الزلزال .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الجمعة ٢٨ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في ظل تسلط الأفكار المادية على الشعب البني، سادت الأنانية المفرطة، وكان الشغل الشاغل للفرد البني ذكراً كان أم أنثى، هو الإدخار للنفس، والأسرة من دون باقي العائلة، فالعائلة في بلاد الغرب تعني الأسرة في بلاد البنيين.

فترك البنيون أقاربهم من دون الزوج، والأبناء، ونظراً لأن ثقافة الإدخار كانت تسودهم جميعاً، فقد زاد بخلهم وشحهم.

فكان الغني منهم يؤمن مستقبل أبناءه، والمتوسط الحال يعمل جاهداً لتأمين مستقبل أبناءه كذلك، بينما الفقير منهم ينجب الأطفال من دون التفكير في تأمين مستقبلهم، فثقافة الإنجاب لدى البنيين تعني الكثير، إنها دليل على إكتمال أنوثة المرأة، وذكورة الرجل !.

 

كان أبناء الأغنياء يعبثون في الأرض ترفاً، ولهواً، ولعباً، وأبناء الطبقة المتوسطة يسعون لتكوين صداقات مع أبناء طبقة الأغنياء، وبقي الحقد، والغل يملئ قلوب أبناء الفقراء، على كل من أبناء الطبقتين الأخريين.

ذهبت الرحمة من قلوب الميسوريين، وذهب الرضا من قلوب المعدومين، وبقيت الأنانية، والحقد مسيطرين على أبناء الشعب البني.

وكان من طبيعة البنيين، حبهم لوطنهم .. مهما وصل به الحال أو الإضمحلال، إنهم قوم يعشقون الوطن، حتى وإن كثرت قمامته، وعصي عليهم جمعها، وكلما زاد التلوث البصري، أو السمعي، كلما زاد إرتباطهم بالوطن.

ليس حب البنيين لوطنهم آت من فراغ !، لأنهم يعلمون أنهم قد يستطيعوا في وطنهم المليئ بالفساد، أن يحققوا ما لن يستطيعوا تحقيقه في أي وطن آخر.

 

بيد أن أجواء الوطن البني ملأتها الغيوم العفرة، وتلوث هوائه ليصبح خانقاً، وإنتشرت روائح القمامة والروث، والعفن في كل مكان، حتى أماكن الأثرياء، من حدائق، ومنازل، ونوادي !، إنها اللعنة التي أصابت المجتمع المريض، والذي لا شفاء منه إلا بمغادرته، عسى الغربة تكون مشفى من وباء هذا المجتمع.

 

ومع كافة الآفات والأمراض، إلا أن الشعب البني كان متكيفاً مع الوضع الجديد، وكلما إزداد الوضع سوء، كلما تكييف معه البنيين أكثر !.

 

إلى أن إستيقظ الجميع في صباح يوم عاصف، على غضب الأرض !، قد إهتزت الأرض هزات، بدأت بسيطة، كأنها جرس إنذار للشعب البني، بأن يغادروا منازلهم قبل أن يموتوا تحت أنقاضها، وبعد أن خرج الأفراد البنييون للشوارع يصرخون، دون مبالاة بحياة أبناءهم أو ذويهم، اللذين قضوا حياتهم من قبل، يفكرون في جمع الأموال لهم من أي طريق كان حلال أم حرام، أصبحوا جميعاً يوم الزلزال لا يفكرون إلا في أنفسهم.

الكل أصبح لا يشغله شيء إلا حياته، حتى المال والأبناء، الجميع الآن يطلب من خالق السماء أن يبقي حياته فقط، لكن .. غضب الأرض يزداد شيئاً فشيئا، في كل الأرجاء، إلا سهلاً كبيرا، كان كل الأفراد يذهبون إليه مهرولين، يتسابقون مع أهلهم وذويهم للوصول إليه، وإن تطلب الأمر أن تداس أجساد بعضهم، فما المانع، الجميع لا يبحث الآن إلا عن نفسه ونجاته فقط.

 

إنشقت الأرض وزادت هزاتها، وسط صراخ البنيين جميعاً، بعضهم يهتف منادياً .. "يا الله"، والبعض يطلب النجدة، والبعض يصرخ صراخ النساء، إنه ليوم عظيم في أهواله.

 

ثم بدأت السماء هي الأخرى تعلن عن غضبها، فإذا بالسماء تجمع سحبها الملبدة بالغيوم، وكأنها أرادت أن تبلغ البنيين أنها الأخرى قادرة على الغضب، فإنهالت الأمطار كالرصاص، تقصد أجساد البنيين المتجمعين في السهل الهادئ البعيد عن الزلزال، وبدأ البنيون يدركون أنهم كانوا في نعمة، قبل هطول الامطار العاصفة عليهم.

إنه عذاب شديد الم بكل الشعب البني !، إلى أن خفت الأمطار من روعها، حتى إنتهت، وأوقفت الأرض هزاتها، بعد أن هدأت، قد إنتهى العذاب، وعادت الشمس تشرق من جديد، وعادت الطيور تغرد، فوق أنقاض المنازل التي نجت من إبتلاع الأرض لها.

 

وخرج البنيون، من السهل كما ولدتهم أمهاتهم، فبعضهم هرب بما يستر عوراته فقط، خرجوا جميعاً من السهل فقراء، لا يملكون شيئاً.

لكن الغريب، أنهم بعد أن ذاقوا العذاب، إذ بهم جميعاً، يحمدون الله على نجاتهم، سائلين الخالق العفو والرحمة، غير عابئين، بأموالهم التي ذهبت بلا عودة، وكافة وسائل عيشهم التي إبتلعتها الأرض.

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 5484