ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب ( جهادنا ضد الوهابية ).
بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) دفاعا عن النفس

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٣ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) دفاعا عن النفس

 ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب  ( جهادنا ضد الوهابية ).

مقدمة :

1 ـ كنت زبونا دائما على جهاز امن الدولة فى لاظوغلى وسط القاهرة حين كنت أنشر مقالاتى ضد الوهابية والاستبداد العسكرى فى الأحرار وغيرها . الأحرار بالذات كانت الأوقع أثرا لأننى كنت أنشر فيها اسبوعيا وبإستمرار، وخصومى من الاخوان والسلفيين كانوا قوة كبرى ومؤثرة داخل حزب الأحرار وفى الجرائد التى يصدرها . لم يكتفوا بحملات التشهير ضدى فى صحفهم بل كانوا ينشرون إفتراءاتهم عنى فى صحيفة الأحرار نفسها لتشغل القارىء عما أكتب. أتذكر أنه كان هناك قارىء من بورسعيد دأب على التعليق فى بضع سطور فى باب القراء فى ( الأحرار ) يهاجمنى ببذاءة عجزا عن الرد. وكان يستعمل جهاز الفاكس أول ظهوره فى مصر يتابع الأحرار بتعليقاته البذيئة عنى. وسرعان ما اصبح يكتب كثيرا مقالات هجومية ، وكان واضحا أن غيره يكتب له ، وتحول الى كاتب بعد أن كان مجرد قارىء . وبسبب هذا التشويه وما يعنيه من إغتيال للشخصية ــ كان لا بد أن أرد.

2 ـ كان هناك نوع فريد من العلاقة بينى وبين ضباط أمن الدولة ، كانوا مأمورين بالضغط علىّ وإرهابى ، ولم يكونوا مقتنعين بهذا ، وكانوا متفهمين  للدور الذى أقوم به ضد الاخوان والارهابيين خصوصا وهم يعلمون خفايا حياتى والفقر المدقع الذى أعيش فيه ، وأعلم أنهم بذلوا كل جهد للعثور على نقيصة فى حياتى ليضغطوا بها علىّ ، فلم يجدوا . كانوا يعلمون أن ما أقوم به هو تطوع برغم الفقر . فى الحوار بيننا كنت أحاول كسب قلوبهم ، ولأن النقاش بيننا كان يصل الى الرؤساء الذين يستمعون فقد كان الضابط يحذرنى بلمحات وجهه، وربما يقول مخاطبا رئيسه الأعلى ( الدكتور أحمد صبحى بيسلم عليك يا باشا ) . كنت أستميلهم بالقول أن كتاباتى ترفع عنهم عبئا كبيرا ، وتماديت فقلت لهم مرة : إن عملى هو الذى يحميكم ومفروض أن تساعدونى لا أن تستجوبونى. فقال : أنت يا دكتور أخطر علينا منهم لأنك تقوم بالتوعية ضد الدولة . أحيانا كان يتملكنى الغضب من هذه الاستدعاءات المتكررة برغم أنهم كانوا يرسمون إبتسامة مودة. قال لى أحدهم : نعرف أن زوجتك سافرت الى بلدتكم لتلد هناك . كيف حالها ؟ فقلت غاضبا : وهل هذا يدخل فى صميم عملك ؟ فقال معتذرا: أنا أحاول التودد اليك . همس لى أحدهم وهو يودعنى عند الباب بعيدا عن مكتبه الملغم بالتسجيلات : " الأوامر تأتى الينا من الأزهر ، وأنت رسميا تابع للأزهر وهو المرجعية لنا كما أن جهاز الشرطة هو المرجعية بالنسبة لى . لماذا لا ترد على شكاويهم الكيدية ومقالاتهم الهجومية بالدفاع عن نفسك ؟ هذا يخفف مهمتنا " . وحذرنى أن الاستمرار فى تشويه شخصي يحتم علىّ الرد. وكان لا بد أن أرد. وفعلت فى بضع مقالات قليلة ، منها : .

