نقد كتاب المقدس والمدنس لمرسيا إلياد
مؤلف الكتاب هو ميرسيا إلياد أو حسب بلد مولده رومانيا مرتشا إلياده وقد أقام فى الولايات المتحدة وعمل فى جامعاتها والترجمة المعتمدة فى نقد الكتاب هى ترجمة عبد الهادى عباس وهى ترجمة صادرة عن إحدى دور النشر بدمشق بسوريا
أساس الكتاب هو :
تعاطف المؤلف مع الإنسان المتدين القديم حيث يقول"فالمحاولة لتقديم سلوك الإنسان المتدين فى مائتى صفحة ومع الفهم والتعاطف "ص12
وبين الرجل مقصده فقال"لقد كان قصدنا ينصب على مساعدة القارىء ليتبصر ليس الدلالة العميقة لوجود دينى من نموذج قديم وتقليدى فحسب وإنما أيضا لمعرفة قيمتها بصفتها قرارا إنسانيا وللتحقق من جمالها ونبلها "ص12
الرجل متعاطف مع كل القدامى فى أديانهم وهو يعتبرها أكثر منطقية وأكثر عظمة بقوله:
"ولكن هدفنا لاظهار شىء أكثر منطق وعظمة مفاهيمهم عن العالم أى سلوكهم ورموزهم وأنظمتهم الدينية ص12
وكرر الرجل نفس المقولة بقوله:
"إن قصدنا الأول هو تقديم الأبعاد المميزة للتجربة الدينية والعمل على استخراج مفارقاتها مع التجربة الدنيوية للعالم"ص20
المقولة عن عظمة الأديان البشرية القديمة والتى ما يزال الكثير منها موجودا حتى اليوم قائم عند الرجل وأمثاله على مقولة خاطئة وهى أن العقل البشرى القديم كان متأخرا تطور عبر الأجيال فهو يعتبر الأديان عظيمة على قدر عقل القوم فى القديم وهى مقولة تتعارض مع كون العقل البشرى فى أى عصر هو نفس فى أى عصر أخر كما تتعارض مع إرسال الله رسل لتلك الأقوام لهدايتهم كما قال تعالى :
"وإن من أمة إلا خلا فيها نذير"
والرجل يعترف بأنه استبعد المظاهر القاسية الشاذة كأكل لحوم البشر والأضاحى البشرية فقال :
"لم نصر على بعض المظاهر الشاذة والقاسية كأكل اللحوم البشرية وصيد الرءوس والأضحيات البشرية والافراطات التهتكية "ص13
بالقطع عدم تناول تلك المظاهر الوحشية القاسية هو نوع من التهرب من الحقيقة التى يسميها فى كتابه المقدسة وينبغى علينا أن نذكر أن بعض المظاهر أنكرها علماء الاجتماع أصحاب ميرسيا كأكل اللحوم البشرية وقالوا أن هذا هو كلام الشرائط السينمائية والمسلسلات التلفازية من أجل تبرير المذابح التى قام بها المحتلين النصارى ضد أصحاب الأرض الأصليين فى مختلف أنحاء العالم كالأمريكتين واستراليا
والرجل على قناعة تامة بأن الإنسان الحديث ويقصد به الرجل الملحد هو صورة متكررة من الرجل المتدين ولكنه يرفض الاعتراف بذلك فهو يستخدم نفس مقولات القداسة ولكن يقصد بها أمور أخرى فمثلا المكان المقدس عند القديم المتدين أصبح عند الحديث مسقط الرأس أى مكان الولادة أو مكان الحب الأول أو مكان زاره فى سن الشباب وفى هذا قال :
"مع ذلك تستمر بالتدخل فى هذه التجربة للمكان الدنيوى فيم تذكر إلى حد قليل أو كثير بعدم التجانس الذى يميز التجربة الدينية للمكان وتستمر أمكنة متميزة مختلفة نوعيا عن غيرها المشهد الطبيعى لمسقط الرأس ومكان الحب الأول أو شارعا أو زاوية من أول مدينة أجنبية جرت زيارتها فى فترة الشباب فكل هذه المكنة تحافظ حتى بالنسبة للإنسان الأكثر صراحة بعدم تدينه على خاصية استثنائية وحيدة إنها هى الأمكنة المقدسة لعالمه الخاص كما لو ان هذا الكائن غير المتدين كان عنده كشف لحقيقية أخرى من الواقع الذى يساهم فيه بوجوده اليومى"ص27
ويصر ميرسيا على أن من يزعمون أنهم لا دين لهم أى الملحدون يتصرفون تصرفات دينية فى حياتهم فهم يكررون ما يزعمون أنه خرافات المتدينين من خلال احتفالاتهم بزواج أو بولادة طفل أو الترقى الوظيفى فيقول :
"وهكذا فإن ما قلناه بأن الإنسان اللامتدين فى حالة النقاء هو ظاهرة نادرة حتى فى المجتمعات المعاصرة الكثر تجردا من القداسة إن غالبية من لا دين لهم ما زالوا يتصرفون دينيا بلا علم منهم ولا يتعلق الأمر فقط بكتلة الخرافات أو تابوهات الإنسان العصرى الذى يشعر بنفسه ويدعى اللاتدين ما زال يتصرف بميثولوجيا كاملة ومموهة وطقوسيات مختلفة وكما ذكرنا آنفا فإن المسرات التى ترافق السنة الجديدة أو الاستقرار فى منزل جديد تمثل علمانيا البنية الطقوسية الجديدة ويلاحظ نفس الظاهرة بمناسبة الأعياد والمسرات المرافقة للزواج أو ولادة ولد والحصول على جديد أو ترقية اجتماعية" ص148
ويكرر الرجل نفس العقيدة وعى عقيدة صحيحة فى أن الملحدين على دين وليسوا أحرارا وهو يعدد الفرق الحديث التى خرجت على الكنائس وغيرها فى العالم ويقول أنهم متوهمون فهم يرفضون الاعتراف بالحقيقة وهو قوله:
إن الغالبية العظمى ممن لا دين لهم ليسوا محررين بمعنى الكلمة من التصرفات الدينية والتيولوجيات والميثولوجيات إنهم مغرقون أحيانا بركام سحر دينى وإنما هابط إلى درجة الكاركاتير ولهذا السبب من الصعب أن يكون قابلا للاعتراف به"ص149
