نقد كتاب تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
الكتاب تأليف أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي والكتاب أساسه هو بيان أخطاء الروايات المشهورة عن ذنوب الأنبياء(ص) فيما يسمى الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى على وجه الخصوص
وقبل أن نتناول ما فى الكتاب من روايات نثبت ما جاء فى المصحف عن ذنوب الرسل(ص) فمن الأخطاء قولهم أن الرسل (ص)معصومون من الخطأ أى لا يعملون الذنوب ولا يوجد نص فى الوحى يدل على هذا وقد نسوا ما حكاه الله لنا من ذنوبهم مثل :
-ذنب آدم (ص)الشهير الممثل فى عصيانه لأمر الله بالإمتناع عن الأكل من الشجرة .
-ذنب نوح(ص)عندما طلب من الله رحمة ابنه مع علمه أن الله لا يرحم الكافر .
-ذنب يونس (ص)لما ظن أن الله لن يقدر عليه .
-ذنب موسى(ص)لما قتل ذلك الإنسان دون سبب يستحق عليه القتل .
-ذنب محمد(ص)عندما أعطى الإذن للمنافقين رغم أن الله حرم عليه ذلك .
كما نسوا القولة الشهيرة كل ابن أدم خطاء فهنا ليس هناك استثناء لأحد من البشر من الخطأ أى الذنب .
ذنب آدم (ص):
هو أول ذنب فى تاريخ البشرية وهو أكل آدم وزوجته من الشجرة المحرمة فى الجنة وقد عبر الله عنه بأنه عصيان للرب أى غواء أى ضلال عن الحق وفى هذا قال بسورة طه "وعصى آدم ربه فغوى "والدليل على أنه ذنب توبة الزوجين منه وفى هذا قال بسورة طه "ثم اجتباه ربه فتاب عليه "والدليل أن أدم (ص)وزوجته طلب المغفرة والرحمة حتى لا يكون خاسرا وفى هذا قال بسورة الأعراف "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ".
ذنب نوح(ص):
نادى نوح(ص)الله طالبا أن يكون ابنه من أهله أى المسلمين المرحومين وهذا يعنى أنه يريد إدخاله الجنة رغم كفره وفى هذا قال تعالى بسورة هود "ونادى نوح ربه فقال رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين "والأدلة على كونه ذنب
-أن الله بين أن الإبن ليس من أهل أى مؤمنى نوح(ص)لأنه عمل غير صالح فقال بنفس السورة "قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح".
-أن الله حذر نوح (ص)من الجهل وطالبه ألا يسأل شىء يجهله فقال بنفس الآية "فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين ".
-أن نوح(ص)طلب من الله المغفرة والرحمة حتى لا يكون خاسرا والاستغفار لا يطلب إلا إذا كان المستغفر مذنب وفى هذا قال بنفس السورة "قال رب أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين ".
ذنب يونس (ص):
إن يونس (ص)ظن ظنا خاطئا فى الله هو اعتقاده أن الله لن يقدر عليه وفى هذا قال بسورة الأنبياء "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه "والأدلة على كونه ذنبا اعتراف يونس(ص)أنه ظالم بقوله بنفس السورة "فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين "ووصف الله له أنه مليم فقال بسورة الصافات "فإلتقمه الحوت وهو مليم "
ذنوب موسى (ص):
1-قتله للرجل من عدوه وفى هذا قال بسورة القصص "فوكزه موسى فقضى عليه "والدليل على كونه ذنب اعتراف موسى (ص)أن هذا من عمل الشيطان أى الكافر الذى كانه موسى(ص)فى تلك الساعة وفى هذا قال بنفس السورة "قال هذا من عمل الشيطان "واعتراف موسى (ص)أنه ظلم نفسه ثم طلبه المغفرة من الله الذى غفر له وفى هذا قال بنفس السورة "قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له "واعترافه أنه كان ضالا عندما قتل الرجل وفى هذا قال بسورة الشعراء "قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ".
2-خوفه من غير الله والممثل فى خوفه من العصا لما انقلبت ثعبانا وإدباره وفى هذا قال تعالى بسورة النمل "وألق عصاك فلما رأها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب "والدليل على كون هذا ذنب أن الله وصف الخائف بأنه ظالم وفى هذا بنفس السورة "يا موسى لا تخف إنى لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا من بعد سوء "وأن الله أنهى الآية السابقة بأنه غفور رحيم فقال "فإنى غفور رحيم "وهذا يعنى أنه غفر لموسى (ص)هذا الذنب ورحمه .