                                                                                                            

قال الراوي : راض بقسمتي ونصيبي ! 30/11/1992

حين يعجز خصومي عن الرد على آرائي يبادرون بالهجوم على شخصي ويرددون عبارات  مثل " المفصول من جامعة الأزهر ". ، " منكر السنة " ،  "صاحب رشاد خليفة " وأراني مضطرا للرد على تلك العبارات والاتهامات لأن من حق القاريء أن يعرف الحقيقة ، وحتى لا يطول سكوتي عن تلك الأكاذيب فيصدقها الناس :

أولا :

1 ـ  ليس صحيحا أن جامعة الأزهر قد فصلتني بسبب إنكار السنة ، لقد أوقفوني عن العمل في 5/5/1985 حين أصدرت خمسة كتب في ذلك العام ، وأحالوني لمجلس التأديب ليس بتهمة إنكار السنة ولكن لأنني خرجت عن المنهج الدراسي وأنكرت العصمة المطلقة للأنبياء وأنكرت شفاعة النبي ، وتفضيل النبي محمد على الأنبياء ، وفي كتبي وفي التحقيقات التي أجروها معي تمسكت بموقفي في أن عصمة النبي بالوحي فقط ، وأنه لا شفاعة للنبي يوم القيامة ، وأن التفاضل بين الأنبياء مرجعه لله وحده وليس للبشر ، واستشهدت بأكثر من (350) آية قرآنية وبعض الأحاديث ، وعجزوا عن الرد ورفضوا الانصياع للحق فاستمروا في منعي عن العمل عامين ، قدمت استقالتي فرفضوها ، فرفعت عليهم قضية في مجلس الدولة لإرغامهم على قبول استقالتي وهي برقم وتاريخ (1250/41ق) . وقبل أن يصدر مجلس الدولة حكمه اضطروا لإصدار قرار الفصل في مارس 1987 . وحين صدر ذلك القرار كنت أنا الذي هجرتهم وفصلت نفسي عنهم بتقديم الاستقالة ورفع قضية ضدهم . وهي المرة الأولي في تاريخ هذه الجامعة أن يصمم أستاذ على الاستقالة تمسكا بآرائه ومعتقداته .

2 ـ وكان من الممكن أن أنافق أو أتراجع وهم يستعملون معي الترغيب والترهيب ، ولكنني تمسكت بالحق ورفضت الزيف في دين الله تعالى ، ومضيت في طريقي بعدها أكتب وأخطب في المساجد ، ومضوا هم في التآمر ضدي وتأليب السلطات الحكومية حتي أراحتهم الحكومة بوضعي في السجن بتهمة ملفقة اسمها " إنكار السنة " وحققت معي نيابة أمن الدولة العليا فلم تجد دليلا على ذلك الاتهام فأطلقوا سراحي في ديسمبر 1987.

ثانيا :

1 ـ وخرجت من السجن مفلسا  يائسا فاضطررت للاستجابة لإلحاح رشاد خليفة ولحقت به في أمريكا أعمل في المساجد التابعة له هناك ، كان رشاد خليفة من طنطا وكان يزور أهله فيها ، وكنت أخطب الجمعة في مساجد طنطا حيث كنت سكرتيرا عاما لإحدى الجمعيات السلفية التي لها فروع في الأقاليم ، وقد أحدث كتابي " السيد البدوي " ضجة ، وسمع عني رشاد خليفة فأخذ يراسلني ويبعث لي بالدعوات لزيارته هناك ، ولم استجب له حتى بعد أن منعني الأزهر من العمل وبعد أن استقلت ،ولكن دخولي السجن وخروجي منه مفلسا يائسا حتم على الخروج والهجرة ، وقد كانت في جواز سفري ثلاث تأشيرات لزيارة أمريكا ، انتهت منها اثنتان بدون استعمال ، وقاربت الثالثة والأخيرة على الانتهاء ، وبعد خروجي من السجن سافرت بتلك التأشيرة.

