بلغت الستين
بلغت الستين من العمر

زهير قوطرش في الأحد ١٠ - يونيو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بلغت الستين من العمر.

بلغت الستين من العمر،وها أنا كما أنا.... مازلت في ريعان الشباب.ومازال العطاء والأمل يسيران في عروقي كالدم النقي.سميت نفسي شيخ الشباب .ذلك لأني أحب أن أقضي معظم وقتي بين الشباب،وخاصة مَنْ ترواحت أعمارهم مابين الثلاثين والخامسة والخمسين.وأحب كذلك أن أقابل من هم أصغر من ذلك، أقابلهم لا تحدث إليهم واتعلم منهم لغة عصرهم، أتعلم منهم كيف يفكرون،وبماذا يحلمون.هم مدرستي التي تشحن مشاعري بالطاقة الموجبة، وخاصة عندما التقي اولئك الذين أشعر أن المس&;تقبل لهم والعالم ملكهم.اولئك الذين عندما التقيهم يبدون لي وكأنهم كتلة من الطموح مزينة بالايمان والأخلاق.هذه اللقاءات تجعلني متفائلاً بأن المستقبل سيكون غنياً بهم إن شاء الله...
وما زلت أحب أن العب مع الاطفال الصغار.أحب أن أسمع أحاديثهم .أحب البراءة في عيونهم والعفوية في ضحكاتهم. أشعر أن في كلماتهم عالماً خاصاً مليء بالصدق والامانة. وما زلت كما كنت.... أبكي وتسيل دموعي أنهاراً عندما أرى طفلاً يُظلم أو يتعذب من مرض أو فقر أو اضطهاد، ولا أستطيع أن أقدم له العون والمساعدة، إنها نقطة ضعفي الكبيرة،أحبهم مهما كانت اسماؤهم ،والوانهم وجنسياتهم. بالنسبة لي هم زهور الحياة،كم تمنيت أن أقدم لكل أطفال العالم ما يستحقون.... لكي يعيشوا طفولتهم بسعادة، ولكني لاأملك سوى مشاعري الصادقة إتجاههم،ودعائي وتوسلي الى الله عز وجل أن يحميهم وأن ينهي التجبر والظلم في العالم وخاصة الذي يقع عليهم، ذلك أن الاطفال هم أكثر المخلوقات ضحية على هذه الارض المليئة بالشجع والطمع، هذا العالم الذي لايشعر فيه المجرمون أن كل دمعة تسيل من عيون طفل معذب هي بسببهم ، وماهي إلا ناراً ستأكل قلوبهم في النهاية.تلك القلوب التي تحجرت وما عادت قلوباً.
أما أنت يازوجتي وشريكة حياتي ،يامن تقبلت منها أجمل تهنئة في الستين من عمري.يا من تعلمت منها الصبر، وتعلمت منها كيف أكون رجلاً، تعلمت منها أن السعادة في الحياة الزوجية لا تُصنع من طرف واحد.وأنها لايمكن أن تكون إلا بتكامل الحياة المشتركة،تعلمت منك أن الحياة الزوجية هي المودة والرحمة،هذه الصفات التي كانت وما زالت وستبقى صفاتك التي تتحلين بها.تعلمت منك أن المراة هي العالم، لأنها هي الأم وهي الأخت وهي الزوجة والبنت.تعلمت منك كيف أحب وكيف أعشق إمرأة طيلة هذا العمر.أشتاق اليك يازوجتي الغالية في كل لحظة ,اشعر دائماً أني بحاجة اليك،كما أشعر أنك بحاجة إلي.تعلمت منك يازوجتي الغالية أن الحياة لا تكتمل بدون النساء،لهذا كنت المدافع عن حقوقهن أينما كنت.واتألم كثيراً عندما تُظلم امراة أو تضطهد.....الآن لو استعرضنا مسيرة الحياة التي عشناها بحلوها ومرها،بشقائها وسعادتها، ببردها ودفئها، بكل أبتلائاتها......ساقول لك اليوم وانا في الستين من العمر أحبكِ أكثر ، وإن أعطاني الله طول العمر فسوف أحبكِ أكثر...وارجو من الله أن يأخذ من عمري ليضاعف فيه من عمرك الغني بالحنان والعطاء. يامن زرعت في قلبي وقلوب أولادنا شجرة خضراء يتجدد ربيعها بكل لمسة حنان، بكل ابتسامة أمل منك. يارب يا خالق الاكوان والعباد ...يامن وهبتني شريكة عمر لا مثيل لها....يارب أرفع يدي متضرعاً اليك وراجياً أن تمد بعمرها ,وان تجعلها من نصيبي حورية في الحياة الابدية.

