصالحه، ولا ينبغي أن يفترا عن تأديبه وتعليمه؛ فإن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر
قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى: قَوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارا: علموهم وأدبوهمفيعلمانه الطهارة، والصلاة ويضربانه على تركها إذا بلغ تسع سنين، ويحفظانه القرآن، ويسمعانه الحديث، وما احتمل من العلم أمراه به، ويقبحان عنده ما يقبح، ويحثانه على مكارم الأخلاق، ولا يفتران عن تعليمه على قدر ما يحتمل؛ فإنه موسم الزرع"
صدق الرجل فى كون الطفل يحتاج للتعليم والتأديب ولكن ما أخطأ فيه هو أن عاتق معظم المرحلة يقع على عاتق الأبوين فالمسئولية هى مسئولية المجتمع ككل مجتمع البيت والجيرة والمسجد والملعب والمدرسة وغيرها من مؤسسات المجتمعة فإن كانت هذه المؤسسات تسير على نهج واحد صلح التعليم والتربية وإن سار كل منها على نهج فغالبا يفشل التعليم وتفشل التربية
وآتانا ابن الجوزى بأقوال عن كون الأدب والتعلم يكونان نفى مرحلة الصغر فروى التالى:
قال الشاعر:
لا تَسهُ عَن أَدَبِ الصَغي رِ وَإِن شَكى أَلَمَ التَعَب
وَدَع الكَبيرَ لِشانِهِ كَبُرَ الكَبيرُ عَنِ الأَدَب
وقال غيره:
إِنَّ الغُصونَ إِذا قَوَّمتَها اِعتَدَلَت وَلا يَلينُ قَوَّمتَهُ الخَشَبُ
قَد يَنفَعُ الأَدَبُ الصَغير في مَهلٍ وَلَيسَ يَنفَعُ في ذِى الشَيبَةِ الأَدَب"
المقولة خاطئة فالتأدب والتعلم يكون فى كل مراحل التعلم فالنبى(ص) قال الله له والوحى نزل عليه فى الأربعين وما بعده " وقل رب زدنى علما " كما أن تعليمه كان للمؤمنين وكلهم قد تجاوزا مرحلة الطفولة فقال تعالى لهم فى تعليمهم :
""هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"
ووضح ابن الجوزى أن العقل قد يأتى الطفل فى الصغر المبكر جدا فقال :
"وقد يرزق الصبي ذهناً من صغره فيتخير لنفسه؛ كما قال الله تعالى: وَلَقَد آتينا إِبراهيم رُشدَهُ من قَبل فذكر في التفسير: أنه كان ابن ثلاث سنين، فقال للكوكب والقمر والشمس ما قال، إلى أن قال: وَجَهتُ وَجهي لِلَّذي فَطَرَ السَمَواتِ وَالأَرض" وقال:
"فإذا عبر الصبي خمس سنين بان فهمه ونشاطه في الخير، وحسن اختياره، وصدف نفسه عن الدنايا وعكس ذلك،مر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على صبيان يلعبون، فنفروا من هيبته، ولم يبرح ابن الزبير - رضي الله عنه - فقال له: مالك لم تبرح؟! فقال: ما الطريق ضيقة فأوسعها لك، ولا لي ذنب فأخافه
وقال الخليفة لولد وزيره وهو في دارهم: أيما أحسن دارنا أو داركم؟ فقال: دارنا قال: لم؟ قال: لأنك فيهاويتبين فهم الصبي وعلو همته وتقصيرها باختياراته لنفسه؛ وقد تجتمع الصبيان للعب فيقول العالي الهمة: من يكون معي، ويقول القاصر: مع من أكون ومتى علت همته آثر العلم"
وهو كلام تخريف فلا يمكن لطفل أن يفكر فى الألوهية ولا فى حسن اختيار تفكيرا صحيحا فى تلك المرحلة المبكرة من العمر وإنما يكون هذا بعد بلوغه سن الرشد وهو سن تلى البلوغ الجسمى كما قال تعالى:
"وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"
فمعظم ما يصنعه فى تلك الفترة هو تقليد لمن حوله
وقال ابن الجوزى فى وجوب تزويج الصبيان عند المراهقة:
"فإذا راهق الصبي فينبغي لأبيه أن يزوجه؛ فقد جاء في الحديث: من بلغ له ولد أمكنه أن يزوجه فلم يفعل، وأحدث الولد إثماً كان الإثم بينهما"والعجب من الوالد كيف لا يذكر حاله عند المراهقة، وما لقي وما عانى بعد البلوغ، أو كان قد وقع في زلة فيعلم أن ولده مثلهقال: إبراهيم الحربي: أصل فساد الصبيان بعضهم من بعض
وينزر من يؤثر العلم على النكاح ويعلم نفسه الصبر؛ فإن أحمد بن حنبل - رحمه الله - لم يتزوج إلا بعد الأربعين"
هذا الكلام مخالف للوحى الإلهى ففى كلام الرجل أن الأب من يزوج الصبى وهو ما يعنى أن من يعطيه المهر وينفق عليه وعلى زوجته وهو ما يناقض أن الزوج هو الدافع للمهر كما قال تعالى"وأتوا النساء صدقاتهن نحلة " كما أنه المنفق على زوجته كما قال تعالى ""الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"
وقال الرجل فى المرحلة الثانية عنده :
"وهو من زمان البلوغ إلى منتهى الشباب وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه الجهاد للنفس والهوى وغلبة الشيطان، وبصيانته، يحصل القرب من الله تعالى، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم وبالصبر فيه على الزلل يثنى على الصابرين، كما أثنى الله عز وجل على يوسف - عليه الصلاة والسلام - إذ لو زل من كان يكون
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : عجب ربك من الشاب ليست له صبوة
ويقول الله تعالى: أيها الشاب التارك شهوته من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي"
أما جهاد النفس والهوى فهو واقع فى المرحلتين الوسطى والأخيرة إلا أن يكون فى الشيخوخة فى أرذل العمر فليس هناك جهاد بسبب النسيان ويقع للطفل فى العديد من الأحيان
وحكاية القول عن الله خاطئة فترك الشهوة على اطلاقه حرام فالله أباح قضاء الشهوات بالحلال فشهوة الجماع مباحة بالزواج وشهوة الولد مباحة بالزواج
وبين ابن الجوزى أن على الشاب معرفة الله بالدليل وليس بالتقليد فقال :
"وليعلم البالغ أنه من يوم بلوغه وجب عليه معرفة الله تعالى بالدليل لا بالتقليد، ويكفيه من الدليل رؤية نفسه وترتيب أعضائه، فيعلم أنه لا بد لهذا الترتيب من مرتب، كما أنه لا بد للبناء من بان"
وهو كلام صحيح فلابد أن يعرف وجود الله عن طريق الأدلة وليس بمجرد تصديق ما يقوله المجتمع حوله
وبين الرجل أن على الشاب أن يعرف أنه مراقب من الله بواسطة الملائكة الكتبة حتى ينتهى عن الشر ويفعل الخير فقال:
"ويعلم أنه نزل إليه ملكان يصبحانه طول دهره، ويكتبان عمله، ويعرضانه على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَإِن عَلَيكُم لَحافِظين كِراماً كاتِبين يَعلَمونَ ما تَفعَلون
