وطغيان المسلمين
ديمقراطية الاسلام

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٣٠ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم
د. احمد صبحى منصور

ديمقراطية الإسلام وطغيان المسلمين

لنا بحث بالانجليزية منشور الآن على موقعنا هو "الاسلام الديمقراطى و طغيان المسلمين "
http://www.ahl-alquran.com/English/show_article.php?main_id=1846
كان فى الأصل بحثا قدمته لمؤسسة الوقفية الأمريكية القومية للديمقراطية فى واشنطن قبيل الغزو الأمريكى للعراق . أثناء عملى فى هذه المؤسسة الأمريكية أستاذا زائرا ـ حذرت من تورط أمريكا فى غزو العراق بحجة نشر الديمقراطية موضحا أن نشر الديمقراطية فى عالمنا العربى والاسلامى يستوجب أولا نشر ثقافة الديمقراطية من داخل الاسلام بخطاب اسلامى مستنير ـ و كان هذا البحث نموذجا لهم يؤكد لهم ان الشورى الاسلامية تعنى الديمقراطية المباشرة التى تتفوق على الديمقراطية الغربية النيابية التمثلية المنقوصة ، وأن هذه الشورى الاسلامية أصيلة فى عقيدة الاسلام وفى فروض عباداته وفى ثقافته الخلقية ، وأنه قد تم تطبيقها الفعلى فى عهد النبى محمد وقت ظروف استثنائية من الحروب الدفاعية و الحصار ووجود (المنافقين ) حركة سرية داخل الدولة معاد ية للدولة متآمرة عليها ، ثم كيف صادر المسلمون بالتدريج تلك الديمقراطية الى أن تحولت الى ديكتاتورية عسكرية قبلية عنصرية فى العصر الأموى ثم الى ديكتاتورية كهنوتية دينية فى العصر العباسى – وهو عصر تدوين حضارة المسلمين – فتم تثبيت معنى الشورى بمفهوم الراعى والرعية وأهل الحل والعقد لتسويغ تسلط الخليفة العباسى - ثم العثمانى – على الناس بحجة أنه يستمد سلطته السياسية من الله تعالى ،وأنه مسئول امامه فقط عن الرعية يوم القيامة ، وأنه يملك الأرض وماعليها ومن عليها وفق مفاهيم القرون الوسطى التى تخالف الاسلام والتى اتبعها المسلمون وابتدعوا من أجلها ديانات أرضية تناقض الاسلام فى عقائده و تشريعاته ومنها الشورى الاسلامية.
ثم ختمت البحث بكيفية تطبيق الديمقراطية فى الشرق الأوسط سلميا .
قامت المؤسسة الأمريكية بنشر خلاصة البحث على موقعها :
http://www.ned.org/forum/fellows/presentations/MansourSummary.doc
واعتمد عليه باحثون لاحقون . وأصبح حجة على السياسة الأمريكية بعد أن تأكد لها أن الديمقراطية المباشرة أصيلة فى دين الاسلام ، وأنه يمكن الترويج لها سلميا بخطاب اسلامى مستنير وفق الكيفية المشار اليها فى البحث ، دون الحاجة الى غزو ومذابح وتدمير وطن وشعب باكمله. ولكن المحافظين الجدد كانوا قد عقدوا العزم على غزو العراق ن فتورطت امريكا ـ ولا تزال ـ وحدث ما حذرت منه خلال ديسمبر 2002 .
أقدم هذا الموجز للبحث على أمل تبرئة الاسلام العظيم مما فعله به المسلمون.