ويضرب لنا الرجل مثالا صائبا على أن الحركة الشيوعية جعلها ماركس تكرر نفس علامات أو ثيمات الأديان فالمخلص عند ماركس أصبح الطبقة العاملة الكادحة بدلا من المسيح والمخلص........ واللاطبقية تكرر نفس ثيمة أسطورة عصر الذهب وهو قوله:
......ولا نود الاشارة لمختلف الحركات السياسية والتنبؤات الاجتماعية التى يمكن بسهولة تبين بنيتها الميثولوجية وتعصبها الدينى وسيكفى لاعطاء مثال واحد عنها تذكر البنية الميثولوجية للشيوعية ومعناها الأخروى فماركس عاود وأخذ وتمديد الأساطير الأخروية الكبرى للعالم الآسيوى المتوسطى أى دور المنقذ الصالح المختار المسيح البرىء المبعوث وفى يومنا البروليتاريا التى هى مدعوة بآلامها لتغيير البنية الداخلية للعالم وفى الواقع فإن المجتمع اللاطبقى لماركس وزوال ناجم عن ذلك للتوترات التاريخية تجد سابقتها فى أسطورة عصر الذهب الذى تبعا لتقاليد متعددة يميز بداية ونهاية التاريخ لقد اغنى ماركس هذه الأسطورة" ص149
وميرسيا يقول أن الملحدين فى نفوسهم ديانات الآباء مهما حاولوا أن يتنصلوا منها وهم يتصرفون على أساسها الكثير من التصرفات وفى هذا قال :
"وبالإجمال فإن غالبية الناس بدون دين ما زالوا يتقاسمون أديانا كاذبة وميثولوجيات متخلفة الأمر الذى لا يدهشنا فى شىء من اللحظة التى يكون الإنسان الدنيوى فيها هو سليل الإنسان المتدين ولا يستطيع إلغاء تاريخه الخاص أى سلوكيات أجداده المتدينيين الذين كونوه كما هو عليه الآن زد على ذلك فإن قسما كبيرا من وجوده متغذ بغرائزه الجنسية التى وصلت إلى الأعماق العميقة من كيانه إلى ذلك النطاق الذى سمى اللاشعور "ص151
ويكرر القول نفسه فيقول :
"وفى معنى أخر يمكن القول تقريبا إنه عند أولئك المحدثين الذين أعلنوا عن أنفسهم لامتدينين كانت الديانة والميثولوجية خفيتين فى ظلمات لا شعورهما الأمر الذى يعنى أيضا أن إمكانيات إعادة التكامل لتجربة دينية يكمن لدى أمثل هذه الكائنات فى ذاتها العميقة جدا"ص154
وهو هنا يستعمل نظرية فرويد فى اللاشعور وهو تعبير خاطىء فلا يوجد شىء اسمه اللاشعور العميق أو حتى القريب وإنما هو ما نطلق عليه عملية التعود على شىء ومن ثم فنحن نكرره ولكن دون أن نفكر فيه كما فعلنا فى المرات الأولى عندما عرفنا الفعل فى أول مرة أو أول عدة مرات ففكرنا فيه أو سألنا عنه وعرفنا أنه مباح أو محرم عند الآباء فنحن نصبح كالآلة تكرر نفس الحركات
والكتاب يعتمد على إبراز التشابهات بين الأديان المختلفة فى العديد من الموضوعات والتشابهات التى تعتمد مقولة القداسة وهو يبين أن القداسة تعنى الحقيقة والدناسة تعنى الكذب أو المزيف وهو الباطل وفى هذا قال :
" والتعارض مقدس مدنس يترجم على الأغلب كتعارض بين حقيقى ولا حقيقى أو الحقيقى والمزيف "ص17
إذا مقدس ومدنس هو ما نسميه فى الأديان الحق والباطل وعند القوم فى الحديث الصواب والخطأ
ويعتقد ميرسيا أن السبب فى تطور النظام الدينى هو اكتشاف الزراعة فيقول:
"إن قصدنا الأول هو تقديم الأبعاد المميزة للتجربة الدينية والعمل على استخراج مفارقاتها مع التجربة الدنيوية للعالم ولن نصر على التكييفات اللامحدودة التى تحملتها تجربة العالم الدينية خلال العصر وهكذا يكون واضحا أن الرمزيات والمعتقدات حول الأرض الأم والخصب البشرى والزراعى وقداسة المرأة .........الخ لم يكن لها أن تتطور وتشكل نظاما دينيا مصاغا باغتناء إلا باكتشاف الزراعة"ص20
وهو يكرر المعنى معتقدا أن الزراعة والصيد أنتجوا فارقا دينيا بسبب الفارق الاقتصادى الثقافى بقوله:
"ومن الواضح كذلك أن مجتمعا مما قبل الزراعة متخصصا بالصيد لم يستطع الشعور بذات الطريقة ولا بذات الكثافة وقداسة ""ص20 الأرض الأم إن فارقا ينتج من فوارق الاقتصاد وفى الثقافة والتنظيم الاجتماعى "ص21
ومع هذا يناقض نفسه فيقول أن السلوك واحد بين المزارعين والصيادين بزعمه:
"وبكلمة فى التاريخ مع ذلك تستمر بين الصيادين الرحل والمزارعين المستقرين هذه المماثلة بالسلوك التى تبدو لنا إلى ما لا نهاية أكثر أهمية من فوارقها فالأولى كالأخرى تعيش فى كون مقدس وتساهم فى قداسة كونية ظاهرة فى عالم حيوانى كما فى عالم نباتى وليس سوى بمقارنة أوضاعهم الوجودية بأوضاع إنسان المجتمعات الحديثة الذى يعيش فى كون منزوع القداسة ندرك بسرعة كل ما يفصل هذا الأخير عن غيره وبذات الأمر ندرك صحة المقارنات بين الوقائع العائدة لثقافات مختلفة كل هذه الوقائع تكشف السلوك ذاته والذى هو سلوك الإنسان المتدين ص21
الحق أن كل العصور تواجدت فيها الأشياء الثلاثة جمع والتقاط الثمار ،صيد الحيوان والسمك ،الرعى والزراعة فلم يخلو منها عصر فكلها تسير مع بعضها منذ خلق أدم (ص)وحتى فى عصرنا هذا نلاحظ أننا لو ذهبنا للغابات سنلتقط الثمار ولو ذهبنا لأى مكان من صحراء أو بحر أو نهر أو غابة لاصطدنا الحيوان والسمك ولو ذهبنا للحشائش لابد من رعى الحيوان وفى السهول لو عشنا فيها سيزرع بعضنا.