قال محمد بن الفضل: منذ أربعين سنة ما أمليت على كاتبي سيئة، ولو فعلت لاستحيت منهمافلينظر العبد فيما يرتفع من عمله، فإن زل فليرفع الزلل بتوبة واستدراك"
والخطأ هو نزول الملائكة الكتبة للأرض لكتابة الأعمال وهو ما يخالف أنهم لا ينزلون الأرض لعدم اطمئنانهم فيها وفى هذا قال تعالى :
""قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وذكر الرجل أن الشباب هو سن شهوة الجماع فقال :
"وليغض طرفه؛ فقد قال الله عز وجل: قُل لِلمُؤمِنينَ يَغضوا مِن أَبصارَهُم
ويقول الله عز وجل: النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان، من تركه ابتغاء مرضاة الله آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ومن استعمل الغض سلم
وليكتف بالمرأة الواحدة، ولا يترخص في كثرة الاستمتاع بالنساء؛ فإنه يشتت القلب، ويضعف القوى، وليس لذلك منتهىوكان بعض السلف يقول لنفسه: ما ههنا إلا هذه الكسرة وهذه المرأة، فإن شئت فاصبري، أو فموتي
وكان خلق كثير يتأسفون في حال الكبر على تضييع موسم الشباب، ويبكون على التفريط فيه فليطل القيام من سيقعد، وليكثر الصيام من سيعجز
والناس ثلاثة: من ابتكر عمره بالخير ودام عليه فذلك من الفائزين، ومن خلط وقصر فذلك من الخاسرين، ومن صاحب التفريط والمعاصي فذلك من الهالكين
فلينظر الشاب في أي مقام هو، فليس لمقامه مثل، وليتلمح شرف بضاعته وثمنهاالمستوفى فالصبر الصبر؛ فإن الساعي يصبر عن النكاح مع كونه شاباً شديد الشبق، فيقال له أحسنت فليصبر الشاب ليقال له: هَذا يَومُكُمُوليحذر زلله في الشباب؛ فإنها كعيب قبيح في سلعة مستحسنيهومن زل في الشباب فلينظر أين لذتها! وهل بقي إلا حسرتها الدائمة التي كلما خطرت له تألم، فصار ذكرها عقوبة، ومن خرق ثوب التقى بيع بالخلق والمكسور"
وهذا الكلام بالطيع خاطىء فشهوة الجماع ليست مرتبطة بمرحلة الشباب فقط بل هى مرتبطة بالإنسان حتى مماته وإن كانت تخفت عند النساء فى مرحلة الشيخوخة ولذا سمى الله يعضهم القواعد من النساء فقال :
""والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا"
وقدم الرجل بعض المواعظ فقال :
"قال الجنيد - رحمه الله - : لو أقل عبد على الله ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان الذي فاته أكثر مما حصل لهوكان بعض السلف - رحمه الله - يقول: وددت لو أن يدي قطعتا وغفر لي عن ذنوب الشبابوقلت يوماً في الوعظ: أيها الشاب أنت في بادية، ومعك جواهر نفيسة وتريد أن تقدم بها على بلد الجزاء، فاحذر أن يلقاك غرار من الهوى فيشتري ما معك بدون ثمن، فتقدم البلد فترى الرابحين فتفقع أسفاً، وتبكي لهفاً، وتقول: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله هيهات أن يرد الأسف ما سلف"
وذكر ابن الجوزى قصيدة وعظية من تأليفه وهو قوله:
"ومما قلته من الشعر في هذا المعنى:
أَمّا الشَبابُ فَظُلمَةٌ لِلمُهتَدى وَبِهِ ضَلالُ الجاهِلِ المُتَمَرِدِ
لَيسَ الَّذي تَرَكَ الذُنوبَ مَشيباً كَالتارِكِ لَها وَقتَ شَعرٍ أَسوَدِ
