الى الأحبة
رسالة 14

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٩ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أحبتى أهل القرآن
(1 )
لقد تم إنشاء هذا الموقع للاجتهاد فى كتاب الله تعالى و فق شعار ( القرآن هوالحل ) الذى رفعته من قبل عنونا لمقالاتى ، وقد كان ـ ولا يزال ـ شعارا أتمسك به ، و أسعى فى تحقيقه.
( القرآن هو الحل ) يعنى أنه طالما نرفض الديانات الأرضية من سنة و تشيع و تصوف و نكتفى بالقرآن وحده ـ طبقا لما أمر به الله جل وعلا ـ فلا بد أن نجد فى القرآن الكريم الحل لكل ما يواجهنا ، ولا بد أن نحتكم اليه فى كل ما توارثناه من ثقافة و تراث .
ما توارثناه من عبادات و نسك و طقوس و رسوم ـ وكل ما وجدنا عليه آباءنا ـ فيها الصحيح و الزائف ، وهكذا كان الحال فى ملة ابراهيم عليه السلام ، حين لحقها التحريف والتخريف ـ فنزل أمر الله تعالى فى القرآن باتباع ملة ابراهيم حنيفا ـ و بالاحتكام الى القرآن فيما وجدوا عليه آباءهم ، وكان المشركون يرفضون هذا ، و سجل عليهم القرآن الكريم هذا الرفض.
الان نحن نعيش نفس الحال ، فماوجدنا عليه آباءنا يسمونه الثوابت ، وحين نطالبهم بالاحتكام فى شانها الى الكتاب العزيز يرفضون ، ونحن نتكلم هنا عن قادة الأديان الأرضية للمسلمين .
(2 )

المشكلة ليست في السنيين و الشيعة و الصوفية ـ بل في بعض من ينتسبون الى القرآنيين .
وهذه مشكلة واجهتها فى مصر ، و هى تفرض نفسها الان على الموقع .
بعض القرآنيين يتطرف فى رفض كل ما وجدنا عليه آباءنا ـ أى يرفض الصلاة والصوم و الحج وسائر العبادات ، بزعم التمسك بالقرآن وقراءته بديلا عن الصلاة و الزكاة و الصدقة و الحج . وينتهى به الحال كما قال جل وعلا (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) ( القيامة 31 ـ) لا أتحدث من فراغ بل من خلال معاناة يعرفها أقاربى والقرآنيون الكبار الذين عانوا معى من أولئك الذين ـ مع الأسف الشديد ـ ضلوا و أضلوا ـ وأرجو لهم الهداية قبل رحيل العمر.
وبعضهم يدخل على القرآن الكريم بمناهج خاطئة ، كأن يحتكم فى فهم ألفاظ القرآن الى المراجع اللغوية التى تمت كتابتها بعد القرآن بقرون لتعكس تطور اللغة العربية الى عهدها ، وبعضهم يرى معنى واحدا للكلمة القرآنية و يتعسف فى تاويل كل الايات طبقا لهذا المعنى الواحد ، فيفسد تشريعات القرآن الكريم .
ومعظمهم يدخل على القرآن بفكرة مسبقة يحاول إثباتها بالانتقاء وتأويل الألفاظ القرآنية لإثبات ما يدعو اليه.
ليس من أجل هذا أنشأت موقع أهل القرآن ،وليس بهذا نحقق شعار ( القرآن هو الحل )، سنظل ندور فى حلقة مفرغة نتجادل بلا طائل مشغولين بالتصحيح والرد على من لا يسمع ولا يتعلم وليس مستعدا للتعلم ، بل هو ممتلىء بفكرته مصمما عليها.
وله الحق فيما يعتقد وفيمايرى ، ولكن لنا أيضا الحق فى أن يتفرغ موقعنا للهدف الذى أنشىء من أجله .
(3 )
قلت وأقول وأكرر : لكى تفهم القرآن لا بد أن تفهم لغته ، و لا بد أن تبحث فى القرآن موضوعيا باحثا عن الحقيقة ، وليس باحثا عما يؤيد وجهة نظرك . ولا بد أن تفهم أن القرآن الكريم لم ينزل فى فراغ ـ بل جاء آخر مرحلة من مراحل الوحى الالهى يدعو الى إتباع ملة سابقة هى ملة ابراهيم ، بل ويصحح لأهل الكتاب اكثر الذى هم فيه يختلفون (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) ( النمل 76 ـ ) ، أى أن مما لدى أهل الكتاب أنفسهم تراث فيه الصحيح و الفاسد ،واختلفوا فيه فجاء لهم الأمر بالاحتكام للكتاب الحكيم القرآن الكريم ، وإذا كانت هذه وظيفة القرآن لأهل الكتاب فكيف بنا نحن المسلمين. ؟
القرآن هو الفرقان الذى يفرق بين الحق و الباطل، وقد أنزله تعالى ليكون للعالمين نذيرا (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)( الفرقان 1 ) كل هذه البشرية أليس لها تراث ؟ هل يجب أن يحوى القرآن الكريم كل التفاصيل لكل البشر الى قيام الساعة ؟ أم أن يكون ميزانا نزن به ما لدينا و نحتكم اليه فيما اختلفنا فيه ؟ لذا فإن القرآن الكريم، هو الميزان الذى انزله الرحمن آخر الزمان قبيل الساعة لنزن به كل ما يحيط بنا الى قيام الساعة : يقول تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) ( الشورى 17 ).
(4 )
لقد قامت الأديان الأرضية للمسلمين بالتحريف ، والتحريف لا يعنى الالغاء الكامل وانما دس الباطل وسط الحق ـ وتجاهل الحق وكتمه ، وبهذا تم تدوين التراث ، فيه بعض الحق الذى ليس جزءا من دين الله تعالى ، ولكنه منسوب لأهله ، وفيه باطل . وهذا فى التراث المكتوب من علوم و فكر.
أما التراث فى العبادات التى نتلقاها ـ ليس من الكتب ـ وإنما بالتعلم من الأبوين و المجتمع فهو يستمر بالتواتر ، والتواتر ليس معصوما من الخطأ. والمرجعية فيه لله تعالى فى القرآن العزيز. والله تعالى هو الذى خلق الخلق و هو الذى انزل الكتاب ، وهو الذى يعلم ما سيحدث الى يوم الدين ـ ثم هو الذى أمر بالاكتفاء بالقرآن ، وأكد أنه ما فرّط فى شىء يكون تركه تفريطا ،وأنه نزل تبيانا لكل شىء يحتاج الى البيان .
من يخرج عن هذا الإطار فقد أدخل نفسه فى ابتداع دين أرضى لأنه سيبتدع صلاة وصدقة و حجا و شعائر من عنده هو بناء على تأويلاته هو .
نحن نحترم حريته فيما يقول وفيما يفعل ، وهو مسئول عن إختياره امام الله تعالى يوم القيامة. ونحن أيضا مساءلون أمام الله تعالى عما ينشره هذا الموقع.
ولذلك أقول أن هذا الموقع ليس مرتعا لأى شطط يأخذ من عظمة القرآن الكريم ويسىء اليه سواء كان من أبتداع السابقين الذين نسبوا تخريفهم لله تعالى ولرسوله فى الحديث القدسى و الحديث النبوى ، أو من اللاحقين ألذين ينسبون أجتهاداتهم لأنفسهم تحت مسمى القرآنيين .
القرآنى الحقيقى هو من يضع القرآن الكريم فى أعلى عليين ، يجعله إماما له ، وهو حين يتدبر القرآن يجعل نفسه خلف الآية ، أى يكون القرآن الكريم (أمامه ) بفتح الهمزة ، ويكون (إمامه ) بكسر الهمزة ـ لذا يتتبع كل الآيات ، يسير خلفها طالبا الهداية بها ـ متمسكا بمعنى اللفظ كما جاء فى السياق القرآنى وحده ، أى يكون القرآن هو البداية وهو النهاية و هو الصراط المستقيم.
هذا هو منهج العلماء الراسخين الذين نوّه بهم رب العزة فى القرآن الكريم ، وذكر منهجهم فى فهم المتشابه و المحكم فى القرآن حين عرض للمنهج المضاد (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) ( آل عمران 7 ).الصنف الآخر يجعل هواه هو الأعلى ، ومن خلال هواه ينظر الى القرآن لينتقى منه ما يريد ، أى لا يجعل القرآن فوق رأسه بل ـ و العياذ بالله تعالى ـ يجعله تحت ( ..... )
وأكرر من حق كل انسان أن يختار ما يشاء ـ ولكن من حقنا أن نرفض هذا فى موقع أهل القرآن.

ومن أسف أن بعض الذين يقعون فى هذا المأزق ليس لهم تاريخ فى البحث ولا خلفية علمية.
ومن خلال معاناتى ـ السابقة ـ مع بعضهم ظهر لى انها عقد نفسية وجدت لها الحل فى أن تتنفس وتعبر عن نفسها بهذه الطريقة.
بعضهم عندما يكتشف جهل الشيوخ الكبار وأنه عرف من القرآن ما لا يعرفه الشيوخ ومعظم المسلمين فان هذا يزين له أنه طالما تفوق على ( كبار العلماء ) وتفرّد عن معظم المسلمين باكتشاف قرآنى فى العقائد فله الحق ان يقول ما يشاء فى كتاب الله تعالى معتقدا أنه أصبح متحررا من القيود التى يفرضها البحث وما يجب أن يتوفر للباحث من خلفية علمية بالاضافة الى الهداية التى تجعله مستعدا للانحناء الى الحق متى ظهر له .
( 5 )

المشكلة أن أحدهم يخلط بين دور القرآن الكريم فى الهداية ، ودوره فى المعرفة.
ينسى هنا أن القرآن الكريم قد يسّره الله تعالى فى الذكر ، أى أن القرآن الكريم واضح و ميسور وسهل لكل من يريد الهداية فى العقائد ، وعلى سبيل المثال فهناك أكثر من 150 آية قرآنية تنفى الشفاعة المزعومة للأنبياء و البشر ـ وكلها آيات واضحة و قاطعة ، وسهلة الفهم لكل قارىء يريد الهداية. وهناك أكثر من 150 آية قرآنية فى تاكيد بشرية الأنبياء ووقوعهم فى الخطأ ، و أن عصمتهم بالوحى الذى يعلمهم ويزكيهم ويوجههم. وكلها آيات واضحة وميسرة للذكر ، ونفس الحال فى كل آيات العقيدة والهداية. وهذا هوالقدر المطلوب للذكر أى لدخول الجنة، ولهذا تكرر قوله تعالى فى سورة القمر (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) وقال (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) ( مريم 97 ) (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( الدخان 58 )

ولكن هناك مستويات أخرى لفهم القرآن ومعرفته لا يستطيع ولوجها إلا من أوتى العلم من (أهل الذكر) وعلى سبيل المثال ، سورة الاخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) هى سهلة لكل من أراد الهداية و الذكر، والنجاة فى الآخرة ـ من السهل أن يفهم منها أن الله تعالى هوواحد أحد لا مثيل له فى الذات أو الصفات ، لا يحتاج الى غيره ـ ويحتاج اليه غيره ـ وأنه لم يلد ولم يولد و ليس له مثيل. هذه هى عقيدة الاسلام واضحة هنا.
ولكن مجال التعمق فى السورة لا نهاية له ، مثلا لماذا جاء بكلمة (هو ) و هى تستعمل للخالق و المخلوق ؟ وكيف يكون (أحد ) أى لا مثل له فى الذات و الصفات و نستعمل فى الحديث عنه نفس الألفاظ المستعملة فى المخلوقات مثل (هو ) و (أحد ) ؟ ماذا تعنى كلمة (هو ) بالنسبة لله تعالى وهو ليس غائبا ، وما وجه استعممال الضمير بالنسبة للخالق و بالنسبة للمخلوق ؟ وما هو الفارق بين كلمة ( أحد ) الأولى و كلمة (أحد ) الأخيرة ، فالواضح أنهما متناقضتان ، ف( أحد ) الأولى جاءت وصفا لله تعالى تفيد معنى مناقضا ل ( احد ) الأخيرة التى جاءت وصفا للبشر ، وهنا ندخل على الاستعمال اللغوى لأسماء الله تعالى الحسنى ، منها ما يكون صالحا للاستعمال وصف للبشر مع صلاحيته وصفا لله تعالى ، ومع تميزه أحيانا ب (أل ) التى تفيد التعريف والاستغراق ، وأحيانا بدون (أل ) كما هنا فى كلمة ( أحد ) فلماذا تفردت هنا عن غيرها من صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى ؟ . وندخل فى قضية أخرى أو مشكلة أخرى حين نحتكم الى السورة كلها فى عقائد المسلمين السنة و الشيعة والصوفية فى تأليه الأنبياء والأولياء الصوفية والأئمة الشيعة ، واعتبارهم قبسا من نورا الله تعالى ، ونسخا ( جمع نسخة منه ) وفقا لعقائدهم المسماة بالحقيقة المحمدية و النور الالهى والحلول والاتحاد ووحدةالوجود. ومسائل أخرى لا حصر لها كتب فيها المسلمون والفرق ( الاسلامية ) آلاف الكتب و المجلدات.. عندها ستستغرق عمرك وعمر جيل باكمله فى التدبر فى هذه السورة القصيرة التى يمكن أن يفهمها الجميع بسهولة و تضيع فيها أعمار العلماء بحثا و تفكرا وتدبرا.
وحتى فى آيات الشفاعة التى تنفى شفاعة النبى محمد عليه السلام ، يمكن ان تفهم بسهولة قوله تعالى للنبى محمد عليه السلام (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ) ( الزمر 19 ) واضح هنا أن الله تعالى يسأل خاتم الأنبياء أنه إذا كان قد أمر الله تعالى بتعذيب مجرم فى النار فهل تستطيع إنقاذه ؟ والاستفهام يعنى النفى ، والأمر بالغ الوضوح فى نفى تدخل النبى فى إخراج أى أحد من النار .
ولكن التعمق فى فهم الاية له مستويات شتى لا تنتهى ، مثلا نوعية الاستفهام هنا ، هل هو للاستنكار أم للتعجب ـ أو هو للتقرير ؟ وفى كل ناحية معنى بلاغى دقيق ، ثم سياق الاية ، أى صلة الآية بما قبلها و ما بعدها .
فالآية السابقة تتحدث عن إتباع أحسن القول ـ أى القرآن الكريم ـ :(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) وتفاجأ أن هناك أحاديث منسوبة للنبى محمد فى نفى الشفاعة ، منها حديث ( إعملى يا فاطمة فإنى لا أغنى عنك من الله شيئا ) و ( يا عباس ياينى هاشم : لا يأتى الناس بأعمالهم و تاتون بأنسابكم ) هو كلام نسبوه للنبى محمد عليه السلام فى خضم الجدل حول الشفاعة بين المؤيدين و المنكرين ، وكما نسب المؤيدون للشفاعة أحاديث تجعله يشفع فان المنكرين للشفاعة نسبوا له أحاديث تؤكد أنه لا ينفع و لا يشفع. والمشكلة هنا أننا أمام كلام حسن جيد يتفق مع القرآن ، فهل نأخذ به ؟ الاجابة فى الآية الكريمة التى تحوى إعجازا خفيا يرد مسبقا بحل المشكلة و يدعو مقدما الى إتباع القرآن وحده فى العقائد ـ فالآية تجعل من صفات المؤمنين حق الايمان أنهم (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ثم تاتنى الآية التالية وفيها يخاطب الله تعالى النبى نفسه فى غاية الوضوح قائلا (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ). وبالتالى حيت تتدبر هذه الآية وما قبلها و السياق فيها تجده يؤكد لك على أنه لا مجال للاستشهاد فى موضوع الشفاعة هنا إلا بالآية الكريمة (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ) فهى أحسن القول المشار اليه فى الآية السابقة ـ وعليه فلا داعى لأن تستشهد بقول آخر مثل ( إعملى يا فاطمة ) أو غيره، ثم يتاكد لك هذا حين تستمر فى القراءة فى نفس السياق فى نفس السورة فتجد قوله تعالى (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وبعدها ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) ( الزمر 22 ـ 23 ) اى طالما معك أحسن الحديث الذى يجب أن ينشرح به صدر المؤمن فلا يمكن أن تستشهد بغيره ، فمن معه الأحسن لا يحتاج لغيره من أى كلام حسن يقوله البشر ـ فما بالك إذا كان هذا الكلام الحسن منسوب زورا للنبى محمد عليه السلام ، و التسليم به يعطى ذريعة لقبول كلام نصف حسن ثم كلام سىء و اسوأ لأنه تسليم بمنهج الدين الأرضى ـ وأى دين أرضى لا يخلو من كلام حسن ـ بل يحتاج الى الكلام الحسن وفق نظرية خلط السم بالعسل. وبالتالى يمكنك أن تستشهد بالأحاديث السابقة على وجود جدل فى قضية الشفاعة بين المؤيدين و المنكرين ، ولكن لا مجال لن تستشهد بها فى دين الله جل وعلا. تستشهد بها على الدين الأرضى وثقافة أهله مع قطع الصلة و النسبة بينه وبين خاتم النبيين عليه السلام. وهكذا تتنوع مجالات الاستفادة من الاية الكريمة و السياق الذى يسبقها ويتلوها ، و كل ذلك تفهمه من سياق آية واحدة ، مما سبقها ومما جاء بعدها، وفهم السياق أساس فى فهم القرآن الكريم.
أما إذا دخلت فى تعمق الاية نفسها فألفاظ الآية لا ينتهى التامل فيها مثل ( حق عليه كلمة العذاب ) و لا يتسع المجال هنا لذكر أمثلة قرآنية لمعنى الحق و التحقق و تداخل الحق مع اليقين مثل حق اليقين و تداخله مع العلم مثل علم اليقين ، وصلة ذلك بعلم الاخرة فى القرآن الكريم ، وكلام القرآن نفسه بين الحق واليقين فيما يخص الدنيا واحوال الاخرة ،وفى كل ذلك تفاوت دقيق فى المعنى و المبنى..
أى أن هناك مستويات فى فهم القرآن ـ أبسطها ما يعين على الهداية والذى جعله الله تعالى ميسرا للذكر، ولكن هذا الميسور للذكر لا تنتهى إعجازاته ومستوياته فى البحث و التدبر ، وكلما أوغل فيها الباحث القرآنى إزداد إدراكا بالمقدار اللانهائى الذى يجهله من علوم القرآن الكريم ومعارفه.
ليس معنى أن تكتشف آية سهلة الفهم فى القرآن أنك اصبحت من العلماء الراسخين و ( أهل الذكر ) و(الذين أوتوا العلم ). هذا مع أن هذا ليس بالاختيار او بالتوظيف أو مهنة رسمية أو شهادات دراسية ، بل هو استعداد للتعلم وتفرغ للبحث وكفاءة فيه وتعرف على المنهج الحق فى تدبر القرآن الكريم ودراسة واعية ومتعمقة لتراث المسلمين وكل ما يمكن من فروع العلم ، وكلما إزداد علما فى كل شىء إزداد علما بالقرآن بعد أن يكون قد استعد لفهم القرآن وفق منهج فهم القرآن. ، وفى النهاية فان ما يقوله أهل الذكر او الذين أوتوا العلم ليس سوى اجتهاد بشرى يقبل الاعتراض و النقاش باسلوب العلماء الباحثين عن الحقيقة .
ولكن يكون من المضحك أن يأتى الذين لا يقرأون ولا يعلمون ، وبدلا من أن يعطوا أنفسهم وقتا للتعلم والقراءة والفهم ـ يقفزون الى نهاية الطريق ويكتبون فى التنظيروالتقعيد بمناهج خاطئة ، هذا بينما يتطاول الآخرون من صعاليك الانترنت على من أفنى عمره بحثا و معاناة و دفاعا عما يعتبره حقا.

( 6 )
ثم يكون من المؤلم أن يصل التطاول الى الكتاب العزيز نفسه .
من طبعى ألا أرد على من يتطاول علىّ، وربما أكون أكثر من تطارده الشتائم و اللعنات . قد أغضب ، وقد أنسى واتسامح ولكن لا أرد. وبعض هذه الاتهامات والغمز واللمز ياتى متسللا الى هذا الموقع ، ولا أرد .
أيضا لا أرد على من يهاجم منهجى أو دينى ومعتقدى فى الصحف و المواقع الأخرى. و بعضها يقال فى هذا الموقع، ولا أرد طالما لا يصل الأمر الى السخرية. .
وعندما يتصدى للرد بعض الاخوان تاتى لهم التهم الجاهزة بأنكم تقدسون أحمد صبحى ـ فاضطررت الى أن أكتب راجيا ألا يمدحنى أحد ، وألا يخرج التعليق عن الموضوع . واستمر الهمز و اللمز ، واضطر الأخوة الى التعليق فجاء نفس الاتهام الجاهز بالتقديس ـ أى إذا سكتوا فهو قبول بتلك الاتهامات ، وإذا ردوا فهم يقدسون فلانا. أى ان المطلوب أن يظل فلانا معرضا للسب و الشتم فى الخارج والى الغمز و اللمز فى هذا الموقع ، فاذا قام بالدفاع عنه أحد الأخوة فهم يقدسون فلانا ، وإذا قام فلان بالرد بنفسه قامت القيامة و لم تقعد ..
وفى أفضل الأحوال فهو مطالب بأن يكون ( الأب ) للجميع، هذا جميل جدا،فماذا عن احترام الأب ؟
( 7 )
لقد قلت إننا جميعا تلاميذ امام كتاب الله تعالى نتعلم منه. وأنا مخلص فى هذا و اتمسك به ما دمت حيا. وقلت: إننى أتعلم من بعض ما يكتب فى الموقع ، ومن بعض أصحابه ، وهذا يحدث وليس مجرد كلام . وهنا لا بد من الاعتراف لبعض أصحاب الفضل .
من الذين استفدت بعلمهم وفطرتهم السليمة الاستاذ ابراهيم دادى. كثيرا ما تحاورنا فى رسائل خاصة ، و أقول ـ والله تعالى على ما اقول شهيد ـ أننى استفدت بعلمه ، ومما استفدت منه رأيه فى جواز صلاة الحائض ، وكنت أقول نفس القول و لكنه أفادنى علما بأن الآية التى تتحدث عن المحيض خاصة بالمعاشرة الجنسية و لا شأن لها بالطهارة للصلاة. استفدت أيضا من الحوار مع أساتذة آخرين كالاستاذ فوزى فراج فى أسئلته وما يكتبه بين السطور. استفدت ـ وآمل فى مزيد الاستفادة ـ مما يكتبه شريف هادى عن الصين ، أى إننا فعلا نتعلم من بعضنا ، و نتعلم من القرآن كلما قرأنا فيه ، وكلما تعلمنا من القرآن إزددنا علما بمدى ما نجهل من القرآن ، وأن كل أعمارنا قاصرة على الابحار فى كنوز معرفته.
هذا ما يقوله الباحث القرآنى المستعد للتعلم مهما بلغ عمره وعلمه .
ولا أجد ذلك فى بعض الكاتبين هنا الذين هم بما لديهم فرحون مع ما يظهر من خطئه وخطله و مخالفته الصريحة للقرآن العزيز الذى يزعمون الانتساب اليه.
( 8 )
تزداد المشكلة بمن أسميهم ( صعاليك الانترنت)
هم صبية يحترفون التجول فى فضاء الانترنت للتسلية و ليس للعلم ، وهم يكرهون ما يجهلون ، إذا جئتهم بما لا يعلمون أخذوا فى الهجوم عليك . وهم يستغلوم مزية التعليق الممنوحة لهم للتعليق على الكتابات العلمية بما لديهم من جهل و صغار. يحدث هذا كثيرا فى المواقع المفتوحة لهم ، وحدث و يحدث هنا لولا أننا نرد ونحاول بقدر ما نستطيع تنظيف هذا الموقع والرقى به ليكون مدرسة للعلماء والباحثين وليس مدرسة للمشاغبين. ولكن الذى يحدث ألأن أن ينتهز المشاغبون أى فرصة للمناقشة والحوار فيحولون النقاش الى جدل والجدل الى معارك .
حاولت اصلاح الأمر بدعوة المشاغبين الى القراءة ، وكررت التوصية بالقراءة ، ولكن ظهر لى أن ما أكتبه لا يقرؤه المقصودون بالقول، بل إن بعض الكتّاب الذين أتطوع بالرد عليهم للتوجيه و التصحيح لا يقرءون من الرد الذى أكتبه إلا ما يعينهم على العناد والرد المضاد .
ومن الطبيعى أنها حريتهم فى الاعتقاد وحريتهم فى التعبير ، وحريتهم فى أن يتعلموا أوأن يظلوا كما هم.
لذلك لا أدخل فى جدال مع أحد ، أقوم بالرد مرة واحدة ـ ثم لا أدخل بعدها فى جدل ، ليس فقط لأن وقتى لا يسمح ـ ولكن أيضا لأننى لست مسئولا عن هداية أحد ـ وكل ما أتمناه لنفسى هو الهداية من ربى عز وجل ، و أقول كلمتى و أمضى . حتى فى هذا الموقع.
فى البداية كنت ارفض التعليق على المقالات ، ولكن وجدت أنه لا بد من التعليق بسبب تكرار نفس الأخطاء ، وتحول التعليقات الى شخصنة وتنابذ باللقاب و خروج عن الموضوع و وحروب كلامية. ولكم أن تراجعوا تعليقاتى ، وهى تبدأ بتحية الكاتب ثم التعليق موضوعيا على ما يقول باضافة معلومة أو بالنقاش أو بالنصيحة .
( 9 )
حين كتب الاستاذ سامر مؤخرا عن نبى الدجاج وجعل ذلك عنوان مقالته ، قرأت ما لم يقرؤه الآخرون. لا تنسوا أننى قارىء محترف ، أعرف قراءة ما بين السطور ، وأحلل عقلية كل كاتب و مدى علمه وثقافته ومنهجه فى الكتابة إن كان له منهج .
الذى قرأته من مقال الاستاذ سامر والذى فهمته منه ـ حسب علمى ـ أنه يناقش و يناقض منهجى فى فهم القرآن ـ وهذا لا بأس به ولا شىء عليه ، فقد كتب فى ذلك من قبل .. قلت لا ضير مما يكتب مناقشا أو مناقضا لى فى المنهج وفى المبنى و فى المعنى. ولا ضير إذا كتب حتى يهاجمنى فى شخصى ، وهذا ما لم يفعله بالطبع ـ ولكن حتى لو فعله فأنا سأعفو عنه .
ولكن أن يتحول الأمر الى سخرية بالمنهج الذى هو مستمد من القرآن نفسه ـ وأن يتحول الأمر الى نبى الدجاج فلا بد من التدخل ـ ليس بالمنع و المصادرة و لكن بالرد .
لا أنكر أننى غضبت و لا زلت غاضبا ، وحاولت منع قلمى (السليط ) من الجموح ، ولكن هذا الغضب ليس لشخصى ، ولكنه لدينى و الكتاب العزيز الذى لا أومن بغيره.
طبعا كان الرد مفاجأة للاستاذ سامر فكتب منكرا أن أكون المقصود ، ومع أننى أشكره على رده فاننى أرجوه ألا يستهين بذكائى الى هذا الحد.. فإذا كان يقصد كاتبا آخر فى الموقع فهل ضاقت عليه كل آيات القرآن ولم يبق لديه مما يستشهد به إلا الآيات التى هى أساس الاعتقاد لكل مؤمن بالقرآن وحده ، ؟ ثم يستخدم تلك الآية الكريمة فى حديثه عن نبى الدجاج ثم فيما بعد ـ حسبما وعد ـ عن نبى البط ؟
هو يعلم تماما أن هذه الايات هى أساس كتاب ( القرآن وكفى )
له أن يرفض الكتاب ، وله أن يرفض المنهج ،ولكن ليس له أن يسخر بمحتوى كتاب كله مبنى على آيات القرآن الكريم .
ولو لم أكتب ردا عليه ودفاعا عن دينى لكنت خائنا لدينى و تاريخى ونفسى..
من حق الاخرين الدفاع عنه ، وهذا حقهم بلا شك ، وهو أيضا حقى أن أفهم ما لم يفهموه وأن أرى ما لم يروه. وأن أرد بالحق ، كما يرد غيرى بالباطل.
وفى النهاية فكلنا مسئول يوم القيامة عن كل ما قال ، وكل ما كتب ، وكل ما اعتقد .
والله تعالى المستعان.

اجمالي القراءات 16242