الخُلاصة
خلاصة المطلب الإلهي العام و جوهره في الرسالات يتبلور في ( يا أيها الناس ) ,
تكرر النداء الشامل للناس كافة في الذكر الحكيم عشرون مرة , سواء بالنداء المباشر من الله جل وعلا أو بالنداء الغير مباشر على لسان رسله , و كما نعلم فالدين هو نداءٌ و دعوةٌ من الخالق جل وعلا للناس كافة , فالدين لا يقتصر على فئة معينه بذاتها , فيحق لأي إنسان أن يلتحق بالدين , و هو وسيلة التواصل بين العبد و المعبود , من أجل معرفة الناس بان هناك خالق لهم , و بأن جودهم ليس بعبث , و يعلمهم بيوم الحساب هذا في المقام الأول ,
و في المقام الثاني يعمل الدين على تنظيم العلاقة بين الناس على أساس العدل و الإحسان ,
و في المقام الثالث يبين للناس سبل طاعتهم لربهم و خالقهم , بالأمر و النهي بالفرائض و الواجبات ,
في هذا المقال سنتعرف على جوهر هذا النداء , و كيفية شموله على الغايات و المقامات الثلاث في إيصالها للناس كافه , و هذا في حد ذاته إعجاز ٌ و بلاغةٌ في غاية الدقة و الشمول :
النداء الأول :
( يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون )
الدعوة لعبادة الخالق جل وعلا بأنه ربٌ واحد , و بأنه رب جميع الخلائق , فلا معبود غيره و لا ربٌ سواه , و الهدف من ذلك هو التقوى .
النداء الثاني :
( يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين )
الدعوة و التصريح بأن الأصل في الأكل و الشرب هو الإباحة و التحليل , و الإعلان بان الشيطان سيمارس التحريم على أتباعه , و هنا وجب التحذير من خطورة التحريم في هذا الجانب , فبما أن الشيطان سيمارس هذا النهج , فهذا يؤكد بان هناك أيضاً تحريم جزئي من قبل الخالق جل وعلا , و يقتضي ذلك بيانه بشكل واضح و صريح في كتاب الله جل وعلا , و هو كما نعلم تحريم اختبار لا أكثر , و تحريم الاختبار يكون بإباحة الكل و تحريم جزء بسيط لا يذكر و لا أثر له , تماما كاختبار آدم عليه السلام حين أباح له الأكل من جميع الشجر إلا شجرة واحده , و هذه الشجرة في حقيقتها لا تختلف عن غيرها , و لكن لمجرد الاختبار , و ما يسري على المأكل يسري على المشرب .
النداء الثالث :
( يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا )
الدعوة و الإعلان بان جميع الناس من نفسٍ واحدة , أي لا ينبغي التفريق بينهم لا بالرجال و لا بالنساء فلا تفاضل بينهم جميعا , و الإعلان بأنه جل وعلا قد خلق منها زوجها , و نتج عن هذا التناسل و الأرحام , و جميع ما نتج من رجالٍ و نساء هم مثل بعضهم البعض , فهم يَحِلّون لبعضهم البعض كأزواج كونه جل و علا قد أزال أي اختلافٍ أو تفاضل بين هؤلاء الرجال و النساء فيما يختص بمسألة الزواج و الأرحام , و بأنه جل وعلا هو الرقيب على الجميع , فلا يجوز أن يكون بعضنا رقيباً على بعض بأن يقف في وجه هؤلاء و يعيق الزواج و يمنع التناسل بين الناس جميعا , و جاء التعبير عن التناسل بالأرحام .
و تكرر هذا النداء بصيغةٍ أخرى بقوله :
( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير ) .
النداء الرابع :
( يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا )
الإعلان بأنه لا حجة للناس في كفرهم , فلقد برهن الله جل وعلا لهم وجوده في كل النواحي و الأزمان , و البرهان هو الدليل القاطع الذي أنزله الخالق جل وعلا كبرهان لنا , و برهانه الخالد سبحانه و تعالى الذي أنزله للناس كافه هو هذا القرآن , و هو النور المبين , و هو الحجة عليهم جميعاً , و هو رحمةٌ بهم و لهم .
و قد تكرر هذا النداء بقوله جل وعلا :
( قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ,
و في قوله أيضاً :
( يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) ,
و قوله :
( قل يا ايها الناس انما انا لكم نذير مبين ) .
النداء الخامس :
( قل يا ايها الناس ان كنتم في شك من ديني فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن اعبد الله الذي يتوفاكم وامرت ان اكون من المؤمنين )
الإعلان بأنه لا إكراه في الدين , و في حال إنكار البعض لهذا البرهان و الشك فيه - على الرغم بأنه برهانٌ لا يدع مجالاً للشك - فله حريته في ذلك و ليعبد ما يشاء دون إكراه , فعبادة الله لا تكفي بل يتوجب أن تكون من المؤمنين , أي لا تكون من المعتدين .
و قد تكرر هذا النداء بقوله جل وعلا :
( قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل ) .
النداء السادس :
( يا ايها الناس انما بغيكم على انفسكم متاع الحياة الدنيا ثم الينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون )
الإعلان بأن أي بغي أو اعتداء سواء كان على الله جل وعلا أو على الناس بكافة اختلافاتهم الدينية ينعكس على الباغي نفسه , لأن الحياة الدنيا قصيرة و مجرد متاع إلى زوال , و في النهاية سيرجع الجميع لله جل وعلا , و سيعاقب الباغي على بغيه و عدوانه , و يكون من الخاسرين .
النداء السابع :
( يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم )
التحذير من قيام ساعة الحساب و التنبيه بضرورة التقوى و عدم التغافل أو التهاون بما سيكون .
و قد تكرر هذا النداء في قوله سبحانه :
( يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج ) ,
و في قوله أيضاً :
( يا ايها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) .
النداء الثامن :
( يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد )
الإعلان بأن جميع الناس يفتقرون لخالقهم جل وعلا , و هم في حاجته على الدوام , و لا يستغنون عن تشريعه العادل و الإحسان الذي جاء فيه , هذا الافتقار هو دليل عجزٍ و نقص في هذا المخلوق , فمهما تقدم و تطور هذا المخلوق يبقى في حالة عجز و على هذا المخلوق أن لا يغتر بأي قوة , سواء كانت قوة مادية أو غير مادية .
و تكرر هذا النداء في قوله جل وعلا :
( يا ايها الناس ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) ,
و تكرر أيضاً في قوله سبحانه لهذا المخلوق بأن يعترف بأن ما يمتلكه ما هو إلا من نعم الله جل وعلا التي أنعمها عليه :
( يا ايها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو فانى تؤفكون ) .