لم أصل لنقطة النهاية بعد!
هذا هو أول مقال لي عن مصر في 2019 أي بعد 46 عاما من الكتابة المنتظمة في نفس الهموم، والمصريون يقتلونني بالصمت باستثناء 18 يوما في يناير 2011 عندما كنا في حماية ملائكة الثورة.
التزييف هو أن تُلمـّـع نصفَ الجدار، وتُخفي النصف الآخر!
يمكنك أن تتحدث عن انجازات بنائية مثل العمارات وناطحات السحاب وطرق جديدة ، وأكثرها بأموال من الخارج وقروض بشروط مجحفة؛ وتهتف بتحيا مصر وتشير إلى صورة كبيرة للرئيس السيسي.
لكن هل يمكنك أن ترفع الغطاء من فوق النصف السالب والمخزي والمخيف، مثل القروض التي سيسددها أحفادك، ووضع الرئيس أصابعه في عيون من يزعم مصرية الجزيرتين، واختياره الأحمق في رئاسة السلطة التشريعية، والأكذب في سلك القضاء، والأفسد في المحافظين، والأجهل في الإعلام؟
قلبي يوجعني وأعصابي تحترق عندما أقرأ لكبار الإعلاميين والمثقفين والأكاديميين والشعراء ورجال الدين عن النصف الايجابي، كما يرون، ويغضّون الطرف عن النصف الكارثي في التعليم والتجهيل والسجون والمعتقلات والتعذيب وانحيازالقضاة من الشياطين لدولة الظلم!
أواجه نفسي بصدق وأسأل: هل أنا أعمىَ البصر والبصيرة ولا أرى مصر الجديدة في عبقرية طبيب الفلاسفة وفي العدالة والمحاكم وحياة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وصحة المصريين ونظافة المستشفيات ونزاهة الأطباء ونجاح مشروع تطهير مصر من الفساد؟
هل أنا لا أرى مصر الجديدة في سلوكيات الناس وكرامتهم وحقوقهم والمساواة بين الأديان والمذاهب، وحق المصري أن يحتج، سلميا، ويعود لبيته سالما؟
هل تستطيع والدةٌ أن تزور ابنها الغائب في غيابات السجون، ويُختــصَـر وقت انتظارها، وتقابله بكرامتها وكرامته؟
بين يدي آلاف الجرائم التي ارتكبها الرئيس السيسي ورجاله لجعل المواطن المصري يسفّ التراب ليحصل على أبسط حقوقه، وغطرسة وغرور المستبد في جعل كل ما على أرض مصر وفي سمائها وبحرها وخيراتها بين إصبعين من أصابعه، ومع ذلك فصفوة القوم يُقسمون أن هذه أشياء تافهة، والرئيس ينتهج طريق النور والإشراق ومصر القوية والغنية والمتقدمة والحرة!
أتفهم خوف المواطن البسيط والأمي والجاهل والضعيف والفقير والمعيل لأسرة تحت خط الفقر؛ لكنني لا أفهم تبرع الصفوة في تضخيم وتكبير وعملقة الطاغية!
ما هي مرحلة ما بعد الخوف من السيسي؟
هل نركع ونسجد له ونسبّح بحمده حتى نتقي شرَّه؟
قطعا .. فأنا لا أصدق أن المثقفين والشعراء والأدباء والمحللين السياسيين والإعلاميين والأكاديميين والسياسيين ورجال الدين والشرطة وكبار الضباط والمستشارين لا يعرفون جبال الكذب التي ننام تحتها ونستيقظ فوقها، لكنها يتبرعون بحياة بائسة لكل مصري.
لو عالجتم طفلا بدلا من بناء مسجد أو كنيسة، وافتتحتم مدرسة ومستشفى بدلا من الأبراج والسيارات الفارهة للبرلمانيين.
لو جعلتم مصر خالية من أطفال الشوارع في مشروع ذكي وحضاري، فيصبح من حقكم نفخ الرئيس حتى يظن أنَّ رسالة سماوية نزلت عليه.
لا، لست أعمىَ البصر والبصيرة، لكنني أكتب تاريخي مع وطني الأم لئلا يبصق أبنائي وأحفادي على قبري.
قلت وأكرر بأن هذا الرجل مجنون وشرس وكاذب وبائع للأرض والبحر والبترول والغاز والنيل وكرامة المصري.
لو قرأ السيسي كلماتي هذه فسيقول لنفسه بأن هذه هي الحقيقة؛ ولكن المصريين لا يريدون تصديقها!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في الأول من يناير 2019