ف 1 ( النشر فى الصحف ) : النشر فى جريدة الأخبار المصرية
ف 1 من كتاب : (جهادنا ضد الوهابية )
الفارس النبيل :الاستاذ الصحفى عبد الوارث الدسوقى
أولا :
1 ـ فى كتوبر 1988رجعت من أمريكا خوفا على أولادى ، وقضيت ليلتين فى سجن أمن الدولة ، وبعد تحقيق مكثف أفرجوا عنى ، وعدت الى دارى أحمل أوراقى وكتبى المخطوطة فى حقيبيتين كبيرتين ، ذهبت بهما الى أمريكا فى يناير 1988 ، وعدت بهما الى مصر بعد عشرة اشهر . قام ضباط أمن الدولة خلال الليلتين بفحص كل أوراقى وكتبى المخطوطة ، وأعمالى الدرامية . فى التحقيق جاء ذكر حمولتى هذه من مصر الى أمريكا ثم من أمريكا الى مصر . قلت لهم : ( زملائى من شيوخ الأزهر يبنون عمارات ، وما رأيتموه هو العمارات التى أملكها ، هذا هو رحيق العمر ). كان بإمكانهم تدمير كل أوراقى ولكنهم أرجعوها كما هى . وأفرجوا عنى على وعد بأن اعود اليهم بعد اسبوع لاستكمال التحقيق . وعدتهم أن أكتب لهم تقريرا صادقا عن كل ما حدث لى فى أمريكا . كتبت التقرير بكل صدق ، فليس فى حياتى فى أمريكا ما يشيننى فى علاقتى برشاد خليفة وغيره . ودعنى رئيس المكتب ، وهمس لى ونحن على الباب حتى لا يلتقط كلامه جهاز التسجيل : ( يا د كتور أحمد .. ترفق بنفسك . أرجوك لا تنكر السُنّة ولا تهاجم الأزهر فنحن نتلقى منهم التعليمات ) قلت له : ( إذا هاجمونى سأهاجمهم . وكتاباتى بالقرآن وعليهم الرد عليها ).
2 ـ قيل لى إن الاستاذ (عبد الوارث الدسوقى ) فى جريدة أخبار اليوم يسأل عنك ، ويريد أن يراك . عرفت أنه كان ضمن المشرفين على تأسيس جرية الجمهورية ، وتعامل مباشرة مع السادات الذى كان رئيساً لمجلس إدارتها، ومع عبد الناصر ، وإشتهر بصراحته وإستقامته وحرفيته الصحفية ، أعضاء مجلس قيادة الثورة وعلى رأسهم جمال عبدالناصر، ثم انتقل الى مؤسسة الأخبار مع مصطفى أمين . ومع شهرته فى الوسط الصحفى فقد كان غير معروف للقارىء بسبب حرصه على أن يظل فى الظّل ، يكتب دون أن يضع إسمه على ما يكتب . وكان مشرفا على الصفحة وعلى صفحة الرأى للشعب .
قابلته وقال لى إنه كان يحضر خطبة الجمعة فى مسجد الزمالك الذى كنت أخطب فيه ، وأنه الذى كتب المقال الذى دافع فيه عنى فى جريدة الأخبار حين كنت فى السجن ، وكان بتوقيع الاستاذ جلال الحمامصى . وسألنى عن أحوالى فحمدت الله جل وعلا ، عرض علىّ كثيرا المساعدة المالية و رفضت شاكرا ، وقلت له إنه إذا أراد مساعدتى فعلا فأنا أريد أن أنشر مقالا اسبوعيا فى الصفحة التى يشرف عليها فى الأخبار . قال إنه لا يضمن النشر الاسبوعى ، ولكن سينشر لى ما إستطاع .
وبدأت النشر مبكرا فى الأخبار ، وكانت مقالاتى تحت عنوان ( القرآن هو الحل ) ، واثارت الجدل بسبب هجوم جمال بدوى أبرز كتّاب جريدة الوفد علىّ . ومعظم ما نشره لى الأخبار أعدت نشره هنا ، خصوصا مقال ( معركة الربا ) وكان آخر مقالاتى فى الأخبار بعد تدخل شيخ الأزهر ( جاد الحق ) و المفتى ( محمد سيد طنطاوى) ، وعقد صفقة لحل موضوع الربا مقابل منعى نهائيا من الكتابة فى الأخبار.
وتوسط لى حتى نشرت دار أخبار اليوم كتاب ( مصر فى القرآن ) ، ودخل بسببى فى معركة مع شيوخ الأزهر و عميلهم داخل مؤسسة ألأخبار ، وهو ( أحمد زين ) . والتفاصيل مذكورة فى مقدمة كتاب ( مصر فى القرآن ) المنشور هنا .
3 ـ كان أحمد زين على النقيض من استاذه عبد الوارث الدسوقى. الغريب أننى سمعت الاستاذ عبد الوارث يرثى ويتألم من المصاعب الصحية التى يتعرض لها أحمد زين . وكان هو رئيس تحرير ( اللواء الاسلامى ) الجريدة الاسبوعية التى تصدرها مؤسسة أخبار اليوم . عندما نشرت كتاب ( المسلم العاصى : هل سيخرج من النار ويدخل الجنة ) كتب يهاجمنى ناقما فى صفحته فى الأخبار . وهو الذى نشر فى جريدته تلك مقالا ملتهبا للشيخ الشعراوى ـ قبيل القبض علينا ـ يدعو فيه الشعراوى لتطبيق حدّ الحرابة علينا ( أى قتلنا وصلبنا وتقطيع أيدينا وأرجلنا من خلاف ) .!!، وكان مقال الشعراوى هذا تبريرا مسبقا لاعتقالنا بإعتباره أخفّ كثيرا من حدّ الحرابة . وبينما دافع عنى الاستاذ عبد الوارث الدسوقى وأنا فى السجن شأن الفارس النبيل فإن أحمد زين سخّر جريدته ( اللواء الاسلامى ) لتهاجمنى طيلة مدة سجنى . فى التحقيق معى وأنا فى السجن كانت اللواء الاسلامى تنقل من محاضر التحقيق تحت عنوان منكر السنة يقول ، وتكتب عناوين ملتهبة ، وتزعم كذبا وبهتانا أننى إعترفت بأخطاء كذا وكذا ، وتأتى بآراء الشيوخ التى تحرَض الدولة والناس ضدى .كل هذا وأنا فى السجن لا أستطيع الرد والدفاع عن نفسى . وبعد عوتى من أمريكا لم تتوان جريدة اللواء الاسلامى من الهجوم علىّ بمناسبة أو بدون مناسبة . عندما جاء نبأ إغتيال رشاد خليفة كتبت اللواء الاسلامى تحرّض على قتلى وتتهمنى بأننى تابع له .
أخيرا :
أول مقال نشره لى الاستاذ عبد الوارث الدسوقى فى الحرب ضد الوهابية :
جريدة الاخبار
الصفحة الرابعة 15من رمضان 1409 هجرية
القرآن هو الحل
دعوة للاحتكام إلى كتاب الله..فى مواجهة السلاسل والجنازير!!
تفاقمت الأزمة بين الدولة والجماعات الدينية. ولايبدو هناك حل حاسم مع الاطراد المستمر فى الأزمة الاقتصادية التى تضيف أنصارا جددا إلى معسكر الجماعات الدينية من الشباب المتمرد واليائس والساخط.. ويزيد من حدة الازمة أن وسائل الدولة فى مواجهتها لم يحالفها التوفيق .. فالجماعات الدينية تقوم على أسس دينية فكرية تدعمها ظروف اقتصادية وسياسية ، ومواجهة الأفكار الدينية بالعنف يتيح لها فرصة الانتشار خصوصا إذا وجدت المناخ الاقتصادى الملائم.. وتحاول الدولة اجراء حوار مع الشباب مع زيادةالمساحة الاعلامية فى المواد الدينية.. ولكن لايبدو النجاح من نصيب هذه الخطوة أيضا لسببين أساسيين :
أ ــ إن القائمين على إجراء الحوار والمسيطرين عليه من رجال الدين الرسميين، وهم نجوم أجهزة الاعلام الرسمية فى البرامج الدينية، واتهامهم بأنهم" علماء سلطة" حدا بهم لمحاولة إنكار هذه التهمة فى تصريحات علنية لم تجد شيئا!.
ب ــ ثم وهذا هو الأهم ــ إن علماء الدين الرسميين ينتمون لنفس الأسس الدينية التى يؤمن بها ويدافع عنها شباب الجماعات الدينية، وانطلاقا منها يؤسسون حقهم فى تكفير المجتمع وخروجهم عليه بل واستباحة الدماء وطلب الاستشهاد!. وبدون مواربة ــ فلم يعد هناك متسع للمجاملات على حساب الوطن ــ نقول ان الأسس الدينية التى تنبت فيها دعاوى التطرف تتمثل فى الاحاديث التى صيغت ثم انتشرت ودونت منذ العصر العباسى فى خضم الصراعات السياسية والفكرية بين الأحزاب والفرق السياسية والدينية .. ولاتزال تلك الاحاديث تمارس دورها فى أذكاء الصراعات بين المسلمين . وبرغم مافيها من تناقض وتصادم مع القرآن الكريم فإنها اكتسبت حصانة تصونها عن النقد بل ومحاولة النقاش لأن من طبيعة المؤسسات الدينية الرسمية أن تحافظ على التراث وأن تدفع عنه خطر النقاش والبحث العلمى الحر .
ومن استقراء تاريخ الحركة الفكرية فى الحضارة الاسلامية نعرف أن الائمة المجتهدين كانوا خارج المؤسسات الدينية الرسمية بل نالهم من الدولة العباسية وعلمائها الرسميين صنوف الأذى والاضطهاد، ونعرف ماحدث لائمة الفقه الأربعة على يد الخلفاء العباسيين وأعوانهم فى عصر حكمت وسيطرت فيه الدولة الدينية وطبق فيه " الخلفاء" الشريعة لتعزز من سلطانهم المطلق .
إن احتمالات المستقبل المفجعة لاتترك مجالا لأى مفكر مهموم بوطنه لكى يهرب من مواجهة المشكلة الدينية ، والباحث المسلم يعلم عن يقين أن حلول المشكلة الدينية تأتى من القرآن الذى مافرط فى شىء والذى جاء تبيانا لكل شىء..
يقول تعالى فى وجوب التحاكم للقرآن " ومااختلفتم فيه من شىء فحكمه الى الله..(الشورى 10) "ويقول " أفغير الله ابتغى حكما وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا" (الانعام 114) . وتحت عنوان" القرآن هو الحل" يمكن كتابة مجلدات فليس ذلك العنوان الا تحديدا للشعار السياسى المطروح فى مواجهة الحكومة ، واذا صدقت النوايا فى حصار المشكلة الدينية ومحاولة حلها فان القرآن سيكون هو الحل الوحيد الناجح .
لن نستطيع مواجهة التعصب الدينى إلا بآيات القرآن" ادع الى سبيل ربك بالحكمةوالموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن " (النحل125) " وإ نا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين ، قل لاتسألون عما أجرمنا ولانسأل عما تعملون ، قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم"(سبأ26:24) .
وهذه الكراهية " المقدسة" للأقباط هل تتفق مع قوله تعالى" لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون"(المائدة82 ) وهل الله منحاز لنا فقط دون غيرنا؟ دعونا نستمع إلى شهادة رب العزة .. القرآن يقول لا .. اقرأ قوله تعالى " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون"
( البقرة62 ).. " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون "(المائدة69) . ان موقف بعضهم من التعصب ضد الأقباط لا أساس له فى القرآن ، ربما يستند إلى بعض الأحاديث الموضوعة من نوعية " ضيقوا عليهم فى الطرقات" و" ارتفاع السفلة فى البنيان" على أنه من علامات الساعة ... إلخ ...
إنهم يحاولون فرض السيطرة على الشارع على أساس أنه فريضة دينية تستند للحديث المشهور " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. إلخ" وأحاديث أخرى.. وقد كانت تلك الأحاديث دستورا لطوائف الفقهاء الحنابلة وحركاتهم فى العصر العباسى وبالبحث يمكن أن تعرف متى حيكت وانتشرت تلك الاحاديث.
ماهى حدود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفقا لآيات القرآن ؟. يقول تعالى لخاتم النبيين " واخفض جناحك لمن إتبعك من المؤمنين، فإن عصوك فقل إنى برىء مما تعملون" (الشعراء216:215 ) لم يقل له فإن عصوك فإضربهم بالسلاسل والجنازير. وحين كان النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة كان بعض المنافقين يدخل على النبى ليقول معسول الكلام ثم يخرج ليتآمرعليه. بماذا أمر القرآن النبى أن يفعل ؟ اقرأ قوله تعالى " ويقولون طاعة فاذا برزا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب مايبيتون ، فأعرض عنهم وتوكل على الله(النساء81 ) لم يقل له أقتلهم وانما قال أعرض عنهم ..
لسنا فى مجال استعراض للحلول القرآنية ، وفى القرآن مايكفى ، والفجوة عميقة بين القرآن ونوعية التدين عندنا، ولسنا فى مجال الزام غيرنا باجتهادنا، ونحن نحترم حق الآخرين فى الاختلاف معنا. وانما ندعو للاحتكام إلى كتاب الله فى حل المشكلة الدينية التى تهدد حاضرنا ومستقبلنا ، ونريد حوارا مفتوحا يشارك فيه كل المفكرين المهتمين بمصير مصرنا الحبيبة.
