الرد على نفي السببية

سامح عسكر في الثلاثاء ١٠ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يقول أحد الأصدقاء الأعزاء : أن الله أوجد الكون من العدم، فلم يكن هناك سبب إيجاد أو علة نشوء، وبالتالي السببية هي عارض للوجود وليست قانون للوجود..

قلت أولا: السببية عارض للوجود وليست للعدم، مفيش أسباب في العدم أصلا..أي أنها قانون للوجود فعلا يخرقه الله بما يسمى (المعجزات) والاستثناء يؤكد القاعدة ، أن الله خلق الكون بأسباب وقوانين إذا أراد تعطيلها بمعجزة فعل..

وكلا المصطلحين (عارض وقانون) من أعمال العقل، فالسببية إذن عقلية

ثانيا: السببية من قوانين الفلسفة وليست من قوانين المنطق

والفلسفة معقول ثانٍ ما كان اتصافه في الذهن وعَرَضه في الخارج، والأسباب كلها في أذهاننا وفي الخارج أيضا، أما عالم الأسباب عموما هو عالم الجزئيات التي نعرفها بالحس المجرد.

أما المنطق فمعقول ما كان اتصافه وعَرَضه معاً في الذهن ، أي مفاهيم ذهنية كلية كالوجود والعدم..والاحتجاج بنفي السببية بالإيجاد هو عمل ذهني في عالم من الكليات لا يصلح لمناقشة السببية لشيوع الخلاف فيه وتعدد الصور الذهنية.

ثالثا: نفي السببية هو نفي الاختيار وحرية الإنسان، فلو لم يكن هناك سبب في الخير ما كان له نتيجة، فيتساوى السبب مع النتيجة في ذهن الإنسان حتى يصل للعدمية..ومنها للدروشة وتعظيم الخرافة..

رابعا: نفي السببية هو أيضا نفي للقدرة وماهيات الوجود ، يقول ابن رشد أن السببية هي التي تميز بين الموجودات عن بعضها، أما نفيها يعني عدم القدرة على التمييز، والإيمان بقدرة واحدة في الكون هي (الله) رغم أن هناك قدرات مختلفة للإنسان والحيوان والنبات والرياح..إلخ، ولا تعارض بين تلك القدرات وقدرة الله لأن الله قدرته (كلية واجبة الوجود) وما عداه جزئيات ممكنة الوجود..

خامسا: هناك أسباب ذاتية في الأِشياء تعني فعلها وطبيعتها، فالأسد مثل يفترس الغزال، هذا سبب فيه دفعه لنتيجة هي الافتراس..ومن أجل ذلك أصبح أسد مميز عن الغزال، نفي السببية هنا يجعل الأسد والغزال شئ واحد ، أما دعاة النفي يقولون ما دام الله قادر أن يحول الأسد إلى غزال فالنفي صحيح..وهذا جنون، لأن التحويل غير ممكن، الأسد لو تحول فهو غزال بالأصل وليس أسد..هذا ضرب قوانين الماهيات من جذورها ، وأصبح التفكر والتدبر عبث.

سادسا: نفي السببية يؤدي للشك الدائم وعدم اليقين، وأكثر دعاة النفي لا يلزمون النفي أصلا، واحد منهم ينفي الأسباب ويفسر الاستواء في القرآن (بالجلوس) هذا مفهوم فلسفي نراه بالحس البدهي، وكل جالس مَلَكَ سببا للجلوس سواء تعب أو راحة، فتراه ينفي الأسباب وفي نفس الوقت يثبت أن الجلوس له سبب طبيعي حسب قوانين الكون..!

سابعا: أشهر من نفى السببية حديثا هو "ديفيد هيوم" كان شايف إن السببية ليست قانون كون لكنها (آلية حدوث للأشياء) نراها بالحس المجرد، أي هي مفهوم عقلي في الأخير يمكن ملاحظتنا له تختلف، أصبح مفهوم السببية نفسه عند الإنسان (نسبي) لكن يظل في الأخير حقيقة كونية كالخير والشر ، وزي ما احنا بنختلف في تقدير الخير والشر نختلف أيضا في تقدير السببية.

كلام هيوم (البدهي جدا) يؤكد أن السببية عارض للوجود لا العدم زي ما طرحنا في النقطة الأولى، بالتالي القول أن الله خلق الكون من عدم لنفي السببية هو عدم فهم للسببية أصلا، أما نفي الغزالي للسببية كان يقصد بيه موضوع الكرامات الصوفية تحديدا ولم يحرر المسألة فلسفيا كما ينبغي، وكل من قلدوه وقعوا في شراكه بالدروشة..

باختصار: السببية هي قانون الكون، فالمتهم لن يبرئه القاضي إلا بأسباب وجهود دفاع ومحاماه، كذلك فالضوء لن يكون إلا بشمس أو نار أومصباح كهربائي، والمرض لن يكون إلا بفيروس أو بكتيريا أو خلل جيني وضعف مناعة

اجمالي القراءات 5238