اتهم الأقباط بتخزين السلاح في الكنيسة ولا يعنيه هدم المسجد الأقصي ولم يعارض النظام إلا بعد سقوطه
الرجل نصَّب نفسه قاضياً علي منصة الوطنية يمنح وسام الشرف لمن يشاء ويسقط الجنسية عمن يشاء
إنها نفس قاعدة الفرز الشخصية التي خلقت النازية والفاشية والديكتاتورية من أدولف هتلر إلي حسني مبارك
لو فرق رئيس الجمهورية بين مسلم ومسيحي كانت دولته طائفية.. ولو فرق بين غني وفقير كانت دولته طبقية.. ولو فرق بين مواطن منتمٍ ومواطن متمرد كانت دولته فاشية.
تري كيف تكون دولة سليم العوا لو أصبح رئيسا للجمهورية؟
لقد تورط ذات يوم علي الهواء مباشرة في اتهام الأقباط بتخزين السلاح في الأديرة والكنائس.. معتمدا علي معلومات " مصاطب ".. فتسبب في فتنة دينية سبقت حرائق طائفية.. فالكلمة غير المسئولة.. قنبلة موقوتة.
لكننا تفاءلنا عندما تولي الدفاع عن رجل أعمال قبطي هو منير غبور، متصورين أن ذلك نوع من التسامح والاعتذار عما بدر منه، لكن.. الأمر علي ما يبدو لم يزد عن كونه أكل عيش.. محام ينتظر أتعاب قضية سمينة.
وعرفنا أن ابنه أحمد تخرج في كلية الصيدلة جامعة القاهرة وعين معيدا فيها.. ثم أخذ إجازة بدون راتب وسافر إلي الولايات المتحدة.. وهناك ظل يجدد الإجازة عدة سنوات حتي قدم استقالته واستقر هناك بحثا عن "الجرين كارد"، الذي ربما حصل عليه تمهيدا للجنسية وحلف يمين الولاء للدولة الأمريكية ليكون مستعدا لتأدية الخدمة العسكرية وقتال المسلمين في العراق أو أفغانستان أو مصر أو السعودية.. إذا دعت الضرورات التي تبيح المحظورات.
لم نشأ أن ننشر هذه المعلومات عن ابن مرشح للرئاسة دون الرجوع إليه، فاتصلنا به ــ بعد توسط من عصام سلطان القيادي البارز في حزب الوسط، وأوصلنا إلي مكتبه الرسالة- كي لا نتهم بعدم التدقيق قبل النشر.. لكنه لم يهتم بالرد.. والتوضيح، فهو ما إن قرر ترشيح نفسه حتي شعر ــ علي ما يبدو ــ بأنه فوق الجميع.. وربما وضع كل من اختلف معه في قائمة سوداء ليصفي حساباته معهم بعد أن يتربع علي عرش السلطة.
قبل ذلك.. كنا قد قررنا في مجلس التحرير أن نحاوره بحثا عن رؤيته للمستقبل الذي يسعي إلي أن يحكمنا فيه.. وكلفنا محررتنا المتخصصة في شئون الإخوان عائشة نصار بالمهمة، لكنه.. عندما سمع اسم «الفجر» بادرها مستهزئا "انتوا مش طالع لكم فجر".. فردت عليه بفطنة وحكمة: "حيطلع الفجر لو تكلمت معانا".. لكنه.. واصل تجاوزاته المنفلتة قائلا: "مواقفكم كلها ضد الوطن والثورة".. هنا بدأت الفاشية رحلتها إلي رئاسة الجمهورية.
لقد نصّب الرجل نفسه قاضيا علي منصة الوطنية.. يمنح وسام الشرف لمن يشاء.. ويسقط الجنسية عمن يشاء.. إنها نفس قاعدة الفرز الشخصية التي خلقت النازية والفاشية والديكتاتورية من أدولف هتلر إلي حسني مبارك، فرد واحد يملك صكوك الغفران والأحزان.. يحدد من يتمتع بجناته ومن يحترق في جحيمه.
لقد كنا يا "عوا" نواجه الفساد في عز سطوة النظام السابق ونخرج من نيابة لندخل في جناية.. دون أن نسمع صوتك.. أو ننتظر دفاعك.. أو نتوقع تعاطفك.. ليس معنا.. وإنما مع القضايا العامة التي نتبناها ونحاكم بسببها.. لكنك علي ما يبدو كنت تختار من القضايا ما يريحك وما يربحك.. فالحرية عندك حسب المزاج.. مزاجك.
وفيما قبل.. كنت تعترض علي المحاكمات العسكرية عندما كان يقف أمامها زبائنك من الإخوان المسلمين، لكنك.. تقبلها علي ما يبدو عندما يحال إليها الليبراليون.. فقد سكت صوتك عندما وقفنا أمام النيابة العسكرية.. أنا ومحررة في «الفجر» هي أيضا قيادية في الثورة.
لم نسمع منك موقفا واحداً معارضا للنظام الراحل.. لم نقرأ لك كلمة واحدة ضده.. كل ما كان يشغلك ديانة وفاء قسطنطين.. فقد استهلكت جهدك وعرقك وسهرك حتي تثبت أنها مسلمة.. ولم تتردد في مواجهة قرارات البابا.. دون أن تحسب حساب يوم ستحتاج فيه لأصوات الأقباط.. وتضطر أن تعلن قبولك برئيس جمهورية قبطي أو درزي.. هل غيرت مبادئك الدينية مقابل منصب دنيوي زائل ولو كان منصب رئيس الجمهورية؟
لم تزد مواقفك من النظام السابق علي موقف المحامي الذي يدافع عن سجناء سياسيين.. وهو موقف مهني.. لا سياسي.. ولو في ملفاتك تصرف نضالي واجهت به أحدا من قبل أخرجه لننشره، ولو في حياتك ثمن دفعته من أجله سنكون أول من يصوت لك.
