القلب هو النفس ، والقالب هو الجسد المادى. ( 3 )
علم الله جل وعلا بالقلوب ( بالنفوس )
تكررت حقيقة أنه جل وعلا يعلم الغيب والشهادة، ومن علمه بالغيب أنه جل وعلا يعلم السرائر ومافى الأنفس سواء أعلن الانسان ما فى نفسه أو كتمه. ويأتى احيانا هذا عن النفس البشرية ، كقوله جل وعلا : ( لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٨٤﴾ البقرة ) . ويأتى عن النفس بوصفها ( القلب ). وهذا موضوعنا هنا , ونرتبه كالآتى :
أولا : علمه جل وعلا ما فى قلوب الصحابة عموما :
1 ـ قال جل وعلا لهم جميعا : ( وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚوَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴿٥١﴾ الاحزاب )
2 ـ أهمية موضوع الصحابة هنا أن رب العزة جل وعلا أنزل آيات من القرآن تتعامل مع الواقع المُعاش وقتها ، حيث كان حول النبى مؤمنون وكان هناك أيضا منافقون ، أكثريتهم تمتلىء ( قلبوبهم ) بالكفر ، وتظهر ملامحه فى حركاتهم العدائية والسلبية ( كالتقاعد عن الدفاع عن المدينة ) ، ومن المنافقين من ( مرد على النفاق )، وضبط لسانه وأحكم السيطرة على جوارحه فلم يظهر منه ما يفضح نفاقه خوفا من أن ينزل القرآن يعلق على أفعالهم وأقوالهم. وبالتالى نزل التنبيه عليهم مع إشارة الى أنهم لن يتوبوا عن نفاقهم ، وسيلقون عذابا مرتين فى الدنيا ثم عذاب عظيم فى الآخرة. ومستفاد منه أنهم سيرتكبون جُرما عظيما فى حق الاسلام بعد موت النبى محمد وإنتهاء القرآن الكريم نزولا ، وانهم سيظلون فى إجرامهم لا يتوبون الى الموت ، وبالتالى يستحقون العذاب العظيم فى الآخرة. ثم هناك السابقون من الصحابة بإيمانهم وعملهم أخلاصا فى الدين ، وهذا غيب لا يعلمه إلا الرحمن الرحيم. ثم هناك الكفار الظاهرون بإعتدائهم وحروبهم الهجومية على دولة النبى محمد المُسالمة . ولم يتعرض القرآن لهم كثيرا لأنه لم يكن لديهم ما يخفونه مثل المنافقين .
3 ـ تقسيمات الصحابة فى المدينة وحولها قال جل وعلا :
3 / 1 : قال جل وعلا عن السابقين إيمانا وعملا صالحا مخلصا : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٠٠﴾ التوبة ). هؤلاء يوم القيامة سيكونون من السابقين المقربين أصحاب الجنة ( الواقعة : 10 : 26 ) .
3 / 2 : عن المنافقين والذين مردوا على النفاق من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب قال جل وعلا فى الآية التالية : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة )
3 / 3 : وقال جل وعلا : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّـهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٠٢﴾ التوبة ) هؤلاء مؤمنون إعترفوا بذنوبهم ، وهذا ما كان يرفضه المنافقون . وحتى يكونوا يوم القيامة من أهل اليمين أصحاب الجنة أمرهم رب العزة أن يقدموا الصدقة تأكيدا على توبتهم :( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴿١٠٣﴾ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٠٤﴾ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٠٥﴾ . هؤلاء لو حافظوا على توبتهم وتطهير قلوبهم سيكونون يوم القيامة من أصحاب اليمين فى الجنة ( الواقعة 8 ، 27 : 40 ) .
