من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية ( 2 )

أولاً:

من بداية الخلافة العباسية إلى سنة 235 هجرية فى خلافة المتوكل على الله العباسى:

فى هذه الفترة واصل الأقباط ثوراتهم على ظلم الولاة العباسيين، وكان الاضطهاد فى أغلبه رسمياً من السلطة الحاكمة التى تريد اعتصار الضرائب بالقسوة، والعنف فلا يجد الأقباط المسالمون طريقة إلا الثورة التى تنتهى بالهزيمة والمذابح.. ونعطى أمثلة سريعة:

1 ـــ  فى سنة 150 هجرية ثار الأقباط فى سخا وطردوا ولاة الضرائب فأرسل لهم العباسيون جيشاً يقوده يزيد بن حاتم، وهاجم الأقباط الجيش ليلاً وقتلوا بعض أفراده وهزموا بعض فصائله، إلا أن الإمدادات العباسية تلاحقت وحاصرت الأقباط وهزمتهم، وامتد الانتقام إلى حرق الكنائس. واضطر الأقباط إلى دفع غرامة قدرها خمسون ألف دينار للوالى العباسى سليمان بن على كى يكف عن حرق الكنائس إلا أنه أبى..يقول المقريزى : (,, فاشتد البلاء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف وهُدمت الكنائس المحدثة بمصر فهدمت كنيسة مريم المجاورة لأبي شنودة بمصر وهدمت كنائس محارس قسطنطين فبذل النصارى لسليمان بن علي أمير مصر في تركها خمسين ألف دينار فأبى . )

2 ــ وتولى بعده الوالى موسى بن عيسى العباسى فاستمع إلى نصيحة الأئمة المستنيرين من الفقهاء المشهورين بمصر مثل الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة، وقد أفتوا له بأن بناء الكنائس من عمارة البلد، فأذن الوالى بإعادة بناء الكنائس،..يقول المقريزى : ( فلما ولي بعده موسى بن عيسى أذن لهم في بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة قاضي مصر واحتجا بأنّ بناءها من عمارة البلاد.)

3 ــ ولكن ظلت المظالم على حالها. فى سنة 156 هجرية عاد الأقباط للثورة فى بلهيت، فأرسل لهم الوالى موسى بن على جيشاً فهزمهم. يقول المقريزى : (خرج القبط ببلهيت سنة ست وخمسين فبعث إليهم موسى بن عليّ أمير مصر وهزمهم . )

4 ـ وفى الفتنة بين الأمين والمأمون يقول المقريزى : ( .. كانت الفتنة بين الأمين والمأمون فانتُهبت النصارى بالإسكندرية ، وأحرقت لهم مواضع عديدة ، وأحرقت ديارات وادي هبيب ونهبت فلم يبق بها من رهبانها إلاّ نفر قليل‏.‏ )

5 ـ وجاء المأمون لزيارة مصر وأنّب ولاة الصلاة واعتبرهم سبب المظالم والثورات، ومع ذلك كان المأمون أكثر ظلما إذ حارب الثوار من العرب والمصريين الأقباط ، وأنزل عقوبة القتل والسبى بحق الأقباط الثائرين ونسائهم وذريتهم، يقول المقريزى : (  وفي أيامه انتقض القبط في سنة ست عشرة ومائتين فأوقع بهم الإفشين حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد اللّه المأمون فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية فبيعوا وسبى أكثره ). وسنتعرض لهذا فى المقال القادم. لكن يهمنا هنا موضوع الصلاة والتكبير ، إذ صدر أمر الخليفة المأمون لجنوده فى هذا العام 216 بالتكبير فى الصلاة ثلاث تكبيرات ، يذكر ابن الأثير : (  وفيها كتب المأمون إلى أسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوأ،  فبدأ بذلك منتصف رمضان، فقاموا قياما ، وكبروا ثلاثأ،  ثم فعلوا ذلك في كل صلاة مكتوبة.) . هى صلاتهم الشيطانية .!
6 ــ  وكانت ثورة 216 هجرية هى آخر ثورات الأقباط الحربية، وبعدها اتبعوا طريق المقاومة السرية، ونحن ننقل معاناة الأقباط عن المقريزى وهو الذى لا يخفى تعصبه ضد النصارى، يقول فى التعليق على ثورة 216 هجرية وآثارها : ( ومن حينئذ ذلت القبط فى جميع أرض مصر ولم يقدر أحد منهم على الخروج على السلطان، وغلبهم المسلمون على عامة القرى، فرجعوا من المحاربة إلى المكيدة واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين..)