(أولا )الشورى أساس فى عقيدة الاسلام

1 ـ فالله جل وعلا وحده هو الذى لا يسأل عما يفعل ، وليس مسئولا أمام أحد من خلقه، وما عداه من مخلوقات هى تتعرض للمساءلة ( الأنبياء 23). وعليه فالحاكم الذى يستنكف ان يسائله شعبه يكون مدعيا للألوهية كافرا بعقيدة الاسلام حيث رفع نفسه الى مستوى الله تعالى الذى لا يسأل عما يفعل.
2 ـ ثم إن خاتم النبيين محمدا عليه وعليهم السلام قد أمره الله تعالى بأن يشاور الناس ، انه نبى يأتيه الوحى الالهى ومع ذلك فالوحى الالهى نفسه يأمره بالشورى ، وعليه فان أى حاكم مسلم يستنكف من ممارسة الشورى انما يرفع نفسه فوق مستوى خاتم النبيين ،أى يدعى الألوهية، وهو بذلك يخرج عن الاسلام ويكفر به.
3 ـ القرآن الكريم ردد قصة فرعون موسى وجعله نموذجا لعقلية الحاكم المستبد الذى يصل به استبداده الى ادعاء الألوهية ويصل به فساده الى اهلاك نفسه ومملكته وجنده وقومه.وحين تتدبر القصص القرآنى عن ذلك الفرعون تجد كل ملامح العقلية الاستبدادية وانعكاسها على الملأ المحيط بالفرعون وترديدهم لما يحب أن يسمعه ، واكثر من ذلك تجد مستبدى عصرنا يرددون نفس التعبيرات ويعيشون نفس العقلية.
4 ـ وكما أن العدل أو القسط هو سبب انزال الكتب السماوية وارسال الأنبياء والرسل عليهم جميعا السلام ـ فان الظلم هو خصم لدين الله تعالى وشرعه ، وعليه فالديمقراطية الاسلامية أو الشورى هى العدل السياسى فى الاسلام بينما يكون الظلم هو أساس الاستبداد المناقض للاسلام حين ينفرد شخص واحد أو أسرة أو حزب او قبيلة باحتكار السلطة والثروة دون بقية الشعب.
كل ذلك يؤكد على ان الاستبداد قرين الكفر والظلم كما أن اليمقراطية الاسلامية لها جذور فى عقيدة التوحيد الاسلامية.

(ثانيا ) الشورى إحدى فرائض الاسلام

الشورى فريضة اسلامية غائبة ، أقامها المسلمون فى عهد خاتم النبيين محمد عليه السلام ، ثم بدأ تجاهلها بعده بالتدريج ، الى إن تم نسيانها تماما و تحولت الى تعبير عن الاستبداد.
ومن العجب ان الشورى الاسلامية كفريضة اسلامية جاء الأمر بها فى سورة مكية، اسمها الشورى - مقترنا بالصلاة وايتاء الصدقة ، لتؤكد أن فرضية الشورى مثل الصلاة ، فكما لا يصح الاستنابة فى الصلاة – اى لا يصح أن يصلى أحد عنك – فلا يصح أيضا أن ينوب عنك غيرك فى حضور مجالس الشورى - وهى جمعية عمومية فى كل قرية وحى تضم كل الناس ـ وبالتالى فالشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة وليست الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابى ، أى أن الشورى الاسلامية تتفوق على أغلب الديمقراطيات الغربية النيابية .
واذا كانت الصلاة فرضا عينيا على كل مسلم فى الصحة والمرض وفى الاقامة والسفر وحتى وقت الحرب فان فريضة الشورى كذلك يمارسها المسلم فى جماعة المسلمين أو المواطنين ، كما يمارسها فى بيته وعمله . من المهم هنا التأكيد على أن مصطلح المسلم هو كل مواطن مسالم بغض النظر عن عقيدته وايمانه .
نزلت فريضة الشورى فى مكة، وطبقها المسلمون وقت أن كانوا أقلية مستضعفة ( الشورى – 38 -)، ثم بعدها فى المدينة كانت تؤدى علانية كفريضة اسلامية فى المسجد الذى يتحول الى مجلس عام أو جمعية عمومية تشمل كل افراد المسلمين رجالا ونساءا ،وحدث أن تخلف بعضهم فنزل القرآن يلومهم ويحذرهم من التغيب عن حضور هذه الفريضة ويتوعدهم بالعقاب اذا فعلوا.( النور 62 -) وتردد فى أيات أخرى بعض ما كان يحدث فى مجالس الشورى.
بعد موت النبى محمد عليه السلام حافظ المسلمون فى عهد أبى بكر وعمر على انعقاد مجالس الشورى العامة فى المسجد حيث كان يتم النداء لها بتعبير " الصلاة جامعة" ثم أهملها عثمان الذى اكتفى باستشارة سكرتيره وقريبه مروان بن الحكم الذى تسبب فى مقتل عثمان واشتعال الفتنة الكبرى ومصادرة الديمقراطية الاسلامية فى الدولة الأموية التى حكمت بالعسف و الشدة.
جاء تدوين التراث فى العصر العباسى حيث تحولت الحكم من الاستبداد الأموى العسكرى القبلى – نسبة للقبيلة – الى حكم استبدادى كهنوتى فى العصر العباسى ، فأغفل التدوين العباسى فى كتب السيرة وما يسمى بالسنن والتفاسير الاشارة والتعليق على تلك المجالس التى كان يعقدها النبى محمد عليه السلام وتتم فيها المناقشة العلنية لكل الامور وفق آليات الشورى المباشرة .
(ثالثا ) : اسس تطبيق فريضة الشورى

