بداية الاستغلال السياسي للصلاة فى العصر الاموي
المعارضة والاستغلال السياسى لتهاون الأمويين فى تأدية الصلاة ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٦ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

المعارضة والاستغلال السياسى لتهاون الأمويين فى تأدية الصلاة ( 2 )

1 ـ ومع عمل الأمويين على استغلال الصلاة سياسيا مع باقى الشعائر الإسلامية الأخرى فقد إشتهر بعضهم بالتهاون فى تأدية الصلاة أو فى إمامتها بالتعبير التراثى .

2 ـ وفى مقابل تهاون الأمويين بالصلاة لجأت المعارضة إلى المزايدة على الأمويين فى الصلاة بأن إشتهروا بالخشوع فيها وإحيائها . ومع أن الخشوع فى الصلاة علاقة خاصة بين المصلى والخالق جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور إلا أن المعارضة قاموا بتوظيف التظاهر بهذا الخشوع إتهاما للأمويين بطريق غير مباشر بالخروج على الإسلام .

3 ـ ولجأت المعارضة الى وضع أحاديث ضد الأمويين تستغل تهاونهم فى الصلاة :

3 / 1 : منها حديث نسبوه لعمر بن الخطاب ، يقول : " لا إسلام لمن لم يصل " ( الطبقات الكبرى 6/ 109 ).

3 / 2 : ووضعوا حديثا يطعن فى معاوية وأبيه أبى سفيان . يقول الحديث فى رواية عاصم عن النبى ــ بزعمهم ــ ( إن الصحابة فى المسجد غضبوا وقالوا : " نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله".!  فسأل الراوى : " لماذا ؟"   فقالوا : " معاوية مرّ  قبيل فأخذ بيد أبيه ورسول الله على المنبر ، يخرجان من المسجد ، فقال رسول الله فيهم قولا ".) هذا ما رواه ابن سعد فى : ( الطبقات الكبرى: 7 /  55 ) . وهذا توظيف لتأليف الأحاديث فى الصراع السياسى . ومعروف أن معاوية أسلم مع أبيه وأمه بعد فتح مكة ، ومات النبى بعدها بقليل فى المدينة ، ولكن هذا الحديث المصنوع يجعل النبى محمدا يغتابهما فى غيابهما و بعد خروجهما ، وأنه غضب عليهما وغضب الله عليهما وغضب المسلمون .وهذا التزيد والمبالغة فى الغضب لم  يحدث حين سمع المسلمون نبأ قافلة أو تجارة فغادروا صلاة الجمعة وتركوا الرسول قائما وفق ما جاء فى سورة الجمعة. لم ينزل فيها هذا الغضب الحاد.! .

4 ــ وبينما تهاون الحكام الأمويون فى إمامة الصلاة فقد تفنن المحكومون فى إحيائها بالكم وبالكيف .

4 / 1 : اشتهر بعضهم بكثرة الصلاة ومنهم أبو بكرالغسانى الذى كانت أمرأته لا تُفلّى ثيابه لإنشغاله بالصلاة ، على حد قول ابن سعد ( 7/ 107 ) ولو أنصف أبو بكر الغسانى لتذكر قول الله تعالى ( وثيابك فطهر ) بدلا من أن يترك ثيابه معسكرا للقمل والبراغيث والبقّ .

4 / 2 : وبعضهم تفنن فى الخشوع فى الصلاة بإطالة السجود وإطالة القيام وبعض الروايات هنا حافلة بالمبالغة .

4 / 2 / 1 : تقول فى بعضهم " ما رأيت عمرو بن مرة فى صلاة إلا ظننت أنه لا ينصرف حتى يستجاب له ( الطبقات الكبرى لإبن سعد 6/ 220 ) .