ثانياً: فى عصر الخليفة المتوكل

1 ـ شهد عصر الخليفة المتوكل ظاهرة جديدة هى انتصار الفكر الحنبلى المتشدد وهزيمة الفكر المعتزلى العقلانى، وقد استمال الحنابلة ورواة الأحاديث الخليفة المتوكل إليهم، فجعل ( السُّنّة ) الدين الرسمى ، وارسل دعاتها الى الآفاق ، وبتأثيرهم دخلت الدولة العباسية فى اضطهاد مخالفيها فى المذهب والدين، فحوكم شيوخ التصوف وطورد الشيعة وهدم ضريح الحسين فى كربلاء، وصدرت قرارات لاضطهاد اليهود والنصارى، وانتشرت الروايات والفتاوى التى تضع الإطار التشريعى لتلك الممارسات، ومنها الحديث المشهور "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..." ذلك الحديث الزائف الذى أثبتنا كذبه فى مقالة بجريدة الأحرار من حوالى ربع قرن ، والذى يعتبر الدستور العملى للتطرف حتى الآن..

2 ـ ترتب على هذا أن :

2 / 1 : اصبح إضطهاد الأقباط والمخالفين فى الدين والمذهب دينا أرضيا وفريضة تدعو اليها الأحاديث والفتاوى .

2 / 2 :  انتقل الاضطهاد للأقباط من دائرة الحكم والسياسة إلى الشارع والعوام، وساعدت الروايات والفتاوى وجهود الفقهاء والقصاصين وأهل الحديث فى شحن الأفراد العاديين بالكراهية ضد مخالفيهم فى المذهب سواء كانوا صوفية أو شيعة أو كانوا مخالفين لهم فى الدين أى من اليهود أو من النصارى.. وبالتالى تحول الاضطهاد الرسمى العنصرى للأقباط إلى اضطهاد دينى يشارك فيه المصرى المسلم ضد أخيه المصرى القبطى..

3 ـ وبمرور الزمن تعاظم تأثير تلك الروايات والفتاوى وأصبحت ركائز دينية تفرق بين أبناء الشعب الواحد وتباعد بينهم وبين الدين الحق الذى نزل على خاتم الأنبياء عليهم السلام. والمؤسف أن المسلم اليوم - إذا أراد أن يتدين - يجد أمامه كتابات اولئك الأئمة فيما يعرف الآن بكتب الفقه والسنن وقد احتوت على تلك الروايات والفتاوى فيأخذها عنهم كأنها الدين الحق ويصدق نسبتها الكاذبة للنبى محمد ، مع انها – أى تلك الأحاديث – قد كتبوها ونسبوها للنبى بعد موته بأكثر من قرنين من الزمان عبر اسناد شفهى مضحك. الا أن المسلم اليوم يصدق هذه الأحاديث المفتراة ويعتقد أن النبى محمدا عليه السلام قد قالها فعلا ، وعلى أساسها يعتقد أن كراهية المخالفين فى المذهب والاعتقاد من معالم الدين حتى لو كانوا من المسالمين الصابرين. والدليل على ذلك ما نراه فى عصرنا الراهن من اضطهاد للأقباط مع علو لنفوذ التيار الحنبلى السلفى والذى استعادته الدولة السعودية عبر مذهبها الوهابى وأصبح من علاماته التطرف والتعصب والانغلاق واضطهاد المخالفين والحكم بتكفيرهم وما يترتب على التكفير من سفك للدماء واستحلال للأموال..

أعاد ذلك لعصرنا الراهن ما ساد فى عصر الخليفة المتوكل العباسى من سطوة الفقهاء المتزمتين الذين سموا أنفسهم بأهل السنة واستمرت سطوتهم فى عصر من جاء بعده من الخلفاء حتى أصبحت سياسة متبعة . ثم اعاد التطرف الوهابى والنفوذ السعودى هذا التراث حيا فى عصرنا.وليس غريباً بعدها أن نعرف أن أئمة الحديث المشهورين عاشوا تلك الفترة من ابن حنبل إلى البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ،وقد أصبحوا الآن فى عصرنا آلهة منزهة عن الخطأ ومن يناقشهم - معتبرا اياهم بشرا يخطئون ويصيبون – يكون مصيره الاتهام بالكفر وإنكار السنة.!!

4 ــ ونعود إلى الروايات التاريخية فى سردها للتطور الجديد فى اضطهاد الأقباط فى هذه الفترة.

4 / 1 : فى سنة 235 هجرية أصدر الخليفة المتوكل مرسوماً يهدف إلى تحقير (أهل الذمة) فى كل الامبراطورية العباسية، وذلك بإلزامهم بارتداء زى معين ومظهر معين، مع هدم الكنائس الجديدة وتحصيل الضرائب والعشور من منازلهم وأن يجعل على أبواب بيوتهم صوراً للشياطين، ونهى المرسوم عن توظيفهم وتعليمهم عند المسلمين، وتسوية قبورهم بالأرض وألا يحملوا الصليب فى أعيادهم وألا يشعلوا المصابيح فى احتفالاتهم وألا يركبوا الخيول.. وقد طبق الولاة ذلك على أقباط مصر وأصبحت سنة متبعة.