لن ينقذ مصر إلا القرآن. لماذا لانعطى فرصة لكتاب الله ؟
كاتب المقال :استاذ سابق بكلية اللغة العربية بجامعة الازهر.
المقال التالى دعوة للحوار .
نشرته الأخبار فى 5/6 1990 م فى صفحة ( الرأي للشعب ) تحت عنوان : (القرآن هو الحل : لنكن جيل الحوار.. وأبناؤنا جيل الاختيار )
1 ـ فتح جيلنا عينيه على أحلام الثورة ثم استيقظ منها على النكسة والفقر وأزمات السكن والمواصلات والرغيف والأسعار والتضخم وصندوق النقد الدولي .
2 ـ وفي أواخر الخمسينات كانت مصر حبلى بتيارات شتى ما بين يمين ويسار وأصولية دينية إلى علمانية وفدية وقومية مصرية إلى شيوعية أممية ثم جاءت الثورة بمبادئ " ترضي جميع الأطراف" فانصهرت في بوتقتها الأغلبية ونشأ جيلنا في عصر الأحلام العظيمة والزعامة الملهمة لا نعرف إلا ترديد فقرات من خطب الزعيم ومنطق الحوار لدينا هو ما تعلمناه من آبائنا الثوريين وهو أن تكون نتيجة الحوار تكريساً للميثاق وبيان 30 مارس وورقة أكتوبر .. ثم صحا جيلنا على الضياع .
3 ـ ونحن الآن في أواخر الثمانينات وقد أصبحت مصر مرة أخرى حبلى بأيدلوجيات شتى أغلبها أصولي ديني يعتنق نفس المنطق الثوري في الوصول للحكم بطريق القوة وفي فرض الرأي بمنطق التكفير وحد الردة فالحوار لديه لابد أن ينتهي بالموافقة أو بالمباركة وإلا فالسيف والقطع "وقد كفرت يا رجل ووجب عليك حد الردة " وأخشى ما أخشاه أن يجد التيار الأصولي الديني المبايعة الكاملة من الأغلبية الصامتة وحينئذً تتكرر المأساة مع أبنائنا وأحفادنا حين ينشأون على تقديس الحاكم الإمام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم يستيقظون فيما بعد على حال أسوأ من حالنا .
4 ـ إن جيلنا اليوم يتوجه باللوم إلى الجيل السابق الذي أورثه هذا الضياع ويعتبره مسئولا بالسكوت الضمني أو الموافقة الإيجابية على ما آلت إليه أحوالنا حين انقشعت الأحلام عن خواء كالح ويأس مرير ، ونخشى أن يأتي اليوم الذي يعتبرنا فيه أحفادنا مسئولين عن الانصياع للثورة الأخرى وأننا الذين سلمنا لهم مستقبل الأولاد والأحفاد وجعلناهم يدخلون مغامرة أخرى نعرف نهايتها .
5 ـ إن مصر ليست في حاجة لثورة أخرى فالثورات أصبحت سيئة السمعة ويكفي أنها تنتهي بتحول الجيش إلى إدارة لقهر الشعب وتحويل الوطن والشعب إلى( جبهة داخلية ) ، فما تريده مصر الآن هو حوار حر يشمل كل شيء ويشارك فيه كل صاحب رأي مهما كان انتماؤه من الأصوليين أو من العلمانيين من القوميين واليساريين والقرآنيين والوفديين والناصريين وغيرهم وغيرهم .. نريده حواراً حضارياً يرتفع عن التنابز بالألقاب وتوجيه الاتهامات بالكفر والردة والإلحاد والخيانة والعمالة .. فلا يلجأ للسباب والشتم إلا من كان ضعيف الحجة .
6 ـ إن الحوار المرتقب هو الوسيلة المثلى لتشجيع الأغلبية الصامتة لكي تشارك بالرأي في هموم الوطن وهو الوسيلة المثلى للنضج الحضاري وتعلم أساليب الحوار الحضارية بدون اللجوء للعنف وفرض الرأي بالقوة أو بالأساليب الغوغائية بالاتهامات والافتراءات والتخويف .
7 ـ ومن الطبيعي أن يلجأ كل صاحب رأي إلى تعزيز رأيه بالحجة والبرهان ، وبذلك تصبح القراءة في جميع المصادر وسيلة أساسية لتعزيز الرأي وإفحام الخصم بالرد عليه من خلال مصادره هو .. والنتيجة إثراء مفيد للعلم والمعرفة ثم تمحيص وانتقاء للآراء . إذ أن كثيراً من الآراء التي يعتنقها بعضنا ويدافع عنها بإخلاص لم يجد الوقت الكافي للقراءة فيها، وإنما تلقاها بالتلقين وتسربت إلى قلبه عبر اللاشعور.
8 ـ وبالحوار وما يتبعه من قراءة وبحث ستتبلور الآراء وتأخذ صورتها النهائية ، ثم ستتبلور الزعامات حين يختفي من يجيد الصراخ ويبقى في الساحة المفكرون المثقفون الذين يجيدون دفع الحجة بالحجة .
9 ـ إن من يعرض على الناس آراءه طالباً منهم أن يجاهدوا في سبيل تحقيقها عليه أن يتقبل من الناس أن يناقشوه في هذه الآراء، وعليه أن يتحلى بالصبر الجميل في الرد عليهم وأن يكون قدوة في السلوك وفي أدب الحوار ، وهو في النهاية اختبار لم ولن ينجح فيه إلا الأقلون . أما من يرفض الحوار ويستكبر عنه مكتفياً باتهام غيره بالكفر والخيانة فقد وضع نفسه في مأزق حرج ..
10 ـ وقد أوضح القرآن الكريم أدب الحوار في أكثر من موضع ليكون في أرفع مستوى من الخلق الحميد الذي لا يعرفه بعضنا مع الأسف الشديد .
11 ـ وينبغي أن توفر الحكومة والأحزاب كل المتطلبات لإنجاح هذا الحوار وأهمها حرية النشر ، وحصانة المتحاورين وسلامتهم وفي النهاية فإن أحفادنا سيجدون أمامهم بدائل عديدة يختارون منها ما يصلح لهم بدلاً من أن نفرض عليهم بالسكوت أو بالفعل نظاما يدمر مستقبلهم فلا نلقى منهم إلا اللعنات .
مساجلات مع جريدة الوفد عام 1989 : ( 1 )
أولا : :
1 ـ أول مقال لى نشرته الأخبار فى سلسلة ( القرآن هو الحل ) تعرض لهجوم متكرر من الكاتب الصحفى جمال بدوى ، المسيطر على جريدة الوفد ـ وقت مرض رئيس تحريرها الكاتب مصطفى شردى . وما لبث بعد وفاته أن تولى جمال بدوى رئاسة تحريرها .
2 ـ جمال بدوى كان وهابيا عريقا . وقد إشتعل الجدل بيننا فى ندوة عقدتها المنظمة المصرية لحقوق الانسان حول حرية الرأى والفكر ، حين تحدثت فيها عن الحرية المطلقة التى تمتع بها الصحابة المنافقون فى دولة النبى محمد عليه السلام ، وكيف أن النبى كان يستمد سلطته السياسية من الناس وليس من رب الناس جل وعلا . والبحث منشور هنا .
3 ـ حين هاجمنى بمقالاته لم تكن لى به معرفة شخصية، إلا إن النفوذ السعودي وصل الى جريدة الوفد الليبرالية ـ والتى من المفترض أنها تدافع عن حرية الرأى ـ كان شراء الوفد بثمن بخس ، هو شراء عدة آلاف من جريدة الوفد لصالح شركة الطيران السعودية . وبهذا الثمن البخس لم تسمح جريدة الوفد بأى هجوم على السعودية ، بل وتطوعت بمعاداتى أملا فى زيادة الرضى السعودى .
2 ـ بعثت ردا على هجوم جمال بدوى على شخصى ، فلم ينشره رئيس التحرير مصطفى شردى .
ثانيا : أنشر الرد هنا الذى لم تنشره الوفد :
بسم الله الرحمن الرحيم
أول مايو 1989
الأستاذ : مصطفى شردي رئيس تحرير جريدة الوفد ......... بعد التحية ...
أكتب لكم هذا الرد على ما نشره الأستاذ جمال بدوى فى عموده اليومي " ماذا .. وإلا " في أيام 23, 24 , 25 /4 1989م
وأملى أن تنشروا هذا الرد بأكمله في جريدتكم طبقا لحقي القانونى في الرد على ما يمس شخصي ولكم جزيل الشكر. دكتور: أحمد صبحي منصور ..
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ نشرت جريدة الأخبار يوم الجمعة 15من رمضان مقالا بعنوان " القرآن هو الحل " ملخصة أن عناصر التطرف الديني تكمن في الأحاديث التي تناقض القرآن , وبرهنت على ذلك بالأمثلة ثم دعوت للاحتكام إلى كتاب الله وإلى قيام حوار " يشارك فيه كل المهتمين بمصير مصرنا الحبيبة " .. وقد بادر الأستاذ جمال بدوى بالهجوم على شخصي وبتشويه العبارات التي نقلها من مقالي .. لقد ذكرت أن الحوار مع الشباب المتطرف لن ينجح ـ وتلك حقيقة ملموسة ـ وقلت " ان القائمين على إجراء الحوار .. هم من رجال الدين الرسميين .. واتهامهم بأنهم علماء سلطة حدا بهم لمحاولة إنكار هذه التهمة في تصريحات علنية لم تجد شيئا "
لم أكن أنا الذي اتهمتهم بأنهم علماء سلطة وإنما ذكرت ما اتهمهم به الشباب وما أعلنوه هم من نفى لهذه التهمة , إلا أن الأستاذ :جمال بدوى في هجومه علىَّ يلوى العبارة ويقول عنى "ورغم أنه وصف هؤلاء العلماء بأنهم علماء رسميون وعلماء سلطة إلا إنه اتهمهم بأنهم محرضون للشباب على كل ما يرتكبونه من تطرف أي أنهم علماء منافقون يقبضون من السلطة بيد ويطعنونها باليد الأخرى.". واستراح الصحفي لهذا التشويه المتعمد لكلماتي المنشورة وأتى بأفكار لم تأت في مقالي ثم أسس عليها نتائج أخرى مثيرة فقال: " ولم أكن أتوقع ان يصل التجني من جانب الأستاذ العائد من أمريكا إلى حد إرهاب العلماء وتخويفهم وإغراء السلطة بهم . ولا أدرى ماذا يريد منهم بالضبط .. !! إذا سكتوا اتهمناهم بالسلبية والنفاق والقعود عن قول الحق , وإذا تكلموا وقالوا للظالم أنت ظالم اتهمهم الأستاذ بالتطرف وإثارة الشباب ضد المجتمع "
2ـ وقد أوضحت في مقالي أن الأحاديث الموضوعة هي التربة التي تنبت فيها دعاوى التطرف وأن من طبيعة المؤسسات الرسمية أن تحافظ على التراث وأن تدفع عنه خطر النقاش والبحث العلمي ولذلك فإن الحوار بين العلماء الرسميين والشباب المتطرف لن ينجح لأن الفريقين لن يتطرقا لمناقشة مشكلة الأحاديث، وقد أتيت بأمثلة لتلك الأحاديث التي تدفع للتطرف والإرهاب وبرهنت على تناقضها مع القرآن . إلا أن الأستاذ الصحفي اتهمني بالطعن في " الحديث النبوي الشريف " أي أنه اعتبر تلك الأقاويل " أحاديث شريفة " ونسب للرسول قولها فهو بذلك يتهم النبي بأنه قال ما يخالف كتاب الله ..
والذي أومن به أن الرسول ( ص ) كان متبعا للقرآن ولا يتكلم بما يخالفه: ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ )" الأنعام 50 , الأحقاف 9 ).
3 ــ ويتهمني الأستاذ الصحفي بالدعوة لإغفال السنة المحمدية ( التي تكمل وتشرح وتفصل وتقيد وتخصص وتعمم ما جاء في القرآن من أحكام .. ).
إذن هو يتهم القرآن ـ دون أن يدرى ـ بأنه ناقص يحتاج لمن يكمله وبأنه نزل مبهما موجزا يحتاج لمن يفصله ويشرحه ويبيِّنه . وهو من حيث لا يعلم يكذب بآيات الله التي تصف القرآن بأنه كامل تام وليس ناقصا وبأنه مفصل وليس موجزاً وبأنه كتاب مبين وليس مبهما . يقول تعالى عن تمام القرآن : ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )" الأنعام 115 ـ ويقول عن توضيح القرآن لكل شيء واحاطته بكل شيء "( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ )" الأنعام 38 , ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ )" النحل :89 , ويقول عن تفصيلات القرآن : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )" الأعراف :52 , ويقول تعالى " ( أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً " الأنعام 114 : ) ( ملحوظة : ــ كتب الأستاذ الصحفي الآية السابقة هكذا " وهوالذى انزل إليكم الكتاب محكما " ) . وفى آخر ما نزل من القرآن قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا )" المائدة :3 ــ فهل ظل الإسلام ناقصا حتى جاء العصر العباسي الثاني عصر تدوين الأحاديث ؟؟
4 ــ إن في القرآن كنوزا غفل عنها العلماء السابقون حيث انشغلوا بالاختلاف في روايات الأحاديث التي كتبوها بعد موت النبي بقرنين من الزمان , وهم يعترفون بأنفسهم بأن النبي قال " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن فمن كتب عنى غير القرآن فليمحه " رواه أحمد ومسلم والدا رمى والترمذي والنسائي . ويروى البخاري ـ حديث ابن رفيع " دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس فقال له شداد بن معقل أترك النبي من شيء . قال : ما ترك إلا ما بين الدفتين . أي القرآن قال : ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال : ما ترك إلا ما بين الدفتين " .. هم الذين قالوا هذا ، ولست أنا من قال هذا .!