فَافَرَح إِذا جاهَدتَ نَفسَكَ صابِراً يا صاحِ صِح في اللَهوِ يا نارُ اِخمِدي
اِغنَم مَدِيحَةَ يُوسِفَ في صَبرِهِ وَاِحذَر تَعَجلَ آدَمَ في المَفسَدِ
لَولا اِجتَباهُ لَكانَ شَيناً فاضِحاً يَعصى فَيَالَكَ مِن حَزينٍ مُكمَدِ
فَاِقمَعهُ بِالصَبرِ الجَميلِ وَدُم عَلى الصَومِ الطَويلِ فإَِنَّهُ كَالمَبرَدِ
وَاّغضُض جُفونَكَ عَن حَرامٍ وَاِقتَنِع بِحَلالِ ما حَصَّلتَ تُحمَد في غَدِ
وَدَعِ الصَبا فَاللَهُ يَحـــمدُ صابِــراً يا نفـــسُ هَذا مَوسِــمٌ فَتَزّوَّدي
الصَبرُ عَن شَهوَاتِ نَفسِكَ تَوبَةٌ فَاِثبُت وَغالِط شَهوَةً لَم تَرقُدِ
تُحمَد هُناكَ إِذا هَواكَ تَرَكتَهُ يا سَعدُ تَسعَد بِالمَعاشِ الأَرغَدِ
إِن شِئتَ نَيلَ المَفاخِرَ في الطَريقِ الأَبعَدِ"
الخطأ كون الشباب ظلمة فالشباب ابتلاء الشاب هو من يجعله ظلام بإتباع الباطل وهو من يجعله نور بإتباع الحق والغريب أن الرجل خالف عقيدة أهل السنة فى أن الرسل(ص) لا يذنبون فتكلم عن فساد آدم(ص) بالأكل من الشجرة وهو قوله" وَاِحذَر تَعَجلَ آدَمَ في المَفسَدِ"
وقال الرجل فى الكهولة :
"هذا الزمان فيه بقية من الشباب، وللنفس فيه ميل إلى الشهوات، وفيه جهاد حسن، وإن كانت طاقات الشيب تزع وتظعن عن مهاد اللهووليكتف الكهل بنور الشيب الذي أضاء له سبيل الرحيل، وليعامل بالبقية المائلة إلى الهوى يربح، لكن لا كريح الشاب
قال الشافعي - رحمه الله - فيمن أتى امرأة وهي حائض: إن كان في أول الحيض فعليه دينار، وإن كان في آخره فنصف ديناروهذا لأنه في أوله قريب عهد بالجماع فلا يعذر، وفي آخره قد بعد عهده به فخفف عنه"
لا يوجد فى بقية فترة الأشد نقص فى الشهوات فالشهوات تظل مشتعلة ولكن بعضها قد يقل الانشغال به فى مقابل الانشغال بالأخرى ففى تلك السن تعظم شهوة السعى للمال نتيجة حاجات الأطفال الذين أنجبهم ويحتاجون لنفقات أكبر
والغريب أن الرجل ذكر أمر لا علاقة له بالكتاب وهو إتيان المرأة فى الحيض وكفارته وهو أمر يحدث فى أى فترة عدا فترة الطفولة
وكتب الرجل لنا قصيدته فى الفترة قائلا:
"ومما قلته في هذا المعنى:
قَد رَأَيتُ المَشيبَ نُوراً تَبَدّى نُوَّرَ الطُرقَ ثُمَّ ما إِن تَعَدّى
إِن نُورَ الشَبابِ عَارِيَةٌ عِندي فَجاءَ المُعيرُ حَتّى اِستَرَّدا
جاءَني ناصِحٌ أَتاني نَذيرٌ بِبَياضٍ أَراني الأَمرَ جِدّا
دَع حَديثَ الصَبى وَرَامَةَ وَالغَو رِ وَنَجداً يا سَعدُ واسعَ لِسُعدى
ثُمَّ خَلّى حَديثَ لَيلى ونُعمَ وَمَساعٍ وَكُلثُمَ دَع دَعدا
وَتَزّوَّد زادَ الشِتاءِ فَقَد فا تَ رَبيعٌ ضَيَّعتَ فيهِ الوَردا
قِف عَلى البابِ سَئِلاً عَفوَ مَولا كَ فَما إِن يَزالُ يَرحَمُ عَبدا"
والرجل هنا يؤكد على مقولة خاطئة وهى أن تلك السن يجب فيه التوبة عن أحاديث جمال النساء وحكاياتهن وهو كلام ينبغى التوبة منه فى كل مراحل العمر عدا الطفولة فالتوبة ليست لها وقت محدد
ونجد أن محقق الكتاب أو ناسخه ينقل لنا من كتب ابن الجوزى الأخرى فينقل قصيدة قائلا:
