النشر فى جريدة الميدان. ف1 من كتاب : (جهادنا ضد الوهابية )
مقدمة :
1 ـ ظهرت جريدة الميدان ( المصرية ) صحيفة اسبوعية مستقلة ، أصدرها رجل الأعمال محمود الشناوى ، وحين كنت أنشر فيها كان رئيس تحريرها الاستاذ محمد حسن الألفى ، وكنت قد تعرفت عليه حين كان من كبار المحررين فى مجلة روز اليوسف . بدأت أنشر فى جريدة الميدان بعد حوالى ست سنوات من النشر فى جريدة ( الأحرار ) الأسبوعية . تركتها وإستأنفت نشر العمود الذى كنت أكتبه فى ( الأحرار ) وهو ( قال الراوى ) فى جريدة الميدان . جريدة الميدان كانت ليبرالية التوجه مثل الأحرار ، ولكن كانت متحررة من نفوذ الاخوان المسلمين ـ لم تحمل أوزارهم مثل جريدة ( الأحرار ) التى كانت ناطقة باسم حزب الأحرار ، وتتأرجح فى سياستها حسب تقلبات الحزب الذى تنتمى اليه .
2 ـ على أن النشر المستمر اسبوعيا فى الأحرار ــ وقت شهرتها كصحيفة معارضة ـ جلب لى شُهرة وفتح لى أبواب النشر فى صحف كثيرة فى مصر وخارجها . بدليل أن جريدة الميدان لم تكتف بالنشر لى بل كانت أيضا كانت تقوم بعرض بعض مؤلفاتى وكتاباتى فى شكل حوارات صحفية ، وإنفرد بذلك الكاتب الصحفى الاستاذ مطاوع بركات ، وكان صديقا لابنى الشريف منصور . وقد عرض لكتابى ( عذاب القبر والثعبان الأقرع ) فى حوارت صحفية ، يسألنى فيها ويسأل الشيوخ يردون على ما كتبت ، وإنفردت الميدان بنشر هذا فى المانشيت الرئيس بالخط الأحمر فى الصفحة الرئيسة . وحققت بهذا رواجا ، فاستمر الاستاذ مطاوع بركات فى هذا المنحى فى حوارات أخرى . بالتالى أصبح ما نشرته من قبل عن نفى ( حد الردة ) و( عذاب القبر ) مادة للإثارة الصحفية ، وأتاحت شُهرة للاستاذ مطاوع بركات . بعد عنوان ( قال الراوى ) بدأت أنشر فى الميدان مقالات بعنوان آخر هو ( بدون شكّ ) . وأنشر هنا نماذج مما نشرته ( الميدان ) ضد الوهابية .
أولا : نماذج من مقالات ( قال الراوى )
ألقاب مملكة في غير موضعها.. فى : 13/5/1996
1ـ في شئون الدنيا لا بأس من التنادي بالألقاب. وأخوة يوسف حين قدموا إليه ولم يتعرفوا عليه خاطبوه بلقبه الرسمي " عزيز مصر" فقالوا " ياأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر:12/88". وإلي عهد قريب كان من الألقاب المصرية " عزتلو" وصاحب العزة.
أما في شئون الدين فالأسماء الحسنى لله وحده ، والأنبياء هم أعظم البشر ومع ذلك فغاية أحدهم أن يلحقه الله بالصالحين ، قال يوسف يدعو ربه " أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين:12/101 والله تعالي حين يمتدح أحد الأنبياء يصفه بالعبودية لله " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا "17/3 أي أنه في مملكة الله أو دين الله، فالألقاب الحسني أو الأسماء الحسني لله وحده ورسول الله يكفيه فخرا أن يكون عبدا لله .
