التواتر التاريخى فى الصلاة فى العصر العباسى ( 2 من 2 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢١ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

التواتر التاريخى فى الصلاة فى العصر العباسى ( 2 من 2 )

الصلاة والثياب

1 ـ وهناك روايات تتحدث عن الصلاة فى الثياب .

2 ـ ولم تكن تلك مشكلة فى عهد النبى حيث البساطة فى الثياب والفقر لذا قيل " كان الرجل من أصحاب النبى ليصلى أو ليؤم فى جبة واحده ليس عليه غيرها ( ابن سعد 6 ، 231 ) وقد سئلت أم سلمة فيم تصلى المرأة من الثياب ؟ فقالت: فى الخمار والدرع الذى يوارى ظهور القدمين ( ابن سعد ، 8 ، 350 ) .

3 ـ واختلف الحال فى العصر الأموى حيث عرفوا الثياب الفارسية ومنه الطيلسان مع أنواع مختلفة من الزى ، وكان لها تسميات مختلفة ، فكانت لكل واحد طريقته فى الزى وكانت لكل واحد طريقته فى الصلاة  فى هذا الزى ، فكان الأسود بن يزيد يسجد فى برنس طيالسه ، ويداه فيه أو فى ثيابه ، وقد توفى فى الكوفة سنة 75 هــ ( ابن سعد 5 ، 94 ) وكان مسروق يصلى فى برانسه ومسائقة لا يخرج يده منها ( ابن سعد 6 ، 50 ، 51 ) وكان مكحول إذا صلى يسدل عليه الطيلسان كثيرا ( 7 /  2 ، 161 ).  وقد أهديت لعلى زين العابدين بن الحسين معتقه فكان يلبسها فإذا أراد أن يصلى نزعها ( ابن سعد 5 ، 161 ) . أما الحسن البصرى فكان لا يخرج من البهرجة فى ثيابه ، إذ كان يصلى  كما يقول أحدهم "رأيت الحسن البصرى يصلى وعليه قبيصة كثيرة الأعلام ، فلا يخرج يده منها إذا سجد "( ابن سعد 7 ، 126 ).

4 ـ  وضمن معالم الترف التى عرفها العرب فى العصر الأموى إستخدام السجادة فى الصلاة ، وقد سئل سعيد بن المسيب عن الصلاة فى الطنفسة ( السجادة ) فقال محدث أى ابتداع ( ابن سعد 5 / 99 ) .

صلاة الجماعة والأمام :

1 ـ وكانت الصلاة تلتئم وتكتمل صفوفا خلف الأمام .

2 ـ  وهذه حكاية طريفة عن الربيع بن خيثم أحد مشاهير العابدين والمثقفين " كان فى المسجد رجل خلفه ، فلما بدأ الصلاة جعل الرجل يقول له : " تقدم " ، ولا يجد الربيع مساغا بين يديه ، فرفع يده فوجأ بها فى عنق الربيع ولا يعرف  الربيع ، فالتفت إليه الربيع وقال له : رحمك الله .. فبكى الرجل حين عرف ربيعا " ( ابن سعد 6 ، 130 )

3 ـ وتحدثت بعض الروايات عن الإمام فى الصلاة ، ووجدوا الجرأة فى نسبتها للنبى بزعمهم . " يروى أن سعد بن مسلمة الرمى قال : أتينا رسول الله فقلنا يا رسول الله من يصلى بنا ؟ فقال يصلى بكم أكثركم أخذا أو جمعا بالقرآن ، فكان مسلمة الجرمى يصلى بهم فى مسجدهم وعلى جنائزهم لا ينازعه أحد حتى مات " (ابن سعد 7 ، 63 ) . أما عن عثمان بن أبى العاص الثقفى فيزعمون أنه كان مع وفد ثقيف الذى وفد على النبى يعلن أسلامه وكان عثمان أصغرهم ، وقد جعله النبى أميرا اى إماما عليهم فى الصلاة ،وقال له ، أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ، وإذا أمّ  قومه فأقدرهم بأضعفهم ( أى يصلى بهم قدر ما يتحمل الضعيف ) وإذا صليت لنفسك فأنت وما ذاك " وقال له : خفف عن الناس الصلاة ( ابن سعد 5 ، 372 ، 373 ) .

