الصلاة الشيطانية للخوارج ( 4 ) بين الحجاج وشبيب الخارجى (2 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٩ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الصلاة الشيطانية للخوارج ( 4 ) بين الحجاج وشبيب الخارجى (2 )

لمحة عن  ( شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانى ) وزوجته غزالة

1 ـ قيل إن أباه ( يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به الوليد بن عقبة على أمر عثمان بن عفان إياه بذلك مددًا لأهل الشام إلى أرض الروم ، فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع ، فرأى يزيد بن نعيم جارية حمراء لا شهلاء ولا زرقاء طويلة جميلة تأخذها العين فابتاعها ، وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة . فلما أدخلها الكوفة قال‏:‏ " أسلمي " فأبت ، فضربها ، فلم تزدد إلا عصيانًا ، فأمر بها فأصلحت له ثم أدخلت عليه فلما تغشاها حملت ، فولدت له شبيبًا في ذي الحجة يوم النحر ، وكان يوم السبت ، وأسلمت قبل أن تلده ). أى إشترك يزيد بن نعيم فى حملة فى غزو الروم فى خلافة عثمان، ورجعوا بالسبى من النساء ، وعرضوا نساء السبى للبيع فى المزاد على العادة. فرأى يزيد فتاة أعجبته فإشتراها ، وحملت بشبيب.

وعاش شبيب مع قومه ربيعة الناقمين على قريش ، وسرعان ما أصبح أشهر قواد الخوارج فى العصر الأموى. تزعّم شبيب فرقة الحرورية من الخوارج ، وهزم عشرين جيشا للحجاج وخمسة من قواده فى مدة سنتين فقط .

2 ـ زوجته غزالة مولودة فى الموصل . وشاركت زوجها شبيب فى حروبه ضد الأمويين. كانت غزالة قد نذرت لله جل وعلا أن تصلى فى مسجد الكوفة ، فصاحبت زوجها حين دخل الكوفة غازيا للمرة الثانية ، وكان مع غزالة مائتان من نساء الخوارج مسلحات ، ووصلوا الى المسجد الجامع فقتلوا الحراس ومن يصلى فى المسجد ، وخطبت غزالة على المنبر، هذا بينما هرب منها الحجاج متحصنا فى قصره .

3 ـ سجل هذا الشعراء، ومنهم عمران بن حطان ( ت 84 ) وهو من الخوارج الشراة ،من شيبان بن بكر بن وائل. كان الحجاج يطارد هذا الشاعر الخارجى ، فقال الشاعر يعيّره :  أسد علىّ وفى الحروب نعامة      ربداء  تجفل من صفير الصافر

هلا برزت الى غزالة فى الوغى      بل كان قلبك فى جناحى طائر

صدعت غزالة قلبه بفوارس              تركت منابذه كأمس الدابر  

وصار قوله ( أسد علىّ وفى الحروب نعامة ) مثلا .  

ونعطى بعض التفصيل ، وفيها لا نهتم بتحركات القتال فى المعارك بين الحجاج وشبيب. نختار فقط السطور التى جاءت فيها إشارة للصلاة والمسجد وما يتصل بجعل الصراع بينهما دينيا ؛ دين الأمويين ودين الخوارج .

أولا : الصلاة والمسجد فى صراع الحجاج وشبيب :

 

1 ـ ( دخل شبيب الكوفة : ..... وذلك أنه لما قتل صالح كان قتله يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقين من جمادى الآخرة ، فقال شبيب لأصحابه‏:‏ بايعوني أو بايعوا من شئتم فبايعوه ، فخرج فقتل من قدر عليه . وبعث الحجاج جندًا في طلبه فهزمهم فبعث إليهم سورة بن الأبجر فذهب شبيب إلى المدائن فأصاب منها وقتل من ظهر له ، ثم خرج فأتى النهروان ، فتوضأ هو وأصحابه وصلوا ، وأتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب فاستغفروا لإخوانهم وتبرأوا من علي وأصحابه ، وبكوا فأطالوا البكاء ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان ونزلوا في جانبه الشرقي ثم التقوا فهزموا سورة.. ) . شبيب قتل ( من قدر عليه ) وقتل من ( ظهر له ) ثم ذهب يحُجُّ وأصحابه الى النهروان حيث كانت معركة النهروان التى قتل فيها (على ) معظم الخارجين عليه ، فتوضأ هو واصحابه وصلُّوا ، وبكوا علي أسلافهم قتلى النهروان واستغفروا لهم. .