"هذه المشاعر اكتملت وتاسست في داخلي عندما بلغت الستين من العمر ، تاسست فيَ المشاعر الانسانية التي كانت في مرحلة الشباب قوية بفعل الهرمونات والتفاعلات الكيمائية التي جعلها رب العالمين فينا ، لتكون مرحلة انتقالية ،ليأخذ الحب بعد ذلك فعلاً إنسانياً بعيداً عن مؤثر الكيماء والتفاعلات الهرمونية".
الى ولدّيَ رامي ورضوان.يازهرتي هذا العمر. عندما أنظر اليكم أرى فيكم امتداداً لعمري،وفكري ولكل القيّيم التي ورثتها عن أبي .أعلموا يا اولادي أن العمر لايحسب بعدد السنين . فأنتم الأن في ريعان الشباب،لهذا لابد لهذا العمر من أن يكون مليئاً بالعمل الصالح بعد الايمان، مليئاً بالتجارب والحب ،حب الاخرين..... تأكدوا أنه بمقدار ما تقدمون للغير من تضحية ومساعدة بمقدار ما تشعرون بسعادة الحياة.الحياة يا أولادي موقف. إما أن تكونوا مع الحق أو ان تكونوا مع الباطل. ما عليَّ قدمته لكم ,اعطيتكم وصيتين ما أن تمسكتم بهما كسبتم الدنيار والاخرة.
الاولى- أن تعبدوا الله وكأنكم ترونه، وإن لم تروه فاعلموا علم اليقين أنه يراكم.
الثانية-قول الله تعالى (من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب)
رجائي منكم أن يرث أحفادي من بعدكم  حكمة هاتين الآيتين.
وإذا قدر الله وفارقت الحياة الدنيا قبل والدتكم فاعلموا أن الجنة تحت أقدام الامهات ، 
الى الذين أحببتهم وأحبوني من الأهل والاصدقاء، أقول لكم أني أحبكم جميعاً ،وأني مازلت كما كنت خادماً لكم.سعادتي تكتمل بسعادتكم،وشقائي هو عندما أعيش آلامكم وعذاباتكم.وكم تمنيت لو أني أستطيع أن أقدم لكم قطعة من جسدي عليَّ أخفف عنكم شيئاً من مصابكم.جمعتنا الاقدار ،وجمعنا الايمان وجمعتنا الحياة ، وستجمعنا الجنة إن شاء الله . لو أن الله قدر لي طول العمر ،لقضيت هذه الايام الباقية لي في اجمل ما أستطيع أن أقضيه من عمر، في الايام الباقية لي من حياتي لن اتكلم بكل ما افكر فيه،ولكني سأفكر في كل ما أقوله ، وسوف اقيم الاشياء حسب أهميتها وما لها من أولوية ،وليس بحسب قيمتها المادية. سوف أنام قليلاً وأحلم كثيراً،لأنني أصبحت ادرك الآن أن كل دقيقة أقضيها مغمض العينين أخسر فيها ستون ثانية من النور ،في هذه الايام المتبقية من عمري سأرتدي ملابسي البسيطة والمتواضعة ،وأسير باتجاه الشمس حتى لا أكتشف جسدي فحسب بل الروح التي تسكن الجسد، سأقنعكم يا أصدقائي كم تخطئون عندما تعتقدون أنه لايليق بكم ممارسة الحب في الكبر والازمات والمصاعب... وأنكم تشيخون قبل الاوان عندما تهربون من الحب.... أريد أن أقول لكم أن الموت في الحياة لايأتي من الشيخوخة... بل من الوحدة ونسيان الناس لكم... وفي هذه المناسبة ،مناسبة بلوغي الستين من العمر ...أحب أن أقول لكم كل كلمات الحب والتقدير التي أعرفها... لأنني اصبحت أدرك ياأصدقائي أنه لن يتذكر أحد كلماتي ومشاعري التي بقيت حبيسة في قلبي والتي سأحملها معي الى القبر... لهذا أقول لكم كم أنا بحاجة لكم.....,
, اما انتم يا أخوتي من أهل القرآن ،يامن بحثت عنكم طويلا الى أن هداني الله اليكم، أعاهدكم أن أبقى مخلصاً للمنهج القرآني ، مخلصا الى كتاب الله ومنهج رسوله العملي ،ومؤمناً بكل انبيائه ورسله وكتبه، عاملاً معكم على خلق ثقافة جديدة تؤمن بالإنسان كخليفة الله على الأرض، تؤمن بالتعايش مع الغير، تؤمن برفض الفكر الظلامي ،والنقل بدون العقل، تؤمن بالدفاع عن حرية الرأي للأخريين...صحيح أنني بلغت الستين من العمر لكن عطاءات المؤمنين هي من الستين الى السبعين من العمر.... لهذا ارجوا أن تتحملوني عشر سنوات أخرى إن شاء الله.

اجمالي القراءات 17466