4 ـ وهنا تأثر ضمنى بثقافة عصرها حيث يكون الوالى الأول هو والى الصلاة أة الإمام فى الصلاة ، ضمن المدلول السياسى للصلاة .  وحين تولى الأمويون الحكم كانت إمامة الصلاة ضمن مهامهم الدينية السياسة مع عدم الإهتمام بها . لذا كان المعارضون لهم من الفقهاء متمسكين بالصلاة والخشوع فيها كنوع من المزايدة الدينية بعد ان احتكر الأمويين الدنيا لهم ولذلك راج فى الأحاديث روايات تجعل إمامة الصلاة حقا للفقيه أوالقارىء. والقراء ( بالجمع ) كان المدلول الذى يطلق على الفقهاء المتعبدين فى هذا الوقت المبكر فى القرن الأول الهجرى وكانوا يرون أنفسهم الأحق بإمامة الصلاة طالما احتكر الأمويون السياسة وجعلوا أنفسهم أيضا أئمة الصلاة .. فى هذه البيئة نبتت هذه الأحاديث . والحسن البصرى أشهر معارض مسالم للأمويين كان أشهر أئمة عصره فى الصلاة يقول شعبة " رأيت الحسن البصرى قام إلى الصلاة فتكالبوا عليه " ( ابن سعد 7 ، 116 ) ، أى بمجرد أن قام يصلى تكالبوا ليصلوا وراءه مأمومين . واشتهر معروف بن واصل أنه ظل إماما فى الصلاة لقومه ستين سنة لم يسه ( من السهو ) فى صلاة قط ، لأنها كانت تهمة ( ابن سعد 6 / 248 ) .

5 ـ وفى العصر العباسى :

5 / 1 : اختلف الحال ، فالواقدى المؤرخ ( استاذ محمد بن سعد : " كاتب الواقدين ) كان مقربا من الخلفاء العباسيين ولم يكن متدينا ، وحدث أن صلى بعضهم خلفه فى صلاة الجمعة ، فقرأ الواقدى الأية الكريمة خطأ إذ قال " أن هذا لفى الصحف الأولى صحف عيسى وموسى " هذا ما رواه المؤرخ الصفدى فى : ( الوافى بالوفيات 4 ، 240 )

5 / 2 :  وفى الدولة العباسية كانت إمامة الصلاة ضمن الوظائف الرسمية وكان القاض يوسف بن يعقوب يصلى بالناس الجمعة بأمر هارون الرشيد فى مدينة أبى جعفر المنصور ، أى بغداد ( ابن سعد 7 / 2 ، 79 ).

5 / 3 :  وكان الخليفة العباسى يصلى إماما بالناس . واشتهر الخليفة المهدى بإمامة الصلاة ، وحين قدم للبصرة ( صلى بالناس الصلوات الخمس فى مسجدها الجامع ، وعندما أقيمت الصلاة قال أعرابى للخليفة : " لست على طهر وقد رغبت فى الصلاة خلفك فأمر هؤلاء بانتظارى" ،  فقال الخليفة : انتظروه ، ووقف الخليفة فى المحراب إلى أن قيل : قد جاء الرجل فكبّر ، فيعجب الناس من سماحة أخلاقه )( السيوطى تاريخ الخلفاء 442 ) .

5 / 4 : ويحكى الجوزى هذه الطرفة فى كتابه أخبار الأذكياء (صــ 142 ) : حكى يموت ابن المزرع : كان أبى والجماز يمشيان وأنا خلفهما بالعشى ، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمر عليه فيصلى معه ، فلما رآنا قام للصلاة مبادرا . فقال له الجماز : " دع عنك هذا فإن رسول الله قد نهى أن يتلقى الجلب ".

أوقات الصلاة

1 ـ وردت إشارات عن مواقيت الصلاة والإجتهاد فى تحديدها ضمن سطور الطبقات الكبرى لابن سعد .