لا يمكن تطبيق الشورى الاسلامية بمعزل عن بقية القواعد الأساسية الأخرى للدولة الاسلامية ، ومنها:
1 ـ السلام :
فلاسلام فى معناه السلوكى هو السلام ، والمسلم سلوكيا هو من يسلم الناس من اعتدائه. وكل إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته وايمانه. الاسلام فى معناه الاعتقادى هو التسليم القلبى و الطاعة لله تعالى ، وهذا ما سيحكم عليه رب العزة يوم القيامة ، وليس لأى بشر أن يتقمص دور الله تعالى فى هذه الناحية ، وإذا فعل فهو خارج عن الاسلام وعقيدته ومدع للألوهية. والشرك و الكفر فى المعنى الاعتقادى هو الاعتقاد فى غير الله تعالى أو تاليه غير الله تعالى. وذلك إعتداء على حق الله تعالى فى أن يكون وحده المعبود الذى لا اله سواه. و الشرك و الكفر فى معناه السلوكى هو الاعتداء على المسالمين بالقتل و القهر. أو هو الارهاب بمصطلح عصرنا. وبذلك فإن لنا أن نحدد المشرك أو الكافر حسب سلوكه العدوانى الارهابى ، دون تدخل فى عقيدته حيث أن مرجع الحكم فى العقائد لله جل وعلا يوم القيامة.
وفيما يخص موضوعنا عن الشورى فان كل المواطنين المسالمين الذين يعيشون فى إطار الدولة الاسلامية هم مجتمع الشورى فيها بغض النظرعن عقائدهم وطوائفهم، يستوى إن كانوا سنة أو شيعة أو يهودا او نصارى أو ملحدين أو مؤمنين. لا شأن لأحد بعقائدهم واختيارهم العقيدى فهم مسئولون عنه امام الله تعالى يوم القيامة. إنما الشأن فى سلوكهم السلمى فى المجتمع ، فإذا ارتكبوا جرائم على الأنفس و الممتلكات و حقوق الانسان عوقبوا بها ، وإذا كانوا ارهابيين يقتلون الآمنين المسالمين من الناس فهم خارجون عن الدولة و المجتمع ، وليسوا جزءا من نظام الشورى الاسلامية.
2 ـ الحرية المطلقة للعقيدة والفكر والتعبير عنهما .
وهنا تتحدد مهمة الدولة فى توفير الأمن الداخلى لكل افراد المجتمع ، وتوفير الأمن الخارجى للوطن ،و إقامة القسط بين الناس و توفير الحرية المطلقة للأفراد والجماعات فى العبادة والعقيدة والرأى والفكر. وهذا لا يعنى الاعتداء على الأشخاص وقذف المحصنات ، فلا بد من وضع حدود فاصلة بين هذا وذاك. وذلك مفهوم ومشروع.
الهداية ليست مسئولية الدولة بل هى مسئولية فردية فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ، ولن تستطيع أن تهدى من أحببت ، ولكن الله تعالى هو الذى يهدى من يشاء أن يهتدى من البشر. وتلك علاقة بين الانسان وربه لا شأن للدولة الاسلامية بها.
3 ـ العدل و القسط :
المهمة الكبرى للدولةالاسلامية هى إقامة القسط ، فى التعامل بين الأفراد ـ و فيما بين الجماعات ، وفى علاقتها بالدول الأخرى فى المجتمع الدولى.
لا بد من توفير العدل الاقتصادى بكفالة حقوق الفقراء و المساكين و السائل والمحروم واليتيم وابن السبيل ، ولا بد من توفير العدل السياسى بان يكون كل المواطنين شركاء فى الحكم السياسى ، أى يحكمون أنفسهم بانفسهم.
الظلم فى توزيع الثروة يؤدى الى الظلم فى تقسيم السلطة وقيام حكم استبدادى. و حصر السلطة فى فئة يجعل تلك الفئة متحكمة فى الثروة. فالثروة و السلطة يبحث كل منهما عن الاخر. فلا بد من وجود عدل اجتماعى ليتأكد العدل السياسى أى الشورى الاسلامية.
وهكذا لا بد أن تتضافر كل القيم معا حتى يمكن إقامة الديمقراطي الاسلامية أو الشورى الاسلامية . لا يمكن إقامة الشورى الاسلامية بضياع العدل الاجتماعى وسوء توزيع الثروة ،
أو بمصادرة الحرية الفكرية و العقيدية،أوبالتفرقة بين المواطنين على اساس المعتقد والدين أو الجنس واللون و الذكورة والأنوثة.

