في العدد الماضي من مجلة الديمقراطية " 26 " كتب الأستاذ / جمال البنا تحت عنوان " الإسلام كمشروع حضاري " وكان الأنسب أن يكون العنوان " الإنسان كمشروع حضاري " حتى يكون معبرا عن فحوى ما كتب ، ولأن المبدأ المحوري الذي يؤكد عليه هو " الإنسان المستخلف " .
ويمكن تقسيم الموضوع إلى ثلاثة أقسام .
الأول : مقدمة استغرقت ثلثي المساحة ، وهى عبارة عن حيثيات دعواه ، وأود التنبيه على أن هذه المقدمة ملتبسة وغير مستقيمة منطقيا ، وقد آثرت أن أنبه لذلك حتى لا يتخذ من نقدها ذريعة لدحض دعواه ، ويطالب بإقصاء التراث السلفي كليا ، وهذا التراث له مناصروه والمدافعون عنه ، وهذا يدخلنا في جدل لا لزوم له ، وكان من الممكن أن يعبر عن الفرقة والاختلاف والتي آلت إلى الطائفية التي مازالت مسببة لتشتيت قوى الأمة وما نحن فيه من تخلف .
الثاني : وهو الهدف والممثل لدعوة الإحياء والتي يصف مهمتها في " التجديد الإسلامي الجذرى ، وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية من خلال فهم جديد للدين .
وهذه دعوة غاية في السمو والأهمية لمسيس الحاجة إليها للخروج من أزماتنا ، ومساهمة الأمة الإسلامية في تطور الحضارة الإنسانية
الثالث :البناء الفكري لدعواه
1. بنى دعواه على مقولته " لا تؤمنوا بالإيمان ولكن آمنوا بالإنسان " ، وكان من الأوجب أن ينطلق من مقولة أخرى تقول " لا تؤمنوا بالوراثة ولكن آمنوا بالفراسة " إن كان هذا هو المراد ، وإلا كانت مقولته بمنطوقها تدعوا إلى عدم الإيمان بالله والدعوة للإيمان بالإنسان "عبادته " ، ولا أعتقد أنه يقصد ذلك .
2. خلط المفاهيم
يقول أن العقل هو ما يميز الإنسان ، وهذه بديهية شائعة ، ولكنها خاطئة لعدم منطقيتها .
فبالنظر إلى القرآن الكريم نجد أن عملية التعقل وردت في 49 موضع ولم يرد لفظ عقل أو عقول مطلقا .
وذكر أننا نعقل بقلوبنا ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ... 46 الحج ) .
علاوة على أن العلم الحديث لم يتعرف على ماهية ما يسمى بالعقل ، ولا مكان وجوده ولا طريقة عمله .
فماذا نفعل بما يسمى العقل إن وجد ؟ !!! .
أما عن الميزة التي يمتاز بها الإنسان ، والتي كانت سببا في إسجاد الملائكة له هى قدرته على استيعاب جميع العلوم والمعارف ( الأسماء كلها ) .
بالإضافة إلى وجود خلط بين عملية التعقل وعملية التفكر ، فالتعقل هو عملية ربط أو حجز العقيدة والقيم داخل القلب لتكون منطلق للإنسان حين تصرفه ، أما عملية التفكير فهى عملية تحليل ( تفكيك ) للمعلومات.
والقلب هو المنوط به الهداية ، والتفقه ، والرأفة ، والرحمة ، والصفاء ، والسكينة ، والألفة ، والإطمئنان ، والإيمان ، والتزين ، والطهر ،...
3. أسلوب فهم الدين
يقول ....والقرآن يأتي أثره بالإنطباع ، هكذا دون منهج !!! ، وماذا هو فاعل أمام الأيات التي فيها شبهة تعارض ؟ ، والمشكلة أنه وغيره يقر بالإختلاف داخل الأمة الواحدة ، ولا يفرق بين التنوع في سبيل التكامل والذي هو مجاهدة ، وبين التنوع الثابت والذي هو الإختلاف .
• أحكام الشريعة
يقول فإذا حدث أن جعل التطور الحكم لا يحقق العلة ( العدل والمصلحة ) عدلنا في الحكم بما يحقق الغاية ، وهو ما اهتدى إليه عمر ابن الخطاب في اجتهاداته المعروفة ، وهنا نجده لا يأخذ من السلف حسب فهمه إلا البعد عن حكم الله ويلجأ إلى حكم البشر ، وماذا عن ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون 44 ، فأولئك هم الظالمون 45 ، فأولئك هم الفاسقون 47 ، وأن أحكم بينهم بما أنزل الله 49 المائدة ) ، وماذا عن ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض 85 البقرة ) .
• أما عن سيدنا عمر
تغير الظروف جعل من أمثال المؤلفة قلوبهم غير موجودي الصفة ، فما اجتهد فيه ليس تعطيل أحكام ولكنه إتباع للتوجه " الغاية "، وأخيرا لا هو ولا غيره حجة على الله فهو بشر يصيب ويخطئ ، وقد يكون أكثرنا تقوى ولكنه قد لا يكون أكثرنا علما .
والإنسان وهب الحرية في قمتها " الإيمان أوالكفر " فالناس لهم اختيار ما يشاؤون من أحكام
4. مجال اهتمام الإسلام
يطالب في البند العاشر بإستبعاد فكرة أن الإسلام يسيطرعلى كل شيء وهنا أتساءل عما هو فاعل أمام " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء 89 النحل ، ما فرطنا في الكتاب من شيء 38 الأنعام " .
ألم يشمل هذا الكتاب " القرآن " الماضي والحاضر والمستقبل .
وفي كل الأحوال يكفي الأستاذ البنا أنه اقتحم هذا المجال ، وله اسهامات غير مختلف حولها .