2 ـ منها ما ورده حميد بن عبدالرحمن بن عوف . قال " رأيت عمر و عثمان يصليان المغرب فى رمضان إذا نظرا إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد" ( ابن سعد 5 ، 114 ) والواضح فى الرواية أنها أكثر دلالة على وقت الإفطار فى رمضان ، فالله تعالى يقول ": (   ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) 187 :البقرة) والخلاف فى موعد بدء الليل ، هل هو مجرد غروب الشمس أخذا من السياق القرآنى : (والليل إذا سجى " " والليل إذا عسعس "  " والليل إذا يغشى " وعليه فإن الغروب هو بداية الليل ، وهو وقت الإفطار فى الصيام . والفقهاء لم يلتفتوا للسياق القرآنى الأنف ، بل كان أسهل عليهم وضع رأيهم فى حديث منسوب للنبى محمد عليه السلام ، وهكذا فعلوا فى حديث التعجيل بالإفطار ، وفى المقابل جاء أخرون يؤخرون الإفطار فى رمضان إذا حل الليل وبعد أن يصليا المغرب ...أى الإنتظار قبل العشاء . المستفاد من الرواية السابقة أن هدفها الأساسى ليس تحديد وقت صلاة المغرب فالمغرب لا يحتاج إلى ذلك فإسمه مشتق من الغروب .

3 ـ وهناك روايه أخرى يقول صاحبها " وكنا قعودا عند ( على ) فجاء ابن النباح يؤذنه بصلاة العصر فقال : الصلاة الصلاة ، ثم قام بعد ذلك فصلى بنا العصر فجثونا للركب لنبصر الشمس وقد ولت .. ) ( ابن سعد 6 ، 166 ) .هذه الرواية تؤخر صلاة العصر إلى ما قبيل المغرب بدون عذر .

4 ـ وتقترب منها روايه أخرى تقول الجديد الذى ابتدعه الفكر التراثى هو الأوقات التى حظروا فيها الصلاة ، أو جعلوها مكروها وكالعادة اختلفوا فيها ولا شأن لنا بإختلافهم إلا أنهم وضعوا فى ذلك حديثا رواه ابن سعيد يزعم فيه أن النبى محمد قال : ان الشمس تطلع من قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها فإذا ارتفعت فارقها ، وقارنها حتى تستوى ، فإذا نزلت للغروب قارنها ، وإذا غربت فارقها , فلا تصلوا هذه الساعات " (ةابن سعد 7 ، 2 ، 142 ) ولتأكيد بعض فقرات هذا الحديث المفترى رووا أن خالد بن الوليد كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر ( ابن سعد 6 ، 148 ) وهذه الأساطير الفقهية كانت ولا تزال بعيده عن جمهور المسلمين ، وإن كان بعض الفقهاء قد التزم بها ، يدلنا على ذلك أن محتالا قام بتقليد الفقهاء المتنطعين فى المسجد للعبادة وقد حكى ابن الجوزى قصته فى أخبار الأذكياء وكيف سافر إلى حمص ، وانقطع بالمسجد متظاهرا بالعبادة والصلاة " فصلى نهاره أجمع وليلته لا يستريح إلا الأوقات المحظور الصلاة فيها " أخبار الأذكياء 107 تحقيق مرسى الخولى )

الصلاة فى النعلين ( الحذاء )

1 ـ مشهور الآن عدم الصلاة لمن يلبس النعلين ، كان المعروف فى العصر الأموى الصلاة فى النعلين ، واشتهر بذلك بعضهم الذى " كان يصلى فى نعليه " ( ابن  سعد  6 / 49 ) وقال عباد بن راشد " رأيت الحسن البصرى يصلى فى نعليه " ( ابن سعد 7 / 116 ) وقال سالم بن يسار " أنى لأصلى فى نعلى وخلعهما أهون على وما أبتغى بذلك إلا السنة " ( ابن سعد 7 ، 136 )أى أن السنة هى أن تصلى لابسا نعليك شأن بقية اللباس والزى . ولا بأس من ذلك ، ولكن هل يجرؤ أحد شيوخ الفقه السنى فى عصرنا على أن يؤم الناس فى المسجد وهو لابس حذائه ؟