2 ـ وكانت المرة الأولى التي أسافر فيها خارج مصر ، ولو كنت أريد أمريكا ورشاد خليفة لكنت سافرت قبل ذلك ، وقليل هم الذين يحصلون على تأشيرة إلى أمريكا ، ولكنني لم ألتفت للهجرة والسفر إلا بعد أن ضاقت بي الأرض.  ومن الطبيعي أن رشاد خليفة كان يخطط للاستفادة مني مستغلا ظروفي ، فقد أكرمني وجعل لي شهرة هناك ولكنه في نفس الوقت احتفظ بأوراقي عنده وجعلني في قفص ذهبي ، ثم عمل على إحراق مراكب عودتي إلى مصر ، فأخذ يرسل إلى أجهزة الإعلام وإلى خصومي بما يثيرهم ضدي ، وفي ذلك كله استغل حاجتي إليه في الغربة وقلة حيلتي هناك وحرصي على أن يساعدني في استحضار أولادي ، وفوجئت به يعلن نفسه نبيا رسولا ، وكان من الممكن أن أداهن وأوافق وأنافق خصوصا في موقفي الضعيف ، ولكنه فوجيء بي أرفض في ثورة ، وفوجئت به يخاف ، وبذلك أخذت أوراقي منه وتركت مسجده وأصبحت عدوه الأول هناك ، وأخذ أتباعه يتربصون بي فارتحلت إلي سان فرنسسكو ، وتعرفت على أعداء رشاد خليفة الذين كانوا معه ثم خرجوا عليه حين ادعي دعوته الكاذبة ، وواصلت الهجوم عليه هناك ثم لم أستطع مواصلة الحياة بعيدا عن أولادي ،فغامرت بالرجوع إلى وطني واستقبلتني أجهزة الأمن وقضيت ليلتين في ضيافتهم واقتنعوا ببراءتي فأطلقوا سراحي .

3 ـ  ولو أن واحدا من خصومي كان مع رشاد وتعرض لنفس الاختبار لسارع بموافقته ومنافقته وقاسمه الأرباح ، ولكن الإسلام عندي جهاد ومعاناة وليس تجارة وضحكا على الذقون . وأولئك الذين يثيرون قضية رشاد خليفة لم يسأل أحدهم نفسه: إذا كنت أنا راضيا عن رشاد فلماذا تركت النعيم الذي كان لديه ورضيت بالرجوع إلى الفقر في مصر ؟

ثالثا

1 ـ إن كل ما حدث تؤيده الوثائق ، وبعون الله تعالى سيذكر التاريخ لي كيف تمسكت بما أعتبره حقا دون تنازل أو نفاق ،وكيف ارتضيت الاضطهاد لنفسي في سبيل أن يعرف الناس الحق ، والعادة أن الناس في الزمن الرديء يتطاولون على الشرفاء ويقدسون الأدعياء ، ومع أن الرد على كاتب صاحب رأي يكون بالرد على رأيه فإن خصومي في هذا الزمن الرديء لا يجيدون إلا الهجوم على شخصي ، ثم لا يجدون في تاريخي إلا ما يستحق الفخر فيحولونه بالأكاذيب إلى اتهامات وأنا لم أعرض عليهم شخصي وإنما عرضت فكري ورأيي ، ولم أتاجر بمواقفي راجيا أن يكون ذلك في صحيفة أعمالي عند ربي ، ولكنهم يرغمونني على الدفاع عن نفسي وتوضيح الحق .

2 ـ  ويبدو أن هذه قسمتي في ذلك الزمن الرديء وأنا راض بقسمتي ونصيبي .. أنا أبحث وأفكر وهم يشتمون ويتآمرون .. وأقول لهم : " اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون "

 

قال الراوي : الرقص على السلم : 14 / 3 / 1994

قال لي : إن كتاباتك لا تعجب أحدا ، التيار الديني يكره ما تكتب ، والحكومة لا تستريح لما تكتب ،  فأنت تهاجم الحكومة وتتهمها بالفساد وبأنها حولت قوة الشباب وحيويتهم إلى التطرف ، وفى نفس الوقت تهاجم التطرف وشيوخ التطرف ، وبذلك حصدت كراهية الجميع ، وليس ذلك من الكياسة أو السياسة ..

قلت له : أنت على حق بمعيار السياسة ، فالسياسة هي فن المنفعة والمصلحة ، وفى سبيل المصلحة يجوز فى السياسة الكذب وقلب الحقائق وتغيير المواقف ، وذلك ما تراه عند المشغولين بالسياسة فى داخل الحكومة والمعارضة .. وإنا بمقياس السياسة مثل الذي يمارس الانتحار فى كل مقال وكتاب ، أو بتعبير المثل الشعبي مثل الذي يرقص على السلم ..