وقوم موسى كانوا ينادونه باسمه المجرد يقولون : " يا موسى " : " وإذ قلتم يا موسى لن نصبر علي طعام واحد " 2/61 لم يقولوا له يا سيدنا أو يا مولانا أو يا صاحب الفضيلة. وإذا خاطب أحدنا بعض رجال الدين فلم يقل له " يا صاحب الفضيلة " ربما غضب وانتفخ ، وإذا قال له " أنت يافلان" فربما اتهمه بالكفر ، هذا مع أنه من الممكن أن يخاطب الإنسان رب العزة تعالي فيقول له " أنت" يقول يوسف لربه " أنت ولي في الدنيا والآخرة " .إذن كيف يجوز لنا أن نقول لله " أنت " ولا نستطيع أن نقول لأحد المعممين " أنت"؟؟
2ـ ويرجع السبب إلي أننا توارثنا ألقابا كنهوتية آن لنا أن نتخلى عنها إذا أردنا أن تضيق الفجوة التي بيننا وبين كتاب الله ، فالأصل أن الكهنوت والألقاب الدينية لا وجود لها في دين الله ، وأن أي لقب ديني استحدثه المسلمون إنما هو ابتداع في دين الله ولابد أن يحمل في مفهومه اعتداءا علي دين الله تعالى أو على رسول الله عليه السلام . ولقد كان الشيعة اسبق في خلق ذلك الكهنوت الديني فتكاثرت عندهم الألقاب من الإمام إلي الحجة إلي آية الله وروح الله . ثم ما لبثت أن زحفت هذه العدوى إلى مذهب السنة فتوارثنا ألقابا مماثلة .
ولنتوقف مع هذه الألقاب بعض الشيء:
* " الإمام الأعظم" ونقصد به أبا حنيفة وقد توارثنا في عقد القران أن يقال "علي سنة الله ورسوله ومذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان " وإذا حدث تحريف في هذه الصيغة كأن حذف المأذون أبا حنيفة اعتقد الحاضرون أن عقد القران باطل !! وهذا يجعلنا نتساءل : هل قيل في زواج النبي عليه السلام بخديجة : على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة ؟ وهل يعتبر زواج الصحابة باطلا لأنهم ماتوا قبل ظهور أبي حنيفة ؟ ثم إذا كان أبو حنيفة هو "الإمام الأعظم " فأين نضع الرسول عليه السلام؟ ألا يعني ذلك بوضوح أن أبا حنيفة أعظم من خاتم النبيين عليه السلام ؟ وألا يعتبر هذا اللقب انتقاصا من قيمة الرسول عليه السلام بل وكل الأنبياء عليهم السلام ؟ .
- وقد كان الشيخ محمد عبده من أعظم العقليات التي أنجبها الأزهر ،ولو فرضنا أنه كان شيخا للجامع الأزهر عندئذ سيكون من ألقابه الرسمية " الإمام الأكبر " و" شيخ الإسلام "
وحين نقول لمحمد عبده " الإمام الأكبر " فهو انتقاص صريح من قدر خاتم النبيين وهو إمام المسلمين ، فإذا كان محمد عبده هو الإمام الأكبر فهل يعني ذلك أن رسول الله هو الإمام الأصغر ؟ ونستغفر الله العظيم !
- وحين نلقب الشيخ محمد عبده بشيخ الإسلام نكون أيضا قد اغتصبنا وصفا لا ينطبق إلا على رسول الله ، فمن غيره يكون شيخ للإسلام ؟ وهو الذي نزل عليه الإسلام قرآنا وقام به جهاداً ودعوة ومعاناة إلى آخر لحظة في حياته ؟ .
- وقد يصفون الأزهر بأنه " منارة الإسلام " وهذا يعني أن الإسلام ظل بلا منارة طيلة عهد النبي والخلفاء إلى أن أنشئ الأزهر بعد ظهور الإسلام بأربعمائة عام ؟ ألا يعد هذا اللقب للأزهر انتقاصا من قدر الإسلام ؟ إن الإسلام لأعظم وأقدس وأكبر من أن يذوب في الأزهر ، بل إنه غاية ما يشرف به الأزهر أن يكون أحد المعاهد التي تعبر عن الإسلام بصدق فلقد عرف المسلمون في تاريخهم جوامع ومساجد وجامعات تتنافس في خدمة الإسلام وتحاول أن تستضيء بنوره وهدايته .
- وقريب من ذلك ما يلقبون به الشيخ الصوفي أبا حامد الغزالي " حجة الإسلام" المتوفى سنة 505هـ . ومعناه أن الإسلام بقي محروما من الحجة طيلة عهد النبي والصحابة إلي أن ظهر الغزالي في عصور التصوف والفلسفة . إن القرآن هو حجة الإسلام الخالدة والباقية ، وإطلاق هذا اللقب علي الغزالي إنما هو انتقاص لكتاب الله العزيز ، يقول تعالي بعد أن أثبت الحجة علي المشركين " قل فلله الحجة البالغة : 6/149 ذلك أن حجة الإسلام تأتي وحيا إلهيا لكل الأنبياء يقول تعالي عن إبراهيم " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه نرفع درجات من نشاء 6/83 .