ومنهم من إقتربت نهايته ويلزمه وقت كاف لتأكيد توبته ، لذا أمره مُرجأ لرب العزة حسب ما سيظهر من عمله وحسب ما إصلاحه قلبه ، قال جل وعلا : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّـهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١٠٦﴾ التوبة )
4 ـ الصحابة المؤمنون من حيث الظاهر كانوا وهم حول النبى أشدّاء على الكفار رُحماء بينهم ، وعلى الصلاة يداومون بحيث يظهر أثر السجود على وجوههم . من حيث القلوب فالأمر مختلف ، وقد عاش بعضهم بعد موت القرآن الكريم ، منهم من شارك فى جرائم الفتوحات والفتنة الكبرى متنكبا ما كان عليه وهو مع النبى محمد عليه السلام. ومنهم من حافظ على تطهير قلبه وإبتعد فلم يحظ بالتسجيل التاريخى ، ولكن حظى برضا الله جل وعلا ، وهو الأعظم. قال جل وعلا عن الصحابة الذين كانوا حول النبى الرسول :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖتَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) هذا فى الدنيا. أما فى الآخرة فليسوا كلهم هكذا ، قال جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾ الفتح ). لم يقل ( وعدهم أو وعدهم جميعا ) بل قال : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ). اى بعضهم.
ثانيا : ـ علمه جل وعلا بقلوب المؤمنين الصحابة
جاء هذا تعليقا على بعض المواقف :
1 ـ كان هناك من يتطفل على بيوت النبى يدخلون بلا إستئذان يأكلون ويجلسون يثرثرون ، فيتأذى النبى منهم ولكن يستحى من تنبيههم ، بل كان منهم من يخاطب نساء النبى ، ففرض رب العزة جل وعلا أن يكون بينهم وبين نساء النبى ( حجاب ) ذلك أطهر لقلوبهم وقلوبهن ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚوَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمًا ﴿٥٣﴾ الاحزاب )
2 ـ منعت قريش النبى محمدا عليه السلام وأصحابه من دخول مكة للحج ، ودارت مفاوضات ، وضح فيها عنت قريش وتصميمها على الحرب ، وولأن النبى وأصحابه كانوا قادمين مُسالمين بلا إستعداد حربى فقد وجدتها قريش فرصة لحملهم على الحرب ليسوا لها مستعدين. ولكن المؤمنين مع النبى قابلوا هذا بأن عاهدوا الله جل وعلا على الصمود ، كانت هذه البيعة تحت شجرة ، قال جل وعلا عن هذا الموقف : ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴿١٨﴾ الحجرات ). هذا الفتح سبقت الاشارة فى مقدمة السورة، قال جل وعلا للنبى عليه السلام : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٢﴾وَيَنصُرَكَ اللَّـهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴿٣﴾ الفتح ) . وقال جل وعلا عن أولئك المؤمنين الذين بايعوه ورضى جل وعلا عنهم :( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿٤﴾ الفتح ). لم يكن الذين مردوا على النفاق ضمن من رضى الله جل وعلا عنهم. بعدها تتابع الصحابة يبايعون النبى منهم من مرد على النفاق ، فقال جل وعلا محذرا : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٠﴾ الفتح )
3 ـ موقعة ( ذات العسرة ) نزلت فيها آيات كثيرة فى سورة التوبة ، إذ تقاعس المنافقون عن الخروج دفاعا عن المدينة متحججا بالصيف شديد الحرارة. وفيها أخبر رب العزة جل وعلا أن بعض الصحابة المؤمنين كادت قلوبهم أن تزيغ فتاب الله جل وعلا عنهم . قال جل وعلا :( لَّقَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿١١٧﴾ التوبة )
ثالثا : علمه جل وعلا بقلوب الأعراب الصحابة
1 ـ أخبر الله جل وعلا مقدما ما سيقوله الأعراب للنبى كذبا فى إعتذارهم عن الخروج للقتال الدفاعى ، وانهم سيقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم : ( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١١﴾ الفتح ) . وجاء الرد عليهم بأن أخبر الله جل وعلا بما فى قلوبهم من توقعهم هزيمة كاسحة للنبى والمؤمنين : ( بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا ﴿١٢﴾ الفتح )
2 ـ كان من الأعرب منافقون موصوفون بأنهم الأشد كفرا ونفاقا . وكان منهم مؤمنون حقيقيون ، أخبر بذلك علّام الغيوب ( التوبة 97 : 99 ). . وقال جل وعلا عن بعضهم : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٤﴾ الحجرات ). زعموا أنهم آمنوا إيمانا قلبيا حقيقيا فرد عليهم رب العزة الذى يعلم خفايا القلوب بأنهم لم يؤمنوا إيمانا حقيقيا ، هم فقط ( اسلموا ) أى دخلوا فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، ممتنعين عن حرب النبى ودولته. وجاء تشجيعهم على الايمان القلبى والاسلام القلبى بأن يطيعوا الله جل وعلا ورسوله .