لو فكرنا فالحيوانات لا يمكن أن تتواجد إلا بوجود النباتات ومن ثم فمجتمع الرعى لا يمكن أن يكون معزولا عن المجتمع الزراعى حتى المجتمع الصحراوى لا يمكن أن يعيش بمعزل عن منتجات المجتمع الزراعى لأن منها يأكل ومن ثم اعتماد المجتمعات على بعضها يحتم وجودها كلها معا إلا فى النادر من الأحيان
قبل مناقشة بعض مقولات الأديان المختلفة التى احتواها الكتاب وهى مقولات متشابهة ينبغى القول :
أن المقولات وإن كانت أساطير ففيها جزء من الحقيقة التى حرفت وتمت الإضافة لها
أن الديانات الحالية لا تعود إلى أزمان قديمة كما يزعم المؤرخون وغيرهم من المهتمين وإنما تعود إلى زمن القضاء على الدولة الإسلامية الأخيرة ومن بعده بقليل فتلك الديانات كلها تم تأليفها من قبل لجان مشتركة ألفت كل لجنة دين قام باتباعه قائد من القواد هو وعائلته وأقام فى بلد ما نشر فيها ديانته الجديدة بالرضا أو بالقوة أو بهما معا حسبما تيسر له وأسباب قولة بتلك الفرضية هو :
أن معظم الديانات الحالية تؤمن بوجود حياة أخرى وهو ما يتعارض مع ما ذكره الله فى المصحف من أن معظم الأقوام لا تؤمن بالحياة الأخرى وهى الآخرة كما قال تعالى بسورة الأعراف:
" فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون "
ومن تلك الأقوام من كانوا يعيش معهم يوسف(ص) وهم أهل مصر الذين يعتبرون فى التاريخ الحالى ممن يؤمنون بوجود حياة أخرى وفيهم قال تعالى بسورة يوسف
" إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون"
وأيضا قوم سبأ وفيهم قال تعالى بسورة سبأ
"ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو فى شك"
وأما القبائل والشعوب فى عهد النبى(ص) فقريش كانوا لا يؤمنون بالآخرة وفيهم قال تعالى بسورة النجم
"إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى "
والمنافقون فى عهده (ص) لم يكونون يؤمنون بالقيامة كما قال تعالى بسورة التوبة
"لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم"
حتى اليهود والنصارى لا تتفق عقيدتهم فى القرآن مع عقيدتهم الحالية حيث الغفران بلا عقاب فمثلا كانوا يؤمنون بأنهم سيعذبون فى النار قليلا ثم يدخلون الجنة كما قال تعالى بسورة البقرة:
"وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون"
وقال بسورة آل عمران:
"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون"
والكتب الجديدة للأديان ليست هى الكتب الموجودة فى عهد النبى (ص) فكتب اليهود والنصارى كان موجود أجزاء من التوراة والإنجيل الحقيقيين عندهم كما قال تعالى:
"قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا"
وقال:
"يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"
فالكتاب لدى كل قوم كان موجود ولذا طلب الله منهم اقامته وهو الحكم به كما قال تعالى :
"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله" وقال:
"وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"
ومن ثم فالعهدين القديم والجديد تمت كتابتهم بعد انتهاء الدولة الإسلامية الأخيرة وكذلك كتب الهندوس والمجوس وغيرهم فالتشابهات الموجودة بين هذه الأديان دليل على أن اللجان ألفتهم واحدة وأنهم كانوا لديهم خطة تقوم على عدة أسس يتم بثها فى الأديان كلها ولكن بحكايات مختلفة وإضافات متعددة
وما قلته هنا جاء ميرسيا بمقولة مضادة له وهى كون تلك الأديان قديمة وأنها أخذت من بعضها رغم أن الله اهلك كل الأقوام الكافرة قبل النبى الأخير (ص) وفى هذا قال ميرسيا:
لا نقول بأن اليهودية أو المسيحية استعارتا مثل هذه الأساطير أو الرموز من ديانات الشعوب المجاورة فهذا لم يكن ضروريا اليهودية ورثت مما قبل التاريخ ومن تاريخ دينى طويل حيث كانت كل هذه الأشياء قد وجدت سابقا كذلك ليس من الضرورى أن مثل هذا أو ذاك قد حوفظ عليه متيقظا فى كماله من قبل اليهودية فكان يكفى أن تستمر مجموعة صور فى الحياة كائنة منذ الأزمنة الما قبل الموسوية فى وضعها الغامض ومن مثل هذه الصور وهذه الرموز كانت قادرة لإعادة تحيين دينى قوى وفى أية فترة كانت ص102
ويبين ميرسيا أن الأساطير لها أصول حقيقية غير ما فى الأساطير فيقول:
تحكى الأسطورة تاريخا مقدسا أى حدثا بدئيا حصل فى بداية الزمن بيد أن رواية تاريخ مقدس تعادل كشف أسطورة ص73
ويكرر نفس المعنى فيقول:
"فالأسطورة إذن هى التاريخ لما سبق حصوله فى الزمن الأول وقصة ما فعلته الآلهة أو الكائنات الإلهية فى بدء الزمن القول أسطورة هو إعلان لما جرى فى الأصل إنها تؤسس الحقيقة المطلقة والأمر هكذا لأنه هكذا قيل ص74
ويبين أن الأساطير وهى الأكاذيب تحولت لمقدسات رغم كونها خرافات فيقول:
"فأى إله وأى بطل محضر لم يكشف أبدا عملا مدنسا كل ما فعلته الآلهة أو الأجداد إذن كل ما روته الأساطير عن نشاطهم الخلاق ينتمى إلى دائرة المقدس وهو بالنتيجة يساهم بالكينونة ص74
المقولة الأول المكان المقدس وهو مركز العالم :
أصل المقولة فى الإسلام هو أن البيت الحرام مكان مقدس لا يدخله أحد إلا حافيا كما قال تعالى "اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" وهذا المكان لا يمكن ان يرتكب فيه جريمة فمن يتخذ قرارا بارتكاب جريمة فيه يعاقب على الفور بالهلاك المباشر كما قال تعالى "ومن يرد فيه بظلم بإلحاد نذقه من عذاب أليم" وفى البيت الحرام الوحى الإلهى محفوظ فى كتاب مكنون كما قال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ومن هذا المركز والمركز المقابل له وهو المسجد الأقضى فى السموات تم إنشاء الكون
هذه الحقيقية وهى تعنى أن الأرض كلها عدا مركزها القانون واحد فيها فالعقاب فورى داخل المركز الطاهر الذى لا يستطيع أحد فيه ارتكاب جريمة بينما باقى العالم خارج المركز لا يعاقب فيه المجرم عقابا فوريا
هنا ميرسيا يؤكد على هذه الفكرة فيقول :