3ـ وهناك أخطاء شائعة ولكن أقل خطورة مثل تلقيب أسرة علي بن أبي طالب بأهل البيت وأهل بيت النبي هم زوجاته أمهات المؤمنين ، وذلك ما ورد في خطابهن المباشر " يا نساء النبي " وفيه يقول تعالي لهن " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا:33/33 ونفس اللقب قيل لزوجة إبراهيم عليه السلام حين بشرتها الملائكة بإسحاق فتعجبت " قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت "1/1/73. وحتى في حديثنا العادي حين يقول أحدنا البيت أو أهل البيت فإنما يقصد الحريم والأولاد الصغار في البيت .
وفي النهاية فنحن لا نقصد المساس بالأشخاص وإنما لانريد لأحد أن ينتقص من قدر الإسلام والقرآن والرسول عيه السلام بدون أن يدري .. وحق الله أولي بالوفاء وهذا ما نحسب أن الآخرين يتفقون معنا فيه .. والرجوع للحق ـ حق الله ـ خير من التمادي في الباطل ..
انتهى المقال .
في القــــرن الحادي والعشرين : فى : 20 / 5 / 1996م
سبحان من لا يعلم الغيب غيره .. ونحن لا نتحدث عن غيب سيحدث في القرن القادم , ولكن نتوقع من خلال مكتشفات السنوات القليلة الباقية في القرن العشرين أنه سيحدث لها تطور هائل في السنوات الأولى للقرن الحادي والعشرين .. والله تعالى هو الأعلم إذا كنا سنعيش هذه السنوات أم لا .. ولكن ما يظهر من مخترعات يخبرنا بأن الخطر الهائل قادم ..
ونقتصر من معالم هذا الخطر على أجهزة الاتصال والتلفزيون .. التي ستجعل العالم كله مجرد قرية ضئيلة صغيرة بحيث لن يكون في وسع أي نظام سياسي أن يغلق حدوده أمام المؤثرات الهائلة الآتية من القنوات الفضائية التي ستملأ البحر المتوسط والمحيطات وتبث إرسالها طيلة ساعات اليوم في أجهزة ستكون بالغة البساطة والضآلة .. الأمر الذي يجعل من قيام الحكومة العالمية في ذلك القرن أمراً ممكناً ..
والمنتظر في المدى القريب أن تظهر التليفزيونات المتطورة التي تنقل إليك عشرات المحطات الفضائية بمجرد الضغط على المفتاح , وبعد بضع سنوات سيصير الفضاء غابة من القنوات والإرسال المكثف وسيصير جهاز التليفزيون فى يدك أقل حجماً وأكبر كفاءة وأشد حساسية لنقل محطات التليفزيون في بيرو وشيلي والأرجنتين , أما في القرن الحادي والعشرين – أو في سنواته الأولى – فالله وحده هو الذي يعلم ماذا يحدث في تلك الثورات المتتابعة في عالم الاتصالات ..
ومشكلتنا الكبرى أننا ما زلنا غير مؤهلين لاستقبال ذلك الغزو الساحر الهائل التأثير .. وأخطاره غير المحدودة على الأخلاق والتدين والسياسية والاقتصاد, والخطورة الأكبر حين يكون المجتمع متخلفاً عاش طويلاٍ خلف الأسوار يصدق ما يسمع و ما يقرأ و ما يشاهد و لا يرى في الدنيا غير ذلك ، فماذا سيكون رد الفعل حين يرى العوالم الجديدة أمامه تدخل عقله مباشرة وتصيغه من جديد؟ وماذا سيحدث لهذا المجتمع من آثار تدميرية ؟
إن من التسطيح للأمور أن نركز على مجرد أفلام الجنس والعري التي تحفل بها القنوات الوافدة . قد تكون مثيرة في باديء الأمر ولكن التعود على مشاهدتها يصيب الناس بالملل وذلك ما يعرفه أهل الغرب الذي لا يعرف الحدود والقيود ..
إن الأخطر في نظري هو أن الغرب الذي يتحكم في حياتنا قد يعيد صياغة عقول الشباب على أساس أن يكونوا رقيق القرن الحادي والعشرين في القرية الجديدة التي كان اسمها من قبل الكرة الأرضية .
إن الخطورة أن تبث القنوات الوافدة مفاهيمها السياسية والاجتماعية ونحن لا نزال في إعلامنا نسير على نهج الستينات ندور ونطوف حول الحاكم ولا نرى غيره .