 2 : ( ...ثم جاء شبيب حتى دخل الكوفة ومعه زوجته غزالة، وكانت نذرت أن تصلي في جامع الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران، واتخذ في عسكره اخصاصاً، فجمع الحجاج ليلاً بعد أن لقي من شبيب الناس ما لقوا فاستشارهم في أمر شبيب، فأطرقوا، ) (.. أن غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران فدخل بها شبيب الكوفة فوفت بنذرها‏.  ). أى هو تمام التحدى للحلاج ، أن تصلى فى جامع الحجاج والأمويين فى الكوفة ( وهو رمز دينى لحكمه )، وأن تقرأ فيهما سورتى البقرة وآل عمران . أى كانت تحفظ  أطول سورتين فى القرآن .!

3 : ( ..ذكر قدوم شبيب الكوفة وانهزامه عنها:..  وجاء شبيب فعسكر بناحية الكوفة وأقام ثلاثاً، فلم يكن في اليوم الأول غير قتل الحارث ، فلما كان اليوم الثاني أخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك، وجاء شبيب فنزل السبخة وابتنى بها مسجداً .. ). وفى رواية أخرى :  ( ..ثم أقبل إلى الكوفة وبعث الحجاج إليه جيشًا فهزمهم وجاء شبيب حتى ابتنى مسجدًا في أقصى السبخة  ) فى خضم معاركه شبيب يبنى مسجدأ .

4 : ( .. وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه، فوثبوا في وجهه، وما زالوا يطاعنونه ويضاربونه قدما ويدفعونه وأصحابه حتى أجازوهم مكانهم، وأمر شبيب أصحابه بالنزول، فنزل نصفهم، وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبيب ثم قال: " يا أهل الشام هذا أول الفتح "، وصعد المسجد ومعه جماعة معهم النبل ليرموهم إن دنوا منه، فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال رآه الناس...) الحجاج إستولى على ( مسجد شبيب ) وإعتبر هذا أول الفتح لأن المسجد مركزا حربيا ، وإعتلى المسجد ومعه فريق من الرُّماة ليرموا جيش شبيب إن إقتربوا من المسجد الذى إبتناه شبيب. المسجد هنا مركز حربى. .  

5 : ( .. فخرج الناس يلعنون عنبسة بن سعيد لأنه هو الذي كلم الحجاج فيه حتى جعله من صحابته، وصلى الحجاج من الغد الصبح واجتمع الناس ...) . الحجاج يصلى الصبح ويجتمع اليه الناس فى المسجد.! الصلاة الشيطانية يؤدونها ــ كالعادة ـ فى معاركهم . لأنها أحد طقوس دينهم الشيطانى .

6 ـ عندما إقترب شبيب من جيش الحجاج فى الأنبار لم ينس أن يصلى المغرب. تقول الرواية : ( فخرج في أثره حتى نزل الأنبار، وكان الحجاج قد نادى عند انهزامهم: من جاءنا منكم فهو آمن. فتفرق عن شبيب ناس كثير من أصحابه. فلما نزل حبيب الأنبار أتاهم شبيب، فلما دنا منهم نزل فصلى المغرب ..).

7 ـ وفى رواية أخرى عن شبيب : ( فلما بلغ عتاب سوق حكمة أتاه شبيب، وكان أصحابه بالمدائن ألف رجل، فحثهم على القتال، وسار بهم، فتخلف عنه بعضهم، ثم صلى الظهر بساباط وصلى العصر وسار حتى أشرف على عتاب وعسكره، فلما رآهم نزل فصلى المغرب،  ..)

8 : التوقيت التوقيت بوقت الصلوات

8 / 1 :  ( ..  وخرج الحجاج نحو الكوفة فبادره شبيب إليها ، فنزل الحجاج الكوفة صلاة العصر ونزل شبيب السبخة صلاة المغرب. ) التوقيت هنا بمواقيت الصلاة : الحجاج يصل وقت صلاة العصر فى الكوفة ، وشبيب يصل وقت صلاة المغرب فى موضع آخر.