2 ـ وبالمناسبة هل يجرؤ أحدهم على أن يؤدى الصلاة فى كنيسة ؟

مكان الصلاة

1 ـ يروى  سعد أن عمر بن عبدالعزيز صلى إماما بأصحابه فى كنيسة ( 5 ، 284 ) وقبيل وفاته اشترى عمر بن عبدالعزيز موضعا فى دير سمعان ، اشتراه من الراهب المسئول عن الدير بدينارين ، وقد عرض الراهب أن يعطى الأرض إلى عمر مجانا ولكنه رفض ، قال له الراهب : يا أمير المؤمنين والله إنه لخير أن يكون قبرك فى أرضى " فأبى عمر وابتاعه منه ( ابن سعد 5 ، 299 ) .  

2 ـ وبعضهم كان لا يرى بديلا عن المسجد مكانا للصلاة ، ومنهم الربيع بن خيثم ، الذى اعتاد حضور صلاة الجمعة فى المسجد طيلة عمره ، وقد أصيب فى أخر عمره بالفالج فكانوا يقودونه إلى المسجد ويقولون له يا أبا زيد قد رخص لك فيقول : اى أسمع حى على الصلاة .......  حى على الفلاح  ، فإن استطعتم فأتوها ولو حبوا " . وقال بعضهم " ما رأيت حيّا أكثر جلوسا فى المساجد من الثوريين والعرينين ، وإلى الثوريين ينتمى الربيع بن خيثم من آل ثور ، وكان فى بنى ثور ثلاثون رجلا ما منهم رجل دون ربيع بن الخيثم فى العبادة ، وقد مات ابن الخيثم بالكوفة .

3 ـ وضمن الترف الذى طرا على الحياة الأموية فى العصر الأموى إقامة مقاصير فى المسجد لأولى الأمر . وكان معاوية أول من اتخذ المقصورة فى المسجد بعد محاولة إغتيالة . وكان الأحنف بن قيس يكره أن يصلى فى المقصورة ( ابن سعد 7 ، 67 ) .

4 ـ وكان أنس بن مالك أخر من توفى من الصحابة فى البصرة ، إذ توفى سنة 92  هـ فى خلافة الوليد بن عبدالملك وقال عنه أبو هريرة : ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله من ابن أم سليم يعنى أنس بن مالك . وهذا العجب العجاب ، فليس من حق أبى هريرة إذا صحت هذه الرواية أن يشهد أبو هريرة لأنس بن مالك لأن أنس بن مالك خدم النبى محمدا وعائشة أما أبو هريرة فلم يمكث مع الرسول إلاإقٌل من سنتين وقد كان أنس بخدمته للرسول محمد والسيدة عائشة وهو صبى وحياته الطويلة بعده أهم مصدر للأخبار ، وقد ذكروا عنه أنه كان إذا دخل المسجد الحرام ليصلى ركز شيئا أمامه ، أو هيأ  شيئا ليصلى عليه ( ابن سعد 7 /  11 ) وهذا مفهوم من كثرة الإزدحام أمام المصلى فى الحرم المكى .

5 ـ وخارج المسجد كان مسرور إذا خرج وأبحر يأتى معه بلبنة ( طوبة ) ليسجد عليها فى السفينة ( ابن سعد 6 ، 53 ) .

6 ـ وبعضهم كان يصلى فى أى مكان دون تقييد بالمسجد ، فالأسود بن يزيد كان إذا حضره الصلاة نزل إلى أى حال كان ، وإن كان مكان خشن نزل وصلى ، وإن كانت ناقته فى صعود وهبوط أناخ ولم ينتظر ، وقالوا عنه أنه ذا كان أناخ بعيره صلى ولو على حجر ) ( ابن سعد 6 ، 47 ) وقد مات بالكوفة سنة 75 .