4 ـ الموازنة بين العدل و الحرية:
الديمقراطية – او الشورى بالمفهوم الاسلامى – هى التى تجمع فى داخلها المعادلة السحرية التى توازن بين الحرية والعدل. فالديمقراطية الاسلامية المباشرة تعنى العدل المطلق فيما نسميه حاليا بالمشاركة السياسية فالمجتمع هو صاحب الحق المطلق فى السلطة السياسية أو هو مصدر السلطات ، وحق المجتمع هنا يتقسم بالعدل المطلق على عدد أفراد المجتمع بالمساواة المطلقة. الحاكم هنا هو ولى الأمر أى صاحب الاختصاص فى عمله الذى يجيد القيام به وهو مسئول امام المجتمع ومجرد خادم يقوم بعمله المختص به ويعاونه آخرون يطيعونه فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله أى طالما يؤدى عمله فى حدود القانون الذى يتم تطبيقه على الجميع بلا استثناء.
الديمقراطية الاسلامية المباشرة تساوى بين الأفراد جميعا بغض النظر عن الغنى والفقر ، الذكر والانثى، الملة والاعتقاد ، العنصر ، اللغة الأصل ، العرق ، الطبقة واللون...الخ. فالديمقراطية المباشرة عدالة مطلقة.وهى أيضا تؤكد على حرية المعتقد المطلقة ؛ فكما أن للفرد حريته المطلقة فى الايمان بالله تعالى أو الكفر به والتنقل بين أى دين كيف شاء وترك الايمان متى أراد وهو مسئول أمام الله تعالى فقط يوم الدين عما اختار - له أيضا حقه المطلق فى حريته السياسية بمعنى التساوى التام بين كل المواطنين ، والعدل المطلق فى المواطنة . المساس بهذا المعيار يضيع العدل ويفتح الباب لاستئثار مجموعة بالسلطة ، ثم بالثروة، ويتسلل الاستبداد والفساد فى غيبة الأكثرية من الناس مما يؤدى الى تهميشهم ثم الى العصف بحقوقهم.