8 / 2 : ( .. ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر.. )

ثانيا : التكبير وإستعمال لفظ الجلالة

1 ـ  (ثم إن خالد بن عتاب قال للحجاج: ائذن لي في قتالهم فإني موتور، فأذن له، فخرج ومعه جماعة من أهل الكوفة وقصد عسكرهم من ورائهم فقتل مصاداً أخا شبيب وقتل إمرأته غزالة وحرق في عسكره. وأتى الخبر الحجاج وشبيباً، فكبر الحجاج وأصحابه، وأما شبيب فركب هو وأصحابه، وقال الحجاج لأهل الشام: احملوا عليهم فإنهم قد أتاهم ما أرعبهم. فشدوا عليهم فهزموهم، وتخلف شبيب في حامية الناس. فبعث الحجاج إلى خيله: أن دعوه، فتركوه ورجعوا، ودخل الحجاج إلى الكوفة فصعد المنبر ثم قال: والله ما قوتل شبيب قبلها، ولى والله هارباً وترك امرأته يكسر في استها القصب.). خالد بن عتاب قتل أخ شبيب وقتل غزالة فى هذه المعركة . وعندما عرف الحجاج صاح وأصحابه : ( الله أكبر ). ثم دخل الحجاج الكوفة وصعد منبر المسجد فيها وقال كلمة بذيئة فى حق غزالة (..وترك امرأته يكسر في استها القصب.! ) . نسى الحجاج أنه هرب منها متحصنا بقصره.!

2 ـ وعندما جاء الخبر بغرق شبيب فى نهر دجيل صاح سفيان قائد جيش الحجاج بالتكبير هو وجنوده : ( وكان أهل الشام يريدون الانصراف، فاتاهم صاحب الجسر فقال لسفيان: إن رجلاً منهم وقع في الماء، فنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين! ثم إنهم انصرفوا راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد، فكبّر سفيان وكبّر أصحابه، )

3 ـ  ( ثم دعا حبيب بن عبد الرحمن الحكمي فبعثه في ثلاثة آلاف فارس من أهل الشام في أثر شبيب، وقال له: "احذر بياته وحيث لقيته فانزل له، فإن الله تعالى قد فل حده وقصم نابه"...). الحجاج ينسب إنتصاره على شبيب الى رب العزة جل وعلا بقوله : ( فإن الله تعالى قد فل حده وقصم نابه ) .

4 ـ  (   .. وحمل شبيب على خالد بن عتاب ومن معه وهو على ميسرة الحجاج فبلغ بهم الرحبة، وحمل على مطر بن ناجية وهو على ميمنة الحجاج فكشفه، فنزل عند ذلك الحجاج ونزل أصحابه وجلس على عباءة ومعه عنبسة بن سعيد، فإنهم على ذلك إذ تناول مصقلة بن مهلهل الضبي لجام شبيب وقال: ما تقول في صالح. فقال له مصقلة: برئ الله منك، وفارقه إلا أربعين فارساً. فقال الحجاج: قد اختلفوا،) . مصقلة الضبى من أتباع شبيب ، وإختلف معه فقال لشبيب : ( برىء الله منك ) . أى طالما تبرأ من شبيب فقد تبرأ الله من شبيب.!

5 ــ ( فاقتتلوا قتالًا شديدًا ، ثم حمل شبيب بجميع أصحابه ، ونادى الحجاج بجماعة الناس فوثبوا في وجهه فما زالوا يطعنون ويضربون ، فنادى شبيب‏:‏ " يا أولياء الله فى الأرض " ، ثم نزل وأمر أصحابه فنزل بعضهم  .. ) . شبيب يجعل أصحابه ( اولياء الله ).

‏6 ـ (.. وبلغ شبيب أن عبد الرحمن بالأنبار ، فأقبل بأصحابه فبيتهم فما قدر عليهم بشيء لأنهم قد احترزوا ، وجرت مقتلة وسقطت أيد وفقئت أعين ، فقتل من أصحاب شبيب نحو من ثلاثين ، ومن الآخرين نحو من مائة . فملّ الفريقان بعضهم بعضًا من طول القتال ، ثم انصرف عنهم شبيب وهو يقول لأصحابه‏:‏ " ما أشد هذا الذي بنا لو كنا إنما نطلب الدنيا ، وما أيسر هذا في جانب ثواب الله عز وجل."! ) شبيب يرى أن قتله الناس وقتاله الناس من أجل ثواب الله جل وعلا. 

7 ـ  (  وقام إليه زهرة بن حوية، وهو شيخ كبير لا يستتم قائماً حتى يؤخذ بيده، فقال له: أصلح الله الأمير أنك إنما تبعث إليهم الناس منقطعين، فاستنفر الناس إليهم كافة وابعث إليهم رجلاً شجاعاً مجرباً ممن يرى الفرار هضماً وعاراً، والصبر مجداً وكرماً. فقال الحجاج: فأنت ذلك الرجل فاخرج. فقال زهرة: أصلح الله الأمير، إنما يصلح الرجل يحمل الدرع والرمح ويهز السيف ويثبت على متن الفرس، وأنا لا أطيق من هذا شيئاً، وقد ضعف بصري وضعفت، ولكن أخرجني مع الأمير في الناس فأكون معه وأشير عليه برأيي. فقال الحجاج: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله في أول أمرك وآخره، فقد نصحت. .. ). رجل نصح الحجاج فقال له الحجاج : " جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله. ".!!