ولكنني لا أعمل بالسياسة ولا أريدها ، إنني باحث مسلم فى تاريخ المسلمين وتراثهم وقد عشت فى عصر أصبح التراث فيه مادة للارتزاق السياسي ، حيث يريد التيار الديني السياسي إرجاع بلدي إلى الخلف بحجة أن هذا هو الإسلام ، وما أعرافه عن الإسلام من خلال بحثي يخالف كل الأطروحات السياسة للتيار الديني ، لذا رأيت من واجبي أن أوضح الحقائق الإسلامية والتاريخية التي تنقذ الإسلام والمسلمين ومصر وغيرها ..

قال : وأنت بذلك جلبت على نفسك كراهية التيار الديني السياسي الذي يسعى الجميع لإرضائه وتملقه ، وفى نفس الوقت لم تستفد من الحكومة إلا الاضطهاد .

قلت : لأنني لا أفعل ذلك حرصا على الحكومة ، وإنما حرصا على بلدي وديني .. ثم أنني اعتبر الحكومة مسئولة عن الفساد وتضييع آمال الشباب وتحويلهم للتطرف والضياع ، وكان حتما انتقادها ، ولم اكتب ما أندم عليه فى انتقاد الحكومة أو انتقاد التطرف ، فإذا كانت السياسة هي فن المصلحة فلا مصلحة لي هنا أو هناك ، وإذا كانت السياسة هي قلب الحقائق وتغيير المواقف ، فموقفي ثابت ومع ما أعتبره حقا ويرضى عنه ضميري ..

قال :ولكنك كاتب ومفروض أن تحرص على أن يتكاثر القارئون لك ..

قلت : أنا أعلم أن إحترام عقل القارئ أهم كثيرا من خداعه والتلاعب بعواطفه ، وأعلم أن بعض ما أكتب يصدم ما تعارف عليه القراء ، وقد يحولهم إلى أعداء ، كلمة الحق قد لا تجعل لك صديقا ، لكنها تكسب فى النهاية ، أننا فى عصرنا الرديء تتكاثر سحب الخرافات والأكاذيب حتى تحجب التمسك بقول الحق ، الله تعالى يقول " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ".

قال : لست أتكلم عن الغد ، وإنما أتكلم عن اليوم. فماذا تفعل لو فقدت قراء اليوم انتظارا للقارئ المجهول فى الغد ؟

قلت : أنت تسيء الظن بالقارئ المصري ، قد ينخدع قليلا بما يكتبه المرتزقة وأصحاب المصالح ، ولكنه يعود سريعا إلى رشده . قد يصدق أحيانا بعض محترفي التدين من رافعي الشعارات ولكنه يترك مساحة فى عقله للانتقاد والتشكك والتدقيق ، وفى النهاية سيعرف مصلحته ، وسيعرف من يكلمه ويخاطب عقله بآيات الله تعالى وحقائق التاريخ يدعوه للتفكر والتعقل دون أن يطلب زعامة أو جاها أو أجرا ، وسيعرف أيضا أولئك الذين يخدعونه ويتلاعبون بعواطفه ليسير معهم هنا وهناك .. ثم أؤكد لك أنهم لن يتركوا القارئ يكتشف ذلك بنفسه ، بل هم الذين سيساعدونه فى كشف أنفسهم وخداعهم . لأن فن السياسة القائم على المنفعة وقلب الحقائق وتغييرا المواقف سيجعلهم ينكشفون ، بينما الذي يسير مع مبدئه لا يحيد عنه لا يقع أبدا فى تناقض مع ما يكتب ..فالفيصل هنا فى موضوع الأجر أو المنفعة أو المصلحة ، ولذلك يقول تعالى " اتبعوا من لا يسألكم عليه أجرا وهم مهتدون " فالذي يدعوا للحق لا يريد أجرا من الناس ، ثم هو يكون أكثر الناس التزاما بما يقول واهتداء بما يدعوا إليه . أما محترفوا التدين والسياسة فلديهم هدف ثابت يحرصون عليه وهو الأجر والمنفعة ، إما يطلبون حكما وجاها وإما يطلبون استمرار الحكم والجاه الذي يرتعون فيه ، وفى سبيل ذلك يخدعون الناس بالشعارات وأفانين القول .. والأيام كفيلة بفضحهم جميعا ..