7 ـ وبعضهم كان يتجنب أماكن لا يصلى فيها ، ورددوا أن عليا بن أبى طالب ( مر على خشف بإبل " موضع مناخ الإبل " فلم يصلّ فيه حتى جاوزه ) ( ابن سعد 6 ، 169 ) .

 صلاة النساء

1 ـ حين يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ ) " الجمعة   " فالأمر للرجال والنساء مثلما يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾ )" البقرة  " ، فالنساء ضمن الذين آمنوا طالما لم تأت أية قرآنية تفيد حصر " الذين آمنوا" فى الرجال فقط .

وفى ضوء هذا النسق القرآنى نفهم صدقية هذه الرواية التى تفيد بمشاركة النساء فى الصلاة فىالمسجد فى عهد النبى محمد عليه السلام ، تقول أم هاشم " ما أخذت قاف والقرآن المجيد إلا على لسان النبى يقرؤها على الناس فى كل جمعة إذا خطبهم " (ابن سعد 8 ، 324 )، وفى رواية أخرى عن خولة بنت قيس الجهينة " كنت أسمع خطبة رسول الله وأنا فى مؤخرة النساء ، وأسمع قراءة ق والقرآن المجيد على المنبر ، وأنا فى مؤخرة المسجد " ( ابن سعد 8 ، 217) ، وبالتالى فلم تكن خطبة النبى لصلاة الجمعة سوى قراءة القرآن . وقد استمرت خولة بنت قيس فى المواظبة على حضور الصلاة فى المسجد مع النسوة الأخرين إلى خلافة عمر . قالت : كنا نكون فى عهد النبى وأبا بكر وصدر خلافة عمر نسوة قد تخاللن ( أى أصبحن خليلات وصديقات ) وربما غزلن ، وربما عالج بعضنا الخوص ، فقال عمر : لأردكن حرائر ، فأخرجنا منه . ألا كنا نشهد الصلاة فى الوقت " ( ابن سعد 8، 217 ) . هنا تحول حضورهم إلى المسجد إلى عادة لتمضية وقت الفراغ والتسلية ، ولهذا أخرجهن عمر من المسجد وقصر حضورهن على صلاة الجماعة .

2 ـ على أن حضورهن صلاة الجماعة امتد إلى صلاة العشاء، وما يعنى ذلك من خروجهن ليلا من المسجد ، وربما كان بعضهن يقيم جزءا من الليل فى المسجد فى صلاة الليل أو قيام الليل أو فى الإعتكاف ، هذا مستفاد من قوله سبحانه وتعالى فى تشريع الصوم والإعتكاف " ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ﴿١٨٧﴾ البقرة ) أن الأزواج والزوجات كانوا يعتكفون فى المساجد فى ليالى رمضان . وقد منع الله تعالى المعاشرة الجنسية بين الزوجين فى المسجد وقت الإعتكاف ، فى هذا الضؤ القرآنى نفهم رواية بنت سعد بن أبى وقاص وقد رؤيت خارجة من مسجد المدينة ليلا ومعها أصحابها ومعهن ضوء شمعة ( ابن سعد 8 ، 343 ).

3 ـ وبإيجاز كانت النسوة فى المسجد صفوفا خلف صفوفالرجال . وهناك رواية تقول " كان ابن مسعود يمر فى المسجد يتخطى الرجال والنساء " ( ابن سعد 8 ،358 ).

4 ـ واستمر هذا التقليد معمولا به فى حضور النساء للمسجد للصلاة والإعتكاف ، وقد كان من مشاهير الفقهاء فى العصر الأموى سعد بن كدام ، وهو أحد أعيان المرجئة، وهى فرقة معتدلة فى الصراع الفكرى والسياسى فى العصر الأموى ، كانت أم مسعد بنت كدام شمهورة بالتعبد وكان يرافقها ابنها سعد بن كدام كل يوم إلى المسجد :  "فكان يحمل معها لبدا ويمشى حتى يدخل المسجد فيبسط لها اللبد ، فتقوم فتصلى ، ويتقدم هو إلى المسجد فيصلى ، ثم يقعد فيجتمع إليه من يريد ثم فيحدثهم ، ثم ينصرف  إلى أمه فيحمل لبدها وينصرف معها ، ولم يكن له مأوى إلا منزله  والمسجد " ( ابن سعد 6 / 253 : 245 ) .