4 / 2 / 2 : وقيل عن مسلم بن يسار أنه : " كان قائما يصلى فى بيته فوقع إلى جانبه حريق فما شعر به حتى طفئت النار. "  وقد توفى عام 100 فى خلافة عمر بن عبدالعزيز( ابن سعد 7/ 135 ) ،

4 / 2 / 3 : وقيل عن مسلمة الإبراشى بإختصار أنه ( من أخشع الناس فى الصلاة ). ذكر هذا  إبن سعد فى الطبقات :  ( 7 / 2 / 110  )

4 / 2 / 4 : أما يحيى بن ثابت الذى كان قليل الحديث وصاحب قرآن وتوفى سنة 103 فقد قال عنه ابن سعد أنه كان يبلغ فى صلاته " كأنه يخاطب رجلا " ( الطبقات الكبرى :  6/ 206 ) أى يحرص على التركيز على النطق بالكلمات وتوضيحها فى الصلاة كنوع من التدبر والخشوع .

5 ـ وجعلوا البكاء المسموع فى الصلاة من أبرز الدلائل على الخشوع فيها نكاية فى الأمويين .

5 / 1 : وقد قال بعضهم أن كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس صفوفا، والراوى كان فى أخر الصفوف ويسمع بكاء عمر وهو يقرأ من سورة يوسف قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾) ( ابن سعد  6 /    86 ) فكيف كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب ( بدون ميكروفون ) إلا إذا كان بكاء عمر بن الخطاب صراخا .!

5 / 2 : وهناك رواية لابن سعد تقول أن " ثابت اللبنانى " كان يقرأ فى صلاته (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧﴾ الكهف ) وكان ينتحب ويرددها وهو فى صلاة الليل ؟ ( ابن سعد 7،2،4) . المفهوم أنه يصلى ليلا منفردا فى جوف الليل .. فأين كان الراوى لهذه الرواية ؟ . وإذا كان ثابت البنائى هو الذى يحكى هذا عن نفسه فهو من الذين يراءون ويزكون أنفسهم ..

علامات السجود على الوجوه

1 ـ ولقد ذكر رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم صفات الصحابة فى عهد النبى محمد عليه السلام : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖتَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾ الفتح ). أى كان من وصفه جل وعلا لهم (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ومن حيث الظاهر المرئى قال جل وعلا عنهم : (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ) أما من حيث الباطن فليسوا جميعا من أهل الجنة فالله تعالى قد وعد الصالحين منهم فقط بمغفرة وأجر عظيم : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .

2 ـ وفى العصر الأموى إنتشرت علامات السجود مزايدة سياسية على الأمويين المتهاونين فى الصلاة ، وأصبح من شيماء بعض الكارهين للأمويين ان يكون سيماهم على وجوههم من أثر السجود . وتناسوا أن لله جل وعلا وحده مرجع الحكم على الخشوع بغض النظر عن المظاهر . وتكاثرت الروايات :

2 / 1 : يقول ابن سعد عن أبان بن عثمان " كان بين عينيه أثر السجود قليلا " ( الطبقات الكبرى :   5 / 113 )

2 / 2 : وقال أحدهم عن عبد الله بن يسر المازنى : " رأيت فى وجه عبدالله بن يسر أثر السجود ( ابن سعد  7 / 2 /  133 ) .

2 / 3 : وقيل عن عطاء بن رباح ( كان بين عينيه أثار السجود ) ( 5/  246) .

2 / 4 : وقال بعضهم عن حكيم عمير : " رأيت فى جبهة حكيم بن عمير أثر السجود  " ( 7 / 2 /  160 )

2 / 5 : كل ذلك معقول ويمكن تصديقه . أما هذا الخبر فيحتاج إلى جهد جهيد لتصديقه ، يقول ابن سعد " كان العفيش بن عقبة ليسجد حتى أن العصافير ليقعن على ظهره وينزلن ما يحسبنه إلا جزم حائط ) ( 6، 144 ) .. هل يجوز ( إنسانيا ) خداع العصافير بهذا الشكل ؟

3 ـ آثرنا أن نأتى بأمثلة عن الخشوع من تاريخ الشخصيات المغمورة اما المكتوب عن الشخصيات المشهورة فهو أكثر عددا وأكثر فىالمبالغة ، ولا يتسع المقال لتفصيلها ، فنكتفى بالقليل :.