قال : ولكنهم قد يجتمعون عليك .. وهذا وارد .. بل مؤكد

قلت : يقول ربى جل وعلا " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا ".. وما أعظم أن يموت الإنسان فى سبيل الله تعالى .. فى سبيل الحق ..

 

قال الراوى : قى انتظار حد الردة !!

1 ـ نشرت الأخبار فى يوم الجمعة ـ 27ـ سبتمبر نبأ جريمة ، هى الأولى فى مجتمعنا وربما لن تكون الأخيرة ؛فقد اقتحم ثلاثة من الطلبة الجامعيين بنك مصر بالمنصورة وقتلوا المدير وابنه الطفل وابن عمه وسلبوا  16 ألف جنيه . والطلبة من جماعات التطرف التى تستحل القتل والسلب ويعتقدون أنه لابد من قتل الضحية حتى يستحلوا أمواله . كان الجناة لأول مرة من الطلبة ، وسبقهم آخرون أدمنوا السطو على الصاغة الأقباط وربما قتلهم . وقبل حادث البنك بأسبوع كانت الفتنة الطائفية فى امبابة , وهى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ، فجرائم التطرف مستمرة باستمرار التطرف . والتطرف نفسه فى استمرار وفى انتشار لأن له جذوراً اقتصادية ودينية ؛ ترجع أسبابه الإقتصادية إلى بطالة الشباب وأحلامهم الضائعة . والحل فى يد الحكومة والمجموعة الإقتصادية . أما الجذور الدينية التى يترعرع فيها التطرف فكاتب السطور هو الخبير بها ، وهوالذى وهب حياته وعانى ــ ولا يزال يعانى ــ فى سبيل انقاذ المجتمع منها , ولا تزال تشكل الجانب الأكبر من ماضى حياته ومستقبله ، فيما بقى له من عمر .

2 ـ إن الجذور الإقتصادية للتطرف مهما بلغت فهى عامل مشجع فقط ، ومهما يكن فهى عوامل مرحلية ، فقد يتم اصلاح المسار الإقتصادى ، ولكن يظل التطرف موجوداً ومؤثراً ، لأنه يستمد شرعيته من مصادر مقدسة تدافع عنها محاكم التفتيش ورجال السلطة الدينية ويتبناها الإعلام الرسمى المقروء والمسموع والمرئى . ولا يمكن القضاء الفعلى على جذور التطرف الدينى إلا بالمناقشة العلمية المفتوحة الحرة دون إرهاب من محاكم التفتيش والقوانين التى تجعلهم يتحكمون فى الحركة الفكرية بالمصادرة وإلقاء المفكرين فى السجون ومحاربتهم فى أرزاقهم وتشريدهم من وظائفهم كما حدث لى .

3 ـ وقد بدأت القصة بتحضير رسالتى للدكتوراه فى قسم التارخ الإسلامى بجامعة الأزهر والتى جعلتنى أتأكد من تلك الفجوة الهائلة بين الإسلام الذى فى القرآن ونوعية التدين التى عرفها المسلمون منذ العصر العباسى والتى صيغت فيها أحاديث اكتسبت التقديس بمرور الزمن ، ودفعنى ذلك إلى المطالبة بتحرير مناهج الأزهر واجراء حوار حول كل هذه الأقاويل , وكانت المكافأة تعطيل مناقشة الدكتوراه ثلاث سنوات .!! ثم أصدرت كتابى " السيد البدوى " سنة 1982م . ودعوت فيه إلى إجراء حوار حول هذه الأحاديث وتلك المعتقدات حتى لا ينتشر التطرف ويصطدم الشباب بالسلطة ، وزاد اضطهادى فى الجامعة ، ولكن واصلت دعوتى إلى أن أصدرت سنة 1985م خمس كتب فى نفس الاتجاه ، فكان قرار الجامعة بوقفى عن العمل إلى أن تم فصلى سنة 1987م . وعقد خصومى مؤتمراً فى اسلام اباد لمناقشة كتبى وأصدروا قرارهم باعتبارى مرتداً سنة 1987م ، وضغطوا فى الداخل والخارج فى وقت عودة العلاقات بين مصر ودول البترول حتى أراحتهم الحكومة بسجنى فى نوفمبر 1987م. وذلك رداً على كتابى الثانى عشر وعنوانه " المسلم العاصى " ..