5 ـ وقصة عاتكة بنت زيد من طريف ما يحكى فى هذا المقام . وهى من أشهر الشخصسات النسائية فى تاريخ النساء الصحابيات ، وقد تحدث عنها أبن مسعود ، ثم توالى ذكرها فى المصادر التاريخية اللاحقة مثل " المحبر 437 ، نسب قريش 365 ، جمهرة أنساب العرب 152 ، الإستيعاب 1876 ، أسد الغابة 5 ، 497 ، الإصابة 4 ، 356 رقم 795 ، خزانة الأدب4 ، 351 ، المقاصد النحوية 2 ، 278 ، الوافى بالوفيات 16 ، 558 : 560 ، والطبقات الكبرى لإبن سعد 8 ، 195 ) . يقول عنها ابن سعد " عاتكة بنت زيد تزوجها عبدالله بن أبى بكر الصديق ، وبعد مقتل زوجها تزوجها عمر بن الخطاب ، وبعد مقتله تزوجت الزبير بن العوام ، وبعد مقتله أراد على بن أبى طالب أن يتزوجها فرفضت وقالت : يا أمير المؤمنين بالمسلمين إليك حاجة " ويقال : ثم تزوجها الحسن بن على ومات وهى فى عصمته . ما يهمنا فى سيرتها أن زوجها الزبير بن العوام رضى بشرطها ألا يمنعها من الصلاة فى المسجد حتى صلاة الفجر . تقول الرواية : " وكانت امرأة  خليقة ، وكانت إذا تهيأت إلى الخروج إلى الصلاة قال لها الزبير : والله إنك لتخرجين وإنى لكاره ، فتقول فتمنعنى فأجلس ؟، فيقول : كيف وقد شرطت لك ألا أفعل . فاحتال الزبير فجلس لها فى الطريق فى الغلس ( وقت الفجر ) ، فلما مرت وضع يده على كفلها ، فاسترجعت ثم انصرفت إلى منزلها ، فلما جاء الوقت الذى تخرج فيه للصلاة إلى المسجد لم تخرج ، فقال الزبير : مالك ؟ هذه الصلاة ؟ فقالت : فسد الناس والله لا أخرج من منزلى .."

إمامة المرأة فى الصلاة

1 ـ ليس فى القرآن ما يمنع أن تؤم المرآة الرجال فى الصلاة .ومنهج القرآن فى التشريع أنه يذكر المحظورات والمحرمات بينما المباح لا يتعرض له . وفى المجتمع الصحراوى البدوى الأبوى فى القرون الوسطى لم يكن منتظرا أن تؤم المرأة الرجال ، لذا كان معتادا أن تؤم المرأة غيرها من النساء أو أن يؤم الرجل النساء وهذا ما أيدته الروايات التى ساقها ابن سعد فى طبقاته ، ، قالت ريطة الحنفية " أمّتنا عائشة فى الصلاة ، فقامت وسطنا " وقالت نائلة بنت الرافصة زوجة عثمان وقالت حجيرة " أمّتنا أم سلمة فى صلاة العصر فقامت وسطنا " ( ابن سعد 8 ، 355 ، 356 ) .

2 ـ ومن ناحية أخرى كان هناك رجل يؤم النساء ، فقد كان سليمان بن أبى حتمة إماما للنساء بأمر عمر بن الخطاب ، ويقول ابن سعد أن أبى بن كعب وتميم الدارى كانا يصليان بالرجال بينما كان سليمان بن أبى حتمة يؤم النساء فى رحبة المسجد، فلما جاء عصر عثمان جمع النساء والرجال على قارىء واحد هو سليمان بن أبى حتمة ، وكان يأمر بالنساء فيحبسن حتى يمضى الرجال ثم يرسلن ( ابن سعد 5 ، 16، 17 ) أى بعد الصلاة كانت النساء ينتظرن فى المسجد إلى أن يخرج الرجال أولا .

اجمالي القراءات 7391