"إن الاكتشاف أو الطرح المسبق لنقطة ثابتة المركز يعادل خلق العالم وستظهر حالا الأمثلة إنها تمكن بوضوح القيمة النشكونية للتوجه الطقوسى وإنشاء الحيز المقدس وبالعكس بالنسبة للتجربة الدنيوية فإن المكان متجانس وحيادى فأى انقطاع لا يفرق نوعيا متلف الأجزاء لكتلته فالمكان الهندسى يمكن أن يبتدى ويحدد فى أى اتجاه مهما كان ولكن أى فارق نوعى وأى توجه ليسا معطيين من جهة بنيته الخاصة وبوضوح لا يجب خلط مفهوم المكان الهندسى المتجانس والحيادى مع تجربة المكان الدنيوى الذى يتعارض مع تجربة المكان المقدس "ص26
ويؤكد ميرسيا أن الديانات المختلفة كل منها جعل لها مركز مقدس فعاصمة ملك الصين هى مركز الكون وسخرة معبد أورشليم هى مركز أى سرة العالم وشيز عند الإيرانيين هى مركز العالم فيقول:
"فعاصمة الملك الصينى الكامل توجد فى مركز العالم يوم الانقلاب الشمسى الصينى عند الظهر لا يسوغ فيه للمزولة الشمسية أن تحمل ظلا ويثير الدهشة بمصادفة ذات الرمزية مطبقة فى معبد أورشليم فعلى الصخرة التى بنى عليها كانت سرة الأرض وقد كتب الحاج الايرلندى نيقولا دى سيرفا الذى زار القدس فى القرن12 كتب عن الضريح المقدس هنالك وسط العالم هنالك يوم الانقلاب أو المدار الشمسى الصيفى ونور الشمس يسقط عموديا من السماء والمفهوم ذاته موجود فى إيران البلاد الإيرانية إيريانام فيجاه هى مركز وقطب العالم وتماما كما يوجد القلب فى وسط الجسم فإن بلاد إيران هى أكثر قيمة من كل البلاد الأخرى لأنها واقعة فى وسط العالم ومن أجل هذا فإن شيز قدس الإيرانيين لأنها وجدت فى مركز الدنيا كانت مشهورة كالمكان الأصلى للقوة الملكية وفى الوقت ذاته كمسقط رأس زرادشت ص37
وبناء على فكرة المكان المقدس حيث البيت الحرام هو مكان الصلاة والحج والعمرة وحوله البيوت والمساكن غير السكنية تكونت مقولة أخرى وهى أن كل بلدة جديدة يكون لها مركز هو بيت الصلاة يقسم البلدة لأربعة أقسام وخارجها يكون مكان المقابر وقد عبر ميرسيا عن هذا فقال:
وبعد أن استخلصنا القيمة النشكونية للمركز يعرف الآن وبشكل أفضل لماذا أن كل بناء بشرى يعيد خلق العالم بدء من نقطة مركزية السرة ولصورة العالم الذى يتطور بدء من مركز ويمتد نحو النقاط الأربعة الرئيسية تشاد القرية بدء من تصالب ففى بالى كما هو الأمر أيضا فى فى العديد من مناطق آسيا عندما يقوم الاستعداد لبناء قرية جديدة يجرى البحث عن تصالب طبيعى حيث يقطع عموديا طريقان والمربع المنشأ بدء من نقطة لا مركزية هو صورة كونية إن تقسيم القرية أربعة مقاطعات يدخل من جهة أخرى قسمة موازية للجماعة ويناسب قسمة العالم إلى أربعة آفاق وفى وسط القرية غالبا ما يترك مكان فارغ وهنالك سيرفع فيما بعد بيت العبادة الذى بمثل سقفه رمزيا السماء المشار إليه بقمة شجرة أو بصورة جبل وعلى القطب العمودى ذاته يوجد على أطراف الأخر عالم الأموات المرموز له ببعض حيوانات أفعى تمساح...........الخ أو رموز لأفكار الظلمات"ص40
بالطبع ليس هذه المقولة أساس سوى مماثلة ما فى مكة حيث يقع البيت فى مركزها وحوله البيت
ويؤكد ميرسيا على مقولة يؤمن بها وهو أن الإنسان يحاول أن يعيش فى مكان مماثل للمكان المقدس فيبنى على مثاله فيقول:
"ولكن بما أن الإنسان المتدين لا يستطيع العيش إلا فى مكان مشبع بالقداسة فإنه يجب علينا انتظار عدد من التقنيات لتكريس المكان ولقد رأينا أن المقدس هو الحقيقى بامتياز وهو فى آن واحد قوة وفاعلية ومصدر حياة وخصب...ولكنه بصورة خاصة واضح فى رغبة الإنسان المتدين لأن يتحرك فى عالم مقدس أى فى مكان قدس ولهذا السبب أقيمت تقنيات التوجه التى هى بمعنى الكلمة تقنية الإنشاءات للمكان المقدس ص30
ويبين السبب وهو حنين الإنسان للأصل الإلهى المقدس للمكان فيقول:
"وعليه فى البدء حصل هذا الكائنات الإلهية أو نصف الإلهية كانت طورت نشاطاتها على الأرض فالحنين للأصول هو إذن حنين دينى فالإنسان يرغب إيجاد الحضور الإيجابى للآلهة ويرغب كذلك العيش فى العالم الطرى الطاهر والقوى كما خرج من يد الخالق ص71
ويؤكد ميرسيا أن هذه العمل بالإقامة فى مكان مماثل هو قرار وجودى دينى من الإنسان المتدين فيقول:
فكل قرار وجودى بالنسبة للإنسان المتدين بأن يقيم فى المكان يشكل قرارا دينيا وباضطلاعه بمسئوليته خلق العالم الذى اختاره لسكناه لا ينفى الصفة الكونية على المتاهة فحسب وإنما يقدس عالمه الصغير بجعله مماثلا لعالم الآلهة إن الحنين العميق للإنسان المتدين هو أن يسكن عالما إلهيا وأن يحصل على مسكن مماثل لمسكن الآلهة ذلك هو ما جرى تصوره فى المعابد والمزارات فإن هذا الحنين الدينى بعبر عن الرغبة بالعيش فى كوزموس طاهر ومقدس كما كان فى البداية عندما خرج من بين يدى الخالق ص53
والمقولة التالية هى الحيوانات فى المكان المقدس وأصلها فى الإسلام هو الهدى وهو الأنعام الذى تذبح فى البيت الحراموفى هذا قال تعالى:
"فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام"
وقال :
"وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"
الفكرة تحولت إلى أن الحيوانات هى التى تكشف قدسية المكان وهو قول ميرسيا:
"ففى كل هذه الحالات تكون الحيوانات هى التى كشفت قداسة المكان فالبشر ليسوا أحرارا إذن باختيار المكان المقدس ولا يفعلون شيئا سوى البحث عنه واكتشافه بمساعدة آيات سرية هذه الأمثلة القليلة أظهرت لنا الوسائل المختلفة التى يتلقى بها الإنسان الكشف عن المكان المقدس وفى كل واحدة من هذه الحالات ألغت التجليات تجانس المكان وكشفت نقطة ثابتة "ص30
ويأتى الرجل بفكرة الجبل وأصلها فى القرآن هو جبل الطور الأيمن والأيسر فهذين الجبلين يحيطان بالواد المقدس طوى ومنهما يتم الدخول للبيت الحرام وفى هذا قال تعالى" والطور وكتاب مسطور فى رق منشور والبيت المعمور "فالطور مرتبط بالكتاب المحفوظ بالبيت المعمور
الفكرة تتطور إلى أسطورة وبدلا من جبل واحد أصبح لكل ديانة جبل مقدس وهو ما تناوله الرجل فى الفقرة التالية:
"ولنبتدىء بمثال له جدارته بأن يكشف على الفور تماسك وتعقيد مثل هذه الرمزية الجبل الكونى فقد رأينا أن الجبل يمثل بين الصورة المعبرة لعلاقة بين السماء والأرض فهو إذن مفروض فيه أنه يوجد فى مركز العالم وفى الواقع يجرى الكلام فى العديد من الثقافات عن أمثال هذه الجبال الأسطورية أو الواقعية الكائنة وسط العالم ميرو فى الهند وهارابيرزيتى فى إيران والجبل الأسطورى جبل البلدان فى ميزوبوتاميا وجيريزم فى فلسطين الذى كان قد سمى كذلك سرة الأرض وبما أن الجبل المقدس هو قطب الدنيا الذى يوصل الأرض بالسماء فإنه يلامس السماء بنوع ما ويميز النقطة الأكثر علوا للعالم ويستخلص من ذلك أن الأرض أو الاقليم الذى يحيط به والذى يشكل عالمنا معتبر كالبلد الأكثر علوا وهذا ما أعلنه التقليد الاسرائيلى بصفتها أكثر البلاد رفعة لم تغمر بالطوفان وحسب التقليد الإسلامى فإن المكان الأكثر رفعة فى الأرض هو الكعبة وذلك لأن النجمة القطبية الشمالية تشهد بأنها توجد مواجهة لوسط السماء وبالنسبة للمسيحيين فإما الجلجة توجد فى قمة الجبل الكونى هو أرض مقدسة لأن المكان الأكثر قربا من السماء ولأنه من هنا من عندنا يمكن الوصول إلى السماء فعالمنا هو إذن مكان عال"ص36
بالطبع لا يوجد سوى مكان مقدس واحد وهدف الهادمين لدولة الإسلام كان هو اضلال الناس عن المكان المقدس الأصلى وهو ما نجحوا فيه تماما فلا أحد يعرف مكان الكعبة الحقيقية حتى ألان والكعبة الموجودة هى كعبة تم تزوير مكانها وهو نفس ما حدث قبل عصر إبراهيم(ص) حيث لم يكن يعرف أحد مكانها حتى عرفها الله له وفى هذا قال تعالى "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت"
ينتقل ميرسيا لفكرة أخرى وهى فى الأصل أن الإقامة فى إقليم أخر تستلزم تغيير مؤسسات ذلك الإقليم سواء تم ذلك بالهجرة إليه أو تم فتحه بالحرب العادلة كإقامة مسجد كما فى قوله تعالى "لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه" وغير ذلك من المؤسسات التى طالب الله بإقامتها
تحوبت الفكرة إلى أسطورة فى الديانات المختلفة فالبعض يقيم مؤسسة مذبح نار كديانة الهند فى قولهم:
" كل هذا يستخلص بوضوح بارز من كتاب الطقوس الفيدية لنيل حيازة اقليم والحيازة تصلح صحيحة قانونا بإقامة مذبح للنار المكرسة لآجنى يقال بأنها أقيمت عندما أنشىء مذبح للنار جارها باتيا وكل أولئك الذين بنوا مذبح النار هم شرعا مثبتون(كاتا باتا براهمانا7-21)فبإنشاء مذبح للنار يصبح آجنى حاضرا ويصبح الاتصال مع عالم الآلهة مضمونا فمكان المذبح يصبح مكانا مقدسا غير أن المدلول الطقوسى أكثر تعقيدا وإذا أخذنا بالاعتبار كل هذه الإنشاءات نعرف لماذا أن تكريس اقليم يعادل جعله كونيا وفى الواقع أن بناء مذبح لآجنى ليس سوى إعادة خلق على مستوى الكون الأصغر للخليقة" ص31
أو رفع الصليب فى مكان كديانة النصارى فى قوله:
وقد تحدد السلوك الدينى تجاه الأراضى المجهولة حتى فى الغرب وحتى فجر العصور الحديثة فالفاتحون الأسبان والبرتغاليون أقاموا باسم يسوع المسيح فى الأقاليم التى فتحوها واكتشفوها وقد كان نصب الصليب يكرس المقاطعة ويعادل ما ولادة جديدة فبيسوع انقضت الأشياء القديمة وها هى كل الأشياء أصبحت جديدة (رسالة كونثوس 7-17 ) فالبلاد المكتشفة مجددا يعاد تجديدها ويعاد خلقها بالصليب " ص32
وفى ديانة الاستراليين الرحل نصب العمود المقدس وهو قوله:
"يقتضى الفهم جيدا بأن جعل الأقاليم المجهولة كونية هو دائما تكريس فبتنظيم مكان وأن العلاقة الصميمة بين تكوين وتكريس سبق إثباته على مستويات بدائية من الثقافة وعلى سبيل المثال لدى الاستراليين الرحل الذين ما زال اقتصادهم على مستوى الجمع والصيد وحسب تقاليد قبيلة أرونتا والأشيلبا فإن الكائن الإلهى نومباكولا كون فى الأزمنة الأسطورية اقليمهم للمستقبل وخلق جدهم وأقام مؤسساتهم ومن جذع شجرة ص32 سنط صنع نومبا كولا العمود المقدس كوا – اوا وبعد أن دهنه بالدم تسلق عليه وغاب فى السماء فهذا العمود يمثل قطبا كونيا لأن الاقليم حوله أصبح قابلا للسكن وتحول إلى عالم ومن هنا الدور الطقوسى المعتبر للعمود المقدس أثناء هجراتها أو تجولاتها تنقله قبائل الأشيلبا معها وتختار الاتجاه الذى تتبعه حسب انحنائه وهذا ما يسمح لها بالتنقل باستمرار دون توقف عن أن يكونوا فى عالمهم وفى ذات الوقت باتصال مع السماء حيث اختفى نومبا كولا وإذا كسر العمود فتلك كارثة وقد يكون هذا نهاية العالم والنكوص فى العماء وقد قرر سبنسر وجيلين أن العمود كما تذكره أسطورة انكسر فى إحدى المرات فأصبحت القبيلة برمتها فريسة غم كبير وتشرد أعضاؤها بعض الوقت هائمين وجلسوا أخيرا على الأرض واستسلموا إلى الموت "ص33
ومقولة العمود المقدس أصلها فى الإسلام هى الأعمدة غير المرئية التى تحمل السماء فوق الأرض كما فى قوله تعالى "الله الذى رفع السموات بغير عمد ترونها" ولكنها تحولت فى الديانات المختلفة لأساطير كعمود خشب من شجرة يصل للسماء عند الاستراليين الرحل وكعمود نحاس عند الكواكيوتل وكعمود خيمة الاجتماع عند اليهود وأصبح العمود طريقة صعود البعض للسماء وفى هذا قال ميرسيا:
"وهنا يكون لدينا النمط البدائى لصورة كوزمولوجية عرفت انتشارا واسعا صورة الأعمدة الكونية التى تسند السماء مع فتحها الطريق نحو عالم الآلهة فقد كان السلت والجرمن حتى تنصيرهم يحافظون على الاعتقاد بمثل هذه الأعمدة المقدسة ويذكر كتاب محرر حوالى عام800 أن شارلمان بماسبة إحدى حروبه ضد السكسون775أمر بهدم المعبد والغابة المقدسة فى مدينة اير سيبورغ العائد للأرمنسول الشهير ويؤكد ردولفدى فولدا حوالى 860 أن هذا العمود الشهير هو عمود العالم المدعم لكل الأشياء تقريبا ونجد الصورة الكوزمولوجية ذاتها لدى الرومان هوراس 111-3 وفى الهند القديمة مع السكامبها (ريغ فيدا -1-150-48910 ..الخ) وأيضا لدى سكان جزرالكنارى وفى ثقافات متباعدة أيضا كثقافات الكواكيوتل (كولمبيا البريطانية) والدادى فلورس(اندونسيا)فالكواكيوتل يعتقدون أن عمودا من نحاس يخترق المستويات الكونية الثلاثة (العالم الدنى والأرض والسماء)وهنالك يغرز فى السماء يوجد باب العالم فى الأعلى إن الصورة المعرفية لهذا العمود الكونى هى طريق اللبانة أو المجرة فى السماءص34