3 / 1 : عن أئمة العلويين نذكر بعض الروايات من المعارضة الهاشمية لبنى أمية فيما يخص الصلاة :

3 / 1 / 1 : روى الحسين بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب ان أباه على زين العابدين قال لإبن عمه محمد بن على : " كم مرّ على جعفر؟. "  ( ابن محمد بن على ) فقال : " سبع سنين ". قال : " مروه بالصلاة "( الطبقات الكبرى :  5 / 162 ) أى يتعلم الصلاة من السابعة من عمره . وقد اخترعوا حديثا بهذا المعنى فيما بعد .

3 / 1 / 2 : واشتهر ( على زين العابدين بن الحسين بن على ) بالورع . ولهذا حمل لقب ( زين العابدين ) . وقالوا عنه : " كان إذا قام للصلاة أخذته رعدة.  فقيل له: " مالك " ؟ قال : " ما تدرون بين يدى من اقوم ومن أناجى .." (5،160 ) .. وهى رواية تستلزم الضحك بل القهقهة إذا تدبرناها وعقلناها ، فالمعنى أنه كان كلما قام للصلاة ارتعد وسئل نفس السؤال وأجاب نفس الإجابة،  أى كان يفعل ذلك خمس مرات كل يوم ، ويرتعد خمس مرات ، ويسألونه خمس مرات ، ويجيبهم نفس الإجابة خمس مرات ، وهو لا يملّ وهم لا يملُّون .. وسبحان الله الذى يعلم السر وما أخفى ...!!

4 ـ ويبدو لى أن هذه الرواية الساذجة صيغت فى العصر العباسى ، ووضعها الشيعة لمقابلة الروايات الأخرى التى وضعها العباسيون فى مناقب ( عبدالله بن عباس) جد الخلفاء العباسيين والذى أسبغوا عليه علما وأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ، كل ذلك تقربا لأحفاده الخلفاء العباسيين ، هذا مع أن ابن عباس كان صبيا فى مكة وقت أن مات النبى محمد عليه السلام فى المدينة. وإختصت بعض الروايات أيضا العباس عم النبى . وهذه

الروايات التى حيكت فى العباس بن عبدالمطلب وأولاده خصوصا عبدالله بن عباس تستحق الدراسة . والخلفاء العباسيون ينتمون إلى محمد بن على بن عبدالله بن عباس ، وقد كان يسكن فى قرية الحميمية بالأردن اليوم . ونكتفى بالقليل :

4 / 1 : ومن تنويعات المدح التى قيلت فى ( على بن عبدالله بن عباس ) جد الخلفاء العباسيين : " أنه كان أجمل قرشى على وجه الأرض ، وأكثرهم صلاة ، وكان يقال له السجاد لكثرة عبادته وفضله ، وقيل أنه كان ليصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة " أى أنه جمع بين الكم ( ألف ركعة ) والكيف ( السجاد ) . مفروض على مسيلمة الكذاب أن يرفع عليهم دعوة قضائية لأنهم يستحقون لقب الكذاب أكثر منه .!

4 / 2 : ثم تتسع الرواية لتشمل كل بنى العباس فى العصر الأموى قبل قيام دولتهم . يقول ابن سعد : " سمعت الأشياخ يقولون : والله لقد أفضت الخلافة إليهم وما فى الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن ولا أفضل عابدا وناسكا منهم بالحميمية "" ( الطبقات الكبرى 5، 230 ) .

وهذه كذبة عريضة تبدأ بالقسم بالله جل وعلا . وقد قال جل وعلا عن المنافقين الذين كانوا يحلفون بإسمه جل وعلا كذبا : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٤٢﴾ التوبة  ) . ثم إن هذه الكذبة أكثر إتساعا من الصحراء الكبرى ولكن قالها أولئك الأشياخ ببساطة وسهوله . وابن سعد لم يذكر أولئك الشيوخ الذين سمع منهم فى العصر العباسى والذين زعموا لأنفسهم علم الغيب وما تخفيه الصدور، وأعطوا حكما عاما شاملا لكل من يعيش على وجه الأرض فى عصر الأجداد العباسيين فى العصر الأموى ...

وهكذا أفرط الأمويون فى إماتتة الصلاة فأفرط بعض خصومهم فى إحياء الكذب والإفتراء والمراءاة .!!

اجمالي القراءات 4452