القلب هو النفس ، والقالب هو الجسد المادى. ( 4 )
( القلب / النفس ) بين المرض والشفاء

آحمد صبحي منصور في السبت ٠١ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

القلب هو النفس ، والقالب هو الجسد المادى. ( 4 )

( القلب / النفس ) بين المرض والشفاء
مقدمة :

1 ـ هناك طب للجسد ، للبشر فيه خبرة متوارثة وعلم حديث تأسست عليه أبحاث وكليات جامعية. ثم ظهر ( الطب النفسى ) يقترب من الفضاء الداخلى للنفس بالتحليل النفسى مستغلا العلاقة بين النفس وجسدها وتأثيرها فيه .

2 ـ وللطب الجسدى والنفسى مصطلحات . والقرآن الكريم له أيضا مصطلحاته الخاصة يستعمل فيها ( القلب ) فى الحديث عن المرض النفسى وبالاسلوب المجازى. معلوم انه هناك الاسلوب العلمى التقريرى ، والاسلوب المجازى الذى يستعمل التشبيه والكناية والاستعارة والمشاكلة. وسبق شرح هذا. ونتعرض له هنا عن المرض والشفاء بين الجسد والنفس. ( القلب ).

أولا : المرض الحسى الجسدى :

جاء التعبير عنه بالاسلوب التقريرى ، خصوصا فى آيات التشريع التى تأتى بهذا الاسلوب   . جاء المرض ضمن الأعذار المقبولة فى تأدية العبادات ، حيث قامت تشريعات الاسلام التعبدية على رفع الحرج ، ونعطى أمثلة :
1 ـ الافطار فى رمضانقال جل وعلا : (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(البقرة 185)
2 ـ تقديم الفدية عند حلق الرأس فى حالة الاحرام بالحج أو العمرةقال جل وعلا : (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ( البقرة 196) 
3
ـ التيمم بدلا من الغسل والوضوءقال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) ( النساء 43 ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا )(المائدة 6).
4 ـ التخفف من حمل السلاح عند قصر الصلاة وقت الخوف فى القتال أو المطاردة. قال جل وعلا : ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ ) ( النساء 102). 
5
ـ عدم الخروج للجهاد : قال جل وعلا :( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ)( التوبة)91) ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)(الفتح 17)
6 ـ التخفف من قيام الليلقال جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)     (المزمل 20). 
7
ـ التخفف من الآداب الاجتماعيةقال جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ  )(النور61)
ثانياالشفاء من المرض الحسى الجسدى 

جاء أيضا بالتعبير العلمى التقريرى
1 ـ مرجعه الحقيقى الى الله جل وعلا:( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )(الشعراء80 )
2 ـ وقد أشار رب العزة الى بعض أنواع الدواء الطبيعى الذى ليست له آثار جانبية ، وهو عسل النحل : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ)( النحل 68 ـ 69). 
ثالثاالمرض المعنوى ( الضلال والكفر و الشرك)
هنا يأتى المرض المعنوى مرتبطا بالقلب ، وقلنا إن القلب فى مصطلحات القرآن الكريم هو النفس والفؤاد والصدر، وليس تلك العضلة التى تضخ الدماء فى الأوردة و الشرايين . وبالتالى فالمرض هنا يعنى الضلال و الكفر والنفاق والرغبة فى الزنا بحيث لا يراعى ذلك الشخص حرمة البيوت التى يدخلها
ونعطى أمثلة
1
ـ عن المنافقين الذين يخفون الكفر و يتظاهرون بالايمان .يقول جل وعلا : 

1/1 : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ) هذا عن تصرفاتهم فى الخداع، ومنبع هذا الخداع هو ما وقر فى قلوبهم من ضلال وكفر ، أو ( مرض ) بالتعبير القرآنى ، وبالتالى فلن يزيدهم الله تعالى إلا كفرا ومرضا ، يقول جل وعلا : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) (البقرة 10 ــ ) .
1 / 2 : ـ ويأتى الوصف بالمرض القلبى مرادفا للمنافقين معطوفا عليه عطف بيان ، مما يفيد التوضيح والبيان والتأكيد على أن المرض القلبى من لوازم النفاق ومن ملامح المنافقين النفسية ، يقول جل وعلا : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ) (الانفال 49 ) هم هنا ليسوا طائفتين بل هم طائفة واحدة جمع بينهم وجود مرض الضلال فى نفوسهم وقلوبهم وعقائدهم
1 / 3ـ ويقول جل وعلا عن أدوار المنافقين وطوائفهم وقت محنة حصار المدينة فى غزوة الأحزاب:

1/  3 / 1 : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿١٢﴾ الاحزاب ). وعد الله جل وعلا بأن يصرف عنهم المعتدين الكافرين من الأحزاب الذين حاصروا المدينة. المنافقون عند الحصار وفى غمرة رعبهم قالوا هذا مستهزئين بوعد الله جل وعلا ورسوله.

1 / 3 / 2 :  ( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا )(الأحزاب 60 ). هم هنا اقتربوا من الخط الأحمر ، فكان لا بد من تحذيرهم ، فلهم حق المعارضة ولكن ليس الى درجة رفع السلاح فى وجه دولة يمارسون فيها ـ سلميا ــ حريتهم الدينية والسياسية.
1 / 4 : ـ ونفس الحال حين تحالفوا مع اليهود و النصارى فى اعتداءاتهم على المسلمين ، وهنا إشارة الى وقائع حربية أهملتها ما تسمى بالسيرة النبوية ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ )( المائدة ـ 52 ). تكرر النهى للمؤمنين عن التحالف مع العدو المعتدى على المؤمنين ، ولكن لم يطع المنافقون لأن فى قلوبهم مرضا
1 / 5 ـ وعن موقفهم من القرآن كان الضلال أو المرض المستقر فى قلوبهم يجعلهم يسخرون من نزول القرآن وقت نزول آياته ومعرفة وهداية المسلمين بها ، ونزل قوله جل وعلا يرد عليهم : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ) ( التوبةـ 125) 
1 / 6ـ وبعضهم كان يرتعب عندما يسمع بنزول آية تأمر بالقتال ، ويأتى تصويرهم فى هذه الحالة فى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) ( محمد 20) 
1 / 7  ـ وكان المنافقون يرفضون الاحتكام الى القرآن الكريم ، و يرفضون المجىء للرسول عليه السلام إلا إذا كان لهم الحق فى تلك المنازعات والخصومات ، يقول جل وعلا : ( أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( النور 50 )

1 / 8 : وقال لهم جل وعلا ولأمثالهم : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّـهُ أَضْغَانَهُمْ ﴿٢٩﴾ محمد )

2 ـ مرض القلب ( النفس) للكافرين :