إن من الخطورة أن ينتهز الغرب الفرصة فينشيء قنوات تبشيرية تحمل أسماء رنانة بينما تزيد من الفتنة الطائفية عندنا اشتعالاً, ونحن لا نزال في جهاز التليفزيون نتجاهل أنه يوجد في مصر أقباط لهم نفس الحقوق في أن يروا مساحة زمنية مناسبة لشعائرهم الدينية .. ونحن لا نزال نحتفظ بشيوخ في التعليم و الإعلام لا يجيدون إلا الهجوم على من يخالفهم في الدين وهم لا يرون إلا أنفسهم ويتجاهلون أن الإسلام دين العدل ومن الظلم أن يدفع الأقباط الضرائب التي تحول إلى مؤسسات لا يستفيدون منها , بل تكون حرباً عليهم فكيف نواجه السنوات القليلة القادمة بقنواتها التبشيرية القادمة ونحن لم نعرف بعد كيف نتعامل مع (الآخر) في الدين ؟ بل إننا حتى نتجاهل وجوده ولا نرى له حقوقاً ؟!!
من الخطورة أن نواجه كل هذا الخطر بمفاهيم تراثية وعقول منغلقة وعيون عمياء .. إن العالم يجري, بل يقفز, وإن لم ننهض فمصيرنا تحت الأقدام .. أقدام عدونا التقليدي .. الرجل الأبيض .. فهل نحن في حاجة إلى المزيد من الإهانة والإذلال ؟ .. أفيقوا أيها الناس .. فالغزو الجديد قادم في الطريق .. جيوشا جرارة تصيب العقل والقلب مباشرة .. فلنبدأ من الآن الاستعداد والتحصين .
إنتهى المقال.
قطع غيار .. الإسلام ! فى 16 / 7 / 1996
هذا العنوان مكتوب بخط عريض فوق أحد محلات قطع الغيار بالزيتون , وهو يعتبر دليلا حيا لما انحدر إليه استخدام اسم الإسلام العظيم في مجالات التجارة , وقد استفزني كثيرا سخرية الجالسين إلى جانبي في المواصلات حين مررنا على محل " قطع غيار الإسلام " وهم يتساءلون في تهكم : هل للإسلام قطع غيار ، وكنت على وشك أن اشتبك معهم في عراك ، لولا أنني كظمت غيظي ، فالذي يستحق اللوم هو الذي عرّض اسم الإسلام إلى هذه المهانة ، وذلك المناخ السيئ الذي احترف المتاجرة باسم الإسلام في الاقتصاد والسياسة وسائر مناحي الحياة.
بدأ الاحتراف الديني بالطموح السياسي للحكم تحت شعار تطبق الشريعة ، وأن الإسلام هو الحل . دون تحديد مفهوم واضح للشريعة المراد تطبيقها ودون اجتهاد مستنير يقدم رؤية عصرية للشريعة الإسلامية ، ودون منهج واضح يكون به الإسلام هو الحل ، أي إنها مجرد شعارات للخداع ، وهذا شان الاحتراف والاتجار واستغفال الزبون والضحك على الذقون ، وبعد الاحتراف الديني في السياسة بدأ الاحتراف الديني في الاقتصاد فتكلموا في الاقتصاد الإسلامي وتوظيف الأموال إسلاميا وأعلنوا الحرب على البنوك غير الإسلامية ، وانتهت الحملة بضياع أموال المسلمين ، وأتضح أن الأمر مجرد لافتات وشعارات لخداع الزبون والضحك على الذقون ، ولا تختلف في قليل أو كثير عن ذلك التاجر صاحب محل " قطع غيار الإسلام " . وبعد الاحتراف الديني والسياسي والاقتصادي دخلنا في مجال أخطر هو الطب الإسلامي ، فانتشرت عيادات التدواي بالقرآن ، وانتشرت معها خرافات الجن والعفاريت والمس الشيطاني ، مع أن القرآن حين يتحدث عن الشفاء إنما يقصد الهداية وحين يتحدث عن مس الشيطان لا يقصد سوى اضلال الشيطان للبشر . ولكنها طريقة جديدة أخري لخداع الزبون والضحك على الذقون ، والضحية في ذلك كله هو الإسلام العظيم ولا شيء سواه .
