يسألونك عن الوصية
قال : والدى مصاب بمرض ، وأوصى بعد موته أن نذبح عجلا ونفرقه على الفقراء فقط . فهل ننفذ وصيته ؟
قلت : ليست هذه وصية . الوصية لا تكون للفقراء أو لأى أحد من الناس بإختيار الشخص المُوصّى. الوصية تكون لأقرب الأقارب ، أى الورثة.
قال : ولكن هناك حديث ( لا وصية لوارث ).!
قلت : فى بحث النسخ أثبتنا كذب هذا الحديث . وكذلك فى كتاب المواريث.
قال : أعطنى فكرة سريعة .
قلت : هناك ( الأقربون ) وهم الورثة ، وهناك ( أولو القربى ) وهم الأقارب الذين لا يرثون. عند تقسيم التركة إذا حضرها ( أولو القربى ) أى الأقارب من غير الورثة واليتامى والمساكين فيجب التصدق عليهم بشىء من التركة. قال جل وعلا : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) النساء 8 ). بعدها يتم إخراج الديون والوصية من التركة ، ثم يتم تقسيم التركة على ( الأقربين ) كل بنصيبه المحدد ذكرا كان أو انثى ، قال جل وعلا : ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) 7 ) النساء ). لاحظ الفارق بين ( الأقربون ) فى الآية 7 ) و( أولوا القربى ) فى الآية 8 ). الأقربون هم الورثة. الأقارب العاديون الذين لا يرثون هم ( أولوا القربى) .
قال : وكيف نحدد أولو القربى من الأقربين ؟
قلت : يتوقف هذا على درجة القرابة . هناك الوالدان والزوج والزوجة والأبناء والأخوة ذكورا وإناثا. الوالدان والزوج أو الزوجة يرثون فرضا والباقى للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. عند عدم وجود الأولاد يكون الأخوة هم ( الأقربين ) ، بوجود الأبناء يكون الأخوة من أولى القربى الذين لا يرثون. عند عدم وجود الأبناء والأخوة يكون الأقربون هم الأعمام . عند عدم وجود الجميع يكون الأقربون هم أولاد العمومة.
قال : نعود الى الوصية
قلت : قال جل وعلا :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة 180 ). هنا وجوب الوصية للوالدين والأقربين ، وهم ورثة. فالوصية للورثة فقط .
قال : فماذا إذا حدث تغيير فى الوصية بعد موت الموصّى ؟
قلت : قال جل وعلا : ( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة 181 ). من يغيّر الوصية يكون آثما ويتحمل الوزر.
قال : فماذا إذا كان فى الوصية ظلم ؟
قلت : الله جل وعلا أوجب أن تكون الوصية بالمعروف : :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة 180 ). بمعنى أن تتسق مع العدل، فقد يكون هناك من الورثة ما يستحق أكثر من الآخرين بسبب ظروف خاصة، وقد شرحنا هذا فى بحث النسخ. بدون هذا المعروف أو العدل يكون هناك ظلم فى الوصية ، كأن توصى لوارث لا يستحق. عندها يكون التدخل لإحقاق الحق ، قال جل وعلا : ( فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) البقرة : 182 ).
قال : هل لا بد من إخراج الوصية قبل توزيع التركة.!؟
قلت : نعم ، وهذا ما جاء فى آيتى توزيع الميراث : ( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ )( النساء 11 : 12 ).
قال : نرجع الى وصية والدى بذبح عجل وتوزيعه على الفقراء.
قلت : ليست هذه وصية لأنها للفقراء وليست للورثة .
قال : فماذا لو أوصى شخص ببناء مسجد أو بعمل خير أو كما أوصى والدى بصدقة للفقراء ؟
قلت : من يريد هذا يمكنه أن يفعل هذا صدقة من ماله وهو فى حياته يسعى فى الأرض. هنا يكون هذا ضمن أعماله الصالحه ، وقد قال جل وعلا : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) النجم )، أى إن سعيه فى حياته الدنيا خيرا أو شرا سيراه يوم القيامة ، قال جل وعلا : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ) . ويوم العرض أمام الرحمن جل وعلا ستكون أعمالنا فى حياتنا الدنيا واضحة مرئية ، قال جل وعلا : ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) الحاقة ). بالتالى فلا بد لمن يعمل الخير أن يقدمه بنفسه فى حياته ليتم تسجيله فى كتاب أعماله. بموته يتم قفل كتاب أعماله فلا يمكن أن يزداد من عمل خير أو عمل صالح لأن الشخص قد مات. فى حياته الدنيا يكون هو المالك لماله المتصرف فيه. أما بعد موته فلم يعد مالكا ، وما تركه يكون ( تركة ) يتملكها الورثة، وهو مكتوب أو مفروض عليه أن يوصى بجزء من هذه التركة لبعض الورثة خصوصا للوالدين أو أحدهما.
قال : بإختصار : ماذا أقول لأبى عن هذه الوصية ؟
قلت : إذا كان يريد عمل خير وقد إقترب من الموت فعليه أن يبادر به الآن . وليتذكر أن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالمسارعة فى الخير إبتغاء مغفرة الرحمن جل وعلا ، قال جل وعلا : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران ) . والمسارعة تعنى أن تسابق الزمن ، أى أن تفعل الخير قبل أن يأتى الأجل ، قال جل وعلا أيضا للمؤمنين : (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون )، أى يجب على المؤمن أن يتصدق وهو حىُّ يُرزق قبل أن يدهمه الموت ، لأنه إذا حلّ به الأجل فسيندم عند الاحتضار ويدعو ربه أن يعطيه فرصة أخرى ليتصدق ، ولكن إذا جاء الأجل فلا يمكن تأجيله.!
قال : الله جل وعلا أوجب الوصية إذا حضر الموت يعنى قبيل الاحتضار ، فى الوقت الذى يمكن للإنسان أن يتكلم فيه قبل الموت . أليس كذلك ؟
قلت : بلى .!
قال : فهل إذا أوصى للورثة قبل ذلك ، وهو فى صحته . هل هذا جائز ؟
قلت : نعم . هذا جائز .
قال : ولكن الآية الكريمة تتحدث عن الوصية إذا حضر الموت ؟
قلت : ليس فى الآية الكريمة ما يفيد ببطلان الوصية قبل الموت .
قال : لماذا إذن الكلام عن الوصية إذا حضر الموت ؟
قلت : لنفرض ان شخصا لم يوصّ هذا يجب عليه أن يوصّى إذا حضره الموت. لنفرض شخصا أوصى فى صحته وحياته ، هذا إذا حضره الموت عليه أن يؤكد وصيته. لنفرض أن شخصا أوصى فى حياته ثم بدا له تغيير فى الوصية ، عليه أن يفعل ذلك إذا حضره الموت. الوصية عند حضور الموت هى المعتمدة ، وهى الأخيرة .
قال : لنفرض أن شخصا حضره الموت وهو فى سفر وليس معه أقاربه ورثته ؟
قلت : جاء حكم هذا فى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) المائدة )
قال : يعنى لا بد من شاهدين عادلين .
قلت : التفاصيل واضحة فى الآيات الثلاث .
قال : فماذا إذا لم يوجد شهود فى هذا السفر ؟
قلت : هذا يعنى أن يكتب الشخص وصيته تحسُّبا .
قال : وهل يصح أن تكون الوصية مكتوبة ؟
قلت : نعم .
قال : فماذا إذا زوّروها ؟
قلت : على الشخص فى عصرنا أن يجتهد فى كتابة وصيته ، وفى حفظها ، ثم اذا وقع فيها تزوير أو تبديل فالإثم على من يفعل ذلك .
قال : بعضهم يقوم بتسجيل فيديو لوصيته . هل هذا جائز ؟
قلت : نعم. وفى كل الأحوال هناك من يحضر توزيع التركة وإخراج الوصية والديون .
قال : وهل القوانين الوضعية صالحة لموضوع تنفيذ الوصية ؟
قلت : هى صالحة بقدر ما فيها من عدل .
قال : عمى الشقيق مديون لأبى بمبلغ كبير ، ولم يسدده عمى حتى الآن . وأبى أوصى بالتنازل لعمى عن هذا الدين ، وجعله هذا وصية له. هل هذا جائز ؟
قلت : عمك من أولى القربى الذين لا يرثون . بالتالى لا تصح الوصية له.
قال : زوجة أبى باعت ذهبها وحُليّها وتنازلت عنه لأبى. ويريد أبى أن يوصى لها بقيمة هذا الذهب . هل هذا جائز ؟
قلت : زوجة أبيك من الورثة ، لأبيك أن يوصى لها بقيمة ذهبها .
قال : لنفترض أنه لم يوصّ ؟
قلت : يكون ما قدمته لأبيكم ضمن الديون المستحقة لها على التركة، أى يتم إستقطاعها من التركة وتأخذه ، ثم تأخذ حقها فى التركة وهو الثمن.
قال : هل هناك شىء آخر فى الوصية ؟
قلت : نعم . عند الموت يجب على المؤمن أن يوصّى أولاده وأقاربه بالتمسك ب ( لا إله إلا الله ) . هذا ما فعله ابراهيم ويعقوب عليهما السلام. قال جل وعلا :( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة 132 : 133 ).
قال : هذا شىء يسير. كلنا نقول ( لا إله إلا الله )
قلت : ليس يسيرا . لأن ( لا إله إلا الله ) شهادة واحدة ، لا يصح أن تجعلها شهادتين ، اى تجعل لمحمد شهادة أخرى ترفعه فوق الأنبياء وتفرّق بينه وبين الرسل ـ ولا يصح أن تجعلها شهادة ثلاثية كما يفعل الشيعة حين يجعلون عليا بن أبى طالب وليا لله جل وعلا. ( لا إله إلا الله ) يعنى أن توصى أولادك أنه لا تقديس إلا لرب العزة جل وعلا ، أى لا تقديس لمحمد أو على أو الحسين أو أبى بكر أو عمر أو عثمان أو البخارى أو أو .
قال : هذه مشكلة كبرى.
قلت : قال جل وعلا عن اكثرية البشر أنهم لا يؤمنون بالله إلا إذا كان معه آلهة أخرى. قال جل وعلا : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) يوسف ) وإذا دعوتهم الى ( لا إله إلا الله وحده ) بلا تقديس لمحمد وغيره كفروا ، ويوم القيام سيقال لهم وهم فى النار : (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) غافر ).
قال : دائما : صدق الله العظيم .!