4 / 2 : يذكرها ابن الأثير فى أحداث عام 235 . يقول ابن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) : ( وفي هذه السنة أمر المتوكل أهل الذمة بلبس الطيالسة العسلية، وشد الزنانير، وركوب السروج بالركب الخشب، وعمل كرتين في مخر السروج، وعمل رقعتين على لباس مماليكهم مخالفتين لون الثوب، كل واحدة منهما قدر أربع أصابع، ولون كل واحدة منهما غير لون الأخرى، ومن خرج من نسائهم تلبس إزاراً عسليأن ومنعهم من لباس المناطق، وأمر بهدم بيعهم ( كنائسهم ) المحدثة، وبأخذ العشر من منازلهم، وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب، ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان، ولا يعلمهم مسلم، وأن يظهروا في شعانينهم صليبأن وأن يستعملوه في الطريق، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض، وكتب في ذلك إلى الآفاق.)

4 / 3 : وذكرها ابن الجوزى فى أحداث عام 239 ، يقول : (  ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين ،

فمن الحوادث فيها‏:‏ أخذ المتوكل أهل الذمة بلبس رقعتين عسليتين على الأقبية والدراريع وكان ذلك في المحرم ، وأن تصنع النساء مقانعهن عسليات ، ثم أمر في صفر بأن يقتصروا في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين ‏. )

4 / 4 : ويذكرها المقريزى فى ( الخطط ) فى عام 235 . يقول : ( ..وفي أيامه أمر المتوكل على الله في سنة خمس وثلاثين ومائتين أهل الذمّة بلبس الطيالسة العسلية وشد الزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وعمل كرتين في مؤخر السرج وعمل رقعتين على لباس رجالهم تخالفان لون الثوب قدر كلّ واحدة منهما أربع أصابع ولون كلّ واحدة منهما غير لون الأخرى ومن خرج من نسائهم تلبس إزارًا عسليًا ومنعهم من لباس المناطق وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان ولا يعلمهم مسلم ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبًا وأن لا يشعلوا في الطريق نارًا وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض . وكتب بذلك إلى الآفاق .  ثم أمر في سنة تسع وثلاثين أهل الذمّة بلبس دراعتين عسليتين على الذراريع والأقبية وبالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين‏.‏ ).

5 ـ ومفهوم تلك القرارات أن يشارك الناس فى إلزام الأقباط بها، ومن هنا بدأ انغماس العوام فى اضطهاد الأقباط.. وتعلموا أن ذلك يعنى إظهار الإخلاص للإسلام، وانتقل ذلك الفهم الخاطىء لبعض الولاة المتدينين مثل أحمد بن طولون الذى استقل بمصر ذاتياً فى إطار الخلافة العباسية، وكان معروفاً بتدينه وجرأته على سفك الدماء لصالح سلطانه، ولم يكن الأقباط يشكلون خطراً على نفوذه، بل كان يستعين بهم فى دواوينه وأعماله ومع ذلك فقد قام بعمليات اضطهاد ضد الأقباط كأفراد ومنشآت دينية.. ولم تكن له فيها دوافع سياسية، مما يرجح أن دوافعه كانت دينية نتيجة تأثره بالفكر السلفى السنى السائد، وقد كان معروفاً بإخلاصه لذلك الفكر. والمقريزى يذكر أن أحمد بن طولون ألزم البطرك ميخائيل بدفع غرامة قدرها عشرون ألف دينار واضطره لبيع أوقاف الكنيسة، وفرض ابن طولون ضرائب جديدة على الأقباط..

6 ـ وحدث سنة 300 هجرية إحراق كنيسة القيامة فى الإسكندرية..

7 ـ وبعد انتهاء الدولة الطولونية اشتد الوالى ابن الجراح على الأقباط وألزم الرهبان بدفع الجزية فاستغاثوا بالخليفة العباسى المقتدر فأمر برفع الجزية عنهم اكتفاء بما دفعه عامة الأقباط.

8 ـ وأقام محمد بن طغج دولته الأخشيدية بمصر فأرسل فرقة من جيشه إلى مدينة تنيس على ساحل المتوسط فى سيناء فصادر ما فى الكنيسة الملكية بها.

9 ـ أصبح إضطهاد الأقباط شريعة دينية بما إقترفه الخليفة المتوكل ( على الله ) ، وبما إفتراه الحنابلة من أحاديث ، وخصوصا حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) ، وقد إعتبروا بيوت العبادة لمخالفيهم فى الدين والمذهب منكرا يجب إزالته. 

اجمالي القراءات 4707