8 ـ عن شبيب ووصوله الى قصر الحجاج ( ثم دخل الكوفة وجاء حتى ضرب باب القصر بعموده ثم خرج من الكوفة ، فنادى الحجاج وهو فوق القصر‏:‏ يا خيل الله اركبي‏. ). الحجاج يجعل خيوله ( خيل الله ).!! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. .

ثالثا : دين شبيب ضد دين الحجاج :

يتشاركان فى الصلاة الشيطانية ، وفى القتال ، وفى التكبير ، وكلاهما يزعم أن الله جل وعلا فى جانبه. يتشاركان فى عبادة الشيطان الذى أضلّهم وجعلهم يحسبون أنهم مهتدين ، وهما دينان مختلفان متصارعان ، ولكن تأديتهما الصلاة شكلا تجعل كلا منهم يعتقد أنه على الحق. ونعطى أمثلة :

1 ـ ( شبيب ) كان لقبه ( امير المؤمنين ) وكان يطلب من الناس أن يبايعوه ، وإلا قتلهم . وعندما قتل القائد الأموى عتّاب منع قتل الأسرى حتى يبايعوه خليفة ، فبايعوه خوف القتل ثم هربوا منه ليلا.تقول الرواية : (...وتمكن شبيب من العسكر وحوى ما فيه فقال‏:‏ " ارفعوا عنهم السيف"  ثم دعا إلى البيعة ، فبايعه الناس من ساعتهم ، وهربوا تحت الليل. )   

2 ـ وصيغة البيعة له هى شهادة: ( لاحكم إلا الله ) . تقول الرواية : (.. فرجع إليه ثمانية نفر فقاتلوه حتى بلغوا به الرحبة، وأتي شبيب بخوط بن عمير السدوسي فقال: يا خوط لا حكم إلا الله. فقال: إن خوطاً من أصحابكم ولكنه كان يخاف، فأطلقه؛ وأتي بعمير بن القعقاع فقال: يا عمير لا حكم إلا الله. فقال: في سبيل الله شبابي، فردد عليه شبيب: لا حكم إلا الله، فلم يفقه ما يريد، فقتله.). شبيب يعرض دينه على عمير ( لا حكم إلا لله ) ينتظر منه أن يردد نفس الشهادة بعده . لم يفعل فقتله.!  

3 ـ وكان الخوارج يقاتلون أهلهم الذين هم على دين الأمويين ، يعتبرونهم كفارا. وبعض أتباع شبيب من قبيلة (تيم ) وقد رأوا منه تهاونا فى قتال عشيرته الشيبانيين مع انهم يقتلون ويقتلون عشائرهم من بنى (تيم ) ، فهجموا على عشيرة شبيب يقتلونهم بدون إذن شبيب  ، فقال شبيب لقائدهم : ( ما حملك على قتلهم بغير أمري؟ فال: له: قتلت كفار قومي فقتلت كفار قومك، ومن ديننا قتل من كان على غير رأينا، وما أصبت من رهطي أكثر مما أصبت من رهطك، وما يحل لك يا أمير المؤمنين أن تجد على قتل الكافرين. قال: لا أجد ). ( تجد ) من الوجد ، وهو التعاطف . يتهمه بالتعاطف حزنا على قتل قومه ، وشبيب ينفى هذا.
4 ـ شبيب يحزن أن بعض قومه من ربيعة فى جيش الحجاج وهو يراهم كفارا ،ويعلن شعار دينه : ( .. ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر، فناداهم: لمن هذه الرايات؟ فقالوا: رايات لربيعة. قال: طالما نصرت الحق وطالما نصرت الباطل، والله لأجاهدنكم محتبساً، أنا شبيب، لا حكم إلا الله، للحكم، اثبتوا إن شئتم! ثم حمل عليهم ففضهم، ) وحزن على قائدهم القتيل : ( ..  ثم وقف عليه وقال: ويحك لو ثبت على إسلامك الأول سعدت!  )

5 ـ وقبيل قتل ( عتّاب ) القائد للجيش الأموى قال له صاحبه زهرة بن حوية : (أحسنت يا عتاب، فعلت فعلاً لا يفعله مثلك. أبشر، فإني أرجو أن يكون الله، جل ثناؤه، قد أهدى إلينا الشهادة عند فناء أعمارنا ..) يعتبر مقتله شهادة عند الله  جل وعلا.