والمؤسف أن الإسلام الحق يناقض ذلك كله فالإسلام يحارب الاحتراف الديني على كل المستويات ، ويكفي أن الأنبياء أصحاب الوحي ليسوا محترفين لأنهم لا يأخذون أجرا من الناس ، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعا ولا ضرا ، وليس عليهم إلا تبليغ الرسالة ، فمن اهتدي من الناس فقد اهتدى لنفسه ، ومن ضل منهم فقد ضل على نفسه وأضاع نفسه ، ويكفي أن الذين حاربوا الإسلام كانوا دائما من محترفي التدين الذين يشترون بآيات الله ثمنا قيلا والذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، والذين أترفتهم الحياة الدنيا وعاشوا في ( وهم ) أنهم سيملكون الآخرة كما امتلكوا الدنيا ، وزين لهم علماء السوء ذلك الوهم ..
أولئك المحترفون كانوا أعداء الرسالات السماوية ، أولئك المحترفون هم أصحاب الجاه والمواكب ، لأنهم يزيفون دين الله ويحولونه إلى تجارة ، هي أكثر أنواع التجارة ربحا لأن رأسمالها مجرد الاعتقاد والتسليم .. فإذا اعتقدت في شخص ما وصدقت ادعاءاته فقد وقعت في شراكه واستحل أموالك ، وبعدها تكون من العادات السيئة أن ينتشر ذلك الاحتراف الديني ليتسلل إلى السياسة ثم إلى الاقتصاد ثم إلى الطب والعلوم وسائر المظاهر الاجتماعية وذلك بالضبط ما نجني ثماره الآن . إذ تحول العلم الديني لدينا إلى كهنوت ديني ، برغم انه ليس في الإسلام كهنوت وليس في الإسلام رجل دين ، وليس في الإسلام شيوخ ، بل في الإسلام رسول ، وبعد موت النبي فالقرآن معنا ، وهو الوثيقة الإلهية المحفوظة إلى قيام الساعة ، والتي نحتكم إليها والتي سيحاسبنا الله تعالى على أساسها يوم القيامة ، ولكن تحول علماء الدين إلى أئمة مقدسين لا نتصور أن يقع أحدهم في خطا أو نسيان .
وبعد هذا الكهنوت في الدين طمع بعضهم في تحويله إلى كهنوت سياسي يستطيع أن يحكم به الناس في دنياهم بعد أن تصور أنه يحكمهم في الآخرة ، وعن طريق الكهنوت الديني انتشرت الدعاوى السياسية الكهنوتية الدينية ، وأصدر بعضهم قرارا بأنه قد جاءه تفويض إلاهي بأن يحكمنا ويركب ظهورنا تحت شعارات مقدسة أبقاها مبهمة غامضة دون تحديد .
وانتقل الاحتراف إلى الاقتصاد والمجتمع والطب والعلوم .. حتى وصل إلى تجار الخردة وقطع الغيار ومحلات العطارة والسندوتشات ..
فهذه قطع غيار إسلامية مع أنها مصنوعة في تايوان وتايلاند وبأيدي من يعبدون بوذا وتلك بنوك إسلامية مع إنها تتعامل بالدولار والين والمارك والفرنك وتضع أرصدتها في بلاد الكفار ومن يعبدون البقر والحجر .. وكل ذلك يهون في سبيل الضحك على الذقون .
انتهى المقال.
مقال ( فى سبيل التاج : الميدان 12 /10 /1996 )
( الصراع السياسي لا يمكن تفاديه ، حتى فى داخل النظام الحاكم ، وكل مشتغل بالسياسة يرى نفسه أحق من الآخرين بالتقدم إلى منصب الصدارة . وفى خارج النظام هناك قوى سياسية ترى نفسها الأحق بالحكم ولا ترى فى النظام الحاكم إلا العيوب دون أي إيجابية .
كل ذلك وارد ومفهوم طالما يدور الصراع فى نطاق السياسة ، وبهدف معروف ومكشوف هو الحكم والجاه والسلطة وحب الظهور . بل أقول كل ذلك جائز حتى لو استباح كل فريق لنفسه خداع الجماهير بأنه يسهر على رعايتها ويناضل من أجلها ويعمل لصالحها ويهب حياته وعمره فى سبيلها ..
يجوز ذلك فى لعبة السياسة طالما يتم بأدوات دنيوية ومطامع دنيوية . أما الذي لا يجوز فهو إقحام الدين فى تلك الألاعيب التي يعلم الجميع أن الهدف منها هو استخدام الدين للمتاجرة به للارتزاق الدنيوي .. ليس إلا ..