4 ـ وحين كنت فى السجن تبارى خصومى فى تجريحى والهجوم على فى الصحف القومية وفى مجلة اللواء الإسلامى حيث أطلقوا على لقب " مُـنكـرالسنة " واستمر ذلك من شهر نوفمبر إلى شهر يناير سنة 1988م , وبعناوين ضخمة . وعلى سبيل المثال قالت صحيفة الحزب الوطنى " اللواء " فى يوم 24/12/1987 . بأن منكر السنة لا يعترف بحد الردة لأنه أول من يطبق عليه !! . وخرجت من السجن وقد فقدت كل شىء وأوصدت فى وجهى سبل الرزق فا ضطررت للسفر للولايات المتحدة الأمريكية للعمل بأحد المساجد هناك ولكن تبين لى أن التجارة بالدين هناك كمثلها فى مصر , واختلفت مع صاحب المسجد وتركته ثم عدت إلى مصر لآواصل مشوار المتاعب فنشرت لى الأخبار يوم 21/4/1989م مقالا بعنوان " القرآن هو الحل  : دعوة إلى الإحتكام إلى كتاب الله فى مواجهة السلاسل والجنازير " أوضحت فيه أن جذور التطرف ترجع إلى أحاديث منسوبة للنبى وتخالف القرآن ولكن يدافع عنها رجال الدين وتساءلت عن تلك الكراهية المقدسة للأقباط والتى تخالف القرآن والتى من شأنها أن تحرق البلاد , ودعوت إلى إجراء حوار لإنقاذ مصر من هذه الأفكار , ورد الأستاذ جمال بدوى فى الوفد يهاجمنى بضراوة فى 23/4 , 24/4 , 25/4 /1989م . وأخذت منى جريدة الوفد موقف العداء من وقتها ..!! . وأشكر جريدة الأحرار أن أتاحت لى هذا المنبر لأواصل فيه الدعوة إلى إنقاذ الإسلام ومصر من ذلك التطرف الذى لن يـُبقى ولن يذر .

5 ـ قلت ولا أزال أقول أن التطرف يستند إلى أحاديث تجعل الأقباط وأهل الكتاب مواطنين من الدرجة الثانية وتبيح اضطهادهم والتضييق عليهم فى الطرقات وتستحل دماءهم وأموالهم . ويستند التطرف إلى أحاديث أخرى تبيح قتل المسلم المسالم إذا خالف فى الرأى أو اختلف فيه ، ويستند إلى احاديث تشرع الإكراه فى الدين وتقيم محاكم تفتيش تصادر حرية الإعتقاد ، ومن السهل أن يجد فى تلك المصادر " المقدسة " كل صاحب هوى هواه ، فالقاتل تتحول جريمة القتل لديه إلى جهاد فى سبيل الله وإقامة لحد الردة , وقاطع الطريق يسلب الأموال على أنها غنيمة وفىء , ومغتصب الأعراض تتحول عنده الضحية إلى سبيـّة , ومصر تتحول إلى دار كفر .!! ولا بأس بذلك طالما لا تزال محاكم التفتيش تقيم المتاريس فى وجه أولئك الذين يريدون انقاذ مصر الحاضر والمستقبل .

6 ـ أكاد أقول ان أولئك الجناة الذين اقتحموا البنك وقتلوا وسلبوا انما هم ضحايا , شأنهم شأن القتلى , ولقد قرءوا أحاديث مقدسة وعاشوا فى غسيل مخ فى الاعلام تتناثرفيه عبارات من هنا وهناك تؤكد لهم انهم على الحق ، وتعلموا كراهية المصريين الأقباط وغير الأقباط من الذين يخالفونهم فى الرأى , وأيقنوا أن الحكومة عاصية لأنها لا تطبق شريعة الله وأهمها حد الردة ، فنهضوا بأنفسهم لتطبيق حد الردة على الحكومة وغيرها ..