إن فى القرآن كنوزا نشعر بها أحيانا حين يكتشف العلم الحديث شيئا ونفاجأ أن القرآن قد تحدث عنه منذ ألف وأربعمائة عام . ونتساءل كيف كان أسلافنا من العلماء ؟ والجواب كانوا مشغولين عن القرآن بكتابة ما نهى النبي عن كتابته متناسين قوله تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )" الحشر :7 ــ فالذي جاء به الرسول هوالرسالة أي القرآن ــ :( إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ) " الزمر : 41,
ـ إن في القرآن كنوزا لتكفى تفصيلات حياتنا التشريعية , وقد كتبت أكثر من ثلاثين مؤلفا في تفصيلات القرآن ــ ولا تزال تنتظر النشر ــ ولو اتجه الدارسون إلى القرآن وحده لاكتشفوا فيه المزيد .. ألا ينبغي أن نقرأ القرآن بتمعن أولا قبل أن نبادر باتهامه بأنه ناقص وغامض وموجز ؟
5 ــ ويصفني الأستاذ الصحفي بأنني ـ مفصول من الأزهرـ وهى مفخرة لي وليست نقيصة . إن تاريخي في الأزهر ـ من خلال الوثائق ـ سلسلة من التفوق والاجتهاد الذي لم يحتمله الأشياخ , لقد عطلوا مناقشة رسالتي للدكتوراه ثلاث سنوات , ثم ازداد اضطهادهم لي كلما أصدرت كتابا جديدا إلى أن أوقفوني عن العمل وصادروا مستحقاتي المالية بتاريخ 5/5/،1985 وأحالوني لمجلس التأديب والسبب أنني أصدرت خمسة مؤلفات في عام واحد ودفعة واحدة . والوثائق معي تثبت عجزهم عن الحوار معي لذا ظللتُ موقوفا عن العمل متهما أمام مجلس التأديب عامين كاملين وهم يبذلون أقصى جهد معي للتراجع عن آرائي وتجنبهم عناء التحرج , وأنا أتمسك بما أعتقده حقا , وقدمت لهم استقالتي فرفضوها فرفعت ضدهم دعوى في مجلس الدولة لإلزامهم بقبول استقالتي .. واضطروا في النهاية لأن يصدروا قرارهم بالعزل في مارس 1987 وكل ذلك مسجل في وثائق رسمية .. ولم يحتملوا نشاطي خارج الجامعة خصوصا بعد أن أصدرت مؤلفي الثاني عشرة " المسلم العاصي " فضغطوا بأعوانهم على الحكومة فأراحتهم الحكومة بالقبض علىَّ في نوفمبر 1987 . فكنت أول عالم في التاريخ الحديث يدخل السجن بسبب تمسكه بالقرآن واجتهاده في مصلحة قومه وثباته على مبدئه برغم كل صنوف الأذى والاضطهاد الذي استمر أكثر من عشر سنوات ..
6 ـ وقد نشرت جريدة الوفد خبر القبض علىَّ بطريقة توحي بالشماتة , بينما دافعت عنى جريدة الأخبار (القومية) في مقال الأستاذ الحمامصى رحمه الله تحت عنوان " النار ليست في حاجة إلى رماد " في 6/12/1987 ودافعت عنى أخبار اليوم (القومية) في مقال الأستاذ صلاح حافظ " حزب جديد أعتذر عن رئاسته " في 12/12/1987 ـ ودافعت عنى جريدة الأهالي (المعارضة) في 16/12/1987 بمقال الدكتور فرج فودة " أحمدك يا رب ".. والذين دافعوا عنى لم تكن لي بهم أدنى صلة . أما جريدة الوفد الليبرالية التي تدعى الدفاع عن حرية الرأي فقد هاجمتني بدون سابق معرفة .
إن الذي يدخل السجن بسبب اجتهاده الفكري يتوقع النصرة من دعاة الحرية خصوصا من هم في موقع المعارضة .. ولكن الغريب أن يدافع عنى دعاة الحرية في الصحف القومية وفى جريدة الأهالي بينما التزمت الوفد جانب الخصومة ضد كاتب أعزل إلا من إيمان بالحق ..
7ـ فى 15/4/1988 ــ وفى باب " دعوة للحق " في جريدة الوفد وتحت عنوان " من شيخ معمم إلى حاكم مسلم " افترى علىَّ الشيخ عبد الغفار عزيز أكاذيب تدخل تحت باب القذف العلني والتشهير وأتى باسمي صريحا . وطلب فيها من الرئيس مبارك أن يـُعـَيـِّنـَهُ وزيرا للداخلية حتى يقبض علىَّ ويقيم على َّ حد الردة , ثم هاجمني الشيخ المذكور ضمن هجومه على المستشار سعيد العشماوى والدكتور فرج فودة. واضطرت " الوفد " للاعتذار للمستشار سعيد العشماوى والدكتور فرج فودة خوفا من المثول أمام القضاء , ولم تعتذر لي لأن ظروفي لا تسمح لي بتوكيل محام ـ وهذه هي الشهامة التي نتعلمها من صحافة الوفد , شهامة الهجوم على مظلوم لا يستطيع الدفاع عن نفسه ..
8 ـ ويقول الأستاذ جمال بدوى عنى " عاد الأستاذ المتهم بإنكار السنة المحمدية من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة الأمريكية " ويكرر نفس المعنى بإلحاح في مقاله ليؤكد ما نشره من قبل الشيخ عبد الغفار عزيز من اتهام لى بالعمالة الأمريكية . ودليلهم اننى اضطررت للسفر لأمريكا لأبحث عن لقمة عيش بعد أن أوصدت أمام وجهي أبواب الرزق في مصر ...
بعد عشر سنوات من الاضطهاد والإفلاس ومرارة السجن والتشهير والافتراءات سافرت لأمريكا وقد استضافني الدكتور رشاد خليفة في مسجده إلا أنه ما لبث أن أعلن نفسه رسولا لله وانتظر منى أن أؤيده وأحاطني بشتى الإغراءات ـ إلا أنني انفصلت عنه وهاجمته وعانيت في سبيل تمسكي بالحق في أمريكا ما احتسبه عند الله ــ وكل ذلك تعززه الوثائق ــ ثم فضلت العودة لوطني لأواصل مشوار الآلام في سبيل كلمة حق أقولها وأتمسك بها وأعانى في سبيلها ..
لو كنت عميلا أمريكيا لما قاسيت ما قاسيته في أمريكا ويكفى أن السلطات الأمريكية رفضت أن تعطى تأشيرة لأولادي ليلحقوا بى ويكفى أن السلطات الأمريكية رفضت إعطائي تصريحا بالإقامة الدائمة مع أن القانون الأمريكي في صفى باعتباري مسجونا سابقا بسبب آرائه وعقيدته ..
9 ـ لا أجد سببا معقولا لهذا الموقف منكم ضدي .لست من المعجبين بخصومكم اللواء زكى بدر وزير الداخلية أو بالدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب .!. ولست من المنتمين للحزب الوطني . بل أنا من ضحايا سياسة الحكومة حين وضعتني في السجن بتهمة ملفقة لأنني أمارس وظيفتي في الكتابة والاجتهاد ..
هل لكى أنقذ نفسي من هجومكم على شخصي أن أكون درويشا في الطريقة الصوفية ( الوفدية ) المسماة ( بحزب الوفد ) أترنم بمناقب سعد زغلول و حادث 4 ـ فبراير حين ركع سعد زغلول أمام الملك فاروق ؟.. ولكني ضد تقديس البشر لو كانوا أنبياء ، فكيف إذا كانوا ساسة تحوطهم الشكوك ؟ .! ثم إن عقلي لا يهضم أن يقوم شيخ في الستين من عمره ( سعد زغلول ) بثورة حقيقية ضد الاحتلال الإنجليزي بعد ان أمضى حياته السابقة في التعاون مع سلطات الاحتلال . وعقلي يستريح إلى ان دهاء السياسة البريطانية قطعت الطريق على ثورة شعبية حقيقية قادمة فخلقوا لها زعامة مستأنسة معتدلة ( سعد زغلول ), ثم أفسحوا لهذه الثورة أن تقوم ، مع أن الأحكام العرفية الإنجليزية كانت تسيطر على كل شيء في مصر 1919 م .!
ثم لماذا تصممون على ان تجعلوا من قلمي عدوا لكم ؟؟
سامحكم الله
د ـ أحمد صبحي منصور
مساجلات مع جريدة الوفد عام 1989 : ( 2 )
مقدمة :
1 ـ بعثت بالرد السابق الى رئيس تحرير الوفد مصطفى شردى ، فأحاله الى جمال بدوى ( الوهابى العريق ) ، فقام جمال بدوى ـ خلافا لكل الأعراف الصحفية ـ بالرد على ردّى هجوما على شخصى دون أن ينشر الرد الذى بعثته. إقتطف منه عبارات وأخذ يهاجمنى ظلما وعدوانا دون أن ينشر ردى كاملا ، بل مجرد عبارات منه اتخذها وسيلة للهجوم .
2 ـ عرضت الأمر على صديقى الاستاذ فيليب جلاب الصحفى اليسارى والذى تولى رئاسة تحرير جريدة الأهالى ، فإستفظع هجومى على الوفد وسعد زغلول والنحاس ، وقال إنه مستحيل أن تنشر الوفد مقالا فيه هذا الهجوم على هذه الرموز المصرية والوطنية ، وإن نشر المقال بهذه الطريقة ليس فى مصلحتى . شكرته ، وأنا أعلم حب الأقباط المصريين للوفد وسعد زغلول ومصطفى النحاس . وأن المزاج العام فى مصر كان ــ ولا يزال ـ هو عبادة الأبطال وتقديس الشخصيات التاريخية ، وإنكار نقدها ، مع تعرض هذه الشخصيات التاريخية للهجوم فى عصرها ، يشهد هذا صراع سعد زغلول وعدلى يكن ، وصراع النحاس مع رفيق عمره مكرم عبيد وغيره. وهذا الصراع لا مكان فيه للتقديس أو التبجيل . لم أشأ أن أرد على صديقى الاستاذ الراحل فيليب جلاب .
3 ـ ذهبت الى الاستاذ عبد الوارث الدسوقى. أطلعته على ردى الأصلى ، وهو كان قد قرأ رد جمال بدوى عليه . لم يعجبه ما فعل جمال بدوى ، وأيضا لم يعجبه ما ذكرته فى الرد من الهجوم على سعد زغلول والنحاس باشا وحزب الوفد . وإستغرب من مهارتى فى خلق خصوم لى ، فقلت له أنهم هم الذين إستجلبوا خصومتى وهم الذين بدءوا بالهجوم وقلمى قادر على مواجهتهم . نصحنى أن أحوّل العدو الى محايد والمحايد الى صديق ، وطلب منى إعادة صياغة الرد بطريقة أقل حدة وأقل فى عدد الكلمات حتى يمكن نشره فى الأخبار .
4 ـ أعدت كتابة المقال ، وقام الاستاذ عبد الوارث الدسوقى بنشره فى جريدة الاخبارالمصرية / صفحة الرأى للشعب ، بتاريخ 14/6/ 1986. ووضع له الاستاذ عبد الوارث الدسوقى العناوين الداخلية .
2 ـ وأعيد نشره هنا :
ردا على جريدة الوفد
القرآن ..لايزا ل هو الحل
- ــ تعقيبا على مقالى المنشور فى جريدة " الاخبار " يوم 15 من رمضان إنبرى الاستاذ جمال بدوى بالهجوم على شخصى فى عدة مقالات بتاريخ 23 و24 و25 إبريـــــــل الماضى وأرسلت له ردا يوم أول مايو لأدافع عن نفسى فرفض نشره وقام بتشويه بعض مقتطفات من الرد والهجوم على شخصى تحت عنوان " أباطيل الرجل المفصول من الأزهر"
- ــ ولوكان الاستاذ جمال بدوى منصفا لنشر الرد المرسل اليه كما هو ثم عقب عليه بما يريد وترك للقارىء أن يحدد رأيه ، ولكنه استغل سلطته فى جريدة الوفد لكى يحجب حقى فى الرد، ولكى يكتب فى حقى مايشاء،ولكى يتهمنى بقول"السفاهات والسفالات " !
ونحن من منطلق القرآن الذى نؤمن به ندعو له ولنا بالهداية تمسكا منا بقوله تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )
3 ـــ لقد أغفل الاستاذ جمال بدوى الرد على الأدلة القرآنية التى أتيت بها واكتفى بالنقل عن كتاب الدكتور مصطفى السباعى " السنة ومكانتها من التشريع "، بمعنى أن أقول أنا " قال الله تعالى" فيقول هو فى الرد على كتاب الله: " قال مصطفى السباعى" ثم يجعل عنوان مقاله " أباطيل الرجل المفصول من الأزهر" أى يصف آيات القرآن بأنها أباطيل ! وللمرة الثانية ندعو له بالهداية تمسكا منا بالقرآن الذى نؤمن به : " وقيله يارب إن هؤلاء قوم لايؤمنون فإصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ".) .