"وله أيضاً - رحمه الله- :
عِشتَ وَظِلُّ الشَبابِ مَمدُودُ وَالغُصنُ يَهتَزُّ وَالصَبا رُودُ
فَأَقبَلَ الشَيبُ في عَساكِرِهِ أُسودُ غابٍ فَغابَت السودُ
كُنتَ في ظُلمَةٍ فَأشرَقَ فَجرُ المَشي بِ فَاللَيلُ عَنهُ مَطرودُ
قَد مَيَّسَ الغُصُنُ في نَضارَتِهِ لَكِنَّهُ بَعدَ أَن ذَوَت عَودُ
وَجاءَكَ المَوتُ فَانتَظِرهُ وَذا العُم رُ يَسيرُ وَالسَيرُ مَعدودُ
لا بُدَّ مِن مُزعِجٍ عَلى غَرَرٍ هَيهاتَ بابُ البَقاءِ مَسدودُ
تَرَحَّل عَن كُلِّ مَا تَخلُفُهُ وَيَأكُلُ الجِسمُ في البِلى الدُودُ
نَعَم وَيَمحو الثَرى مَحاسِنَهُ لا تُعرَفُ البيضُ فيهِ وَالسودُ
وَالسَمعُ قَد صُمَّ عَن مَواعِظِهِ وَالجَهلُ فاسٍ وَالقَلبُ جُلمودُ
وقال - رحمه الله- :
ياهَل يَعودُ ما مَضى لِيَ رَجِعاً أَم هَل أَرى نُجومَهُ لَوامِعا
إِذا تَذَكَّرتُ زَماناً ماضياً جَدَّدَ حُزناً اِنقَضَّ الأَضالِعا
ما لِلشُموسِ قَد بَدَت أَوافِلا وَطَالَما رَأَيتُها طَوالِعا
كانَ الصَبا لَهواً عَجيباً حالُهُ يا سُرعانَ ما فُطِمتُ راضِعاً
بادِر بِذا الباقي وَأَدرِك ما مَضى لَعَلَّ ما يَبقى يَكونُ نافِعا
يا حَسرَتي عَلى ما قَد مَضى وَذَهَبَت أَيّامُه ضَوائِعا"
والقصائد غرضها التوبة من ذنوب الشباب والتحسر على ارتكابها
وقال الرجل فى الشيخوخة:
"قد يكون في أول الشيخوخة بقية هوى، فيثاب الشيخ على قدر صبره، وكلما قوى الكبر ضعفت الشهوة فلا يراد الذنب كما قال الشاعر:
تارَكَكَ الذَنبُ فَتارَكتَهُ بِالفِعلِ والشَهَوَةُ في القَلبِ
فَالحَمدُ لِلّهِ عَلى تَركِهِ لا لَكَ في تَركِكَ لِلذَنبِ
فإذا تعمد الشيخ ذنباً فهو مراغم، إذ الشهوة الطالبة قد خسرت؛ ولهذا قال رسول- الله صلى الله عليه وسلم - : أبغض الخلق إلى الله تعالى شيخ زان
ومنهم من يقصد المراغمة فيلبس الشيخ الخاتم الذهب
فالويل لمن لم ينهه شيبه عن عيبه؛ ما ذاك إلا لخلل في إيمانه وقد يقول الشيخ العالم: علمي يدفع عني! وينسى أن علمه حجة عليه
وقد رؤى بعض مشايخنا في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وهو معرض عني فقيل له: غفر لك وأعرض عنك!! فقال: نعم وعن جماعة من العلماء لم يعملوا بعلمهموقد رأيت بعض مشايخنا - وكان مفرطاً - وهو عريان، وقد تعلق بثديه ثلاث كلاب صغار - والجرو منهم - يمص ثديهوقد رؤي في المنام يحيى بن أكثم فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قال لي يا شيخ السوء وكذلك منصور بن عمار
قال الفضيل - رحمه الله - : يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد قال الله - عز وجل - قُل هَل يَستوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ
قال أبو الدرداء: ويل لمن عمل ولا يعلم مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات
وقال: أخوف ما أخاف أن يقال لي: عملت فإن قلت: لا، فقد علمت، وإن قلت: نعم، لم يبق آية آمرة أو ناهية إي وتجتني"