(رابعا ) الأمة مصدر السلطات فى الشورى الاسلامية

1 ـ فى ديمقراطية الاسلام تجد الأمة هى مصدر السلطات وليس الحاكم . لقد جاء النبى محمد هاربا بحياته ودينه من اضطهاد قريش فأقام له مسلمو المدينة وغيرهم له دولة ، هى أول وآخر دولة اسلامية حقيقية . قال له ربه تعالى يخاطبه وهو الحاكم لتلك الدولة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) ) أى بسبب رحمة من الله تعالى جعلك لينا معهم ورحيما فى التعامل معهم.فماذا اذا لم يكن لينا هينا معهم ؟ تقول الآية الكريمة (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) فماذا اذا انفضوا من حوله ؟ سيفقد قوته، وسيفقد الحماية، وسيعانى الاضطهاد. اذن هو يستمد السلطة والقوة والنفوذ والدولة من اجتماعهم حوله ، أى أنهم مصدر السلطة له فى الدولة التى أقاموها له ، أى أنه لا يستمد سلطته من الله تعالى وأنما يستمدها من الشعب ، ولأنها سلطة الشعب فلا بد أن يستميل اصحاب السلطة اليه- أى الشعب - كى لا ينفضوا عنه . فماذا يفعل ؟ تقول الآية تضع التشريع السياسى للنبى الحاكم وكل حاكم ديمقراطى ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ( آل عمران 159 ) أى يعفو عنهم اذا أساءوا اليه ، ويستغفر لهم اذا أذنبوا فى حقه، ويشاورهم فى الأمر – كل أمر – لأنهم أصحاب الأمر.
الأمر بالشورى جاء هنا يأمر النبى بأن يشاورهم جميعا فى أى أمر مطروح بحثه – أى يشاوركل المواطنين رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء دون تفرقة من أى نوع أو استثناء لأى نوع - وفق الديمقراطية المباشرة التى لا مجال فيها للتمثيل النيابى أو الديمقراطية غير المباشرة.
لاحظ هنا أن الحاكم المستبد الذى يسرق سلطة الشعب ويحتكرها لنفسه لا يحتاج الى أن يكون لينا هينا مع الناس بل يمارس ما بسمى بهيبة الدولة أو هيبة النظام التى تتجلى فى تسلط ضابط البوليس مع أفراد الشعب لارهاب الناس وارعابهم وتخويفهم حتى يسكتوا عن حقوقهم المسلوبة . ولذلك يقترن الاستبداد بالتعذيب بدءا من فرعون موسى الى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مع بداية الخروج على تعاليم الاسلام وديمقراطيته وشفافيته وعدله ، حيث بدأ التعذيب لارهاب المعارضة ، وتعرض للتعذيب بعض كبار الصحابة – بدرجات مختلفة – ومنهم عمار بن ياسر وابن مسعود وأبو ذر وأبوالدرداء. ثم أصبح التعذيب سنة متبعة ملازمة للظلم والفساد والاستبداد من العصر الأموى وحتى عصرنا السعيد . وعليه كان لزاما التعتيم على فريضة الشورى الاسلامية ومصادرتها لصالح الاستبداد.

2ـ ان الخطاب التشريعى فى القرآن الكريم جاء يخاطب عموم المسلمين يقول لهم مثلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص) (البقرة ، 178 ، 190 ) (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)(
النساء 58) .(انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( التوبة 41 ).
وحتى مع وجود النبى بينهم فقد كان الخطاب يأتى مباشرة للمؤمنين فيما يجب أن يفعلوه باعتبارهم هم الحكام الذين يحكمون انفسهم بأنفسهم . يقول تعالى لهم عما يجب أن يفعلوه مع المنافقين المعارضين (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)(التوبة95 )
لم يأت التشريع القرآنى للمسلمين يخاطب حاكما فردا على الاطلاق وانما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامر تشريعية عقيدية وأخلاقية وسياسية وحربية، على اعتبار انهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم.
وهذا الخطاب للمؤمنين فى دولتهم الاسلامية الديمقراطية بتلك الأوامر يخالف رسالة النبى موسى عليه السلام التى كانت فى البداية موجهة الى شخص واحد هو الفرعون الذى كان يمثل كل المصريين ويتحدث باسمهم ، لذا توجه موسى وهارون ليس للمصريين ولكن لفرعون فقط لأنه كان يملك مصر وما عليها ومن عليها ، وعلى نسقه سار الخلفاء غير الراشدين فى العصور الوسطى ، وعلى سنتهم السيئة يسير الاخوان حاليا فى دعوتهم الى الحاكمية التى تعنى ان الخليفة يحكم باسم الله تعالى وأنه مصدر السلطة وليس مسئولا أمام الناس ، بل هو مسئول فقط أمام الله تعالى عن الرعية ، فهو الراعى والناس رعية له أو انعام يملكها ويستغلها فى الانتاج ويقتل منها ما يشاء ويستبقى من يشاء ولا معقب لقوله ولا راد لارادته، أى انه التأليه للحاكم الناطق باسم الله والذى يحكم باسمه ، لذا كانت الشورى الاسلامية جزءا من عقيدة الاسلام التى تقصر الألوهية على الله تعالى وحده دون شريك من ولى معبود أو حاكم متأله . ومن هنا أيضا توجه الخطاب القرآنى لعموم المؤمنين ولم يتوجه لشخص حاكم اذ ليس فى الدولةالاسلامية وديمقراطيتها المباشرة وجود لحاكم ، ولذلك مات خاتم النبيين عليه وعليهم السلام دون أن يعين بعده حاكما لأنه ببساطة لا وجود لحاكم فى الدولة الاسلامية بالمعنى المتعارف عليه فى النظم الجمهورية أو الملكية.