تحريض السلطة .. ضدى
4 ــ ومن منطلق الحب لله ورسوله تصديت لتبرئة رسول الله عليه السلام مما نسبه له العصرالعباسى الثانى من أباطيل تخالف القرآن . ومن منطلق الاجتهاد لتوضيح حقائق الدين توالت مؤلفاتى على الطريق .. وهذا هو عملى الذى لاأجيد غيره، ولكن الاستاذ الصحفى الذى أباح لنفسه أن يجتهد فى علوم الدين يستكثر على أن أقوم بعملى فى الاجتهاد لمجرد أنه لايتفق معى فى الرأى، ثم يستغل سيطرته على صحيفة الوفد فى الهجوم علىّ ويحول المسألة إلى هجوم شخصى يتناثر بين السطور التى تشكك فى عقيدتى ومواقفى . بل أكثر من ذلك أنه يتطوع بتحريض السلطة ضدى فيكتب ماهو أشبه ببلاغ لجهات الأمن ضد" منكر السنة الذى قبض عليه ثم أفرج عنه" .. إلخ .. وهو لايعلم أن هذه النوعية من الارهاب الفكرى لاتفزع من عانى فى سبيل آرائه إلى درجة دخول السجن والتشرد ..
5ــ ويصفنى الاستاذ الصحفى بأننى "مفصول من الأزهر " وهى منقبة لى وليست نقيصة بأى حال. إن تاريخى فى الازهر ــ من خلا ل الوثائق ــ سلسلة من التفوق والاجتهاد الذى لم يحتمله بعض الأشياخ.. لقد عطلوا مناقشة رسالتى للدكتوراه ثلاث سنوات ، ثم ازداد اضطهادهم لى كلما أصدرت كتابا جديدا ، إلى أن أصدرت خمسة كتب دفعة واحدة فى سنة 1985 فأوقفونى عن العمل فى 5 / 5 / 1985 وأحالونى لمجلس تأديب حيث دارت المساومات معى على مدى عامين ، ولكى أكفيهم عناء التحرج حيث أن الوثائق تثبت عجزهم عن الحوار معى ، قدمت استقالتى لهم فرفضوها ، وأصدروا قرار عزلى من الجامعة سنة 1987 .. ولم يحتملوا نشاطى خارج الجامعة خصوصا بعد أن أصدرت مؤلفى الثانى عشر " المسلم العاصى" فضغطوا بأعوانهم على الحكومة حتى تم القبض على فى نوفمبر 1987 فكنت أ ول مفكر يدخل السجن بسبب تمسكه بالقرآن واجتهاده فى مصلحة قومه ..
شماتة .. صحيفة الوفد
6ـ وقد نشرت جريدة الوفد خبر القبض علي وقتها بطريقة توحي بالشماتة بينما دافعت جريدة " الأخبار" قي مقال الأستاذ الحمامصي رحمه الله تحت عنوان " النار ليست في حاجة إلي رماد" في6 / 12 / 87 ودافعت عني أخبار اليوم في مقال الأستاذ صلاح حافظ في 12 / 12 / 1987 ، ودافعت عنى الأهالى فى مقال الدكتور فرج فودة فى 16 /12 /1987 . أما جريدة الوفد التي تدعي الدفاع عن حرية الفكر فقد هاجمتني في مقال الشيخ عبدالغفار عزيز تحت عنوان " من شيخ معمم إلي حاكم مسلم " بتاريخ 15 / 4 /88 ، والذي حوي قذفا علنيا في حقي بالإسم الصريح والذي ناشد فيه الرئيس أن يعينه وزيرا للداخلية حتي يقبض علي ويقيم علي حد الردة !! ثم هاجمني الشيخ المذكور ضمن هجومه علي المستشار سعيد العشماوي والدكتور فرج فودة . واضطرت الوفد للاعتذار للمستشار العشماوي والدكتور فودة خوفا من المثول أمام القضاء ، ولم تعتذر لي لأن ظروفي لاتسمح لي بتوكيل محام !! وهذه هي الشهامة التي نتعلمها من صحافة الوفد ، شهامة الهجوم علي مظلوم لايستطيع الدفاع عن نفسه ، شهامة الهجوم علي كاتب مجتهد حر مسالم يدخل السجن بسبب آرائه.
الوفد .. وحرية الرأي
7ـ وبعد أن ضاقت أمامي أبواب العيش اضطررت للسفر لأمريكا بحثا عن لقمة عيش ، وهذا بعد عشر سنوات من الاضطهاد والإفلاس والفصل من العمل ، ومرارة السجن بسبب التمسك بما أعتقده حقا . وقد استضافني هناك الدكتور رشاد خليفة في مسجده إلا أنه ما لبث أن ادعى النبوة, وانتظر مني أن أؤيده وأحاطني بشتى المغريات , لكنني انفصلت عنه وهاجمته وعانيت في سبيل الحق في أمريكا مثلما عانيته في مصر. ثم فضلت العودة لوطني لأواصل مشوار الآلام في سبيل كلمة حق أقولها وأعاني في سبيلها ما بقيت حياً وإذا بي أواجه هجوم الوفد عند صدور أول مقال لي. لو كنت عميلاً أمريكياً كما ألمح الأستاذ جمال بدوي , وكما صرح الشيخ عبدالغفار عزيز ما عانيت ما عانيته في أمريكا! ويكفي أن السلطات الأمريكية هناك رفضت إعطائى تصريحاً بالإقامة الدائمة في أمريكا مع أن حقي هناك يعززه القانون الأمريكي نفسه باعتباري كاتباً دخل السجن بسبب أرآئه..ويكفي أن السفارة الأمريكية في القاهرة رفضت إعطاء أولادي تأشيرة باللحاق بي هناك. وكل ما أذكره معزز بالوثائق لمن يريد..
8ـ لقد كشفت صحيفة الوفد عن عدائها لحرية الرأي إذا كان لا يتفق مع رأي بعض الصحفيين بها .. وهى صدمة حقيقية للقراء الذين كانوا يحسنون الظن بها , وقد كنت واحدا منهم .
** كاتب المقال : استاذ سابق بجامعة الأزهر.
مساجلات مع جريدة الوفد عام 1989 : ( 3 )
أولا :
1 ـ جاء تعليق د . رضا عامر : (أشرت سيادتك في هذا المقال بإيجاز شديد يدعو الي اللهفة لسماع تفاصيل أكثر إلى العلاقات المركبة بين الإنجليز وسعد زغلول قبل وأثناء الثورة .. فلماذا يا سيدي لا تكتب مقالا (مقالات) بعنوان المسكوت عنه في تاريخ ثورة 1919 ومن ذلك السيرة الشخصية لزعمائها والعوامل التي اوصلت الناس الي أن يهتفوا الاحتلال في ظل سعد ولا الاستقلال في ظل عدلي ).
وكانت أجابتى : ( كنت فى مرحلة الاختيار لموضوع الماجيستير أريد عمل بحثى عن سعد زغلول قبل ثورة 19. وقرأت فى هذا ، واستغربت ان يكون شقيقه فتحى زغلول هو وكيل النيابة فى محاكمة دنشواى والذى طالب بإعدام المتهمين المصريين الفلاحين الغلابة . وكنت اقارن بين محمد فريد ــ الذى وهب مصر حياته وثروته مدافعا عن استقلالها فى مصر وخارجها الى أن مات غريبا شريدا فقيرا فى أوربا ، وتكفّل أحد المصريين النبلاء بحضار جثته الى مصر ليدفن فى أرض مصر ــ وبين سعد زغلول الذى ظهر فجأة قائدا وطنيا ليقطع الطريق عى الوطنيين المصريين الحقيقيين من أبناء الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل ـ الذى إغتاله الانجليز بالسم فى عزّ شبابه ـ ومحمد فريد . وكيف قامت بريطانيا بصناعة زعيم على مقاسها ـ فى شخص سعد زغلول ، بنفيه ، ثم بإعادته ليتحول مجرى الثورة من المطالبة بالاستقلال والدستور الى مجرد عبادة صنم اسمه سعد زغلول . وفى صناعة هذا الصنم ( سعد زغلول ) راج شعار : إن الحماية ــ أى الاستعمار البريطانى ـ على يد سعد زغلول ( المصرى ) أفضل من الاستقلال على يد عدلى يكن ( المتمصّر ) . لعبتها بريطانيا بدهاء ، وشربها المصريون ، وصار عاديا أن يخطب سعد زغلول كأنه إله متوج ..ومن يقرأ خطبه يلحظ هذا. لا أدرى لو كنت قد تخصصت فى تاريخ مصر الحديث ماذا كان يمكن أن يحدث لى .. المهم أننى عدلت عن التخصص فى تاريخ مصر الحديث لأختار طريق الشوك الذى أسير عليه حتى الآن ـ هو طريق الشوك الذى إختاره من قبلى عبد الحليم حافظ فى أغنيته المشهورة : فوق الشوك مشانى زمانى .. مع إختلاف طبيعة الشوك.)
2 ـ أسوأ ما فعله الوفد قبل حكم العسكر تحالفه مع الاخوان المسلمين عام 1950 ، وإعادة الاخوان الى العمل بعد الحظر . ثم كان من اسوأ ما فعله الوفد فى حكم العسكر إعادة تحالفه مع الاخوان المسلمين فى الانتخابات ، بسبب هذه التحالفات إنشق عن الوفد صديقى الراحل د فرج فودة . ولم تقم جريدة الوفد بما هو مفترض فيها حين إغتال الوهابيون فرج فودة لأن الوهابيين المسيطرين على جريدة الوفد إستراحوا لإغتيال فرج فودة ، بينما شجبته الاهالى والأحرار . وسنعرض لهذا فى الفصل الثانى من هذا الباب . ثم كانت جريدة الوفد ضمن الصحف التى هاجمتنى بقسوة وضراوة بسبب مشروع إصلاح التعليم المصرى وتطهيره من الوهابية ، وسنعرض لذلك فى الفصل الثالث من هذا الباب . كل هذا بسبب سيطرة الوهابيين على هذه الجريدة التى من المفترض فيها ـ كجريدة معارضة وجريدة تتغنى بحرية الرأى والفكر ـ أن تقف مع حرية الفكر ، ولكن جمال بدوى ـ الوهابى العريق ـ حولها الى بوق وهابى سعودى بثمن بخس .
3 ـ وكان جمال بدوى رئيس تحرير جريدة الوفد يوازن بين خدمته للعسكر ( نظام مبارك ) وخدمته للوهابية . ويستفيد منهما معا . وتمتع بالظهور فى تليفزيون مبارك مقدما لبرنامج ، وكرّمه مبارك فى مناسبات . وحين إختلّ هذا التوازن ومال جمال بدوى مع الوهابية أكثر ، وكتب ما إعتبره مبارك تطاولا من خادمه عليه ، فقد إنتقم منه مبارك بأن سلّط عليه بعض الفتوات من المخابرات ، أعطوه علقة مؤلمة فى الشارع أمام أعين الناس . ودخل بسببها المستشفى . وأرسل اليه مبارك بتمنياته بالشفاء .. ساخرا . هذا تاريخ حقيقى وليس خيالا روائيا .
4 ـ . ومن العجب أن جمال بدوى مع كراهيته لى فقد كان لا يتورع عن سرقة كتاباتى التاريخية . كتبت مقالا عن الصراع بين السيف والقلم وكيف ينتصر السيف مؤقتا ولكن ينتصر القلم فى النهاية ، وقصصت حكاية الفارس المحارب ( بهاء الدين قراقوش ) الذى بنى قلعة القاهرة لسيده صلاح الدين الأيوبى لحمايتها من غزو محتمل من الصليبيين . الخطأ الذى وقع فيه الأمير قراقوش هو خصومته للكاتب القبطى ابن ممّاتى . ومع مزايا قراقوش وسطوته فقد إنتصر عليه الكاتب ابن ممّاتى بكتابه الساخر ( الفاشوش فى حكم قراقوش ) وألذى ملأه نوادر صنعها بالطريقة المصرية ، وراج كتابه ، وأصبح به قراقوش نموذجا شعبيا للحمق والبلاهة والطغيان ، ونسى الجميع مزايا الأمير بهاء الدين قراقوش ونبله وخدمته لسيده صلاح الدين الأيوبى وإخلاصا لإبنه السلطان العزيز عثمان ابن صلاح الدين الأيوبى . قام جمال بدوى بنقل الوقائع التاريخية التى ذكرتها ووضعها فى قالب صحفى ، فى مقال نشره فى الوفد بعد مقالى فى الأحرار بمدة طويلة ، دون أن يشير الى المصدر ، وحظى بالتهليل والتطبيل .
5 ـ وقد كتبت فى الأخبار مقالين عن شركات توظيف الأموال ، أؤكد فيهما أن التعامل مع البنوك ليس حراما ، وأن فوائد البنوك حلال لأنها بالتراضى ، وأن الربا المحرم هو ربا الصدقة الذى يكون قرضا للفقير المحتاج الجائع بالربا وبالفائدة ـ ومن حقه أن يأخذ الصدقة وليس القرض بالربا ، وثارت معركة بينى وبينى الوهابيين فى الأزهر ، والتفاصيل فى مقال ( معركة الربا ) المنشور هنا . عندها أخذت جريدة الوفد جانب الأزهر والوهابية . ولم تكن شريفة فى الخصومة كالمعتاد. سلّطت على ّ كاتبا يحمل شهادة متوسطة ، ولكن شهادته الكبرى فى لحيته وفى إنتمائه الوهابى ، وأفسحت له صفحات فى الهجوم التحريضى ضدى ، حتى كنت أخشى على حياتى من تأثيرها على الناس . وتعاون معها خصومى فى الأزهر . وربما كان هذا الكاتب المجهول مجرد ستار إتخذه جمال بدوى ينتقم به منى حين رددت عليه من قبل .