القول أن الهوى يقل جدا فى الشيخوخة أمر خاطىء فالهوى يظل موجودا والشهوات تظل موجودة ولكن نتيجة الضعف الجسمى يقل النشاط حسب حالة كل فرد الجسمية والشيخوخة قد تبدأ عند البعض فى سن مبكرة كالأربعين وتبدأ عند بعض أخر فى الستين أو السبعين ومن ثم لا يمكن أن تكون الأحوال واحدة بين الكل والأقوال التى رواها عن بعض الناس لا يعتد بمعظمها لمخالفتها الوحى كالغفران للجاهل قبل العالم فالمغفرة تحدث لمن استغفر كما قال تعالى "ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" وكالغفران مع الإعراض فالله لا يعرض إلا عمن لم يغفر له فهو كلام متناقض
ويبدو أن المحقق أو الناسخ مغرم بأن يقول من عنده فقد كرر القول :
"قال المصنف - رحمه الله تعالى " عدة مرات خاصة مع ذكر أشعار ابن الجوزى وهو زيادة تجعل الناس تظن أن الرجل لم يكتب الكتاب
وقال الرجل فى قصيدته عن الشيب:
ومما قلته في ذكر الشيب:
غَرَرنا بِالشَبابِ المُستَعارِ اَفَقنا بِالمَشيبِ مِنَ الخَمارِ
أَنارَ لَنا المَشيبُ سَبيلَ رُشدٍ وَنَدِمنا على خَلعَ العِذارِ
فَوا أَسَفى عَلى عُمُرٍ تَوَلَّت لَذَاذَتُهُ وَاَبقَت قُبحَ عارِ
فَنَحنُ اليَومَ تَبكي ما فَعَلنا فَكَيفَ وَكَم وَقَعنا في خَسارِ
فَلَيسَ لَنا سِوى حَزَنٍ وَخَوفٍ وَنَدبٍ في خُضوعٍ وَاِنكِسارِ
تَعالَوا نَبكِ ما قَد كانَ مِنّا وَقوموا في الدَياجي بِاِعتِذارِ
وَما شَيءٌ لِمَحوِ الذَنبِ أَولَى مِنَ الأَحزانِ وَالدَمعِ الغِزِارِ
سَتَدري يا مُفَرِطُ صِدقَ قَولي إِذا غُودِرتَ في بَطنِ الصَحارِ
وَخَلّاكَ الرَفيقُ أسَيرَ قَفرٍ تُرافِقُكَ النَدامَةُ في القِفارِ
وَقَد فازوا بِما حازوا جَميعاً وَأَنتَ رَهينُ ذُلٍّ وَاِفتِقارِ
فَخُذ حَذَراً وَزاداً تَكتَفيهِ لِرحلَتِهِ إِلى تِلكَ الدِيارِ
تَمَتَّع مِن شَميم عَرارِ نَجدٍ فَما بَعدَ العَشِيَّةِ مِن عَرارِ
وقال أيضاً
أَشَيبٌ وَعَيبٌ إِنَّ ذا لَبَغِيضُ سَوادُ صِحافٍ وَالغَدائِرُ بِيضُ
مُكاثِرةٍ لِلّهوِ وَالضَعفُ زائِدُ وَجِسمُ الكَبيرِ ذائِبٌ وَمَهيصُ
إِذا هَمَّ مَشيبٌ بِذَنبٍ فَإِنَّهُ بَغيضٌ وَما اللَهوُ فيهِ بَغيضُ
مَريضٌ مِنَ الضَعفِ الَّذي أَذهَبَ القُوى وَحُقَّ لِهَذا أَن يُقالَ مَريض"
والرجل يتحدث عن الضعف الجسمى فى تلك المرحلة وأن عمل الذنوب فيها اشد بغضا وأن الجسم لا يساعد على ارتكابها ويجب أن يتوب الإنسان
وقال الرجل فى المرحلة التى سماها الهرم :
"في الحديث: ابن ثمانين أسير الله في الأرضولم يبق في زمان الهرم إلا تدارك ما مضى، والاستغفار، والدعاء، وعمل ما يمكن من الخير، اغتناماً للساعات، والتأهب للرحيل
وكان سرى لا ينام إلا غلبةً ودخلوا على الجنيد - رحمه الله تعالى - وهو في الموت، وهو يركع ويسجد، فأراد أن يثني رجله في صلاته فما أمكنه لخروج الروح منها فقال رجل: ما هذا؟ فقال: هذه نعم الله أكبر وكان عامر بن عبد قيس يصلي كل يوم ألف ركعة، ولقيه رجل، فقال: أكلمك كلمة، فقال: أمسك الشمس حتى أكلمك