6 ـ وبعد مقتل زهير بن حوية وقف عليه شبيب حزينا : ( .. فانتهى إليه شبيب فرآه صريعاً فعرفه فقال: هذا زهرة بن حوية، أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك وعظم فيه غناؤك! ولرب خيل للمشركين هزمتها وقرية من قراهم جم أهلها قد افتتحتها! ثم كان في علم الله أنك تقتل ناصراً للظالمين. وتوجع له. فقال له رجل من أصحابه: إنك لتتوجع لرجل كافر. فقال إنك لست أعرف بضلالتهم مني، ولكني أعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف، ما لو ثبتوا عليه لكانوا إخواننا ). شبيب يتحسر على صديقه زهير أنه مات كافرا بدين الخوارج ، مات على دين الأمويين مناصرا للظالمين.

7 ـ بلغ الأمويين الذروة فى الظلم ، وظلمهم جعل كثيرين يعتنقون دين الخوارج. بل جعل مطرف بن المغيرة بن شعبة ينضم للخوارج. أبوه المغيرة بن شعبة من أبرز قواد معاوية ، وهو من ثقيف المُضرية ، والى ثقيف ينتمى الحجاج بن يوسف (الثقفى )، لذا إهتم الحجاج بأبناء المغيرة فجعل عروة بن المغيرة واليا على الكوفة وجعل مطرف بن المغيرة واليا على المدائن ، وولى حمزة بن المغيرة على همدان. ومع هذا إنضم مطرف بن المغيرة الى شبيب خارجا على الحجاج. وكان هذا عام 75. تقول الرواية : (في هذه السنة خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج وخلع عبد الملك بن مروان ولحق بالجبل فقتل‏...). الذى يعنينا هنا أنه كان خروجا على ( دين الأمويين ) أى كان إقتناعا بدين الخوارج. نفهم هذا حين إقترب شبيب من المدائن التى يحكمها مطرف ، وقبيل الحرب بعث مطرف الى شبيب يطلب منه وفدا من عنده يدارسهم القرآن ، تقول الرواية : ( ..وبعث إلى شبيب‏:‏ " ابعث رجالًا من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن فأنظر ما تدعون إليه.." ...    وبعثوا إليه رجالًا..) وترددوا اليه فإقتنع ( .. وما زالوا يترددون إليه حتى وقع في نفسه خلع عبد الملك والحجاج... فخرج وجمع رؤوس أصحابه وقال لهم‏:‏ " إني أشهدكم أني قد خلعت عبد الملك والحجاج فمن أحب فليصحبني ومن أبى فليذهب حيث شاء فإني لا أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور‏." .).وبعث الحجاج بجيش هزمه وقتله.

وكان إحراجا للحجاج أن يخرج عليه أحد قواده وهو أيضا من أعيان قومه ثقيف وأبن للمغيرة بن أبى شعبه الذى مات على دين معاوية . لذا كان الحجاج يقول : ( إن مطرفاً ليس بولد للمغيرة بن شعبة إنما هو ولد مصقلة بن سبرة الشيباني، وكان مصقلة والمغيرة يدعيانه.. ) يقول صاحب الرواية معلقا : ( قال الحجاج ذلك لأن كثيراً من ربيعة كانوا من الخوارج ولم يكن منهم أحد من قيس عيلان . ). أى نسب مطرفا الى رجل من شيبان قوم شبيب وليس الى المغيرة بن أبى شعبة .

والواقع أن الصحابى ( الجليل ) المغيرة بن أبى شعبة كان زانيا محترفا مدمنا على الزنا مع كثرة نسائه وجواريه . وقد عزله عمر بن الخطاب بسبب إتهامه بالزنا. والحجاج يعتمد على الثقافة العربية المتوارثة . إذ كان متعارفا عليه أن العاهرة حين تلد طفلا تنسبه الى من تشاء من عشاقها. وهذا ما حدث مع الصحابى ( الجليل ) عمرو بن العاص ، إذ كانت أمه من البغايا العاهرات إسمها ( النابغة ) وحين ولدت (عمرا ) تنازعه كثيرون فإختارت أن تنسبه الى العاص من بينهم. وحافظ المغيرة وعمرو بن العاص ومعاوية وغيرهم على الصلاة الشيطانية.

وكل عام وأنتم بخير.  

اجمالي القراءات 4491