عن الصحابة المنافقين
1 ـ فى موقعة ( أُحُد ) رفض المنافقون الخروج دفاعا عن المدينة بحُجّة أنهم لا يعرفون القتال. الله جل وعلا الذى يعلم ما فى قلوبهم أخبر إنهم حين قالوا هذا الكلام كانوا الى الكفر اقرب منهم الى الإيمان ، وأنه جل وعلا هو الأعلم بما فى قلوبهم يكتمون ، قال جل وعلا : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗوَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴿١٦٧﴾ آل عمران )
2 ـ وكان بعضهم يخشى أن ينزل قرآن يفضح ما فى قلوبهم ، فقال جل وعلا : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّـهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴿٦٤﴾ التوبة )
ثالثا : عن الكافرين فى عهد النبى محمد عليه السلام :
1 ـ بعض الكافرين الذين وقعوا فى الأسر بعد إنتصار المؤمنين فى موقعة ( بدر ) أطلق النبى سراحهم بالمال.ونزل توبيخ للنبى والمؤمنين فى هذا ( الانفال 67 : 68) ، لأن التشريع بشأن الأسرى هو المنُّ عليهم بإطلاق سراحهم ، أو أن يكون إطلاق سراحهم بتبادل الأسرى ( محمد 4 ، التوبة 6 ). أمر الله جل وعلا النبى أن يقول لأولئك الذين دفعوا اموالا لإطلاق سراحهم : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّـهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗوَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٧٠﴾ الانفال )
2 ـ بعد خول أهل مكة فى الاسلام ( السلوكى بمعنى اسلام ) إندلعت حركة مسلحة من قريش نكثت العهد ، فنزل بشأنهم تشريع بإعطائهم مهلة الأشهر الأربعة الحُرُم ليتوبوا ويكفوا عن القتال . فإذا أنتهت المهلة فعلى المؤمنين قتالهم حتى يعودوا الى السلام ويكونوا أُخوة فى دين السلام أو الاسلام السلوكى ( التوبة 1 : 7 ) بعدها قال جل وعلا عن أئمتهم : ( كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴿٨﴾ التوبة ), أى هم منافقون . وهذا ما حدث ، إذ أن الأمويين نافقوا ، ثم فيما بعد تحالفوا مع الذين مردوا على النفاق فكانت حرب الردة والفتوحات والفتنة الكبرى، وقد شرحنا هذا هنا فى كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) .
رابعا : فى عموم الناس
حيث يوجد ناس فمنهم ( رجال الكهنوت ) الذين يخدعون الجماهير بمعسول القول ، وبإستغلال الدين ، والحلف برب العزة كذبا . قال عنهم جل وعلا : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّـهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴿٢٠٤﴾ البقرة )
خامسا : فى التشريع :
1 ـ فى أحسن حالاته يتأسّس التشريع البشرى على ( الضبطية القضائية ) ، فالمتهم برىء حتى تثبت إدانته. وتثبت إدانته ب ( الضبطية القضائية ) . فى دولة المستبد ترى العكس ، فالبرىء متهم دون الحاجة لإثبات إدانته. التشريع الاسلامى مؤسس على تقوى الله ، فالمؤمن يخشى الله جل وعلا ، قبل أن يخشى القانون. من هنا يأتى تذييل آيات التشريع بالتقوى والخوف ليس من البشر ولكن من الرحمن جل وعلا .ومن هنا ايضا يأتى فى التشريع الاسلام التاكيد على ( التعمد ). والتعمد هو فى القلب لا يعلمه إلا علّم الغيوب . ونعطى أمثلة عن التعمُّد القلبى :
1 ـ قال جل وعلا :( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )﴿٥﴾ الاحزاب ) ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿٩٣﴾ النساء ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿٩٥﴾ المائدة )
2 ـ وفى معنى التعمد قال جل وعلا : ( وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿٢٨٣﴾ البقرة ) ( لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿٢٢٥﴾ البقرة )( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ )﴿٨٩﴾ المائدة ).