ومقولة العمود موجودة أيضا فى ديانات أخرى فى مختلف القارات ولكنها ارتبطب بمقولة الشجرة الكونية وأصلها فى الإسلام الشجرة فى الكعبة التى تتكلم بكلام الله كما حدث مع موسى(ص) وفى هذا قال تعالى :
"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين"
الشجرة المضيئة تحولت لأسطورة الصعود للسماء من داخل بيت السكن وفى هذا قال ميرسيا:
طوفى الواقع فإن مقر السكان البدائيين فى القطب الشمالى ومقر الأمريكيين الشماليين والشمال الآسيوى يظهر عمودا مركزيا يمثل بقطب الدنيا وبالعمود الكونى أو شجرة العالم التى رأيناها توصل الأرض بالسماء وبعبارة أخرى تكشف الرمزية الكونية فى بيئة المسكن ذاته فالسماء مدركة كخيمة لا حد لها مدعومة بعمود مركزى أوتار الخيمة أو العمود المركزى للبيت ممثلان بأعمدة الدنيا وهما ما يشار إليهما بهذا الاسم وتقام الأضاحى عند قاعدة العمود على شرق الكائن السماوى الأعلى وهذا ما يقدم فكرة هامة عن وظيفته الطقوسية وقد حوفظ على الرمزية ذاتها لدى الرعاة مربى الماشية فى آسيا الوسطى غير أن المسكن بسقفه المخروطى وبعموده المركزى قد أبدل باليوت وهى خيمة من اللباد وتطورت الوظيفة الطقوسية الأسطورية للعمود إلى فتحة عليا لتصعيد الدخان كذلك فإن العمود قطب الدنيا والشجرة المتشعبة التى تخرج قمتها من الفتحة العليا من اليورت التى ترمز للشجرة الكونية هى مدركة كسلم موصل للسماء يتسلقها الشامانيون فى سفرهم السماوى وهم يطيرون من الفتحة العليا ويصادف أيضا العمود المقدس منصوبا فى وسط المسكن فى أفريقيا ولدى الشعوب الرعوية هاميت وهاميتوئيد "ص45
وأما أسطورة قتل التنين فيبدو أن المقولة الأصلية لها غير ظاهرة لنا فى المصحف فأقرب المقولات لها ليس قتلا وإنما هو دخول النار حيث شجرة الزقوم التى تشبه رءوس الشياطين كما قال تعالى :
"أذلك خيرا نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين "
أو اقرب المقولات لها هو التغلب على الشيطان فى قوله تعالى ""وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم"
وفى قتل التنين قال ميرسيا:
"ولهذا السبب كان الفرعون ممثلا بالإله رع قاهر التنين أبوفيس فى حين أن أعداءه كانوا مشبهين بهذا التنين الأسطورى وكان ينظر إلى داريوس كسرايتاونا جديد وهو بطل أسطورى إيرانى قتل تنينيا بثلاثة رءوس وفى التقليد اليهودى كان الملوك الوثنيين ممثلين تحت ملامح التنين هكذا كان نبوختنصر موصوفا من قبل إرميا "قد أكلنى نبوختنصر ملك بابل وأفنانى وجعلنى غناء فارغا ابتلعنى كالتنين وملأ جوفه من طيباتى ثم نفانى"نبوءة ارميا 51-34 أو ببومبيه فى مزامير سليمان 11-29 وكما سنشير إليه فإن التنين هو الصورة النموذجية للغول البحرى والأفعى بدائية ورمز المياه الكونية والظلمات والليل والموت وبكلمة واحدة لعدم التشكل وللامكانية ولكل ما لم يحصل بعد على شكل ص42
وينتقل ميرسيا لأسطورة الأضاحى وهى أكذوبة لا زالت تعشش فى نفوس العامة فكثيرا منهم يقول أن المطاحن لا تعمل إلا بقتل بشرى على حجرها الدوار
أصل الأسطورة وهو الحقيقة القربان والقربان ليس بالضرورة حيوان له دم وإنما قد يكون نبات أو غير ذلك وكان هذا الحكم موجودا فى بداية البشرية واستمر حتى عصر النبى(ص) وفى هذا قال تعالى "واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"
يبدو أن قتل الأخ لأخيه تحول للأسطورة حيث ضحى الأخ بأخيه ولكن المضحى به ليس الجبار وإنما الطيب وفى هذا قال ميرسيا موضحا بعض أساطير الأضاحى:
"أن مثل هذه النشكونية هى فى أخر المطاف تعبر عن أن كون الأشكال التى لا حصر لها من التضحية للإنشاء هى متضامنة وهى فى مجملها ليست سوى احتذاء رمزى على الأغلب لتضحية بدائية أولدت العالم وفى الواقع وانطلاقا من بعض أنواع الثقافة تفسر الأسطورة النشكونية الخليقة بإماتة جبار (يمير فى الميثولوجيا الجرمنية وبيروشا فى الميثولوجيا الهندية وبانكو فى الصين) تولد من اعضائه مختلف الأقاليم الكونية وحسب مجموعات أخرى من الأساطير ليس الكون وحده الذى تولد على أثر تضحية كائن بدائى وإنما ما مادته الخاصة كانت النباتات الغذائية والعروق البشرية والطبقات الاجتماعية المتنوعة ولكى يستمر تكوين معبد منزل عمل تقنية..الخ يجب أن ينعش ويعاد إليه تلقى حياة وروح فى آن واحد وانتقال الروح غير ممكن إلا بتضحية دموية وقد عرف تاريخ الأديان وعلم التكوينات البشرية والفولكلور ما لا يخصى من أشكال أضحيات التكوين والأضحيات الدموية أو الرمزية لفائدة الإنشاءص46
وننتقل لأسطورة العلاج بالأغانى السحرية ويبدو أن أصلها هو المعجزات الشفائية بالكلام كما فى شفاء المسيح(ص) للأكمه والأبرص كما قال تعالى :
ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله"
ولكن التحريف جعل المعجزة تتحول إلى ما يسمى الأدعية والرقى والعزائم فى الديانات المختلفة وفى هذا قال ميرسيا:
وما يهم الإشارة هنا علاقة الأغانى السحرية بالغاية الطبية وهى أن أسطورة الأصل للأدوية مجسدة دائما بالأسطورة النشكونية ففى العلاجات البدائية والتقليدية لا يصبح الدواء فعالا إلا عندما يعاد التذكير طقوسيا بأصله أمام المريض أن عددا كبيرا من التعزيمات فى الشرق الأوسط وأوروبا تتضمن تاريخ المرض أو الشيطان الذى أثاره وأن قديسا نجح فى السيطرة على اللم إن الفاعلية العلاجية للتعزيم تستقر فى واقع أنه بالتلفظ به طقوسيا يعاود تحيين الأسطورى كذلك أصل العالم وأصل المرض وعلاجه ص67
وننتقل لأساطير صيد الرءوس والأضحيات البشرية وأكل اللحم البشرى ويبدو أن أصلها هو الهدى أى ذبح الأنعام فى الحج والذى تغير لصيد الناس وتعليق الجماجم فى البيوت والتضحية بالبشر وأكل اللحم البشرى ووصف ميرسيا له بالسلوك الطبيعى للإنسان البدائى هو خبل فهو سلوك اجرامى يتعلق بشهوة إبادة الأخر وهو امر لا يتعلق بما يسميه الإنسان البدائى والإنسان الحديث لأنه ما زال موجودا فى مجتمعات العالم وفى الأسطورة قال ميرسيا:
"فصيد الرءوس والأضحيات البشرية وأكل اللحم البشرى ليس سوى سلوك طبيعى للإنسان البدائى ولا يقع من جهة أخرى على المستويات الأكثر قدما من الثقافة وإنما هو سلوك ثقافى مؤسس على رؤية دينية للحياة فلكى يستمر العالم النباتى فى الحياة على الإنسان أن يقتل وأن يقتل وإضافة إلى ذلك يتوجب عليه أن يضطلع بالجنس حتى حدود القصوى التهتك وتعلن أغنية حبشية إن من لم تحبل فلتحبل وكل ما لم يقتل بعد فليقتل وتلك هى طريقة للقول بان الجنسين محكومين للاضطلاع بقدرهما ص79
وننتقل لأسطورة أخرى وهى أسطورة الصراط على جهنم ويبدو أن اصلها فى الإسلام هى الأعراف وهى السور بين الجنة والنار ولا يسقط منه احد فى جهنم وإنما هو لكلام بعض المؤمنين للكفار الذين يعرفونهم وليس جسر رفيع على جهنم وفى هذا قال تعالى :
"وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون "
وقد استعرض ميرسيا وصف الجسر الجهنمى ووظيفته فى العديد من الأديان فقال :
"إن المسارة كالموت كالوجد الصوفى كالمعرفة المطلقة كما فى اليهودية المسيحية الإيمان كلها تعادل المرور من طريقة تكون إلى أخرى وتضع انقطاعا داخليا حقيقيا والإيحاء بهذا المرور المتناقض (يقتضى دائما انقطاعا وتصاعدا) وقد استعملت مختلف التقاليد الدينية وبشكل واسع رمزية الجسر الخطر أو الباب الضيق ففى الميثولوجيا الإيرانية يستعير الموتى جسر سينفات فى سفرهم بعد الموت إنه متسع بقدر 9 أطوال الرمح بالنسبة للصالحين أما بالنسبة للكافرين فيصبح ضيقا كحد الموس (دينكارت 9-20-3) وتحت جسر سينفات ينفتح الثقب العميق لجهنم وعلى هذا الجسر يمر الصوفيون فى سفرهم الوجدى للسماء ومن هنا وعلى سبيل المثال "ص133 وقال أيضا:
صعد روحيا آردفيرات وتظهر لنا رؤيا القديس بولس جسرا ضيقا كشعرة يوصل عالمنا مع الجنة وتصادف الصورة نفسها لدى الكتاب والمتصوفين العرب الجسر أضيق من شعرة ويوصل الأرض بالأفلاك الكوكبية وبالجنة كذلك الأمر فى التقاليد المسيحية لا يقدر المذنبون على اجتيازه فيقذف بهم فى جهنم وتتكلم أساطير القرون الوسطى عن جسر مخبأ تحت الماء وعم جسر سيف توجب أن يمر عليه البطل الأنسيلو وهو حافى القدمين واليدين هذا الجسر أكثر حدة من فأس ويحصل المرور بمعاناة وفى التقليد الفنلندى يجتاز جسر مغطى بالإبر والمسامير وشفرات الحلاقة الجسم يستعيره الموات وكذلك الشامانيون يوجد فى سفرهم نحو العالم الأخر وتصادف أوصاف متشابهة تقريبا فى كل مكان فى العالم بيد أنه تقتضى الإشارة إلى أن الصورة ذاتها قد حوفظ عليها عندما أريدت الدلالة على صعوبة المعرفة الماورائية والمسيحية والإيمان وليس سهلا المرور على حد مشحوذ لموسى هذا ما قاله الشعراء للتعبير عن صعوبة الطريق الموصلة للمعرفة العليا_كاتا أوبانيشاد11-14)"ضيق هو الباب وبحضور الطريق الذى يوصل للحياة ويوجد القليل الذين يجدونه (متى7-14) ص134
وننقل لأسطورة الوجود الروحى الجديد حيث تحول الأصل فى الإسلام وهو الثواب والعقاب فى الأخرة بعد الحياة والموت لأكذوبة الولادة الروحية الجديدة للكل دون عقاب وفى هذا يقول ميرسيا :
"وباختصار يصل الموت ليكون معتبرا كمسارة عليا وكبدء لوجود روحى جديد والأفضل توالد موت إعادة ولادة فقد فهمت جميعها كما لو أنها فترات ثلاثة لسر واحد وقد استعمل الجهد الروحى للإنسان القديم لإظهار أنه لا يجب وجود انفصام بين هذه الفترات وأنه لا يمكن التوقف فى واحدة منها فالحركة وإعادة التوالد تتابعان إلى ما لا نهاية فيها صنع النشكونية بلا كلل لكى يكون المرء واثقا من اجراء بعض الشىء على سبيل المثال ولد بيت إلهام روحى ولهذا يصادف دائما التقييم النشكونى لطقوس المسارةص143
وننقل لخرافة أن الإله يسكن السماء ولذلك سمى بالعالى والذى يسكن السماء وما إلى ذلك وهى خرافة أصلها الآيات التى تتحدث عن كون الله إله من فى السماء كقوله تعالى:
""وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله"
فى الأساطير تحول الله تعالى عن ذلك لآلهة متعددة وكونه ضوء أو نور ساطع وقد عدد ميرسيا ذلك فقال :
"وبما أن السماء توجد بشكل مطلق فإن عددا كبيرا من الآلهة العليا للسكان البدائيين يسمون بأسماء تدل على العلو والقبة السماوية والظواهر الجوية أو ما يسمى ببساطة ملاك أو سكان السماء إم الألوهة العليا للماوريسيين تسمى ايهو وآيهو تعنى المرتفع فى الأعلى وأولوو الإله الأعلى لعبيد ألكبوسو بدل على ما هو فى العلى والأقاليم العليا ولدى سيلكنام أرض النار يسمى الإله ساكن السماء أو الذى هو فى السماء وبولوغا الكائن الأعلى للأندامانيين يسكن فى السماء وصوته هو الرعد ونفسه هو الريح والإعصار علامة على غضبه فهو يعاقب بالصاعقة أولئك الذين يعصون أوامره وإله السماء لجماعات اليوربيا وشاطىء العبيد يسمى أولورون وتعنى لغويا مالك السماء ويعبد السامويديون نوم الإله الذى يسكن السماء العليا وبالتالى فإن اسمه يعنى سماء ولدى الكورياكس تسمى الألوهة العليا الأحد فى الأعلى وسيد الأعلى والذى يوجد ويعرفه الاينوس كرئيس إلهى للسماء والإله السماوى والخالق الإلهى للعوالم ولكن أيضا كاموى أى سماء ويمكن بسهولة إطالة هذه القائمة يضاف إلى ذلك إن الوضع نفسه بصادف فى ديانات الشعوب المتحضرة أكثر والتى لعبت دورا هاما فى التاريخ فالاسم المنغولى لإله اعلى هو تانجرى الذى يعنى سماء وتيان الصينى يعنى فى أز واحد السماء وإله ص91السماء والمصطلح السومرى للألوهة دينجير كان له كمعنى بدائى تجلى سماوى وضاء متلالىء وآنو البابلى يعبر كذلك عن مفهوم السماء والإله الأعلى الهندو أوربى دييوس يعنى فى آن واحد التجلى السماوى والمقدس _ر-0- السنسكريتى ديف لمع ونهار ودايوس سماء نهار دياوس إله هندى للسماء زوس وجوبيتر تحافظ أيضا فى اسمائها على ذكرى القداسة السماوية والسلتى تارانيس من تاران رعد والبلطيقى بير كوناس ضوء وما قبل السلاف بيرون (ر- البولونى بيورون ضوء كلها تظهر على الأخص التحولات التالية لآلهة السماء فى الهة العاصفة " ص92
ويبين ميرسيا أن العيد فى الأديان مرتبط بحادث مقدس فيقول :
ومهما كانت العقدة لعيد دينى فهو يتعلق دائما بحادث مقدس له أصله السابق والذى أعيد حاضرا طقوسيا ص69
