قبل مئات السنين، قل عدد العبيد في "مملكة المارك" وهي مملكة كانت في الشمال، صاحبة قوة، ونفوذ، وممالك، وإمارات عدة، وقد تأثر جيشها بقلة العبيد، فالمواطنون فيها لا يحاربون، طالما وجد عبيد يحاربون عنهم.
وحتى لا تتقزم المملكة، أو يهترأ جيشها، قرر "ملك المارك"، إرسال فرقة عسكرية، لـ "بلد بني"، في الجنوب، وإختار أفضل قائد لديه لتلك المهمة، التي تطلب .. أولاً/ إحتلال تلك البلد، ثانياً/ إستعباد خيرة شباب تلك البلدة، لضمهم إلى جيش "مملكة المارك"، لتستعيد المملكة هيبتها، ويستعيد الجيش مكانته، وقوته العددية.
فالعبيد كانوا قوام الجيش، وبهم تحتفظ المملكة بقوامها، وقوتها، ونفوذها، لتتمكن من فرض سيطرتها على كامل بقاعها.
وقبل إرسال الفرقة العسكرية، أخبر الملك قائده بالتالي .. أنه إن إستطاع إستعباد أكبر قدر ممكن من العبيد، فسيكون صاحب حظوة عنده، وسيعطيه إمارة إحدى الممالك.
وفي اليوم المعلوم ينطلق القائد بفرقته إلى الجنوب، ليقف على أسوار "البلد البني"، وبعد إعداد الخطة العسكرية المحكمة، يهجم القائد على "البلد البني"، ويتمكن بعد عدة شهور، من بسط نفوذه وسيطرته عليها.
وبعد مرور سنة، يرسل القائد للملك ليبارك الفتح الكبير، فيذهب الملك لـ "البلد البني"، إلا أنه لم يجد خاتم العبودية على أي من أهل البلدة !، فكان الأمر مثير للعجب، وتساءل الملك في نفسه :
- هل إعتمدت على قائد فاشل !.
- هل إستعصى البنيون على القائد الحربي، فلم يتمكن من إستعبادهم !.
- هل البنيون قوم لا يستعبدون !.
أسئلة كثيرة راودت "ملك المارك"، بعد أن إستاء من رؤية كافة المواطنين متساوين في الحرية، فجميعهم غير عبيد !، وبات يتعجل الوقت لرؤية قائده الحربي ليتبين منه الأمر.
حتى جاءت لحظة لقاء الملك بالقائد :
رحب القائد بالملك ترحاب شديد، بل زاد القائد بأن قال للملك أنه سيكون سعيد بحظوة الملك، بالإمارة الجديدة (عطية الملك).
ظن الملك أن القائد، إما جاهل بأن الغرض من الفتح الجديد، هو إضافة آلاف العبيد للجيش، أو أنه قد جن عقله، ويستخف بالذات الملكية.
وهنا يقرر الملك عزل القائد، وضرب عنقه !، بيد أن الرجل صرخ قائلاً للملك :
- القائد : مولاي .. لماذا تقيلني وتقتلني ؟.
- الملك : أتستخف بالذات الملكية، قد فشلت في أن تستعبد أحداً، وجعلت من كل الشعب أحراراً.
- القائد : مولاي .. حقاً لم استعبد أحداً، فالبنيون قوم لا يستعبدون كباقي العبيد.
- الملك : تعترف إذاً بفشلك، فكيف تطلب مني مكافأتك ؟.
- القائد : يا مولاي .. أنا أقدم لك شعباً كله من العبيد، بشرط أن تجعله حراً.
- الملك : وكيف ؟.
- القائد : إن البنيين قوم وسط، فلا هم بالبيض، ولا هم بالسود، ولا هم بالسادة، ولا هم بالعبيد، لذلك .. إن إستعبدتهم، تمردوا عليك، وإن أطلقت حريتهم ملكتهم، وهذا ما فعلته.
- الملك : إذاً .. تريد أن تخبرني بأنك قد إستعبدت الشعب كله.
- القائد : نعم.
- الملك : إثبت قولك.
- القائد : سأجعل المنادي يخبر الناس بحضور الملك وتشريفه، وإنتظاره لإستقبال الشعب، عندها سترى، وبعدها .. إفعل ما شئت بهم، وبي.
ويذهب المناي ينادي بتشريف الملك، وإنتظاره للشعب البني، الذي ما لبث وأن علم بحضور الملك، حتى ذهب إليه مهرولاً، حاملاً إليه أفضل الهدايا، مع القسم بالولاء، والطاعة.
تعجب الملك من تصرفات البنيين، اللذين باتوا يتبارون في إظهار الولاء، والطاعة حتى يرضى عنهم "ملك المارك" !، فقال لهم الملك :
- الملك : أنا لا آبه بهدايا أو إطراء، فمن يدين لي بالولاء .. عليه أن يهبني روحه.
- البنيين : مولانا إنا فداء لك ولمُلكك، تأمر فتطاع.
- الملك : أريد خيرتكم في جيشي.
- البنيين : ما أهون أرواحنا في سبيل رضائك.
وبات جميع الشعب البني، يذهب تطوعاً لجيش الملك، كباراً وصغاراً، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساء !، حتى إكتظ جيش الملك بخيرة الجنود، فبكى من لم يستطع الإلتحاق بالجيش، وأرسلوا تظلماً للملك يطلبون منه ضمهم أيضاً للجيش !.
ويخرج الملك على من لم يلتحقون بالجيش، ليطمأنهم أنه سيأتي يوم ويعطيهم شرف الجندية في جيشه، ومما زاد من تعجب الملك، أنه حتى يهدئ من روع من لم يقبلوا في جيشه، أن قال لهم : أنهم سيموتون يوماً في سبيل الحفاظ على حياته وملكه !، فكانت هذه الكلمات مرضية لسائر البنيين.
وعاد الملك إلى مملكته، وأمر بإحضار القائد الفاتح لبلاد البنيين، الذي كان ينتظر حظوة الملك، لكن .. ما كان من الملك إلا أن أمر بضرب عنقه، حتى لا يعرف سر البنيين غيره.
شادي طلعت