3 ـ أن القرآن الكريم لم يذكر مطلقا كلمة حاكم فى أى من تفصيلاته التشريعية.
بل أن لفظ " يحكم " أو "حكم " جاءت بمعنى التقاضى بين الناس فى الدنيا ، وليس الحكم السياسى ، أى الحكم بين الناس وليس حكم الناس كقوله تعالى ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)( النساء58 )هذا فى التقاضى أو الحكم بين الناس فى الدنيا.
أما التقاضى بين الناس أو الحكم بين الناس فى الآخرة فهو لله تعالى وحده يوم الحساب حين يحكم بين الناس فى خلافاتهم العقيدية (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )(الزمر 46}. باختصارفان افعل " حكم" لم يأت فى القرآن الكريم متعديا أى بمعنى الحكم السياسى أى " يحكم الناس أو يحكم الشعب "، ولكن جاء لازما يحتاج الى ظرف أو جار ومجروربمعنى " يحكم بين الناس" ويكون هنا بمعنى القضاء والتقاضى أى يقضى بين الناس، أو " يحكم ب " أى يحكم فى القضاء بشرع الله تعالى أو شرع غيره . وفى هذا المجال جاء قوله تعالى ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)( المائدة 44 ،45 ،47 }
الاخوان المسلمون والسلفيون يستشهدون بالآيات الكريمة السابقة فى مزاعمهم السياسية ضد الاستبداد المحلى العسكرى والحزبى ، مع أن هذه الآيات الكريمة تحكم عليهم هم بالكفر والفسوق والظلم . انها تنطبق عليهم هم قبل غيرهم لأنهم الدعاة لتطبيق شريعة الفقه السنى المناقضة لما أنزل الله تعالى فى الأصول العقيدية و التشريعية . وهذا ما أثبتناه فى أبحاث عديدة لنا تناولت التناقض بين الفقه السنى والقرآن فى المصطلحات والمقاصد التشريعية والقواعد التشريعية والأحكام والتفصيلات التشريعية. الأمثلة عديدة ، ليس فقط فى تقديس النبى محمد والصحابة والأئمة والأولياء والقبور المقدسة والأسفار والكتب المقدسة وما وجدنا عليه آباءنا ، بل أيضا انكار فريضة الديمقراطية وفرض الحاكمية الاستبدادية وفى استحلال الدماء التى حرمها الله تعالى . فى شريعتهم الشيطانية يوجبون قتل المخالف لهم فى الرأى بتهمة الردة والزندقة ، ويوجبون رجم الزانى وقتل تارك الصلاة وقتل المخالف للسلطان بل جعلوا من حق الخليفة قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.

4 ـ ـ أولو الأمر –بالمصطلح القرآنى – هم أصحاب الشأن والاختصاص ، أى الخبراء فى الأمر المطروح مناقشته حيث يتعذر على جمهور المسلمين أن يتخصصوا فى كل شىء ، لذا فان طاعتهم واجبة فى حدود تخصصهم وفى اطار طاعة المولى جل وعلا والرسول اى القرآن أو الرسالة. وجاء مصطلح أولى الأمر بهذا المعنى مرتين فقط فى القرآن الكريم { النساء 59 ، 83 } جاء التراث العباسى ليجعل أولو الأمر هم الحكام ويجعل طاعتهم مطلقة حسب تأويلهم للقرآن وتحريفهم لمعناه.