2 / 1 : ويأتى وصف الكافرين المشركين عموما بالمرض القلبى مصاحبا لقسوة القلب . وتأتى تلك القسوة فى القلب أو ذلك المرض فى القلب بسبب الايمان بالحديث الشيطانى المعروف الان بالسنة النبوية ، فلا يمكن أن يجتمع الايمان بالقرآن مع الايمان بتلك الأحاديث ، ولا يمكن الايمان بنقيضين ينفى أحدهما الاخر ، فتلك الأحاديث يلقيها الشيطان ليصادر أمنية النبى فى هداية الناس جميعا ، ويأذن الله تعالى بوجودها وكتابتها ونسخها فى نسخ وتدوينها فى كتب وطباعتها فتستمر فتنة واختبارا ، من يتبعها يكفر بالقرآن ويتبع سبيل الشيطان ، ويصاب قلبه بالمرض والضلال ، يقول جل وعلا عن الأحاديث الشيطانية ودورها فى تاريخ كل نبى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ثم يقول جل وعلا عن دورها فى فتنة وضلال الناس حين تجعلهم قاسية قلوبهم مريضة بالضلال والظلم والتفرق : ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ )( الحج ـ 53) 
2 / 2  ـ ويقول جل وعلا عن ( سقر ) وهو اسم لجهنم : : (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ) ويقول عن عدد الملائكة القائمين بها : ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ثم يقول عن هذا العدد : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) ( المدثر 31 ). يهمنا هنا قوله جل وعلا : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ ) فهنا عطف بيان بالواو ، يفيد أن الكافرين هم أنفسهم الذين فى قلوبهم مرض
3ـ ويأتى المرض القلبى بمعنى شهوة الزنا حين تسيطر على قلب إنسان فيطمع فى الزنا بكل إمرأة يراها أو يتكلم معها ، بحيث لا يراعى حرمة البيوت أو حرمة العلاقات مع الآخرين. نحن هنا أمام مدمن للزنا أفقده هذا الادمان كل مروءة للفرد العادى فأصبح يحمل معه هذا المرض اينما سار ، تتحرك عينه الخائنة أينما سار وفى كل بيت يدخله ومع كل أنثى تتحدث معه . يقول جل وعلا : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ( الاحزاب 32) . وقد قال جل وعلا يصف أولئك الذين فى قلوبهم مرض الفاحشة تتحرك به أعينهم الخائنة : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿١٩﴾ غافر )
رابعاالشفاء المعنوى ( الهداية) 
1
ـ القرآن الكريم هو وصفة الهداية من المرض القلبى المعنوى او الضلال ، وهو وصفة ناجحة للناس جميعا . ولكن ليس كل الناس يرغبون فى هذا الدواء، فمعظم الناس يصدّ عنه راغبا عنه وليس راغبا فيه ، ولذلك لا يستفيد منه إلا المؤمنون به ، أى فمع أنه شفاء لعموم الناس إلا إن المنتفعين بهذا الشفاء هم المؤمنون وحدهم ، إذ يكون القرآن الكريم لهم هدى للصدور ورحمة يوم القيامة . قال جل وعلا يخاطب الناس جميعا :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس 57)
2 ـ بل أكثر من ذلك ، فبعض الذى يرفض الشفاء القرآنى يحاول التلاعب بآياته فيزداد بهذا التلاعب مرضا على مرض ، وخسارا على خسار ، وبالتالى يكون القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين به ، وفى نفس الوقت يكون خسارا على الذين يحرفون معانيه ويلحدون فى آياته ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )( الاسراء 82). أى إن القرآن شفاء أو رحمة للمؤمنين وخسار و (عمى )على من لا يؤمن به حتى وهو يقرؤه .  يقرؤه ، ولكن هذا يزداد به إيمانا وذاك يزداد به عمى وضلالا : يقول جل وعلا : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) (فصلت 44).

أخيرا : هناك عامل مشترك بين الطب البشرى ( النفسى والجسدى ) وبين إشارات القرآن عن الهدى بالنسبة ل ( النفس /  القلب ) . الطب يعترف بتأثير العوامل النفسية على الصحة الجسدية ، فالانفعالات من التوتر والقلق وغيرها تؤثر على القلب والمعدة ووظائف الجسد الحيوية. وهو نفس الحال فى القرآن الكريم . فالمؤمن يطمئن ( قلبه ) ، والذى يطمئن قلبه يعيش فى سلام نفسى ( قلبى ) يرضى ويصبر ويتسامح ويحمد ربه لأنه يؤمن باليوم الآخر ، وأن هذه الدنيا هى فترة زمنية محددة يعيشها ، وعليه أن يتزود لمستقبله فى الآخرة حيث الخلود ، وهو يرجو لقاء الله جل وعلا ويتجهز لهذا اللقاء بالايمان الخالص والعمل الصالح . إذا أصابته مصيبة بالشر إستصغرها لأنها لا تساوى لحظة من عذاب الآخرة الخالد ، وإن أصابته مصيبة بالخير والنعمة قام بحقها شاكرا رب جل وعلا ، ولم يغتر بها لأنها عنده لا تساوى لحظة من نعيم الجنة الخالد. بهذا القلب المطمئن تتخفف آلامه  إذا أصابه مرض جسدى. أما هذا الذى يتصارع حول حطام الدنيا بقلبه أو نفسه فإن قلبه أو نفسه تصيب جسده مهما كانت قوته بأمراض لا تجدى معها العقاقير ولا المهدئات ولا المسكنات. هذا لأن الأصل هو مرض النفس، ولأن الانسان ( نفس / قلب ) اساسا والجسد مجرد ثوب وقتى لهذه النفس أو ذلك القلب. 

اجمالي القراءات 6228