7 ـ فى حملة صحفية قامت بها ضدى جريدة الوفد ، إتسمت بالتحريض وإستمرت أسابيع شعرت بالخوف على حياتى ، فكتبت هذا المقال . وأنشره هنا :
أخيرا : المقال :
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن لا يزال هو الحل
دعوة إلى صحيفة الوفد : " وإذا قلتم فاعدلوا "
من أدب القرآن أن يقول المسلم الحق وبالعدل حتى لوكان الحق فى صالح عدوه , يقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " المائدة :8 , ومن تقاليد الصحافة التى تحترم عقل القارىء أنها إذا عرضت لتحقيق صحفى لخصومة بين طرفين فإنها تستعرض رأى الخصمين معاً ثم تترك للقارىء أن يخرج بالحكم الذى يرتضيه .
ومن أسف فان صحيفة الوفد لم تتأدب بأدب القرآن ولم تلتزم بالتقاليد الصحفية فى تناولها لقضيتى التى أخذت فيها جانب الخصومة ضدى من طرف واحد لمجرد أن أحد الصحفيين فيها لا يوافقنى فى الرأى . وقد كنت اتوقع أن تغلق الوفد ملف الخصومة الذى بدأته ضدى إلا انهم طوروا أسلوب الهجوم على شخصى بالرجوع إلى ملف التحقيقات التى أجرتها معى إدارة الأزهر حين حاكمتنى على اجتهادى الفكرى . وحرصا من الوفد على تشويه شخصى وأفكارى فانها نقلت آراء خصومى ولم تكتب دفاعى ولا آرائى إلا بالبتر والتشوية .
ومن عجب أن خصومتى مع ادارة جامعة الأزهر1985ـ 1987 أسفرت عن ايقاع الظلم بى الذى تراوح مابين الوقف عن العمل وضياع مستحقاتى المالية طرف الجامعة إلى الفصل والتشهير والسجن , ومع ذلك فإن صحيفة الوفد ـ التى تدَّعى الدفاع عن حرية الفكر ومناصرة المظلومين ـ وقفت مع الجانى وضد الضحية . ويزيد فى غرابة الأمر أن الضحية المفصول ليس مرتشيا ولا مفسدا وإنما كاتب مسالم ينادى بالرجوع إلى كتاب الله لإنقاذ الوطن . ومن حق القارىء أن يتساءل عن هذا الموقف لصحيفة الوفد وكيف يناقض الشعارات البراقة عن الليبرالية والحرية , وهل تعبر هذه الصحيفة عن التوجهات الحقيقية لحزب الوفد الجديد" العلمانى "؟ وهل يتمشى ذلك الموقف مع الميراث "التاريخي" للوفد فى الليبرالية وحرية الفكر ؟ أسئلة كثيرة ينبغى ان تجيب عنها صحيفة الوفد لقرائها بدلاً من التشدق بعبارات طنانه لا تتلاءم مع حملتهم الصحفية ضدى .
وحتى تتضح الحقيقة كاملة فإننى أضع النقاط التالية رداً على ما نشرته الوفد فى 23/6 بشأنى تحت عنوان " قصة فصل أستاذ الأزهر الذى أنكر السـُّنة " : ــ
1 ـ إن عملى كان يحتم على ـ وفقا لقانون الأزهر ـ أن اجتهد فى العمل " على إظهار حقيقة الإسلام "وبعث الحضارة الإسلامية " وتزويد العالم الإسلامى بالمختصين وأصحاب الرأى " فليس ذنبى أن اجتهدت بينما قعد الآخرون . وليس معقولا أن يعاقبنى القاعدون على اجتهادى ..
2 ـ وقد كان القرآن هو الأساس الذى اعتمدت عليه فى اجتهادى فهو الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وليس ذنبى أن هناك فجوة بين ما يؤكده القرآن وبين ما يتعارف عليه المسلمون , ولمثل ذلك ينبغى الإجتهاد لإظهار حقيقة الإسلام وبعث الحضارة الإسلامية كما ينص عليه قانون الأزهر نفسه .
3 ـ وليس صحيحاً ما يتهموننى به من مخالفة الإجماع أو أننى جئت بجديد يخالف ما أجمع عليه المسلمون فى تاريخهم، فالقضايا التى تصدَّرْتُ لدراستها دار حولها الجدل , وتعترف مقررات الأزهر فى علم " التوحيد " باختلاف الفرق الإسلامية فى موضوعات الشفاعة والعصمة وخلود المسلم العاصى فى النار . ويكفى مراجعة كتب التراث لنعرف إلى اى حد بلغ الخلاف بين الفرق الإسلامية فى هذه القضايا , وعلى سبيل المثال " مقالات الإسلاميين للأشعرى " الفصل فى الملل والنحل لابن حزم " و " الملل والنحل للشهرستانى " و " الفرق بين الفرق للبغدادى " .. الخ .
إن كل ما فعلته أننى اعتمدت أساساً على كتاب الله فى التأريخ لأنبياء الله , وهل هناك من هو أعلم من الله بأنبيائه " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا ــ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً " النساء ــ 87 , 122 . ومن القرآن جئت بالأراء التى وَصَفـَتـْهَا الوفد بأنها أفكار محرفة .. !!
4 ـ فالقرآن ـ ولست انا ـ هو الذى يؤكد أن الأنبياء بشر يجوز عليهم الخطأ والنسيان وان عصمتهم هى باتباع الوحى " قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " سبأ : 50 " مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا " النساء :79 ..
والقرآن ـ ولست أنا ــ هو الذى يؤكد أن الأنبياء سيحاسبون يوم القيامة كباقى البشر "فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ " الأعراف : 6 " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ " الزخرف :44 " وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ـ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ " الزمر 69 , 70 ــ والقرآن هو الذى ينفى شفاعة النبى " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " آل عمران : 128 , " أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ " الزمر : 19
والقرآن هو الذى ينفى عن النبى علم الغيب وعلامات الساعة ويأمره بان يعلن أنه ليس متميزاً عن الأنبياء السابقين " قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ " الأحقاف :9 , " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " الأعراف 187 .
لقد استشهدت فى كتبى فى موضوع الشفاعة بنحو( 140 ) آية قرآنية وبمثلها تقريباً فى موضوع العصمة وخلود المسلم العاصى غير التائب فى النار , وبنحو خمسين آية فى موضوع التفاضل بين الأنبياء . ولكنهم يعتبرون الإستشهاد بالقرآن فكراً محرفأً. وليست بينى وبينهم اى خصومة شخصية ، فالخصومة الحقيقية هى تمسكى بالحق القرآنى الذى يخالف ما توارثة الناس من تأليه للبشر .
5 ـ واعترفت الوفد بان الجامعة أوقفتنى عن العمل بسبب اصدارى خمسة كتب جديدة سنة 1985 وانهم أحالونى للتحقيق . وإجراء الوقف عن العمل لا يكون إلا ضد الموظف الذى يخافون منه التأثير على سير التحقيق ولا ينطبق ذلك على وضعى مما كان يعد تطرفا فى اضطهادى واساءة فى تفسير القانون لإنزال مزيد الأذى بى , وذلك ما كان .
6ـ وتفترى الوفد بأننى قدمت استقالتى للجامعة لأهرب من عقوبة مجلس التأديب ,وذلك كلام يستهين بعقل القارىء لأبعد مدى . فالعقوبات التى يوقعها مجلس التأديب تتراوح ما بين لفت النظر إلى العزل من العمل . وقد بادرت بتقديم استقالتى فكيف أقدمها خوفاً من ذلك المجلس الذى كان يملك توقيع عقوبة الفصل فى حقى ولكنه خاف من إصدارها ضدى . إن المستندات معى تثبت أننى قدمت مذكرة لمجلس التأديب فيها تفنيد لكل الإتهامات فى 1/8/1985م ولم يستطع المجلس الرد عليها . وطبقا للقانون فإن الإتهام ضدى يسقط بعد مرور عام إذا لم يصدر المجلس قراراً بالإدانة أو البراءة , ومرّ العام دون أن يستطع المجلس إصدار قراره فى الإتهام المقدم ضدى , ثم أعيد نفس الإتهام فى السنة التالية فوضح لى تآمرهم ضدى وهى أن أظل موقوفا عن العمل مُحالا إلى مجلس التأديب دون إصدار قرار بالإدانة أو البراءة ، وفى نفس الوقت يواصلون فيه بالترهيب والترغيب فى اثنائى عن ارائى لأكفيهم عناء التحرج . وكان طبيعيا أن أرفض الإستمرار فى هذه اللعبة فقدمت لهم استقالتى وفوجئوا بها ورفضوها , ثم فى نهاية الأمر أصدروا قرارهم بالعزل فى 14/3/1987م لمن قدّم لهم إستقالته المسببة والموثقة . أصدروا قرار العزل بعد أن حشدوا كل انصارهم ليضعونى فى السجن بتهمة ملفقة بعد ذلك بشهور ..
7ـ وتفترى الوفد أننى سافرت لأمريكا لحضور مؤتمر فى أغسطس 1986 حيث قدمت بحثا أهاجم فيه الأزهر مما جعل الجامعة تصدر قرارا بفصلى .وذلك استخفاف بعقل القارىء لا مثيل له . فهل يستطيع موظف مغضوب عليه أن يسافر بدون موافقة جهة العمل ؟ وخصوصا إذا أصدرت جهة العمل قرارها بمنعه من السفر وهو ما تذكره الوفد نفسها فى المقال ؟ فى 9/يناير/1988. أى أن الجامعة فصلتنى فى 14/3/1987 ودخلت السجن فى 21/11/1987 وخرجت منه بلا كفالة ولا ضمان مطلق السراح خالى الوفاض بعد 32 يوما , فقررت البحث عن لقمة عيش بعد عشر سنوات من الإضطهاد والإفلاس بسبب كلمة حق , فكان سفرى لأول مرة فى حياتى فى 9/ يناير/1988 .
8 ـ وفى 30/ 6/ 1989وتحت عنوان " الأستاذ المفصول من الأزهر يواصل نشر فكره الدينى المحرف بين المسلمين " واصَـلـَت الوفد مسلسل الإفتراء ضدى بعد أن نشرت الأخبار فى 29//6 مقالا عنوانه " أيهما الحلال والحرام : البنوك أم شركات توظيف الأموال " وقد استشهدت فى المقال بسبع وعشرين آية قرآنية .أى كان معظم المقال من القرآن ومع ذلك فإن الوفد تصف الإستشهاد بالقرآن بانه فكر محرف .. ثم تنقل على عادتها بعض آرائى مبتورة دون أن تذكر أدلتى من القرآن . وينتهى المقال بأكذوبة أخرى يستخف بها الوفد بعقل القارىء , تقول "سافر دـ أحمد صبحى منصور إلى أمريكا لبث أفكاره المسمومة هناك وليتحالف مع رشاد خليفة الذى ادعى النبوة ثم عاد إلى مصر بعد ان طرده المسلمون هناك ورفضوا معتقداته الخاطئة ".!! الذى حدث أننى وقفت ضد الباطل فى أمريكا بمثل مافعلت فى مصر, ورفضت الترغيب والتهديد هنا وهناك. ومثلى لا يبيع للناس إسلاما مغشوشا ولا يحول الدين للإرتزاق .ولكن النكته فى ادعاء الوفد انهم جعلوا اتـْبَـاع رشاد خليفة ـ الذي يؤمنون بانه نبى يأتيه الوحى ـ هم المسلمين الذين رفضوا معتقداتى الخاطئة . فهل معنى ذلك ان الوفد توافق أولئك " المسلمين "على اعتبار رشاد خليفة نبيا صاحب وحى ؟ وهل توافقه على افتراءاته ضد الإسلام التى واجهتـُه وحاربتـُه من أجلها وأنا وحيد غريب هناك ؟
9 ـ لم تتورع صحيفة الوفد عن التلفيق والاستخفاف بعقل القارىء فى سبيل أن تشوه صورة مفكر مسالم لا يطمع فى أكثر من أن تتاح له حرية الكتابة مثل سائر الاتجاهات فى هذا البلد ..
بل لم تتورع الوفد عن محاولة تحريض السلطات ضدى , بل انها تحاول عن قصد تحريض الشباب المتطرف ضدى بنشر مقالات الهجوم السادية فى يوم الجمعة بالتحديد لتتيح الفرصة لبعضهم أن يتخذ من هذه المقالات مادة لتحريض الجمهور فى صلاة الجمعة ضد " منكر السنة الذى والذى .. " الأمر الذى يشكل خطورة محققة على حياتى . ولم يبق إلا أن ترسل الوفد كتيبة مسلحة للقضاء علىّ .. وكل ذلك لأننى لا اتفق فى الرأى مع صحفى يسيطر على جريدة الوفد .