إن الفرقاء السياسيين حين يستخدمون الدين فى صراعهم السياسي يرتكبون خطايا دينية وسياسية ويدخلون منطقة ملغومة لا يخرجون منها ، إذا أن النصوص الدينية يسهل تطويعها بالمقدرة الفذة لعلماء السلطة المحترفين وخصومهم من محترفي الدجل الديني السياسي ، مما يؤدى فى النهاية إلى ضياع هيبة التنزيل بل وربما اختفاء الثقة فى الدين نفسه ، طالما يصدق الناس ما يلقى إليهم من استشهادات دينية منمقة ولكن مبتورة أو مزيفة ..
إن من السهل على علماء السلطة الاحتجاج بالآيات التي تتهم الخصوم بأنهم خوارج مفسدون فى الأرض يحاربون الشرعية وجزاؤهم أن يطبق عليهم حد الحرابة ، وفى المقابل يستطيع الشيوخ المناضلون الاحتجاج بالظلم ويرفعون لواء التكفير للسلطة الحاكمة بل والمجتمع وما يتبع ذلك من فرضية الجهاد ..
والحوار السياسي يستطيع دائما أن يصل إلى نقاط التقاء ، بل أن كل المشاكل والمفاوضات " الدنيوية " يمكن فيها الوصول لحل وسط ، والسياسة بالذات هي "فن" الممكن فى الزمن المستحيل ، " فن " أن تقنع الآخرين بأنه ليس من الضروري أن يكون مجموع الثلاثة والاثنين يساوى خمسة قد يساوى خمسة وقد يساوى ستة حسب الظروف والمصالح ..
هذه المرونة السياسية تضيع تماما إذا تلاعبت السياسة بالدين وأصبحت النصوص الدينية المقدسة " أو التي توصف بذلك " هي الفيصل فى الموضوع ، عندما يتمسك كل فريق بما لديه من براهين تبلغ عنده مرتبة الاعتقاد ويعتبر التنازل عنها كفرا وإلحادا .. لذلك يتمسك بنفي الآخر ومصادرته تماما، أي يحكم عليه بالإبادة التامة والتصفية النهائية. والنتيجة هى استمرار الصراع إلى ما لا نهاية ، وحتى لو استطاع فريق الانتصار وإبادة خصمه ماديا فإن الخانعين من الأسرى سيضطرون لإعلان التوبة باللسان ويستمرون فى التآمر تحت الأرض . وتلك هي المحصلة النهائية لإقحام الدين فى ألاعيب السياسة ..
إن الدين إيمان والإيمان أمن وسلام .. وشريعة الدين تأمر بالعدل والإحسان .. وغاية البشرية فى كل زمان ومكان هي الوصول للأمن والإسلام والعدل والإحسان والسمو الخلقي .. والرسالات السماوية نزلت بكل هذه المعاني العظيمة وبكل اللغات ، والسياسة إذا أفلحت حققت ما يصبوا إليه البشر من الأمن والسلام والعدل والإحسان .. ويمكن للسياسة أن تحقق ذلك بدون شعارات وبدون التمسح بالدين لأن الضمير البشرى قد استقرت فى داخله كل تلك المعاني السامية .. ولكن الخطورة أن يتمسح حاكم بالدين فيصل إلى الاستبداد وأن يكون حاكما مؤلها أو يتسربل ثائر بالدين ويخدع الجماهير بالجنة الموعودة بينما هو يدخر لهم الظلم والاستبداد وسفك الدماء .
إن الخروج من هذا المأزق يتمثل فى أن نتصارع سياسيا بأدوات السياسية وأن يظل الدين فى مكانه السامي العالي بعيدا عن أهوائنا وطموحاتنا وتفسيراتنا ، فذلك أطهر للدين وأسلم للسياسة .
ويكفى الإسلام العظيم ما ألحقه به فقهاء السلطة منذ العصر العباسي .)
إنتهى المقال .
مقال (الإصلاح الديني ..... أولاً ) ( الميدان : 5/11/ 1996م )
( المحصلة النهائية لمشكلة التطرف الديني أن المواجهة تكون بالفكر قبل الرصاص أي بإصلاح الأفكار قبل كل شيء ، أي إصلاح الفكر الديني . هذا إذا كنا لا نطلق الكلام جزافاً ، هذا إذا أردنا حلاً جذرياً لمشكلة التطرف من الأساس ..
