حرية النفس أو القلب فى مشيئة الهداية أو الضلالة
القلب هو النفس ، والقالب هو الجسد المادى. ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

القلب هو النفس ، والقالب هو الجسد المادى. ( 2 )

حرية النفس أو القلب فى مشيئة الهداية أو الضلالة

خصائص النفس تتكرر للقلب بما يؤكد أن النفس هى القلب ، ومنها حرية النفس أو القلب فى مشيئة الهداية أو الضلالة . وقد سبق الحديث عن حرية النفس فى مشيئة الهدى أو الضلال ، ومسئوليتها على هذا يوم القيامة بالخلود فى الجنة أو الخلود فى الجحيم ، ويتكرر نفس المعنى عن ( النفس ) بإستعمال مصطلح ( القلب ) . ونرتب هذا الموضوع كالآتى :

أولا : إختيار الهداية

1 ـ هو إختيار وإختبار . إختيار الهداية والايمان معناه أن يتعرض الانسان الى إختبار الفتنة والاضطهاد لأن الأغلبية فى كل مجتمع ضالة مضلة ، وإذا سيطر عليها الكنوت كما فى مجتمعات المحمديين تكون محنة الابتلاء قاسية وشديدة. بعض الناس يظن أنه بمجرد أن يعلن إيمانه ستتنزل عليه البركات ، ولقد حذّر رب العزة من هذا مقدما فقال بسؤال إنكارى:( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾ العنكبوت ).  وفى إختبار الابتلاء يسقط من يعبد الله جل وعلا على حرف ، قال جل وعلا : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١١﴾ الحج )،

2 ـ وفى الإختبار يفوز المؤمن صحيح الايمان ، ويضل المنافق .

2 / 1 : قال جل وعلا عن صحيح الايمان : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗوَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١١﴾ التغابن ). عند المصيبة يهتدى قلب المؤمن ، أى نفسه . وهؤلاء عندما يمتحن الله جل وعلا قلوبهم ( نفوسهم ) ينجحون فى الامتحان أو الاختبار. قال عنهم جل وعلا : (أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿٣﴾ الحجرات ). ( إمتحن قلوبهم ) أى نفوسهم .

وبناء عليهم يزيد الله جل وعلا إيمانهم هدى ، قال جل وعلا : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ   ﴿٧﴾ الحجرات )

2 / 2 :  أما المنافقون فهم يتعرضون لامتحانات الابتلاءات فلا يتوبون ولا يتذكرون ، قال جل وعلا عنهم :  ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿١٢٦﴾ التوبة ). وعن هؤلاء المنافقين قال جل وعلا : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّـهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّـهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚأَوَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴿١٠﴾ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴿١١﴾ العنكبوت ).

ثانيا : إختيار الضلال

1 ـ مهما بلغ ضلال القلب فلا بد أن يتسلل شىء من نور القرآن اليه متفقا مع الفطرة التى لا يمكن محوها داخل كل نفس أو قلب . يظل الايمان بالله جل وعلا وكتابه داخلا مستقرا مهما جحد وعاند الضال ، قال جل وعلا : ( كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴿١٢﴾ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ الحجر ) ( كَذَٰلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴿٢٠٠﴾ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴿٢٠١) الشعراء ). ( قلوب المجرمين ) اى نفوسهم.

2 ـ إلا إن الذى يختار الضلالة يقيض الله جل وعلا سيطانا يقترن به يزيده ضلالا بأن يزين الحق باطلا والباطل حقا ، فيظل مخدوعا بهذا الى أن يلقى قرينه يوم الدين فيتبرأ منه حيث لا ينفع الندم ، قال جل وعلا : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴿٣٦﴾ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴿٣٧﴾ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿٣٨﴾ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿٣٩﴾الزخرف ) ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ  إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴿٢٥﴾ فصلت ).

وهذا لا فائدة ولا جدوى من دعوته ولا ينبغى أن نحزن من اجله لأنه شاء الضلال فأضله الله جل وعلا إذ تركه لقرينه الشيطانى يضله متحكما فى نفسه أو فى قلبه، قال جل وعلا : ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٨﴾  فاطر ).

لذا قال جل وعلا عن الكافرين فى كل زمان ومكان : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴿٦﴾ خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ )  (٧﴾ البقرة )، أى لا فائدة من دعوتهم فقد ختم الله على قلوبهم وعلى أفئدتهم ( أسماعهم وأبصارهم داخل نفوسهم ) . أى فى قلوبهم مرض الكفر فزادهم الله جل وعلا مرضا وكفرا ، قال جل وعلا عن المنافقين فى كل زمان ومكان: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿١٠﴾ البقرة ) .

3 ـ فى كل الأحوال فالنفس أو ( القلب ) هو الذى يختار الضلال فيضله الله جل وعلا . ونأخذ أمثلة :

3 / 1 ـ عن المنافقين قال جل وعلا : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّـهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴿١٢٧﴾ التوبة ) . إنصرفوا عن القرآن فصرف الله جل وعلا قلوبهم عن القرآن .

3 / 2 : عن علماء السُّوء الذين يعبدون أهواءهم قال جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚأَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٢٣﴾ الجاثية ). طالما سار وراء هواه مختارا الضلال فقد أضله الله جل وعلا ، فأصبح برغم علمه ضالا ، وختم على فؤاده أو سمعه وبصره فى داخل نفسه.

3 / 3 : عن بعض الصحابة الذين إرتدوا قال جل وعلا :  ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖيَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللَّـهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّـهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) ﴿٤١﴾ المائدة ). هم سارعوا فى الكفر بعد الايمان وأدمنوا السماع للكافرين مما أحزن الرسول عليه السلام . رضوا لأنفسهم الكفر بعد الايمان فرضى الله جل وعلا لهم ما إرتضوه لأنفسهم ولم يرد أن يطهّر لهم قلوبهم ، اى نفوسهم.

3 / 4 : ومنهم من عاهد الله جل وعلا إن جعله الله جل وعلا ثريا غنيا أن يتصدق ، فلما أعطاه المال بخل ونكث عهده مع ربه جل وعلا ، قال جل وعلا عن عاقبته : ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّـهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿٧٧﴾ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿٧٨﴾ التوبة ). ( فى قلوبهم ) أى فى نفوسهم .

3 / 5 : عن كفار مكة الأثرياء قال جل وعلا لخاتم المرسلين :  ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴿٢٨﴾ الكهف ) . هذا الكافر إتبع هواه وتطرف فى كفره فجعل الله جل وعلا قلبه غافلا عن ذكره جل وعلا.

3 / 6 : وعن قوم موسى عليه السلام قال جل وعلا :( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ ) ﴿٥﴾ الصف ). هم ( زاغوا ) عن الحق ف ( أزاغ ) الله جل وعلا نفوسهم أو قلوبهم.

ثالثأ : طبع القلب

عن تصميم نفس الضال على الكفر يأتى وصفها بالقلب ، أى تم طبع قلبه على الكفر ، أو( تغلّف ) بالكفر قلبه أو نفسه ، ويرتبط بوصفهم بأنهم لا يفقهون ولا يعلمون أى لا يؤمنون ولا فائدة من دعوتهم.  ونعطى أمثلة . قال جل وعلا :

1 ـ عن عموم الكافرين :

1 / 1 : قال جل وعلا : ( كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٩﴾ الروم ) الذين لا يعلمون هنا هم الذين لا يؤمنون . لأن القرآن (علم ) . ومن لا يؤمن به يطبع الله جل وعلا على قلبه.

1 / 2  : عن الذين لا يؤمنون باليوم الآخر قال جل وعلا :

1 / 2 / 1 : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴿١٠٧﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴿١٠٨﴾  النحل ). الايمان باليوم الآخر يستوجب العمل له بالصالحات وبالايمان الخالص به جل وعلا وحده والالتزام بالتقوى ، وهذا يتعارض مع حبهم للدنيا ، لذا يطبع الله جل وعلا على قلوبهم فيعيشون فى غفلة الى ان يستيقظوا من غفلتهم عند الاحتضار فيهتف أحدهم يرجو فرصة أخرى يعمل فيها صالحا : (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ  (٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٠٠﴾ المؤمنون )

1 / 2 / 2 : فى حياته الدنيا التى يستحبها ومن أجلها يكفر بالآخرة يتأسّس بينه وبين القرآن ( أكنّة ) أو حجابا مستورا فلا يفقه قلبه ولا تسمع أذنا نفسه ، ويعرض نفورا إذا سمع القرآن وحده مذكورا فيه إسم الله جل وعلا وحده. قال جل وعلا : ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴿٤٥﴾ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴿٤٦﴾ الاسراء )

2 : عن الأمم السابقة التى أهلكها الله جل وعلا :

2 / 1 : كانوا كافرين معتدين فطبع الله جل وعلا على قلوبهم ، قال جل وعلا : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴿٧٤﴾ يونس )

2 / 2 : وقال جل وعلا  عنهم وعن غيرهم : ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴿٩٩﴾ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ( 100 ) تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴿١٠١﴾ الاعراف) .

3 ـ  عن المنافقين :

3 / 1 : عموما قال جل وعلا : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ) ( 3﴾ المنافقون ). كفروا فطبع الله جل وعلا على قلوبهم هذا الكفر فأصبحوا لا يفقهون أى لا يؤمنون. كانوا يرقضون الهداية ، قال جل وعلا عنهم : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّـهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿٥﴾ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٦﴾ المنافقون )

 3 / 2: وفى تفصيلات أخرى قال جل وعلا عن تقاعسهم عن القتال الدفاعى :  ( رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٩٣﴾ التوبة ) ( رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿٨٧﴾ التوبة )

3 / 3 : وعن إستماعهم للقرآن ثم إستهزائهم به قال جل وعلا : ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴿١٦﴾ محمد )

4 ـ عن الذين يجادلون فى آيات الله قال جل وعلا :

4 / 1 : عن كفار قريش فى عهد النبى محمد عليه السلام: ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿٢٥﴾وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴿٢٦﴾ الانعام ). هم رافضون للقرآن الكريم ينهون عنه وينأون عنه ، ومع ذلك يأتون للرسول يجادلونه فى القرآن الكريم ، فإستحقوا أن يجعل الله على قلوبهم حجابا مكنونا وقد تعطلت أفئدتهم فأصبحوا لا يسمعون ولا يفقهون .

4 / 2 : وعموما قال جل وعلا عن المجادلين فى آيات الله جل وعلا :  

4 / 2 / 1 ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّـهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴿٣٥﴾ غافر ). طبع الله جل وعلا على قلوبهم المتكبرة الجبارة فى كفرها فهم يجادلون فى آيات الله ، فإستحقوا مقت الله جل وعلا .

وكفار المحمديين يجادلون فى آيات الله ويسعون فى آيات الله معاجزين ، يسألون عن مواقيت الصلاة وكيفيتها يكفرون بما أكّده رب العزة من أنه جل وعلا ما فرّط شيئا فى كتابه يكون تركه تفريطا ، وانه جل وعلا أنزل كتابه تبيانا كتابه يبين كل شىء يحتاج الى تبيين. هم لم يفقهوا منهج القرآن فى التعرض للعبادات المتوارثة من ملة ابراهيم . وقد أوضحنا هذا فى كتاب ( الصلاة فى القرآن الكريم ) . ويهمنا هنا أنهم يجادلون فى آيات الله بغير سلطان ، أى بلا هدى وبلا كتاب منير ( الحج 3: 4 ، 8 : 10 )

4 / 2 / 2  : ( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ﴿٥٦﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴿٥٧﴾ الكهف ). يجادلون فى آيات الله معاجزين يريدون دحض الحق ، ومستهزئين بآيات الله والاعراض عنها ، لذا جعل الله جل وعلا أكنّة على قلوبهم فلا يسمعون ولن يهتدوا أبدا.

ولهذا لا سبيل الى هداية المحمدين الذين يجادلون فى آيات الله يسعون فى كتابه معاجزين ، قال جل وعلا (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿٥١﴾ الحج  ) ( وَالَّذِينَ سَعَوْفِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴿٥﴾سبأ  ) ( وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴿٣٨﴾ سبأ )

5 ـ إعترافهم بأن فى قلوبهم (غُلفا ) أى أحجبة تحجب عنهم الايمان :

5 / 1 : قالها كفار اهل الكتاب : ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ﴿٨٨﴾ البقرة ) ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّـهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٥٥﴾ النساء )

 5 / 2 / وقالها كفار العرب للنبى محمد عليه السلام ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴿٥﴾ فصلت )

6 ـ مقارنة

6 / 1 ـ عن الاستماع للقرآن الكريم : المؤمنون يزدادون إيمانا ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿١٢٤﴾ التوبة ) والمنافقون يزدادون رجسا : ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴿١٢٥﴾ التوبة )

6 / 2 : عن الفارق بين الراسخين فى العلم القرآنى ومن فى قلوبهم زيغ يتلاعبون بآيات الله قال جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٨﴾  آل عمران )

رابعا : المسئولية قرينة الحرية

1 ـ قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٢٤﴾ الانفال ). الله جل وعلا يعظ المؤمنين بأن يستجيبوا للقرآن الذى يحيي نفوسهم وقلوبهم ، فيوم الحشر سيحول الله جل وعلا بين الانسان ( المرء ) وقلبه أى نفسه . المرؤ فى هذا الدنيا جسد ونفس أو جسد وقلب. يوم القيامة ليس له ذلك الجسد الذى كان له فى الدنيا ، لذا عليه أن يستجيب قلبه فى هذه الدنيا قبل موته وفناء جسده.

2 ـ لولا حريتهم فى الطاعة أو المعصية ما وعظهم الله جل وعلا ودعاهم لما يحيى نفوسهم أو قلوبهم قبل أن يُحال بين المرء وقلبه أو نفسه. 

اجمالي القراءات 5984