7 ـ وهكذا بدأنا نسمع عن فتاوى القتل واستحلال الدماء والأموال ، وهى بشرى عظيمة ، لأن الجماعات المتنافسة تحكم على بعضها بالردة وتقتتل فيما بينها على هذا الأساس , وتقتل من يخرج عنها بتهمة الردة , إذن فقد أصبحنا جميعاً فى انتظار حد  الردة ..

8 ـ وإلى اللقاء غداً فى "القرافة "..!!  حاجة " تقرف ".. !! 

 

قال الراوى : أنا عندي أمل!! 7/ 9 / 1992

قال صديقي : لا أرى في الأفق أي أمل ، وأرى أنه لا فائدة من كل ما تكتب، فالتجارة بالإسلام هى العملة الرائجة ،والتطرف يستند إلى أسس تراثية تدافع عنها مؤسسات  الدولة ، وكبار الموظفين في هذه المؤسسات يتمنون مجئ الدولة الدينية التي سيتبوأون فيها مناصب الصدارة ، بل إن الأغلبية يعتبرون الدولة الدينية هي الأتوبيس القادم وليس هناك غيره ، وهم يقيمون حساباتهم على هذا الأساس ، وبعضهم بدأ فعلا بأن يحجز لنفسه في ذلك الأتوبيس، وما تكتبه عن الإسلام الحقيقي ومخالفته للتطرف لا يستمع إليه أحد ، ولا تكتسب منه إلا عداء المتطرفين ومعظم مؤسسات الدولة ، باختصار أرى أنك تؤذن في مالطة.. والدولة الدينية قادمة لا محالة ، فذلك هو الثمرة الحتمية لترهل الدولة والمجتمع ، وإذا كان بعضهم قد حجز لنفسه مقاعد الصدارة في الدولة القادمة فإنك قد حجزت لنفسك فيها مقبرة وحكمت على نفسك بالعدم ..

قلت : على عكس ما يتوقع الجميع . أنا عندي أمل . وبالنسبة لي فعقيدتي الإسلامية  تجعلني لا أخشى الموت ، لأنه لا يستطيع أحد في العالم أن يقدم موعد وفاتي الذي حدده رب العزة دقيقة واحدة، ولا تستطيع قوة في العالم أن تؤخر ذلك الموعد دقيقة واحدة، وبالنسبة لي ككاتب له فكره الذي يتمسك به فإن الفكر الحق لا يموت، بل إنه يبقى بعد موت صاحبه.

وقلت : وعلى عكس ما يتوقع الجميع .. فأنا عندي أمل في أن دولة التطرف لن تقوم في مصر ، لأن ذلك يجافي منطق عصرنا الحديث . وقد قامت دول رفعت رايات دينية ثم أجبرها تيار العصر على أن تساير منطق العصر . ومنطق القرن الحادي والعشرين هو حقوق الإنسان والدفاع عنه ضد تسلط الديكتاتوريات العسكرية والطبقية والدينية.. وقد أصبحت الدنيا بأسرها قرية صغيرة تهتز إذا أهين شخص ما في أى مكان على هذا الكوكب ، ولم يعد بوسع حاكم أن ينفرد بشعبه يفعل به ما يشاء ، ولو استكان الشعب للظلم  فإن المجتمع الدولي لن يسكت ، فلم يعد للعزلة مكان ، وأصبح كل شيء في العالم مكشوفا للجميع وتصل أخباره للجميع في نفس الوقت ، وأي نظام سياسي لم يطور نفسه لاستقبال منطق عصرنا الراهن فإنه سيحكم على نفسه بالاندثار شأن النظم الفاشية والشيوعية التي انتقلت إلى متحف التاريخ.