ويقيني أن الحل الجذري لمشكلة التطرف غير وارد على الإطلاق .. فالحكومة عندنا لاتحب الحلول الجذرية وتفضل عليها أنصاف الحلول ومحاولة التهدئة وإرضاء جميع الأطراف الداخلية والخارجية , ثم أنه حسب المقولة الشائعة بأن القليل من الخمر يصلح المعدة فان الحكومة تحتاج إلى نوع من التطرف والإرهاب المدجن أو المستأنس لتخيفنا به وتجعلنا نرضى بها بديلاً عن ذلك الوحش القادم !!
ولهذا فإنني لا أتوجه بكلمتي إلى الحكومة ولكن إلى المستنيرين الغيورين من المسلمين. إن كاتب هذه السطور قضى سنوات طويلة من عمره يدعو لإصلاح ديني يجعل المسلمين أكثر إرتباطاً بكتاب الله ، وكم حذرت من خطورة الاعتقاد في التراث المكتوب في العصر العباسي والأخذ عنه دون تمحيص, وكم دعوت إلى اجتهاد مستنير يساير عصرنا ،لأنه إذا كان التراث المكتوب في كل عصر يعبر عن ذلك العصر ولا يعبر عن العصور السابقة واللاحقة فإن الإسلام يظل دائماً – من خلال كتاب الله – صالحاً لكل زمان ومكان ..
لقد أقام رسول الله دولة عصرية بمعنى الكلمة فى المدينة ، كانت سنته فيها التطبيق الفعلي للقرآن . , وقد أضاعت هذه الدولة ما فعله المسلمون بعده . وإذا كانت دولة الرسول قد انتهت فإن الأساس الذي بنيت عليه لا يزال معنا وهو كتاب الله .. وقبل أن يطمح بعضنا – مدفوعاً بحب الدنيا وألاعيب السياسية – إلى المناداة بدولة دينية، تعالوا بنا نناقش الأسس والمنهاج والبرنامج ونجتهد في توضيح ذلك بالاستعانة بالقرآن الكريم. أو بمعنى آخر تعالوا بنا نصلح نوعيات التدين السائدة فينا أولاً ، ثم بعدها تكون الأرض صالحة للبناء إذا كان الأمر يستدعي بناءً ..
كيف يمكن أن تقوم دولة تدعي الإنتماء للإسلام وكل الأسس التي يعتنقها دعاة هذه الدولة تخالف القرآن وتخالف ما كان يعرفه رسول الإسلام .هناك فساد ديني ارتدى زي الحق ، وهناك باطل عاش بيننا طويلاً حتى حسبناه أصلاً من أصول الدين .. فكيف نقيم على الفساد أو الباطل دولة إسلامية تشبه الدولة التي أقامها رسول الإسلام ؟
إننا لو تخيلنا رسول الله يسير بيننا لأنكر كل شيء مما نفعل ، بدءاً من الأضرحة أو الأنصاب المقدسة التي يعتبرها رجساً من عمل الشيطان إلى الأقاويل التي نسبناها إليه والتي لا يعلم عنها شيئاً . ومن ينادي بما كان ينادي به النبي في حياته من إخلاص في الدين والعقيدة مصيره الاضطهاد والاتهام بالردة .. فالقرون التي تتابعت علينا جعلت كل شيء فينا يتغير، ولو لا أن الله تعالى هو الذي تولى حفظ القرآن الكريم لامتدت إليه الأيدي بالتحريف والتزوير كما زورت كل شيء .. فكيف نتناسى كل ذلك ونلتفت إلى فكرة إقامة دولة سيكون بنيانها على أعمدة مزيفة وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان ؟ .. ألا يجدر بنا أولاً أن نتعرف على صحيح الإسلام أولاً وعلى الشريعة الحقيقة التي كان يحكم بها رسول الله .. أم أن أطماع الدنيا أهم عندنا من دين الله تعالى ... ؟!! .
إن عصرنا الراهن شهد مشروعات فاشلة لإقامة دول على أساس إسلامي فلم نرَ منها إلا كل ما يسيء للإسلام, لأن الأسس الدينية الموجودة لدينا علاقتها واهية بالإسلام الذي عرفه محمد عليه السلام ..
إنني أتوجه بهذه الكلمة لمن يريدون رضا الله تعالى.! أولئك الذين يعملون بإخلاص للحق ولكن تغيب عنهم الحقائق .. وأملي أن يراجعوا أنفسهم ويتفكروا في لحظة صدق مع الله تعالى ومع النفس . أما الذين وهبوا أنفسهم للإحتراف الديني السياسي فلا أمل في الحوار معهم .)