3-إمساكه لحية هارون (ص)وشعره وفى هذا قال بسورة طه "قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى "فهو قد آذى هارون (ص)بذلك الإمساك وشمت القوم فيه رغم أنه لم يخطىء والدليل على إذنابه هو أنه لما وضح له هارون (ص)موقفه استغفر الله لنفسه ولأخيه وفى هذا قال بسورة الأعراف "وأخذ برأسى أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين ".
4-طلبه رؤية الله بقوله كما بسورة الأعراف "قال رب أرنى أنظر إليك "والدليل على كونه ذنب هو توبة موسى (ص)بقوله فى نهاية الآية "قال سبحانك تبت إليك ".
5-خوفه من حبال السحرة وعصيهم وفى هذا قال تعالى بسورة طه "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس فى نفسه خيفة موسى "والدليل على كون الخوف منهم ذنب هو أن الله نهاه عن الخوف فقال بنفس السورة "قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ".
ذنب داود (ص):
هو ظنه أن الله فتنه أى غضب عليه وفى هذا قال تعالى بسورة ص"وظن أنا فتناه "والدليل على كون الظن ذنب هو استغفار داود(ص)وفى هذا قال بنفس الآية "فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب "وغفران الله له بقوله فى الآية التالية "فغفرنا له ذلك "
ذنب سليمان (ص):
ألقى الله على كرسى سليمان (ص)جسد أى ذهب وفى هذا قال بسورة ص"ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا "فظن أنه غنى عن عطاء الله فتاب أى أناب واستغفر الله وفى هذا قال بسورة ص"وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى إنك أنت الوهاب ".
ذنوب محمد (ص):
ذكر الله آيات عدة صريحة فى ارتكابه للعديد من الذنوب منها قوله بسورة الفتح"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "وقوله بسورة محمد "فاعلم أنه لا إله الله واستغفر لذنبك "وقوله بسورة النصر "واستغفره إنه كان توابا "
وأما ذنوبه فى القرآن فهى :
1- سماحه للمنافقين بالقعود أى إعطاء أهل النفاق الإذن للقعود عن الجهاد وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة "إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر "والدليل على كونه ذنب هو عفو الله عنه والعفو لا يكون إلا بعد ذنب وفى هذا قال بسورة التوبة "عفا الله عنك لما أذنت لهم ".
2- إخفاء أمر طلاق زوجة زيد عن زيد رغم ما ذكره الله له من أنه سيعلن الأمر والسبب هو خوفه من الناس وفى هذا قال بسورة الأحزاب "وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس "والدليل على كونه ذنب هو تذكير الله له أن واجبه هو خشية الله وليس الناس وفى هذا قال بسورة الأحزاب "والله أحق أن تخشاه"
3- عبوسه وإعراضه عن الأعمى الذى طلب الهدى وفى هذا قال بسورة عبس "عبس وتولى أن جاءه الأعمى ".
4- تحريم النبى (ص)ما أحل الله له والسبب إرضاء أزواجه وفى هذا قال بسورة التحريم "يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم "
5- تصديقه للخائنين دون بحث وتمحيص وفى هذا قال بسورة النساء"ولا تكن للخائنين خصيما "والدليل على كونه ذنب تصديقه للمنافقين لقولهم فى الكتابى:
- نهى الله له عن مخاصمة الخائنين أى تصديقهم كما سبق .
- نهى الله له عن الجدال والدفاع عنه وفى هذا قال بسورة النساء "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ".
