عباس العقاد : إما الديمقراطية أو الفوضى والشيوعية
محيط – مي كمال الدين
"أحمق المستبدين هو ذاك الذي يهدم الديمقراطية ليبني على أساسها صرح الاستبداد العتيق" معنى هام اشتمل عليه كتاب نادر للكاتب الكبير عباس العقاد باسم "الحكم المطلق في العشرين" .. السطور التالية تحمل المزيد
يقول العقاد بكتابه : استطاعت الديمقراطية أن توجد مخرجا للعصبيات الحزبية غير الفتن الدموية، وأقنعت الشعوب بأنها قادرة على تبديل الحكام وبالتالي ضعفت النزعة الثورية بقدر ثقة الشعوب في الاشتراك في الحكومة والقدرة على تبديلها.
ويعتبر المفكر المصري الذي مرت ذكراه مؤخرا أنه حتى الشعوب التي يقول البعض أنها غير مؤهلة للممارسة الديمقراطية، فعليها الطموح لبلوغ تلك الدرجة، مؤكدا أن مصلحة الحكام في بقاء شعوبهم جاهلة حتى يخلدونهم في حكمهم المطلق . والجمهور بوجه عام لديه من البديهة ما يفطن بها إلى مقدرة القائد وأهليته للثقة .
سطوة الكهنة
قبل القرن الثامن عشر، كان رجال الدين يساندون الإستبداد المطلق في مقابل الإستعانة بالحاكم في حفظ مكانتهم وقضاء مآربهم، بل وكان بعضهم يدعي أن الحكم مصدره إلهي يتلقاه المستبد من السماء فلا يكون على الشعب إلا أن يطيعه ويؤمن بحكمته، كذلك كان ينظر للحكومة على أنها معصومة ومن يشكك فيها كمن كفر بالعقيدة ، وكان أحرار الفكر يضطرون لإخفاء آراءهم مخافة البطش بهم .
ويروي العقاد أن ذلك اختفى وأصبحت الشعوب هي صاحبة سلطان الحكم، وأصبحت الديمقراطية في الدول الغربية مثل العقيدة المقدسة . ولكن ظهر المشككون في صلاحية النظم الديمقراطية من أنصار الحكم المطلق، وذلك كونها تشرك ألوف الأشخاص في أعمال الحكومة وتعرض المسئولين للمحاكمات.
يعترف العقاد بأن الديمقراطية لها عيوب باعتبارها تعتمد على اختيارات بشرية وقد لا تأتي بالأصلح دائما ، ولكن المزيد من الديمقراطية كفيلة بإصلاح تلك العيوب!
ثقة الشعب
يرى العقاد أن الديمقراطية تعمل على تمثيل المصالح المشتركة في الحكومة بشكل متوازن، وبالتالي نضمن ألا تستثنى طبقة معينة من الإنتخاب، وألا تكون الحكومة حكراً على أصحاب النفوذ والمال أو غياب صوت ملايين الفقراء.
ويؤكد العقاد على أنه من المغالطة القول بأن الديمقراطية تسوي بين العالم والجاهل والغني والفقير لأنها تعطي كلا منهم صوتا واحداً في الانتخاب، حيث أن الديمقراطية لن تسوي بين رجل له نفوذ شعبي وأخر لا نفوذ له، أما في حالة تجرد العالم أو الغني من النفوذ الشعبي فذلك دليل على عدم صلاحيته للأعمال الشعبية وأن مجال صلاحه في ناحية أخرى بعيدة عن أصوات الناخبين.
ووفقاً للمؤلف فإن أهم ما في الديمقراطية أن يشعر كل فرد وكل فريق بأنه صاحب رأي في حكومة بلاده، وأنه بخلاف ذلك لا يشعر المواطنون بتحقيق ميزة الديمقراطية ولا يطمئن المحكومون إلى المجالس النيابية، ويستشهد بقرار إلغاء الحكم النيابي الايرلندي عام 1801 والذي لم يفلح في الحصول على ثقة الشعب ولم يمنع ثورته الدموية وإلحاحه في طلب الانفصال عن الدولة البريطانية.
كذلك البرلمان الذي انتخبه الملكيون في فرنسا بعد هزيمة نابليون بونابرت لم يفلح في شئ قط حتى في خدمة الملكية التي انتخبته فحلته الوزارة وأعادت الانتخاب بطريقة أقرب إلى الحرية والتخيير.
تركيا |
بلاد الدكتاتورية
تحت عنوان "بلاد الدكتاتورية" يكتب العقاد أنه عندما وقعت حوادث الانقلاب في كل من تركيا وايطاليا وأسبانيا ومصر جمع البعض هذه الحوادث تحت اسم "الدكتاتورية في بلاد البحر الابيض" وحاول آخرون أن يجعلوا من هذه التسمية رابطة تعمم شيوع الدكتاتورية في هذه البلاد. ( اختلفت أوضاع تلك البلاد وقد كتب العقاد ذلك في أواسط القرن العشرين )
وهو يرى أن القوانين الصارمة في تركيا كانت لحماية الديمقراطية الجديدة التي لا تزال في طور التكوين ، وهو أمر ضروري لعدم الإنتكاس للنظام القديم ( ربما تحتاج مصر لهذه الصرامة في حماية ديمقراطيتها بعد الثورة ) .
ويستشهد العقاد بشعار مصطفى كمال أتاتورك "خير وسيلة لتعليم قوم قيمة الحرية هي أن تطلقهم أحراراً" ، ومن وجهة نظر العقاد فإن أتاتورك لم يكن ديكتاتورا وأن الشعب أعجب به وأولاه ما يحتاج إليه من سلطان لترقية شئونه . ( ولا ندرى هل كان إعجاب العقاد بالنهضة التي قادها أتاتورك أم بسياساته أيضا والتي شابتها علل خطيرة أهمها معارضته لتطبيق الشريعة الإسلامية وللهوية العربية للأتراك) .
يشدد العقاد عبر كتابه أيضاً على أن الديمقراطية إذا هدمت لا يأتي بعدها سوى مذهبين فإما الفوضية وإما الشيوعية، ذلك لأن الفوضيين والشيوعيين يشككون الناس في كل نظام معهود ويقولون أن الحكومة بطبيعتها قائمة على الغضب والاعتداء لخدمة طائفة من الأمة هي الطائفة التي تقبض على الزمام.