والفكرة الأصلية هو ارتباط العيد بحكم مرتبط بزمن فعيد الفطر مرتبك بحكم انتهاء الصوم وبداية الفطر وعيد الأضحى مرتبط بذبح الهدى فى الحج ولكنه تحول فى أساطير الأديان إلى الارتباط بحوادث وليس أحكام حتى يتركوا طاعة الحكام للغرق فى الحوادث التى لا يترتب عليها طاعة وفى هذا التحول قال ميرسيا:
" بالنسبة لكل هذه الشعوب الحجرية المزارعة يتكون الأمر الجوهرى بأن يثار دوريا الحدث البدئى الذى أسس الشرط البشرى الحالى كل حياتهم الدينية هى إحياء ذكرى واستذكار والذكرى المعاد تحيينها بالطقوس باستعادة القتل البدئى تلعب دورا حاسما فيجب الانتباه جدا لعدم نسيان ما تم فى بدء الزمن إن الخطيئة الحقيقية هى النسيان الفتاة منذ طمثها الأول تبقى ثلاثة أيام فى كوخ معتم دون أن يتكلم مع احد وهى تتصرف هكذا لأن الفتاة الأسطورية المضحى بها بتحولها إلى قمر تبقى ثلاثة أيام فى الظلمات ص78
ويبنى ميرسيا على ذلك وجود زمن مقدس وزمن عادى فيقول:
"ليس الزمان بالنسبة لإنسان المتدين أكثر من المكان تجانسا واستمرارا فتوجد فترات الزمن المقدس زمن الأعياد فى أكثريتها أعياد دورية ويوجد من جهة أخرى الزمن الدنيوى والمدة المؤقتة العادية التى تسجل فيها الأعمال المجردة عن الدلالة الدينية وبين هذين النوعين من الزمن يوجد مفهوم حل من الاستمرارية ولكن الإنسان المتدين يستطيع بواسطة الشعائر المرور بدون خطر من المدة الوقتية العادية إلى الزمن المقدس ويصدمنا بدئيا فارق جوهرى بين هاتين الصفتين للزمن الزمن المقدس هو بطبيعته ذاتها قابلا للانعكاس فى المعنى المعتبر فيه زمنا أسطوريا بدئيا وغدا حاضرا فكل عيد دينى وكل وقت طقوسى يتكون من إعادة تعيين حادث مقدس حاصل فى زمن ماض أسطورى فى البدء ص57
وحقيقة الأمر أنه ليس زمنا مقدسا وإنما زمن متعلق بتنفيذ حكم قد يكون مكان التنفيذ هو المكان المقدس كفترة الحج والعمرة وقد يكون اى مكان عادى كالفطر فى أى مكان بعد انتهاء شهر رمضان فى الإسلام
ويجرنا ميرسيا لمقولة ارتباط الزمان بالمكان ارتباط غير منفك حيث يعنى الزمان المكان فى بعض الديان فيقول:
"لنبدأ ببعض الوقائع التى لها ميزة الكشف عن سلوك الإنسان التدين تجاه الزمن هنالك ملاحظ أولية لها أهميتها فى عدد من لغات البلاد الأصليين فى أمريكا الشمالية تستعمل عبارة عالم= كون على السواء بمعنى السنة فيقول اليوكوت لكى يعبروا عن انقضاء عام وبالنسبة لليوكى يستدل على السنة بعبارات أرض أو عالم إنهم يقولون مثل اليوكوت مرت الأرض عندما يكون قد انقضى عام فمفردات اللغة تكشف التضامن الدينى بين العالم والزمن الكونى فالكون مفهوم كوحدة حية ولدت وتتطور وتنطفى أخر يوم من السنة لكى تولد من جديد فى العام الجديد وسنرى أن هذه العودة هى ولادة وان الكون يعاود الولادة كل سنة لأنه فى كل سنة جديدة يبدأ التكامل الزمكانى ص60
ويضيف الرجل قائلا:
"وعلى ذلك تضيف النصوص بأن مذبح النار هو السنة ويفسرون فى هذا المعنى رمزيته الزمنية الـ360 قرميدة للسور تناسب360 نهار(كاتا باتا براهمانا10،5/4-10إلخ)وبعبارات أخرى فى كل إنشاء مذبح نار لا يعاد صنع العالم فحسب وإنما تشيد السنة ويعاد تجديد الزمن بخلقه من جديد ومن جهة أخرى فإن السنة ممثلة ببراجاتى الإله الكونى ص61
ويكرر نفس المعنى فى قوله:
وتلك هى ميزة هرمان أوسينر لأنه كان أول من فسر القرابة الاشتقاقية بين معبد وزمن ويشرح هذين المصطلحين بمفهوم التقاطع وهنالك بحوث متأخرة أكدت أيضا على هذا الاكتشاف معبد يظهر على مظهر مكانى وزمن مظهر وقتى لحركة الأفق فى المكان وفى الزمان ص61
وبالقطع الزمان والمكان مرتبطين فالزمان بدأ مع بداية المكان كما قال تعالى :
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم"
ولكن الزمن لا يعنى المكان رغم ارتباطهما غير المنفك وينقل ميرسيا لنا خرافة هندية مرتبطة بالزمان وهو الدورات الزمنية الكبرى التى لا وجود لها فلا وجود سوى لدورة السنة وأجزائها الشهور وهو قوله:
" وهذا ما حصل فى الهند حيث أن نظرية الدورات الكونية يوغا كانت أعدت بوعى فدورة كاملة ماهايوغا تشتمل على 12000سنة وهى تنتهى بانحلال بارالايا تتكرر بطريقة أكثر جذرية ماها برالايا الانحلال الكبير فى نهاية الدورة الألفية ولأن المخطط النموذجى حلق تدمير خلق لاخ يعاد إنتاجه على ما لا نهاية إن 12 ألف سنة لماها يوغا معتبرة كسنوات إلهية كل واحدة منها أثناء360 سنة الأمر الذى يعطى مجموعا من 4320000 سنة من اجل دورة كونية واحدة وأن الفا من مماثلات الماهايوغا تشكل كالبا (شكلا) و14 كالبا تشكل مانفا نتارا ص82
وينتقل الرجل لتمثيل الزواج بأنه صورة من تزاوج أسطورى بين الأرض والسماء فيقول:
"ولهذا السبب وبدءا من مرحلة من الثقافة أدرك الإنسان نفسه ككون أصغر إنه يشكل جزء من خلية الآلهة وبعبارة أخرى إنه يجد القداسة فى ذاته والتى تعرف عليها فى الكون ويتبع هذا أن حياته مقارنة بالحياة الكونية بصفتها عملا إلهيا تصبح الصورة المثالية للوجود البشرى وهنالك بعض الأمثلة فقد رأينا قد قيم كزواج مختلط بين السماء والأرض إلا تمثيل الأرض المرأة لدى الزارع هو أيضا أكثر تعقيدا فقد مثلت المرأة بحقل جليبف ومثل المعنى الرجولى بالبذور والعمل الزراعى بالقران الزوجى هذه المراة أتت كأرض حية ازرعوا فيها البذر أيها الرجال هذا ما كتب فى الاتهافافيدا(14-5-24) "النساء حرث لكم القرآن (2-225) ص123
ويؤكد ميرسيا أن الأديان هى عمل بشرى من جانب المثقفين فى المجتمعات فيقول:
"إن هذه الميثولوجيات والثيولوجيات كانت فيما سلف مميزة بالعمل الدؤوب للمثقفين حتى إذا تكلمنا بحق فإنها لا تكون ديانات كتاب مثل اليهودية والزرادشتية والمسيحية والإسلام إنها تحوز كتبا مقدسة الهند والصين أو على الأقل تحملت تأثير كتاب محترمين على سبيل المثال هومر فى اليونان "ص121
وهو كلام خاطىء فالمثقفون لا ينتجون الأديان وإنما الحكام الجبابرة هم من ينتجونها بمساعدة الكهنة الذين يشاركونهم الحكم ومعه الأغنياء وهم من وصفهم الله بأكابر المجرمين