مطالبة الله بالاستغفار وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما "
هم يرتكبون ذنوبا أى أخطاء ولكنها ذنوب يبدو أن معظمها داخل فى باب رحمة الأخرين أو إحسان الظن بهم أو دفاعا عن أهلهم ولكنهم لا يرتكبون ذنب كالزنى أو الخيانة
والآن لمناقشة الروايات التى أتت فى الكتاب:
"ذكر ما اختلقوه في قصة داوود عليه السلام :
فمن شنيع تخرصهم في قصته عليه السلام مع امرأة أوريا وقلة مراعاتهم مع من جعله الله تعالى خليفة في الأرض وشدد ملكه وآتاه الحكمة وفصل الخطاب وسخر له الجبال يسبحن معه والطير وألان له الحديد فمما اختلقوه عليه أن قالوا إنه أشرف يوما من كوة كانت في محرابه فرأى امرأة تغتسل في حجرتها فأعجبه حسنها ولين جانبها ورخامة دلها فشغفه حبها فالتفتت إليه فأسبلت شعرها على جسدها لتستتر منه فزاده ذلك شغفا بها ثم أرسل إليها يسألها من بعلها فأخبرته أنه أوريا فأرسل إليه فسأله أن ينزل له عنها بطلاقها فأبى فأمره بالخروج إلى الغزو وأرسل إلى صاحب الجيش أن يغزيه ويقدمه للقتال في كل مأزق ففعل صاحب الجيش به ذلك مرات حتى قتل فلما بلغ داوود عليه السلام أنه قتل أرسل إليها ليتزوجها فأسعفته فتزوجها وكان له مئة امرأة إلا واحدة فأتم بها المئة فأرسل الله إليه إذ ذاك الملائكة فاختصموا عنده فأفتاهم بما يؤول دركه عليه فخصموه ثم قال أحدهما للآخر قم فقد حكم الرجل على نفسه وصعدا إلى السماء وهو ينظر إليهما فتفطن إذ ذاك أنهم ملائكة وأنه فتن وأخطأ فاستغفر ربه وخر راكعا "
انتقاد زنى داود(ص) وخيانته لجندى فى جيشه أمر صحيح فلا يمكن أن يكون النبى(ص) أى نبى خائنا لأخيه فى عرضه ودمه لأنه إن كان كذلك فهو سيحرف الوحى المنزل عليه
وتناول الكاتب ما جاء فى أمر يوسف فقال :
"وأنا بمخرج أقوال يوسف عليه السلام إذ أمر مناديه فنادى أيتها العير إنكم لسارقون وما كانوا بسارقين وقوله عليه السلام لإخوته أنتم شر مكانا ولم يكونوا كذلك وأخذ أخاهم على حكمهم لا على حكم الملك وما كان له أن يأخذه في دين الملك فإن الملك كان يقتل السارق ولا في دين إخوته في شريعتهم فإنهم كانوا يستعبدون السارق وأخوه لم يكن سارقا "
هنا ما فعله يوسف(ص) الغرض منه الخير وهو تعليم اخوته درسا هو أن الاخوة لا يفرط فيها الإنسان وما فعله من اتهامات لهم وطلب أخيه كان الغرض منه هو الخير لهم وهو توبتهم من التفريط فيه وجمع شمل الأسرة
وذكر الرجل فى أمر يوسف (ص) التالى:
"وجاء في الأخبار أنه كان ينقر في الصواع ويقول إن صواعي هذا يخبرني بكذا وكذا والصواع لا يخبر حتى قال له بنيامين أخوه أيها الملك سل صواعك يخبرك أحي أخي يوسف أم ميت فنقر في الصواع فقال هو حي وإنك لتراه وتلقاه إلى غير ذلك فأقام الله تعالى عذره في كل ما أخبر عنه وفعله بقوله كذلك كدنا "
وبالطبع هذا الكلام لم يرد فى المصحف وإنما هو روايات لا أصل لها فالرجل كان يعلم الغيب من الله وهو تأويل الأحاديث ولا ذكر للصواع بالنقر ليعلم بالغيب
وذكر الرجل فى أمر سليمان(ص) التالى:
"في آية الفتنة الكرسي والجسد
قال تعالى ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ذكر أصحاب المقالات في أشبه أقوالهم في هذه القصة أن سليمان عليه السلام كانت له امرأة من كرائمه اسمها جرادة وكان أبوها ملكا من ملوك الجزائر البحرية وكان كافرا فمنهم من قال إنه خطبها إليه وتزوجها ومنهم من قال إنه سباها عنفا وكان لها جمال بارع فكان يحبها ويقدمها على جميع نسائه وكانت عند أبيها تعبد صنما فلما فقدت ذلك عنده اكترثت وحزنت وتغير حسنها فسألها عن حالها فأخبرته أن ذلك من وحشتهابيها ورغبت إليه أن يصنع لها الجن تمثال أبيها حتى تنظر إليه وتتشفى بعض الشفاء مما تجد من وحشتها لأبيها ففعل ذلك لها فكانت تدخل هي وجواريها في بيت التمثال وتسجد له وتعبده هي وجواريها خفية من سليمان عليه السلام ففعلت ذلك أربعين يوما فسلبه الله ملكه أربعين يوما