إنتهى المقال .
ثانيا : مقالات تحت عنوان ( بدون شك )
عن ( حيدر حيدر ) الكاتب السورى المتهم بالكفر
ليس هذا دفاعا عمن يلحد في دين الله تعالي ، فقد وهبنا عمرنا للدفاع عن دين الله تعالي ورسوله الكريم بالوقوف ضد كل المرويات التي تسىء للنبي عليه السلام والتي تخالف القرآن المجيد , ولكن المستغرب أن الذين يقومون بحملة ضد المدعو حيدر حيدر هم أنفسهم الذين يقدسون أسلاف حيدر حيدر ممن كادوا للإسلآم ولا تزال كتبهم محل تقديس واجلآل حتي الآن ....
تعالوا بنا نقرأ ما كتبه أحدهم في كتابه "الفصوص" : أو "وفصوص الحكم" ، ونستغفر الله العظيم مقدما، ونتبرأ بما ننقله عنه . يقول ابن عربى الشيخ الأكبر للصوفية يخاطب رب العزة جلا وعلا " فأنت عبد وأنت رب لمن له فيه عبد، وأنت رب وأنت عبد , لمن له في الخطاب عهد ". ويقول عن رب العزة جل وعلا ((فيحمدني واحمده ، ويعبدني واعبده , ففي حال أقربة وفي الأعيان أجحده , فيعرفني وأنكره , وأعرفه وأشهده. )). أي انه يساوي بين الخالق جل وعلا وبين البشر طبقا لعقيدة الصوفية في وحدة الوجود بين الله تعالي والمخلوقات . وهذا يناقض عقيدة الآسلام وتاكيد القرآن علي أن الله تعالي ليس كمثله شىء وانه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ....
ومع ذلك يقول ابن عربي في كتابه الفصوص عن الله تعالي ((فهو الشاهد من الشاهد , والمشهود من المشهود , فالعالم صورته وهو روح العالم المدبر له , فهو الإنسان الكبير ، فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الألهي للعالم )). أي يجعل الألوهيه في العالم ويجعل الله تعالي يحلُّ في كل عين تشهد الموجودات , وفي كل موجود تشهده العين ثم يقول عن الله تعالي (( إن شئت قلت هو الخلق ، وإن شئت قلت هو الحق وإن شئت قلت هو الحق والخلق وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه , وأن شئت قلت بالحيرة في ذلك)). أي انه يخلط بين الله تعالي ومخلوقاته ويصل إلي انكار الألوهية .
وتكرر هذا في كتابه الفصوص ((صفحات : 8,19,134,133,132,78,97))
وما ذكرناه هنا نقلا عن كتاب الفصوص هو أهون الموجود فيه . ومع ذلك فإن الشيوخ الأبرار يبجلون ابن عربي ويدافعون عنه , وحين تقدمت برسالتي للدكتوراة عن اثر التصوف في العصر المملوكي وناقشت فيها اراء شيوخ الصوفية وقف ضدي الشيوخ الأبرار مدة ثلاث سنوات حتي اضطررت لحذف ثلثيها حين كنت مدرسا مساعدا (1977ـــ1980) .
ولم أقرأ ما كتبه المدعو حيدر حيدر ولكن أعتقد انه لم يصل إلي درجة ما قاله ابن عربي في الفصوص , ومع هذا فان الشيوخ الابرار عاملوني كأنني حيدر حيدر لمجرد أنني حاولت ان أرد علي ابن عربي بالقران وأوضح خطورة أفكاره علي عقائد المسلمين ، وكل ذلك كان انحياز منهم لابن عربي وعقيدته . ومن حقي الآن أن أشعر بالعجب حين يكيلون بمكيالين , وحين يقذفون حيدر حيدر بالطوب وبيوتهم من زجاج هش.. اليس من الافضل لهم تنقيه تراثهم الصوفي والسني وهو ملىء بأكثر مما قاله حيدر حيدر وغيره..؟
لقد مات ابن عربي في دمشق سنه 638 , ولا تزال كتبه تطبع برعاية الشيوخ , وهنالك قسم التصوف والعقيدة في كليه أصول الدين جامعة الأزهر ، يهيم حبا بالتصوف واوليائه.
فما هو الفارق بين ابن عربي وابن حيدر.. وهما من سوريا؟ .
إنتهى المقال .