وقلت: إن منطق العصور الوسطى حكم باندثار دولة الإسلام الحقيقي ، ففي وسط ظلام العصور الوسطى أشرق الإسلام بنظام حكم سياسي فريد، فيه الحرية المطلقة للفكر والرأي والعقيدة طالما لا يرفع الإنسان سلاحاً ، وفيه تحديد هدف الجهاد بأنه لتقرير حرية العقيدة لكي تمتنع الفتنة في الدين ويكون الدين لله خالصاً ليحكم بين الناس يوم الدين ، وفيه المساواة والفرص المتكافئة بين الجميع بغض النظر عن الدين والجنس واللون ، والأفضلية عند الله هى التقوى ، والتقوى لا يعلم حقيقتها إلا الذي يعلم السر وأخفى . وتلك نصوص القرآن التي طبقها خاتم النبيين عليه السلام ، ولكن ترتب على الفتوحات أن أشرف المسلمون عن أنقاض إمبراطورية فارس وأشلاء ممتلكات الروم حيث منطق العصور الوسطى في الحكم والإدارة . من تأليه الحاكم وملكيته للأرض ومن عليها واستئثاره بالأموال والخزائن . وانبهر بعض المسلمين بذلك النظام خصوصاً والى الشام معاوية وآله. وأقام على نفس المنوال ملك الأمويين العضوض، ثم جاءت الدولة العباسية بنفس الحكم المستبد الذي يشبه نظام الأكاسرة، وفي العصر العباسي تم تدوين الصيغة القانونية لذلك الاستبداد عن طريق الأحاديث والفتاوى ، وتحولت نصوص القرآن التي كان يطبقها الرسول عليه السلام إلى مجرد نصوص للتعبد فقط ، وتم إفراغها من محتواها وإغراقها في اختلافات المفسرين وروايات المحدثين والقصاصين . ولذلك فالفجوة واسعة بين القرآن وتلك المرويات التي صيغت في العصر العباسي ونسبوها للنبي عليه السلام وحكموا بها الناس واستعبدوهم بدون حق.

لقد كان الرسول ــ وهو الحاكم السياسي ــ يستمد سلطته من رضا الناس ، ولذلك يأمره ربه تعالى أن يكون ليناً معهم وأن يعفو عنهم إذا أساءوا وأن يستغفر لهم إذا أذنبوا ، وأن يشاورهم في الأمر ، وألا يكون فظاً غليظ القلب حتى لا ينفضوا من حوله فيضيع سلطانه، لأن سلطانه يكون باجتماعهم حوله ورضاهم به ،يقول له ربه  " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضُوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ."( 3 : 159 ). ومن الطبيعي أن هذا المنطق في الحكم لا يمكن أن يستمر في ظلمات العصور الوسطى المتكاثفة التي فرضت منطقها ومنهجها . ودعاة الدولة الدينية يريدون العودة بنا إلى عصر الخلفاء غير الراشدين ، الذي أندثر . ويريدون استعادة عصر بائد ، وذلك ما لا يسمح به عصرنا أيضاً .

إن الديناصور نفسه قد أنقرض وتحول إلى حفريات صماء حين أتى عليه عصر الثدييات ، والذي يعيش خارج زمنه يحكم على نفسه بالموت حتى لو كان في حجم الديناصور .

لذلك فأنا عندي أمل ..!! .      

ملاحظة :  نشرت هذا المقال بعد إغتيال فرج فودة ، وإصابة بعض المثقفين بالهلع واليأس والإحباط خصوصا مع دخول نظام مبارك فى حرب عسكرية مع جماعات الارهاب فى الصعيد. وقبل وبعد إغتيال فرج فودة كنت ضمن أعضاء ندوة نجيب محفوظ فى كازينو على النيل عصر كل يوم جمعة. إعتدت الحضور مع فرج وفودة والمؤلف المسرحى على سالم وباقة من المثقين ، وكنت مفتى الجلسة يسألون وأجيب. أتذكر بعد أن نشرت الأحرار هذا المقال أن قام بقراءته فى ندوة نجيب محفوظ الصديق الراحل كمال بولس. وأثار إعجاب الحاضرين.

يبقى أن أقول إن بعض المقالات تخلو من تاريخ النشر لأن الفقر كان يمنعنى من ملاحقة المقالات التى أنشرها فى الأحرار وغيرها. وكنت أكلّف بعض الأصدقاء بتجميع ما يقدرون عليه ، فيقومون بقصّ المقال من صفحة الجريدة و أحيانا ينسون وضع التاريخ علي المقال.                                                            

اجمالي القراءات 3951