5 ـ جدير بالذكر ان تشريعات القرآن لا تزيد عن مائتى آية معظمها فى حماية الأسرة والمرأة وحماية المجتمع ، وتترك مجالا واسعا للتشريع البشرى الذى يغطى كل احتياجات المجتمع فى اطار العرف أو المعروف أو ما يتعارف الناس عليه على أساس انه القيم العليا والفضائل. وكل تشريع يقننه المجتمع فى اطار هذه القيم العليا يكون تشريعا اسلاميا ، كما أن أى دولة تقيم حقوق الانسان ومعالم العدل وحرية الفكر والعقيدة تكون دولة اسلامية.

( خامسا ) التمهيد السلمى للديمقراطية
بعد الحديث عن تطبيق النبى محمد عليه السلام للديمقراطية المباشرة أو الشورى الاسلامية ، وكيف تحولت تلك الديمقراطية الاسلامية بالتدريج الى استبداد كهنوتى وفق الثقافة السائدة فى العصور الوسطى جاءت خاتمة البحث لتضع أسس نشر الوعى الديمقراطى سلميا بين العرب والمسلمين ـ أى ثقافة الديمقراطية ـ تمهيدا لاقامة الديمقراطية سلميا بلا حروب و لا مذابح ، كما حدث فى الغرب. واستلزم هذا المطالبة بدور سلمى يتدخل به المجتمع الدولى ـ والولايات المتحدة ـ و الأمم المتحدة لحماية الذين يناضلون سلميا فى سبيل الديمقراطية وحقوق الانسان حتى لا تفترسهم أجهزة القمع فى دول الاستبداد ، وفى نفس الوقت تبذل الولايات المتحدة نفوذها لنشر ثقافة الديمقراطية و التعجيل بالاصلاح من داخل الاسلام عبر شبكة من القنوات الفضائية الناطقة بالعربية ، لتصل مباشرة الى العقل العربى والوجدان العربى لتوعيته.
هذا ملخص ما جاء فى البحث . وجرت بعده فى النهر مياه كثيرة ، ودماء أكثر ، مما يستوجب إضافة نوجهها لأولى الأمر فى البلاد العربية ـ قبل الطوفان .
( أخيرا )
فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه
1 ـ نبدأ بالسؤال الهام : اذا كانت الشورى فريضة اسلامية فماذا نفعل اذا اغتصب أحدهم الحكم واستبد به ظالما للناس مصادرا لحقوقهم بالقهر والتعذيب ؟ هنا يتحتم الجهاد السلمى أولا فان لم ينفع فالجهاد بالسلاح ليس فقط لازاحة المستبد الظالم ولكن – وهذا هو الأهم – لاقامة العدل والقسط .
لقد أنزل الله تعالى من السماء شيئين: الرسالات السماوية والحديد. يقول تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحديد 25)
إن الحديد لا ينتمى لكوكب الارض وانما هبط اليها وتركز فيها ليؤدى مهمة نعرفها جميعا. الرسالات السماوية هبطت من السماء (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )أى ليقيموا القسط بينهم، أى هى فريضة على كل الناس ، أن تتحرك لدفع الظلم وإقامة القسط حرصا على سلامة المجتمع من الداخل ومن الخارج. فان لم تتيسر إقامة القسط سلميا بالرسالات السماوية فهناك الحديد ذو الباس الشديد ، أى الحرب ـ أى الجهاد بالقتال فى سبيل إقامة القسط.
2 ـ إن الملاذ الوحيد هو الاصلاح السلمى من الداخل
* ليس المقصود هنا الجهاد على الطريقة السلفية الاخوانية – أى الوصول الى الحكم واستغلال اسم الاسلام العظيم لاقامة دولة دينية كهنوتية استبدادية معادية للاسلام كالدولة العباسية أو العثمانية أو الفاطمية أو السعودية وباستعمال الارهاب أى قتل المدنيين والأجانب – وانما يعنى الجهاد الاسلامى السعى لاقامة دولة اسلامية حقيقية أى بالمفهوم المعاصر دولة مدنية علمانية ديمقراطية تحقق العدل والحرية للجميع، ليس مهمتها ادخال الناس الجنة رغم انوفهم ولكن حماية كل حقوقهم فى هذه الدنيا على أساس المساواة والعدل المطلق بين كل المواطنين.