ولنا ان نتساءل ببراءة : ماذا يمكن أن يحدث لى إذا اختلفت مع القيادة التاريخية للوفد وليس مع بعض الصحفيين بها ؟
ثم لنا أن نتساءل بحُسن نيّة : إذا كان الوفد يفعل ذلك وهو فى المعارضة لا يملك إلا جريدة وبعض الأقلام فماذا سيحدث لو جاء إلى السلطة حاكما ؟
أعوذ بالله .....!!
د. أحمد صبحى منصور
جريدة الأخبار ومعركة ربا البنوك وشركات توظيف الأموال
مقدمة :
كانت الدولة المصرية تعانى من نهب منظم للثروة المصرية فيما عرف بحركة توظيف الأموال التى أقفرت البنوك بعد اتهامها بالتعامل الربوى مع اغراء الناس بسحب أموالهم ومدخراتهم ـ وأحياتنا بيع عقاراتهم ـ و اعطائها للريان و الشريف و وغيرهم . عملية النهب هذه أسهم فيها متنفذون فى الدولة مع كبار الدعاة وأبرزهم الشيخ الشعراوى و الشيخ عبد الصبور شاهين وكثيرون من شيوخ الأزهر، مع حملات دعائية مكثفة روجت لتوظيف الأموال. فى وجه هذه العاصفة وقفت ومعى د. فرج فودة.رحمه الله. كتب فرج فودة كتابا صغيرا بليغا اسمه ( الملعوب ) ونشر عدة مقالات فى الأحرار حيث عالج الموضوع من ناحية اقتصادية بحتة. وتوليت الجانب الاسلامى الأصولى.لكن نفوذ الشيوخ لم يتح لى إلا نشر مقالات ثلاث . كانت جريدة الأخبار المصرية تنشر لى على استحياء بعض المقالات فى صفحة الرأى للشعب تحت عنوان ( القرآن هو الحل )، وذلك بفضل الاستاذ عبد الوارث الدسوقى ، أحد كبار أساتذة الصحافة المصريين فى القرن العشرين ، وأعلم كيف كان يصارع ليتيح لى نشر مقالة كل شهر أو اثنين. وكان منها مقالان عن الربا. أولهما هذا المقال الذى نشرته الأخبار بتاريخ 29 /6 /1989
أيهما الحلال والحرام :
بنوك أم شركات توظيف الأموال
( هناك نوعان من الربا: ربا يقدمه المرابي بديلا عن الصدقة و( ربا التجارة
وذلك التقسيم على أساس نوعية المضطر لأخذ الربا ؛هناك شخص جائع مستحق للصدقة يأتي للمرابي وبدلا من أن يتصدق عليه يعطيه قرضا بالربا . وذلك يختلف عن شخص آخر يحتاج للمال في إقامة مشروع أو توسيع تجارة وهو ينتظر ربحا ، ومن حق المرابي إن يشاركه في ذلك الربح الذي كان ماله سببا فيه.
وفى العصر المكي كان التركيز في الوحي على إخلاص الدين لله وتنقية العقيدة من الشرك ومع ذلك نزلت آيات تحث على إعطاء صدقة للمحتاج بدلا من إقراضه بالربا؛ يقول تعالى في تقرير حق المحتاج " فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرا للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون " ثم تأتى الآية التالية تقارن بين الصدقة للمحتاج وبين إعطائه قرضا بالربا " وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون : الروم 38 : 39"
وذلك التلازم بين الحث على إعطاء المحتاج الصدقة بديلا عن إعطائه قرضا بالربا يوضح لنا أن المقصود بذلك الربا هو الربا المقدم بديلا عن الصدقة لمستحقها .
وفى المدينة كان أغلبية الأغنياء من المنافقين الذين كانوا يقرضون الفقراء بالربا فنزلت آيات سورة البقرة تشجب ذلك وتدعو لإحلال الصدقة مكان الإقراض بالربا للمحتاج الجائع.
ويلفت النظر أن حديث القرآن عن تحريم الربا سبقه الحث على إعطاء الصدقة وتوضيح آدابها في ثلاث عشرة آية تبدأ بقوله تعالى ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) " وتنتهى بقوله تعالى "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) " البقرة.
ثم تأتى الآيات عن الربا تهاجم المرابين الذين يستغلون الفقراء الجوعى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) البقرة ).
فالآية تدعو للكف عن أكل الربا وأن يأخذ المرابي أصل ماله فقط ، وتتوعده بالخلود في النار إذا عاد للربا ، ثم تحثه الآية التالية على أن يعطى الصدقة بدلا من الإقراض بالربا ، يقول تعالى " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ : البقرة 276 " ثم تؤكد الآيات التالية الأمر بالكف عن هذه النوعية من الربا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) : البقرة " ولأن المدين في هذه الحالة دائما ما يكون معسرا لأنه جائع فإن الآية التالية تقول " وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) البقرة " أي تأمر بالصبر على المدين المعسر أو بالتصدق عليه بالتنازل عن الدين أو بعضه . الأمر الذي يدلنا على أن تغليظ التحريم في هذا الربا إلى درجة إعلان الحرب من الله على المرابين ـ لأنه كان استغلالا للفقراء الجوعى . ولذلك نزلت الآيات بالحث على الصدقة قبل وبعد الحديث عن تحريم الربا .
والسؤال الآن : هل ينطبق ذلك الحكم على ربا التجارة ؟
إن الحكم القرآني صريح في أن الربا حرام على الاجمال " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " والبيع هو سلعة في مقابل مال أما الربا فهو بيع المال بالمال أي شيء يختلف عن البيع المتعارف عليه ، والقاعدة القرآنية أشارت للفرق بين البيع الحلال والربا الحرام ، وقد ألمحت الآيات من خلال الحث على الصدقة بديلا عن إقراض المحتاج بالربا إلى أن هناك استثناء بالنسبة للنوع الآخر من الربا حين يكون المحتاج للربا ليس فقيرا جائعا وإنما تاجرا مستثمرا .وجاء ذلك الاستثناء صريحا في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) " .فالفوائد المركبة حرام وهى عادة ما تكون في ربا التجارة حيث يكون الأمل كبيرا فى الربح وتعويض الفائدة المرتفعة.
ويقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ : النساء 29 " .والربا في التجارة يدخل ضمن أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه إلا أن الاستثناء جاء بتحليله إذا كان عن تراض . ومن الآيتين نعرف أن القرآن استثنى من تحريم الربا ربا التجارة إذا كان عن تراض ولم يكن أضعافا مضاعفة بفوائد مركبة.
ويعزز ذلك أن القرآن ينهى عن اكتناز المال والمسلم مطالب بأن يدير المال وألا يبخل به ولا يكتنزه، فإذا كان ذلك المسلم لا يجد شخصا أمينا يشاركه في استثمار ماله فليس عليه حرج إذا أودعه في البنك بفوائد حيث لا إجبار ولا إكراه بل تراض بين الطرفين ، وسعر النسبة في الأرباح والفوائد يحدده قانون العرض والطلب والحرية في الإيداع والسحب . .
لقد غفل الناس عن الحل القرآني لمشكلة الربا لأنهم آمنوا بأحاديث كتبها العصر العباسي الثاني تحرم الربا كله دون تمييز وتتجاهل الاستثناء الذي جاء في القرآن ، واشهرها ذلك الحديث الذي يلعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده ..الخ ،ومعناه أن المضطر للاستدانة بالربا يكون ملعونا، وذلك يخالف الأساس في تحريم الربا، إذ أن الربا حرام لأنه ألحق الضرر بالمحتاج ، فكيف يكون المحتاج ملعونا؟ ثم هو يخالف تشريع القرآن الذي يبيح للمضطر أن يأكل الميتة ولحم الخنزير. وقد صاغ فقهاء العصر العباسي قاعدة فقهية عامة تقول أن كل قرض جرّ ربحا فهو ربا وكل ربا حرام " وذلك التعميم يخالف الاستثناء الذي جاء في الآيتين، ثم كيف نقول أن كل قرض يأتي بربح يكون ربا حراما إذا كان الله تعالى يقول " إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ : التغابن 17 " فهل هذا الإقراض ربا أيضا ؟
لقد أستغل بعضهم تلك الأحاديث التي تبرأ منها رسول الله عليه السلام وتلاعب بعواطف المسلمين فأقام حملة تشويه ضد النظام المصرفي الذي لا غبار عليه طالما لم يرغم أحدا ولم يتعامل بالفوائد المركبة، وكانت النتيجة إن قامت بنوك وفروع لبنوك ترفع لافتة التعامل الإسلامي بينما هي في الحقيقة جزء من النظام المصرفي القومي والدولي لا يمكن أن تخرج من إطاره . ثم كانت الطامة حين قامت شركات توظيف الأموال على أشلاء سمعة البنوك المصرية فاستولت على مدخرات المصريين وتلاعبت بها فألهبت الأسعار وأفسدت الضمائر والذمم بما قدمته من رشاوى لبعض المسئولين مما أتاح لها أن تفرض دعايتها على الناس وأن تتلاعب بأموالهم وأحلامهم ثم كانت النتيجة محاكمات لهم وللمسئولين الذين ضعفوا أمام إغراءاتهم . وشركات توظيف الأموال هذه ينطبق عليها تماما قوله تعالى " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) البقرة ) .
إن حديثا أو اثنين كانا الأساس لقيام شركات توظيف الأموال وكانا الأساس في ضياع مئات الملايين من عرق المسلمين . ألا ينبغي أن نقرأ القرآن جيدا لكي نحكم به على كثير من الأقاويل التي ظلمت رسول الله وسببت في تأخر المسلمين قرونا
( 2 )
بعد نشر هذا المقال فوجىء الاستاذ عبد الوارث الدسوقى بخطاب رسمى مرفق بمقال جاءه من مكتب الدكتور عبد المعطى بيومى ـ عميد احدى الكليات الأزهرية وقتها ـ يطلب نشره بطريقة لم تعجب الاستاذ عبد الوارث ، وكنت معه وقتها ، ورأيته مكفهر الوجه عندما طالع الخطاب المرفق بالمقال، غضب ـ وهو المشهور بالحلم ـ ورفض نشر المقال. قام الدكتور عبد المعطى بيومى بارسال المقال الى جمال بدوى فى الوفد فنشره على الفور . و قد كانت بينى وبين الاستاذ جمال بدوى خصومة معلنة من قبل. بعد ظهور مقال الدكتور عبد المعطى بيومى (احذروا أراجيف هذا الرجل المنشورة في الأخبار ) فى الوفد لم يسترح الاستاذ عبد الوارث الدسوقى لما فى المقال من تكفير وسبّ لشخصى فطلب منى الرد, قلت له أننى عادة أقول كلمتى وأمضى ولا أرد على من يشتمنى، ولكن صمم الاستاذ عبد الوارث على أن أرد حتى لا يضيع الأثر الطيب لمقالى السابق. و فى اليوم التالى كان أمامه مقالى التالى فى الرد على الشيخ عبد المعطى فنشرته الأخبار بتاريخ 6/9/1989:والعنوان :
القرآن لا يزال هو الحل :
اتق الله يا شيخ عبد المعطى
قفز الشيخ عبد المعطى بيومي إلى ذاكرتي مرتين :
في المرة الأولى حين هاجمني في مجلة منبر الإسلام عدد يناير 1988 داعيا إلى سحقي وقتلى في نفس الوقت الذي يدعو فيه للترفق والتسامح مع الجماعات الدينية التي تستبيح الدماء، وأفلح الشيخ عبد المعطى وقتها في أن يجعلني أبتسم، وتذكرت قول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكى.
وفى المرة الثانية، حاول الشيخ عبد المعطى أن يرد على مقالي عن الربا وقد وضح في رده المنشور في الوفد في 28 /7/89 أنه لم يقرأ مقالي، أو ربما قرأ مقدمة المقال ثم شرع في الهجوم قبل أن يتم القراءة.
وفى مقالي عن الربا المنشور فى جريدة الأخبار في 29/6 قررت القاعدة القرآنية القائلة بأن الربا حرام ، إلا أن القرآن استثنى من الربا الحرام ربا التجارة إذا كان عن تراض وبدون فوائد مركبة واستشهدت بقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ : النساء 29 " وبقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً : آل عمران 130" .
وأثبت بطلان الحديث الذي يلعن أكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه لأنه يخالف القرآن صراحة حين يلعن المضطر المحتاج للاقتراض بربا مع أن القرآن يبيح للمضطر أن يأكل لحم الميتة ولحم الخنزير فكيف يكون ذلك المضطر ملعونا إذا أحتاج للاقتراض بربا ؟؟!! .هذا مع أن تحريم الربا سببه هو الظلم الذي حاق بذلك المضطر فكيف يكون ملعونا ؟ ونزيد على ذلك أن القرآن يبيح للمكره أن يقول الكفر عند الاضطرار طالما ظل قلبه مطمئنا بالإيمان " النحل 106 " ثم إن ذلك الحديث يلعن الشاهد والكاتب في الربا مع أن القرآن أعطى حصانة للشاهد والكاتب حين قال على وجه العموم " وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ : البقرة 282" .
