نعم لـ«الشريعة الإسلامية» ولكن...

في الخميس ١٨ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

نعم لـ«الشريعة الإسلامية» ولكن...

  بقلم   د.محمد السعيد مشتهرى    ١٨/ ٨/ ٢٠١١

أثار مقالى «جمعة الشريعة الإسلامية»، بتاريخ ٤/٨/٢٠١١، ردود أفعال متباينة، إن دلت على شىء فإنما تدل على أن كثيرا من أتباع التيارات الإسلامية، مقلدون، لا يقرأون، وإن قرأوا لا يتدبرون، ولا يفكرون. وهذه وحدها مأساة، تجعل المطالبة بتطبيق «الشريعة الإسلامية»، مجرد عاطفة دينية، يُخشى منها على الديمقراطية، عندما تمارسها الشعوب لأول مرة فى حياتها!!

لا يا سيدى.. ليست هذه هى «الديمقراطية»!! إن الديمقراطية الحقة لا توظف عواطف الناس لخدمة توجه فصيل سياسى. إن «الديمقراطية» الحقة شورى بين كل الفصائل السياسية، بصرف النظر عن عدد أفراد كل فصيل. إن «الديمقراطية» الحقة، يبدأ تفعيلها، بوضع «ميثاق شرف» بين فصائل الشعب المختلفة، تتعهد فيه بالالتزام بما حمله هذا الميثاق من مبادئ تكفل لكل فصيل حقوقه التى نصت عليها الدساتير العالمية.

لقد عاش العالم الإسلامى قرونا من الزمان فى تفرق وتخاصم وتقاتل، وقهر حكم الفرد، مما جعل معظم أفراده يعيشون فى معزل عن ممارسة الحياة السياسية الديمقراطية الحرة، الأمر الذى دفع بعض التيارات الدينية إلى اتخاذ العنف سبيلا للمطالبة بتطبيق «الشريعة الإسلامية»، حسب قناعتهم المذهبية، وما زالوا إلى يومنا هذا!!

إن الديمقراطية الحقة لن تدخل باب قوم يؤمنون بالعنف، ولا يحترمون حرية الإنسان فى الاعتقاد، ولا يؤمنون بدور الشعب، ومؤسساته المدنية، فى حماية هذه الحرية. لقد رفض الأنبياء جميعا العنف بكل صوره، بل قُتلوا دفاعا عن «الحرية»، وعن «الديمقراطية»، وعن «حقوق الإنسان»، وإخراج الناس من عبادة الطاغوت إلى عبادة الله الواحد الأحد.

إذن، فعندما تنادى التيارات الدينية بالمطالبة بتطبيق «الشريعة الإسلامية» عليها أن تعلم أنها ترفع راية مقدسة، لا تعرف فُرقة، ولا مذهبية، ولا تطرفا، ولا عنفا، ولا إكراه فى الدين. فتعالوا نبيّن هذا الموضوع بشىء من التفصيل.

إن المسلم عندما يسمع كلمة «قرآن»، فإن الذى يتبادر إلى ذهنه أنه «كتاب الله»، الذى حمل نصوص «الشريعة الإسلامية» واجبة الاتباع، إلى يوم الدين. فهل هناك خلاف بين المسلمين، بمختلف طوائفهم ومذاهبهم، حول هذه الحقيقة؟! ولكن، لماذا لا يوجد خلاف؟!! لأنهم جميعا يعلمون أن الذى أنزل هذا «القرآن»، ووسمه بهذا الاسم، هو الله تعالى، لا أحد من خلقه.

لذلك فإن قضية إثبات صحة نسبة نصوص «الشريعة الإسلامية» إلى الله تعالى، وليس إلى أحد من خلقه، ولو كان رسول الله نفسه، قضية محورية تفصل بين «الآية الإلهية»، أى بين النص التشريعى المنزل من عند الله تعالى، و«الرواية البشرية»، أى النصوص التشريعية التى حملتها «مرويات» الفرق والمذاهب المختلفة إلى عصر تدوين كل فرقة لمدوناتها. ولقد بيّن الله تعالى الحدَّ الفاصل بين الشريعة الإلهية، والتشريعات البشرية، بقوله تعالى:

تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ {٤٣} وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ {٤٤} لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ {٤٥} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ {٤٦} فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ {٤٧} الحاقة.