من أسف ان من يثور على الاستبداد ويطرد المستبد ويحل محله سرعان ما ينسى الشعارات البراقة التى كان يرفعها ويخدع بها الجماهير، لذا سرعان ما يستبد ويطغى ويفسد فى الأرض ويحتاج الأمر الى ثورة جديدة تحمل شعارات أخرى فاذا وصل الثوار الجدد للحكم سكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وكرروا نفس الاستبداد.
ونريد ألا نعيد تكرار القصة فيكفى أنهار الدماء التى سالت ، و الأحلام التى ضاعت.
* فى نفس الوقت لا نريد المبادرة بالجهاد العسكرى لأن الحرب فى حد ذاتها مشكلة أكبر ، وفى حالنا اليوم تتحول سريعا الى حرب أهلية ويتم إقحام اسم الاسلام فيها ، وكل فريق يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة، و وتتسع الساحة للتدخل الأجنبى و لايكون هناك خاسر سوى الوطن والمواطنين والاسلام.
* مع أن عصرنا الحالى ـ عصر الثورة فى الاتصالات والانترنت ـ يساعد على تنفيذ آلية الشورى الاسلامية أو الديمقراطية المباشرة ـ إلا إنه لا بد من مراعاة التدرج ، ليس فقط بالبدء بتعليم الديمقراطية وثقافتها و الوعى بها ، ولكن أيضا فى تطبيق الديمقراطية نفسها ، أى البدء بالديمقراطية المنقوصة ـأى الديمقراطية الغربية القائمة على التمثيل النيابى و الانتخاب و الترشيح . وبعده يمكن تطبيق الديمقراطية الاسلامية المباشرة.
* نظرا لأن اسم الاسلام العظيم قد تم امتهانه وربطه بالحركات الارهابية و المتطرفة فان إخوتنا من المواطنين غير المسلمين يتشككون عندما نتحدث عن ديمقراطية الاسلام، ولا شك أن لديهم الحق فى تشككهم ، فما أقوله يعتبره كثيرون غريبا عن الاسلام ، مع تسليمهم بأن الاسلام دين السلام ودين العدل و القسط ودين الحرية وحقوق الانسان. ومنعا لهذا اللبس فلا بأس من رفع شعار الديمقراطية نفسها دون إضافات دينية اسلامية ، والمطالبة بتطبيق المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، وهى فى إعتقادى أقرب ما يكون الى تشريعات الاسلام و القرآن ، و المطالبة بتطبيقها يحقق تعاطفا مع الأمم المتحدة و يجعل النظم العربية مطالبة بتطبيق تلك المواثيق التى قامت بالتوقيع عليها.
*لا بد أن يرتبط التغيير الديمقراطى بحزمة اصلاح تشريعى و دينى و ثقافى واجتماعى و اقتصادى يعززها حرية للفكر و المعتقد ومنع للمصادرة واضطهاد المناضلين سلميا من أجل الاصلاح.
* لكى يتحقق هذا كله لا بد من أن يفهم الحكام أنه الطريق الوحيد لنجاتهم هم من الطوفان القادم الذى يهدد الجميع.
* إن الحاكم المستبد يعيش حياة بائسة من الخوف و القلق وتوقع الأسوأ ، وهو أمام الغرب ضعيف حيث لا يسانده شعبه. أى لا يكسب من الاستنبداد سوى الشقاء. ومن الأفضل له أن يبادر بالاصلاح ليقضى بقية عمره سعيدا آمنا على نفسه محاطا بحب شعبه . لن يعيش أكثر مما عاش ، ولن يتمتع باى شىء طالما ظل فى عناده تطارده كوابيس ضحاياه . وطالما فى العمر بقية فلماذا نبادر بالتوبة و الاصلاح ؟
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) ( الزمر 53 ـ )


















اجمالي القراءات 37734