استشهدت في المقال بنحو سبع وعشرين آية قرآنية وكان رد الشيخ عبد المعطى على هذه الآيات قوله " احذروا أراجيف هذا الرجل المنشورة في الأخبار" أي أنه اعتبر القرآن " أراجيف " . ثم وجه الشيخ عبد المعطى للقرآن اتهاما آخر حين ردد ما ردده السابقون من أن التشريع القرآني نزل بالتدريج فيقول: " إن الربا حرم على مراحل كالخمر " والقول بالتدرج في تشريع القرآن يعنى أن هناك تناقضا في آيات القرآن حين يأتى التشريع بالإباحة ثم تشريع بالتحريم الجزئي تم تشريع آخر بالتحريم القطعي. والذي أؤمن به أن القرآن لا عوج فيه ولا اختلاف ولا تناقض،وأن القول بالتدرج في التشريع إنما هي إشاعة نبتت في العصر العباسي ثم اكتسبت قداسة لأن أحدا لم يجرؤ على مناقشتها فعاشت تحظى بالتصديق بين أنصاف العلماء .
ليس في القرآن تدرج في التشريع فيما يخص الحلال والحرام وإنما فيه إيجاز في التشريع المكي ثم تفصيل في التشريع المدني .
في مكة كان التركيز على إخلاص العقيدة لله ونزلت عموميات في التشريع ، وفى المدينة كان التفصيل والتبيين . نزل تحريم الخمر في مكة ضمنا وإيجازا في قوله تعالى " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ : الأعراف 33 " والخمر من الإثم الذي حرمه ربنا سواء كان قليلا أم كثيرا ،وحين سئل النبي عن حكم الخمر نزل قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا: 219 البقرة " وإذا كان في الخمر أثم كبير فهي حرام نزل تحريمها في مكة موجزا ثم جاء التفصيل في المدينة في عدة آيات " البقرة 219 والمائدة 90 ، 91.
ونفس الحال مع الربا نزل التحريم موجزا في مكة " الروم 39 " ثم جاءت التفصيلات فى المدينة تشرح القاعدة وتقرر الاستثناء بشروطه " البقرة 261 ، 281 ، وآل عمران 130 والنساء 29".
ثم يلتفت لنا الشيخ عبد المعطى فيتهمنا بالكفر محتجا بقول السيوطى : " فأعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم ـ قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف فى الأصول ـ حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام " ولا يدرى الشيخ عبد المعطى أنه يتهم معي أئمة الحديث والفقه :
فهو يتهم بالكفر الإمام أبا حنيفة الذي لم يصح عنده إلا بضعة أحاديث عند أكثر المتفائلين.
ويتهم بالكفر الإمام أبن حنبل الذي ألغى بجرة قلم أبوابا ثلاثة من الأحاديث حين قال : " ثلاثة لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازى" .
ويتهم بالكفر الإمام البخاري الذي أثبت أربعة آلاف حديث في صحيحه من بين ستمائة ألف حديث في عصره .. أي أنه كذب خمسمائة ألف حديث وستة وتسعين ألف حديث.
ويتهم بالكفر الإمام مسلم الذي أثبت أحاديث في صحيحة لم يأت بها البخاري وكذب بأحاديث أثبتها البخاري فلم ترد في صحيح مسلم.
ويتهم بالكفر أئمة علم الحديث الذين انتقدوا البخاري ومسلم وهاجموا ثمانيين من رواة البخاري ومائة وستين من رواة مسلم.
ثم هو في النهاية يتهم بالكفر علماء أهل السنة جميعا الذين يشككون في رواة الشيعة، ويتهم بالكفر محققي الشيعة الذين يتهمون علماء أهل السنة، إذ لم يتفق علماء الحديث كما يقول الذهبي في ميزان الاعتدال على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة . وما كان أغنى الشيخ عبد المعطى عن فتح هذا الباب الذي يثير الشجون.!!
ثم من هو هذا السيوطى الذي تحتج به علينا يا شيخ عبد المعطى .؟دعنا نتعرف على السيوطى من واقع ما كتبه عنه معاصروه من العلماء.
فالإمام الشعراني ترجم للسيوطى في الطبقات الصغرى وأثبت أن السيوطى كان يدعى أنه يرى النبي عليه الصلاة والسلام في اليقظة وأن النبي كان يسعى إليه ليتلقى عليه العلم ويقول له : هات يا شيخ السنة أو هات يا شيخ الحديث .
والإمام السخاوى ترجم للسيوطى في سفره الضخم " الضوء اللامع " واتهم السيوطى أنه انتحل مؤلفات الآخرين ونسبها لنفسه.
ومن يتفرغ مثلي لفحص مؤلفات السيوطى المطبوعة والمخطوطة يتحقق من صحة اتهام السخاوى له بانتحال مؤلفات الغير، فشتان بين أسلوب كاتب "الهمع " وأسلوب السيوطى في مؤلفاته الصغيرة التي لم تجد من يتصدى لنشرها لنعرف عقلية السيوطى الحقيقية .وتعج المخطوطات في دار الكتب بالكثير من هذه المؤلفات الصغيرة للسيوطى التي ملئت بأحاديث لم يرد لها ذكر قبل العصر المملوكي، وكلها مما يسيء للنبي عليه السلام، بالإضافة إلى ما فيها من تناقض وخرافات وبذاءات نعتذر عن إيراد شواهد منها ، ونكتفي بذكر عناوين بعضها مثل " الطرثوث في فوائد البرغوث "، "القول الجلي في تطور الولى " وهو عن تشكل الولي الصوفي في صور مختلفة ووجوده في آماكن متفرقة في نفس الوقت " ورشف الزلال من السحر الحلال " وهو وصف تفصيلي للعملية الجنسية ليلة الزفاف ، ومثله " شقائق الأترج في دقائق الغنج " والمفجع أن هذه المؤلفات وغيرها ملأها السيوطى بأحاديث نسبها للنبي عليه الصلاة والسلام .
أبعد هذا أقول : " قال الله " فتقول لي يا شيخ عبد المعطى : "قال السيوطى. "
اقرأ كثيرايا شيخ عبد لمعطى فعسى أن يفتح الله عليك بابا من أبواب العلم فتستريح ونستريح .
واجتهد يا شيخ عبد المعطى في فهم ما تقرأ بدلا من التطاول على العلماء المجتهدين
واتق الله يا شيخ عبد المعطى
(3 )
أحدث مقال ( اتق الله يا شيخ عبد المعطى) دويا هائلا فى جامعة الأزهر وخارجها.وبعض ما كان يحدث داخل أروقة الجامعة كان يصلنى عن طريق الزملاء القدامى. بعضهم غضب منى من حدة المقال ، وبعضهم رآه تأديبا للشيخ عبد المعطى يستحقه ، ولكنهم فيما بلغنى أجمعوا على أن المقال جاء لطمة قوية للشيخ عبد المعطى ، وقيل لى انهم عقدوا اجتماعات يفكرون فى طريقة بليغة للرد. وجاء الرد سريعا فى مقال للشيخ عبد المعطى نشرته الوفد بعنوان يقول لى فيه : ( بل أنت اتق الله واقرأ ما قرأناه )
ضحك الاستاذ عبد الوارث الدسوقى عندما قرأ مقال الشيخ عبد المعطى ، وقال لى : ما رأيك ؟ قلت له : إنه رسب فى امتحان الايمان لأن المؤمن اذا قيل له : اتق الله ، فعليه أن يرد بالاستغفار لا أن تأخذه العزة بالاثم . الشيخ عبد المعطى برده هذا حكم على نفسه بما جاء فى قوله تعالى ( واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) طلب منى الاستاذ عبد الوارث أن أكتب مقالا آخر فى الرد عليه بعنوان ( الشيخ عبد المعطى لم يتق الله ) ، ولكننى فى هذه المرة رفضت باصرار. كانت وجهة نظرى أن عبد المعطى بيومى سيستفيد من هذه المعركة وسيصبح زعيما مشهورا، وتتحول الى قضية عداء شخصى لا أرغب فيه . ولذلك أهملت الشيخ عبد المعطى ، وكتبت المقال التالى فى موضوع الربا فنشرته الأخبار :
قضية الربا وأزمة الاجتهاد
1ـ في أحد البلدان الإسلامية أراد رجل أن يبنى طابقا ثانيا فوق داره ، ذهب للبنك فعرض عليه البنك فائدة 10 % على القرض الذي يبلغ مائة ألف ، رفض الرجل هذه النوعية من الربا ، وذهب إلى أحد بيوت المال "الإسلامية ". قال له المسئول هناك : نحن لا نتعامل بالربا الحرام ولكن نبيع ونشترى .. وانتهت الصفقة بأن اشترى بيت المال من الرجل داره بمبلغ المائة ألف ـ شراء صوريا ـ على أن يعيد للرجل بيع نفس الدار بعد عام بمبلغ 150 ألفا .. وذهب الرجل سعيدا بالنتيجة ، ولكنه بعد أن فكّر عرف خسارته .. فقد باع داره التي يملكها مقابل القرض الذي يريد أن يبنى به الطابق الثاني ، وحين يسدد بعد عام نفس القرض سيدفع فائدة قدرها 50 % ، وبيت المال ضمن حقه بشرائه للبيت الذي يقيم فيه الرجل. ولكن كان الأوان قد فات، كان البنك سيأخذ منه فائدة 10 % فقط ، ولكن تحولت الفائدة إلى بيع صوري وفائدة حقيقية لبيت المال الإسلامي قدرها 50 % .
تتكرر القصة في دول البترول، وصفقاتها تعقد في المساجد حيث يحرصون على عدم النطق بكلمة الفائدة والربا ، ويتلاعبون بالألفاظ والحيل والشراء الوهمي والبيع الصوري، وتكون المحصلة خداع البسطاء المتدينين وأكل أموالهم بالباطل ، ولكن المعنى الباقي من هذا التصرف ـ الذي لا شأن للإسلام به ـ هو التحايل على شرع الله والاجتهاد في التلاعب بالألفاظ . ومظاهر هذه النوعية من الاجتهاد كثيرة تجدها في المصطلحات السائدة في فروع البنوك التي ترفع لافتة التعامل الإسلامي وفى شركات التوظيف ، وهم دائما يتمسحون بقوله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا " وبعدها يجعلون المتعامل معهم يدخل في متاهة وشروط في العقد صيغت بمهارة لتجعل المتعامل معهم يخرج في النهاية مغبونا مخدوعا.
2 ـ وما كان أغنانا عن هذا كله لو اجتهدنا في فهم القرآن ، وتلك فريضة إسلامية، يقول تعالى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها : محمد 24 "
وقد استثنى القرآن من الربا المحرم ما كان منه تعاملا تجاريا بفوائد غير مضاعفة ، يقول تعالى " يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة : آل عمران 130 " " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .. النساء 29 "، وباقي الآيات في تحريم الربا كان السياق فيها واضحا أنه في الربا المقدم للمحتاج الذي يستحق الصدقة فيعطيه المرابي قرضا بربا على نحو ما فصلناه في مقالنا السابق في الأخبار " أيهما الحلال والحرام البنوك أم شركات توظيف الأموال.
3 ـ وقوله تعالى " يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " .يضع قاعدة شرعية تبيح شتى أنواع التعامل التجاري القائم على التراضي بين البائع والمشترى أو القائم على ما أقرته القوانين الوضعية وما تعارف عليه المجتمع وسار عليه حتى لو لحقته الشكوك وشبهات الفقهاء . فأين تلك الشبهات في تعبير " أكل أموال الناس بالباطل " الذي أحله القرآن إذا كان عن تراض بالنص الصريح في الآية الكريمة، وهى تبيح الفائدة في البنوك سواء كانت ثابتة أم متغيرة بشرط ألا تكون مضاعفة ، وتبيح سائر صنوف التعامل التجاري التي استحدثها عصرنا مثل شهادات الاستثمار والبيع بالتقسيط والتأمين على الحياة والممتلكات والأسهم والسندات وكل صنوف الشركات ، مادام هناك تراض ومعرفة تامة بين الطرفين بالشروط والبنود حيث لا تحايل ولا تلاعب بالألفاظ والشعارات.
4 ـ وقد أفتى بعض المجتهدين من العلماء والفقهاء بجواز الفائدة في البنوك وكانت لهم أدلتهم الوجيهة وشجاعتهم المحمودة بينما تمسك الآخرون بالنصوص الفقهية المكتوبة من قرون وأشعلوها حرب إرهاب وتخويف وتكفير ، أي كان لهم اجتهادهم في التطاول على من اجتهد وتدبر وهو يعلم أنه سيكون مسئولا أمام الله تعالى يوم الحساب على ما أفتى به . وأسفرت تلك الحرب عن سؤال يفضح المستور ويضعنا على مفترق الطرق: ماذا لو حدث ـ لا قدر الله ـ وقامت دولة دينية يكون مصدرها التشريعى فتاوى أولئك الأشياخ ؟
النتيجة أنهم سيرفعون كتبهم الصفراء في يدّ وحدّ الردة والتكفير في اليد الأخرى ، وتقام للمجتهدين مذابح جماعية في ميدان التحرير الذي ربما يغيرون أسمه إلى ميدان" الحجاج بن يوسف " . وبعد مذابح المجتهدين تقام مذابح أخرى لليساريين والأقباط .. والبقية تأتى إ5 ـ صدقوني أن دكتاتورية العسكر سيئة ولكنها لا شيء بالمقارنة بالدولة الدينية التي لن تبقى ولن تذر ).. وتلك قضية أخرى ربما نعود لها.)