لقد جعل الله تعالى كتابه الخاتم «آية قرآنية»، وليس مجرد كتاب كسائر الكتب الإلهية السابقة، لبيان أن نصوص «الشريعة الإسلامية» جزء لا يتجزأ من هذه «الآية»، محفوظة بحفظ الله تعالى لها، بعيدا عن أيدى البشر، وعن اجتهاداتهم المذهبية، المفرقة لهم ولدينهم.

لذلك لا تجد فى كتاب الله، أى إشارة إلى وجوب اتباع كتاب، يحمل «شريعة إلهية»، ويرثها لمسلمون بعد وفاة النبى، عليه السلام، غير هذا «القرآن»، فتدبر قول الله تعالى:

وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ {٣١} ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {٣٢}فاطر.

إن المسلم، الذى شهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وآمن بفاعلية أسماء الله الحسنى فى هذا الوجود، يرفض أى ادعاء بتفويض الله تعالى لأحد من البشر، فى سن تشريعات خارج حدود «النص القرآنى»، لأنه القائل سبحانه:

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {٢١} الشورى.

إنه من الضرورى لكل مطالب بتطبيق «الشريعة الإسلامية» أن يقدم للناس أولا، «إذن الله»، الذى حمل نصوص هذه الشريعة المراد تطبيقها، حتى لا يقع فى وعيد كثير من الآيات، التى حذرت من التقول على الله تعالى بغير علم، فتدبر.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ {٥٩} يونس.

لذلك فإن الذين يقولون: «إن من يخافون من تطبيق «الشريعة الإسلامية» هم اللصوص، والزناة.. لأنهم هم الذين يخافون من قطع أيديهم، ومن رجمهم..»، عليهم أن يقدموا أولا «إذن الله» الذى حمل الأمر بتطبيق هذه الشريعة. إن هؤلاء العامة، الذين يقولون هذا الكلام، هم من المقلدين لعلمائهم، لذلك حرام على هؤلاء العلماء، أن يتركوهم هكذا، دون أن يبينوا لهم حكمة مجىء نصوص «الشريعة الإسلامية»، محفوظة بحفظ «الآية القرآنية»، التى بدونها ما استطاع مسلم أن يثبت أن محمدا رسول الله!!

إن الذين يطالبون بأن يوضع الدستور أولا، هم من النخبة، الذين يعلمون جيدا تاريخ الصراع السياسى بين التيارات الدينية المختلفة، ويخافون من ضياع منجزات «الثورة»، إذا تمكن فصيل من التيارات الدينية من الحصول على الأغلبية فى البرلمان، أو الوصول إلى رئاسة الدولة، فإذا بهذه الأغلبية تطالب بوضع المذكرة التفسيرية للمادة الثانية من الدستور، فتأتى حسب توجهها الدينى المذهبى، ويبدأ الصراع حول أحكام الحلال والحرام!!

إن إلحاق المادة الثانية للدستور بمذكرة تفسيرية، وبيان مفصل لكل كلمة فيها، قبل إجراء الانتخابات، أراه فريضة شرعية على من بأيديهم الأمر. ذلك أن كلمة «الحرية»، مثلا، كمبدأ عام من مبادئ الشريعة، يستحيل أن تكون مطلقة، إذن فمن الذى سيضع الضوابط المقيدة لهذه الحرية؟!

عندما تولت جماعة «طالبان» حكم أفغانستان، لم تعتبر حلق اللحية حرية شخصية، وأصدرت القوانين التى تجرم حلق اللحية!! وبعد «الثورة» هناك من خرج علينا يطالب بمليونية «اللحى»!! فهل يعقل أن نفرح ببقاء المادة الثانية هكذا عامة دون تفصيل، ليأتى برلمان الأغلبية ويتولى هذه المهمة؟!!

يا أهل الخير، يا أتباع التيارات الدينية المختلفة، هل من أولويات العمل الإسلامى، أن نكفر بنعمة «الثورة»، التى أعطتنا «الحرية»، والانتصار على الطاغوت، وبدلا من أن نخلع ثوب الفرقة والمذهبية، ونجتمع حول نصوص «الآية القرآنية»، نستلهم منها أحكام «الشريعة الإسلامية»، الموحدة لصفوفنا...، بدلا من أن نفعل ذلك، أسرعنا إلى توظيف إنجازات «الثورة» لصالح توجهاتنا الدينية المذهبية؟!!

لماذا لا ننتظر حتى نوحد صفوفنا، ونفهم «شريعتنا»، ونتقن العمل السياسى، ونترك النخبة من أهل الخبرات العلمية يديرون إنجازات «الثورة» إلى بر الأمان؟!

*مدير مركز دراسات القرآن الكريم

اجمالي القراءات 5956