وقيل أيضا إنه كان لها أخ وكان بينه وبين رجل من بني إسرائيل خصومة فسألته أن يحكم لأخيها على خصمه فأنعم لها بذلك
وهاتان القصتان على خلل فيهما أسلم من سواهما في حق سليمان عليه السلام فإنه يتصور الحق فيهما على وجوه سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى
قالوا وكان عقبى أمره معها في هذه القصة أنه كان إذا دخل الخلاء وضع عندها الخاتم تنزيها له أن يدخل به الخلاء لما تضمن من أسماء الله تعالى فلما أراد الله تعالى سلب ملكه تمثل لها على صورة سليمان عليه السلام شيطان يسمى صخرا وأراها أنه خارج من الخلاء فأعطته الخاتم فطار به ورماه في البحر فخرج سليمان عليه السلام فطلب منها الخاتم فأخبرته بما كان من أمره فعلم أنه قد فتن من أجلها فخرج على وجهه إلى الصحراء يبكي ويرغب وينيب
ثم إن الشيطان تصور على صورة جسد سليمان عليه السلام وقعد على كرسيه الذي كان يقعد عليه لفصل القضاء بين الناس وهو معنى قوله وألقينا على كرسيه جسدا أي جسدا مثل جسد سليمان عليه السلام وبقي يخلفه على كرسيه ويعبث ببني إسرائيل غاية العبث بأحكام فاسدة وأوامر جائرة أربعين يوما بطن حوت كان قد التقمه حين ألقاه صخر في البحر فلما فطن الشيطان بذلك فر على وجهه فجاء سليمان عليه السلام فأخبروه بما فعل الشيطان بعده فأمر الجن بطلبه فجاءوا به فأمر أن يعمل له بيت منقوب في حجر صلد وجعله فيه وأطبق عليه بحجر آخر وألقاه في البحر فبقي فيه إلى يوم البعث وهذا أسلم ما قالوه في قصته عليه السلام وزاد فيها الفجرة أن الشيطان كان يقع على نساء سليمان عليه السلام وهن حيض ولذا تفطنوا أنه لم يكن سليمان وحاشى وكلا من هذه الوصمة الخسيسة أن يفعلها الله تعالى مع أنبيائه عليهم السلام وكيف والأمة مجمعة على أنه ما زنت امرأة نبي قط كانت مؤمنة أو كافرة وخيانة امرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام إنما كانت في إظهارهما الإيمان وإخفائهما الكفر لا غير وكل ما ذكروه في هذه القصة تجوز له على أوجه سنذكرها بعد إن شاء الله تعالى سوى هذه القولة الخبيثة "
هذه الحكاية جنون فى جنون يخالف وحى الله فأى جنى شيطان متمرد توعده الله بالعذاب الفورى إن عصى سليمان (ص) فكيف يفعل كل تلك الأفعال الشائنة ولم يعاقبه الله وفى هذا قال تعالى :
"ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير"
وتناول ما جاء فى أمر إبراهيم(ص) وبعث الموتى فقال :
" وأما قصته عليه السلام في طلب رؤية كيفية البعث وجمع الأجسام بعد تبددها وسبب هذا الطلب ما جاء في الخبر عن سيد البشر أنه قال بينما إبراهيم عليه السلام يمشي على ساحل البحر إذ مر بدابة بعضها في البر وبعضها في البحر فرأى دواب البحر تأكل مما يليها ودواب البر تأكل مما يليها فقال ليت شعري كيف يجمع الله هذه الحديث فاشتاق إلى رؤية الكيفية فقال إذ ذاك رب أرني كيف تحيي الموتى نقل هذا الخبر على المعنى "
بالقطع ليس فى الوحى مرور إبراهيم(ص) على دابة وكل ما فى الآية أن الرجل أراد أن يطمئن قلبه فى أمر البعث وهو قوله تعالى ""وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى"
وروى بعد هذا ما جاء فى أمر عزير فقال :
"جاء في الأثر أنه كان في بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام نبيا وكان اسمه دانيال وإنما سمي عزيرا لكثرة تعزير اليهود له وإعظامهم لقدره عليه السلام ثم غلوا في تعظيمه حتى عبدوه وسبب ذلك لأن أماته الله مئة سنة ثم أحياه وأراه الآية في طعامه وشرابه الذي مرت عليه مئة عام ولم يتسنه أي لم يتغير وفي حماره الذي أماته معه وتبددت أجزاؤه ثم أنشرت وجمعت وحييت وهو ينظر إلى ذلك كله فقال الجهلة لم يختصه بهذه الكرامات إلا لأن كان ولده فعبدوه تعالى الله عما يصفون