وقال رجل سأله: عجل فإني مبادر قال: وما الذي تبادر قال: خروج روحي
وقال عثمان الباقلاني: أبغض الأشياء إلى وقت إفطاري لأني أشتغل بالأكل عن الذكر
وكان داود الطائي - رحمه الله - يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز فقيل له في ذلك، فقال: بين أكل الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آيةودخل قوم على عابد، فقالوا: لعلنا شغلناك قال: صدقتم، كنت أقرأ فتعتمونيومن نظر في شرف العمر اغتنمه وفي الصحيح: من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة
وقال الحسن رحمه الله: الجنة قيعان والملائكة تغرس فربما فتروا، فيقال: مالكم فترتم! فيقولون: فتر صاحبنا فقال الحسن: أمدوهم رحمكم الله وقد رأينا جماعة من الأشياخ يرتاحون إلى حضور الناس عندهم، وسماع الأحاديث التي تضر ولا تنفع، فمضى زمانهم في غير شيء، ولو فهموا كانت تسبيحة أصلح وهذا لا يكون إلا من الغفلة عن الآخرة؛ لأن بتسبيحة واحدة يحصل الثواب على ما ذكرنا والأحاديث الدنيوية تؤذى ولا تنفعوكان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - يصوم في الحر، فيقال له: أنت شيخ كبير فيقول: إني أعده ليوم طويلوقيل لعابد: ارفق بنفسك قال: الرفق أطلب
جاء بعض رفقاء سري السقطي - رحمه الله تعالى - إليه يزوره، فوجد عنده جماعة فقال: يا سرى! صرت مناخاً للبطالين، ثم ذهب ولم يقعدومن عرف شرف العمر وقيمته لم يفرط في لحظة منهفلينظر الشاب في حراسة بضاعته وليحتفظ الكهل بقدر استطاعتهوليتزود الشيخ للحاق جماعته ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته
نفعنا الله وإياكم بعلومنا، ولا سلبنا فوائد فهومنا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، ولا يجعل علمنا حجة علينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه"
هنا يحكى ابن الجوزى بعض الحكايات عن التابعين والصوفيين وحتى الصحابة ومعظمها حكايات مخالفة للوحى كصوم أبو موسى فى الحر فى غير رمضان والصوم فى غير رمضان هو عقاب أى كفارة فكل الكفارات الواردة فى الوحى ورد فيها الصوم كنوع من العقاب الذى يكفر السيئات ومن ثم فلا يوجد ما يسمى صوم التنفل كما أن القول من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنةيخالف الأجر فى القرآن وهو عشر حسنات كما قال تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" كما أن القول الجنة قيعان والملائكة تغرسالتسبيحات والخطأ هو أن غراس الجنة كلمات سبحان الله والحمد000أكبر ويخالف هذا كون الغراس الشجر ومقابل الذكر هو الحسنات وليس شجر الغراس الكلامى مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "وكون ابن ثمانين أسير الله في الأرض يعفو عنهوالخطأ اختصاص من بلغ الثمانين بعدم الحساب وهو العفو ويخالف أن المسلمين كلهم أى الصابرين شبابا وشيوخا يدخلون الجنة دون حساب مصداق لقوله بسورة الزمر "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ".