تبدأ القصة بخبر مفاده أن قيصر روما أرسل أحد رجاله المقربين واسمه بيلاطس البنطي ليتولى مقاطعة "يهودا" لما عُرف عنه من قوة وحنكة وإخلاص، وقد حكم المقاطعة بقبصة فلاذية مفتولة، فمال شيوخ اليهود إليه ودانوا له خاضعين. وكان الرجل وثنيا يقدس الصور، لكنه ذو دهاء تحار فيه الشياطين، وقد دامت فترة حكمه عقدا كاملا.. وخلال هذه الفترة شهدت المقاطة عديد الاضطرابات قُتل فيها بعض المواطنين، منها ثورة دموية تولى كبرها رجل يسمى "يسوع ابن المعلم" وبعضهم يسميه "يسوع ابن الأب (Jésus Bar Abbas). وبعد أن أُلقي القبض على الثائر المتمرد أُودع السجن متهما بممارسة الوكز والقتل والجبروت، ودخل معه السجن فتيان. ويُستشف من بعض المراجع المسيحية أن هذين الفتيين لم يكونا لصين عاديين كما هو شائع، بل كانا كصاحبهما من أخطر المتمردين على السلطة الرومانية، ولذلك عُلقا على الصليب تعليقا دمويا شنيعا، وأحسب أن الطير لم تفرط في رأسيهما.
ويسألني القاريء الكريم عن مصير صاحبهما، فأقول: أٌطلق سراحه، وقُتل بدله يسوع أخر، وذلك لإرضاء شرذمة من المشاغبين تزعم أنه تنبأ وجدف وهرطق وفعل وفعل..
فإن راودك ـ يا صاحبي ـ شك بشأن الحكاية فأنت كافر بأبيك الذي في السماء، بعيدا كل البعد عن الخلاص والمخلصين، قليل الدراية بجهود كنيستنا في تأويل النصوص، وتفسير الماء بالماء والصابون.
قال صاحبي وهو يحاورني: كيف، ولماذا !؟ ومن أين جئت بهذا !؟ وما يدريك لعل بيلاطس مكر بهم مكرا لإرضاء زوجه وإسكات خصمه ؟
قلت: أحسب أن الأمر كما وصفت أنت، أي أنهم صلبوا يسوع ابن الأب ، وليس يسوع ابن الأم، فكل المصادر توحي للقارئ المتأمل أن الملك لم يخالف قانونا، ولا أغضب زوجا، بل جملة ما صنع أن كاد لهم كيدا، ومكر مكرا، ولعله أمر بأن يُشوه وجه يسوع القاتل لينكره القريب والبعيد على السواء، وبعد أن غير الصورة صاح في الناس صيحة الجمعة المشهورة، ثم أخرج السجين (المتحول) وجعله بمشى لحتفه ذليلا مُكبا على وجهه، يألم من وخز ونخز الشوك المحبوك حول رأسه، ليكون عبرة لأعداء المتوجين من ملوك روما. ولقد أخرجه للنظار إخراجا تحار فيه مسارح هوليود .. وتوتة توتة انتهت الحتوتة وأُسْدِل السِّتار ليعود المشاغبون إلى ديارهم فرحين بمسرحية ليلة العيد، وفي ظنهم أنهم قتلوا عيسى ابن مريم ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)).
ذاك ما رأيته مدسوسا في بعض نسخ الإنجيل، ورأيته جليا محسوسا في قول ربنا جل وعلا:﴿( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)﴾ سورة النساء.. وفي سورة إبراهيم: ((وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ(44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ(45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)).
سلام عليكم.