( 4 )
تفاعلت قضية الربا بأكثر ما كنت أتوقع بسبب هذا المقال الذى اعتبره شيخ الأزهر وقتها ـ الشيخ جاد الحق ـ ضربة موجهة له تحت الحزام والجبة والقفطان. لذا سارع بالتدخل لدى النظام لاغلاق الموضوع. وتم الآتى حسبما علمت وجرى معى بعدها :
1ـ الاتفاق على ان يقوم المفتى ـ وقتها ـ وهو الدكتور محمد سيد طنطاوى باصدار فتوى تجيز التعامل مع بعض فئات شهادات الاستثمار توطئة للافتاء فيما بعد بتحليل التعامل مع فوائد البنوك ، وفى هذا السياق صدرت فتوى الشيخ طنطاوى مع مقالات أخرى لوزير الأوقاف وقتها الدكتور محجوب .وقد اعتمد الدكتور محجوب فى جداله مع المعارضين على نفس الآيات القرآنية التى جاءت فى مقالاتى. وحدث فعلا أن انتهى الموضوع باباحة التعامل مع البنوك بالتدريج . وتحقق ما كنت أريده ولكن :
2 ـ فى مقابل هذا التنازل منهم اتفقوا مع نظام الحكم على احالتى أنا و الدكتور فرج فودة للتحقيق أمام النيابة العليا فى وقتين مختلفين. فى التحقيق مع فرج فودة والذى نشرته جريدة الأهالى كان التركيز على علاقته بمنكر السّنة أحمد صبحى منصور ، لارهابه وتخويفه حتى يقطع علاقته بى .
حقق معى المستشار ياسر الهوارى بسبب المقالين السابقين, وقد طلبت منه أن يأتى شيخ الأزهر بنفسه متهما معى لأنه يأخذ مرتبا من الدولة من الجنيهات المصرية التى يصدرها البنك المركزى المصرى وهو بنك ربوى حسب زعمهم ، وإذن فكيف يتعامل بالجنيه المصرى الربوى ثم يتهمنى ، ثم اننى لا يوجد لدىّ أى حساب فى البنك ليس لأننى أحرم التعامل مع البنوك ولكن لأننى أفقر من أن أتعامل مع البنوك، ولكن شيخ الأزهر له حسابات بالعملة المصرية وغيرها فى بنوك مصرية وأجنبية. أطلقوا سراحى ، وكان واضحا أن النظام عقد صفقة مع الشيوخ ، هى الضغط علىّ لارهابى لأسكت مقابل أن يحصلوا من الشيوخ على تحليل فوائد البنوك
3 ـ لم أستسلم فجهزت مقالة أخرى ساخرة وبشكل قصصى للرد عليهم بعنوان (قضية الربا وأزمة الأخلاق) ، ولكن فوجئت بأن لدى الأخبار تعليمات بعدم النشر لى. وظللت فترة طويلة ممنوعا من النشر فى الأخبار. ثم أتيح لى بعد سبع سنوات أن أنشر المقال الذى رفضته الأخبار .. نشرته جريدة الميدان فى 15 / 9 / 96
وها هو المقال :
قضية الربا وأزمة الأخلاق
الأستاذ ممدوح رجل مسلم ملتزم ، ورث ثروة ضئيلة قدرها عشرة آلاف من الجنيهات دخل بها شريكا مع بعض من يثق فيهم وانتهت الشركة بخسارة مؤكدة؛ خسر صداقة صديقه وخسر من ماله ألفين من الجنيهات وعاد ممدوح بما تبقى من ماله حائرا لا يعرف كيف يتصرف فيه ؛معه ثمانية آلاف من الجنيهات تفيض عن حاجته ، وهو موظف لا وقت لديه ولا علم له بشؤون المال والأعمال ، ثم هو مسلم متدين يحفظ القرآن ولا يريد أن يغضب الله بسبب هذا المال الذي معه ولا يعرف كيف يديره ولا يجد شخصا يأتمنه على استثماره.!
فكر ممدوح طويلا : إنه إن وضع المال تحت البلاطة كان مصيره أن يلقى الله بجريمة الذى يكتنز الأموال وقرأ لنفسه قوله تعالى " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) : التوبة " واقشعر بدنه وهو يتذكر مصيره إذا كنز ماله ومنعه من الاستثمار. ثم إنه لا يريد انفاق هذا المال على كماليات لا ضرورة لها . وهو يعتبر أنه إن أنفق هذا المبلغ في شراء سلع غير ضرورية كان مبذرا ، وتذكر قوله تعالى " وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) : الإسراء) . واستعاذ الأستاذ ممدوح من الشيطان الرجيم.
وطرأ له أن يتبرع بالمبلغ كله في سبيل الله ، ولكنه يعرف أن القرآن ينهى عن ذلك مراعاة للتوسط في الإنفاق في سبيل الله، وهو يردد قوله تعالى " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان " " وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) : الإسراء " . ثم من أدراه ان من سيعطيهم التبرع سيكونون أمناء على الأموال ؟
الأستاذ ممدوح يخرج من مرتبه ودخله العادي حق الله في الصدقة والزكاة ومعنى ذلك أن مبلغ الثمانية آلاف جنيه سيظل مشكلة لا يجد لها حلا . كان الحل المتاح أمامه أن يضع هذا المبلغ في البنك ولكن الحملة التترية على البنوك المصرية شوهت سمعتها أمام عينيه، خصوصا والفتاوى تترى تحرم الفوائد البنكية ، والأستاذ ممدوح رجل متدين يتقى الشبهات، لذا آثر الابتعاد عن هذه البنوك إيثارا للسلامة في دينه وآخرته.
إلا أن الأستاذ ممدوح قرأ رأيا جديدا مدعما بالآيات القرآنية يبيح التعامل مع البنوك التجارية على أساس أن القرآن استثنى من الربا المحرم ما كان منه تجارة عن تراض وبدون فوائد مضاعفة وكان الدليل قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً : آل عمران 130 " و" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ : النساء 29 " .والأستاذ ممدوح يحفظ الآيتين ، وإن لم يفكر فيهما على هذا النحو من قبل.
زادت حيرة الأستاذ ممدوح.. ومع أن عقله يستريح للرأي الجديد الذي قرأه مدعما بالقرآن ، وهو يجد فى ذلك الرأي الجديد حلا ملائما لمشكلة المال الفائض الذي لديه الذي لا يرضى باكتنازه ولا بتبذيره إلا أن الحملة الصحفية من الشيوخ زادت ضد البنوك المصرية تتوعد المتعاملين معها بالجحيم وتتهم صاحب الرأي الجديد بالردة والكفر ، والأستاذ ممدوح يريد أن يصل إلى بر الأمان وإلى الرأي الفصل حتى يستريح باله وتختفي شكوكه. لذا ذهب الأستاذ ممدوح إلى فضيلة الشيخ الذى يتزعم حملات التكفير والارهاب الفكرى ويتوعد من يتعامل مع البنوك بالويل والثبور وعظائم الأمور. جلس أمامه فى خضوع وأفضى إليه بهمومه وشكوكه وطلب منه الحل . تحدث فضيلة الشيخ طويلا وأنصت إليه الأستاذ ممدوح كثيرا، وبعد ساعات من الصداع والصراخ والتحذير والترهيب والتخويف والتكفير خرج الأستاذ ممدوح وهو متيقن تماما أن فضيلة الشيخ لا يجيد الحديث ولا يجد الحجة والبرهان إلا عندما يتحدث عن نواقض الوضوء وموجبات الغسل والتقاء الختانين.
في خلال الساعات التي تحدث فيها فضيلة الشيخ لم يسمع الأستاذ ممدوح دليلا ساطعا أو حجة معقولة ، وإنما أدخله فضيلة الشيخ في متاهات من الصور الفقهية واختلافات الفقهاء والمحترزات والأسانيد والحديث المنقطع والحديث المرسل .. والشيخ يلهث بين الكتب الصفراء ليؤكد أن فوائد البنوك كلها حرام بلا استثناء ، والأستاذ ممدوح يعلم أن مؤلفي هذه الكتب الصفراء قد ماتوا منذ قرون مضت وهم لا يعرفون شيئا عن البنوك وفوائدها . ولو قدر لأحدهم أن يعود للحياة وسار في شوارع القاهرة لمات ثانية من الرعب والهلع مما سيراه من مظاهر الحضارة في القرن العشرين..
خرج الأستاذ ممدوح من عند فضيلة الشيخ وقد تيقن أنها المرة الأخيرة التي يزوره فيها فقد أحس أنه فقده للأبد ، فقد عرف أن فضيلة الشيخ يعيش الماضي ويحاول فرضه على عصرنا ، أو ربما جاء إلى زماننا على سبيل الانتداب الوظيفي ليضيف نسخة جديدة من كتب التراث الصفراء..
وفى طريق عودته أحس بحنين جارف للقاء صديقه الأستاذ سامح صاحب النظرة الجريئة في التفكير الديني وهو مع جرأته ، التي يعانى منها ممدوح أحيانا ـ تراه مسلما عاقلا ملتزما يجيد النقاش ، ولا يتردد في أن يستفتى القرآن في مشاكل عصره والتي يعجز الشيوخ عن الخوض فيها ، والأستاذ سامح مع تدينه الشديد لم يأبه بما يقال عن البنوك بدليل أنه يعمل في أحد البنوك مثل بقية المسلمين المتمسكين بدينهم ، فالأستاذ سامح مع تدينه ولحيته يعلم أن رحمة الإسلام أرحب من ضيق الأفق الذي يحاول بعضهم فرضه على الناس باسم الإسلام
. وفى ساعة الراحة جلس الصديقان سامح وممدوح يتحاوران وقد أقتنع ممدوح بأن الحل القرآني لمشكلته هو أن يضع فائض ماله في البنك الذي يعمل فيه صديقه سامح . وعاد الصديقان لاستكمال الحوار.
قال له سامح : أتدرى أنك لو أنفقت ذلك الفائض من مالك في شراء سلعة تافهة لا تحتاجها ربما أصبحت سفيها في نظر القرآن ينبغي الحجر عليك لصالح المجتمع .
وابتسم ممدوح : أبعد هذا العمر وهذه المكانة أكون سفيها ؟؟ وقرأ سامح الآية التي تتضمن المعنى " وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) : النساء).
وسرح عقل ممدوح يتفكر في الآية كأنما يسمعها لأول مرة ..وقال سامح : من الآية نفهم ان المال الذي معك هو مالك طالما أنت تحسن التصرف فيه ، أما إذا أسأت التصرف فيه وأصبحت به سفيها فالمال حينئذ يعود للمجتمع من خلال الوصي الذي يقوم على استثمار ذلك المال، وليس لك في ذلك المال ـ والذي كان لك ـ إلا الربح الذي يأتي من خلال استثماره ، لذا تقول الآية " وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا " أى من ربحها ولم تقل " وارزقوهم منها "أي من أصل المال . ومعناه أن استثمار المال واجب اجتماعي يفرضه القرآن الذي يبيح كل أنواع الاستثمار القائمة على التراضي بلا ظلم وبلا فوائد مضاعفة تعوق التنمية.
وأثناء حديث الصديقين همس سامح إلى رفيقه : أنظر من القادم هناك ؟
وفوجئ ممدوح بشخصية القادم الجديد والذي لقي الترحيب من كل المسئولين فى البنك باعتباره عميلا على درجة كبيرة من الأهمية .. وهمس ممدوح كأنه لا يصدق عينيه : إنه فضيلة الشيخ بشحمه ولحمه.!!
والتفت لصديقه يمسح عينيه من الدهشة : هل جاء فضيلته هنا ليحكم بكفركم ولعنكم ؟
وضحك سامح " إن لفضيلته حسابات لدينا بالعملات الصعبة والعملة المحلية وتنهال على فضيلته الشيكات من سائر أنحاء المعمورة بالدولار والدينار والريال والدرهم وبها يتضخم نصيب فضيلته وتتعاظم فوائده التي يدفعها له البنك.!
وفرك ممدوح في عينيه : لكنك لم تره وهو يصرخ معي بلعن الفوائد البنكية وكيف أنها رجس من عمل الشيطان ، ومن لم يبتعد عنها فمصيره جهنم ويئس المصير.
وضحك سامح : لو كان صادقا مع نفسه ما أمسك بالعملة المصرية في يده وهى مكتوب عليها إن الذي يصدرها هو البنك المركزي المصري ، وهو في نظره بنك ربوى.. وكان فضيلة الشيخ قد أنهى مصالحه وغادر البنك وسط الاحترام المعهود
وقهقه سامح قائلا : أنهم على مذهب الإمام ابن حنش القائل : هذه نقرة وهذه نقرة..
وضحك الصديقان بمرارة..
وقال سامح : وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا..)
(كاتب المقال أستاذ سابق بجامعة الأزهر ويعلن أنه ليس له أي رصيد في أي بنك مصري أو غير مصري) ..)
( 5 )
هذا ما كتبته ونشرته فى القرن الماضى ولم يكن لدى وقتها أى رصيد فى أى بنك . ولكن السؤال الهام يظل مطروحا : الى متى يظل تطور المسلمين مرتبطا بفتاوى أشياخ يعيشون فى الماضى ويريدون فرضه على الحاضر والمستقبل ؟ وكم من الأموال والجهد نفقده انتظارا لأن يفهم أولئك الأشياخ؟ وهم لا يفهمون ولا يعقلون ؟. والى متى يظل العالم يتقدم كل دقيقة ونحن نربط رءوسنا باقدام أشياخ يعيشون فى العصور الوسطى خلف الحجاب والنقاب ؟؟.