فلما طغى بنو إسرائيل وقتلوا الأنبياء بغير حق وبدلوا أحكام التوراة وأخبارها سلط الله عليهم بخت نصر البابلي وكان مجوسيا فأتى إلى مدينة بيت القدس ودخلها عنوة فرأى دما يترشح فيها من الأرض فجمع بني إسرائيل وسألهم عن سبب ذلك الدم فأنكروا سببه خيفة منه أن يقع ما وقع فقال له بعض من يختص به هنا رجل يزعم أنه نبي والأنبياء لا يكذبون فسله يخبرك فأمر بإحضاره فجيء به فقال له أيها الشيخ أخبرت أنك تزعم أنك نبي والأنبياء لا يكذبون فأخبرني عن سبب هذا الدم
فقال له عسى أن تعفيني أيها الملك
فقال لا أعفيك حتى تخبرني أو أعذبك حتى تموت
فقال له أما إذ لا بد من القول فهذا دم نبي قتله قومه ظلما
فقال له ومن ذلك النبي الذي قتله قومه ظلماقال والله لأقتلن عليه خيارهم ولا أرفع عنهم السيف حتى يجف هذا الدم
فقتل عليه من خيارهم سبعين ألفا وحينئذ جف الدم
ويعضد هذا الخبر ما جاء عنه أنه قال دية النبي إذا قتله قومه سبعون ألف رجل من خيار قومه فلما رأى ذلك دانيال عليه السلام خرج فارا بنفسه إلى بلاد مصر فبقي فيها أربعين سنة ثم اشتاق إلى موطنه ومسقط رأسه وقبور أسلافه من الأنبياء والأولياء عليهم السلام فركب حمارا له وأتى نحو بيت المقدس فلما كان بمقربة منه رأى جنة كانت له وقد بقي فيها بعض علائق من شجر العنب فأتاها فوجد فيها عنبا نضجا فاقتطف منها وأكل وملأ سلة كانت معه وركب حماره وسار حتى أشرف على مدينة بيت المقدس فرآها خرابا يبابا لم يبق فيها رسم ولا طلل فتحسر على فقد الخلان وخراب الأوطان كما قيل
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها عق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها
فتحرك قلبه تحسرا على فقد الخلان وخراب الأوطان فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها يعني كيف تعود هذه البلدة على ما كانت عليه بعد خرابها فاستبعد أن تعود على ما كانت عليه من نباتها وشجرها وبساتينها كما يستبعد الناس أن تعود البلاد كما كانت عليه بعد خرابها على مجرى العادة"
وهذه الحكاية كلها مختلقة لا أصل لها فى الوحى فالدية واحدة لكل من قتل ولكن قتل النبى أى نبى عقابه عند الله عظيم ففى الدنيا عذاب فورى لمن قتلوه ثم عذاب النار فيما بعد
ثم تناول الرجل ما جاء فى أمر يونس(ص) فقال:
"مما اختلقوه عليه السلام في شرح هذه الآية أن قالوا أنه جاءه الملك بالوحي وهو يتعبد في الجبل فقال له إن الله تعالى أمرني أن أعلمك بأنه أرسلك إلى أهل نينوى لتحذرهم وتنذرهم فقال له يونس عليه السلام الله أرفق بي وأعلم بضعفي ومسكنتي من أن يرسلني الى قوم جبارين متكبرين يؤذوننى ويقتلونني فراجع ربك أيها الملك في أمري فلعله يعفيني من ذلك ويلطف بي فقال له الملك الله تعالى أعظم من أن أراجعه فيما أمرني به وقد أمرتك فسل أنت ربك ذلك إن شئت فقد بلغتك والسلام ثم صار الملك إلى مقامه ففر إذ ذاك يونس عليه السلام على وجهه إلى جهة البحر مغاضبا لربه وركب السفينة فالتقمه الحوت ومنهم من قال إنه بلغ قومه الرسالة فسبوه وضربوه وأغلوا في أذيته فدعا عليهم فأخبره ربه أنه ينزل البلاء عليهم في يوم كذا فأخبرهم بذلك فلما كان في ذلك اليوم خرج إلى أعلى الجبل وقعد ينتظر الوعد فإذا سحابة عظيمة سوداء قد جاءت من ناحية البحر حتى قربت من البلد ثم جاءت ريح فهبت في وجهها فردتها عنهم فخرج فارا مغاضبا لربه حيث رد عنهم البلاء
فهذا من بعض أقوالهم الخبيثة في قصة يونس عليه السلام فمما قالوه في سبب محنته عليه السلام وهو أسلم ما نسبوه إليه من الأقاويل أنه شوى حملا في منزله وكان بإزائه جار فقير فتأذى برائحة طعامه ولم ينله منه شيئا فامتحنه الله تعالى بأن سلط عليه الشيطان
ومنهم من قال إنه دخل يوما على ملك جبار فرأى في منزله منكرا فلم يغيره فلذا امتحن"
وكل هذه الروايات تناقض أن سبب بلاء يونس (ص)فى بطن الحوت وما بعده هو أن ظن أن الله لن يقدر عليه وهو قوله تعالى :
""وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه"
ومن ثم فليس كل ما يرى صحيح خاصة إذا خالف ما فى الوحى الإلهى