ومنذ اللحظة الأولي للثورة وقبل أن تنزل التحرير.. كانت مانشيتات الفجر حاسمة.. قاطعة.. "يذهب مبارك وتبقي مصر".. "بقاء مبارك = الفوضي الشاملة".. "النظام يدفع فاتورة ثلاثين سنة فساد وتعذيب وتزوير".. لكنك يا "عوا" مصاب بحول سياسي.. فتقرأ ما لنا علينا.
سبقناك يا دكتور.. كنت لا تزال بالبيجامة في بيتك تشاهد الجزيرة بينما كنا نتلقي تهديدات بالشنق في ميدان التحرير علي ما نشرناه من رجال مبارك.. فلا تزايد علينا.. ولا تنفخ فيما فعلت.. فحساب المواقف الوطنية ليس بالصوت العالي.. ولا بأثر رجعي.. ولا بالاستهزاء من حرية الاختلاف التي صدعتنا بقبولها علنا بينما ما في القلب في القلب.
لم ننتظر سقوط عرش.. ولا نزول جيش.. كي نخرج للناس مؤيدين ومتحمسين ومضحين.. ونتحداك أن تكون قد قدمت للوطن واحداً علي مائة مما قدمنا، ونتحداك أن تكون قد انحزت للثورة قبلنا.. أو وجدت من يخيفك بالانتقام مثلنا، لكنه.. غرور المسابح الذي جعلك تحكم دون أن تعرف.. وتتكلم قبل أن تسمع.. وتعلو فوق الناس قبل أن يأتوا بك رئيسا.. استغفر الله.
ولو كنت شجاعا وقلت إنك تختلف معنا في الأفكار لصفقنا لك.. ولو كنت جريئا وقلت إن الليبرالية التي ننادي بها لنا ولك ولأمثالك لا تتوافق مع الدولة الدينية التي ترشح نفسك علي مبادئها.. لأتينا لك بموسيقي حسب الله.. تعزف لك: ماما زمانها جايا.. نقصد بماما مصر كي لا تفهمنا غلط.. لكنك.. تلف وتدور.. وتعجز عن التعبير عما يدور في رأسك بصراحة وجرأة.. وتكتفي بالسخرية.. وهي موهبة جماعية لشعب مصر.. لا تنفرد بها.. ويسهل أن نتفوق عليك فيها.
وفي حضور شاهد هو المهندس طارق الملط.. المتحدث الرسمي باسم حزب الوسط قلت: "باعتين لي بنت محجبة علشان أوافق".. كل ما رأيته من الصحفية النشطة هو أنها محجبة؟.. لماذا لم تفكر في اختبار عقلها وبراعتها قبل أن تنظر إلي ملابسها؟.. ثم "هو انت ما كنتش حتوافق لو لم تكن محجبة؟".. كشفك عقلك الباطن.. وفضح زيف قبولك للآخر.
نحن يا "عوا" لا نتدخل في حرية أحد.. لسنا عليهم بمسيطر.. من شاء فليؤمن ومن شاء فليخرج من هدومه.. نحن يا "عوا" لا نرسل لك محجبة ونرسل لغيرك مختلفة.. نحن لا نؤمن بالتصنيف الذي يشغلك.. ولا بالتقسيم الذي يسيرك.. لسنا من محترفي التقية.. ما في قلوبنا علي أقلامنا.. لسنا دكتور جيكل الطيب أمام الناس ومستر هايد الشرير بيننا وبين أنفسنا.. ونتمني أن تكون ثقافتك الأدبية كافية كي تعرف الفرق بين الشخصيتين.
ونتمني أكثر ألا تقلب الجمهورية ــ لو لا قدر الله ووصلت إليها ــ إلي خلافة عثمانية.. تصبح فيها أميرا للمؤمنين.. وترقد علي عشر مخدات من الحرير.. وبجانبك الجواري والعبيد.. وأمامك مسرور السياف الذي ينتظر إشارة منك ليطيح برقبة كل من تراه مختلفا معك دون أن تسمع دفاعه أو تقرأ أوراقه.. إنها أيام سوداء تنتظر هذا الوطن.. باعدها الله عنا.. وحمانا من شرها.
ولو كنت تحكم علي الناس بهذه الطريقة المتغطرسة المتسرعة وأنت في الأسبوع الأول لترشحك، فما الذي ستفعله بنا لو وصلت قصر عابدين؟.. هل ستعلق لنا المشانق أم تلقي بنا في الجب؟
إننا نحمد الله أنه أظهرك علي حقيقتك قبل أن نتورط في انتخابك.. لن ينتخبك مواطن يؤمن بالحرية.. ويؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل.. ويؤمن بحق القبطي في وطنه مثل المسلم تماما.. ويؤمن بعدم التصنيف بين أفراد الشعب الواحد علي أسس شخصية.
ولو كان السمع مقياس الحكم علي الناس.. دعنا نجرب هذه الطريقة معك، لقد سمعنا أنك رفضت من قبل ترشحك للرئاسة قائلا: "هو أنا عارف أدير مكتبي المكون من عشرة أفراد؟".. لو صح ذلك.. فكيف تجرأت وقررت أن تدير أمة بها أكثر من 85 مليون شخص لتكون مسئولا عن طعامهم وشرابهم وتعليمهم وصحتهم ومستقبل أولادهم؟
ويبدو أن التعليم الراقي لا يعجبك، فقد سمعنا أيضا أنك تعتبر رئيس الجمهورية الذي يجيد الإنجليزية منافياً للكرامة الوطنية.. بذمتك ده كلام؟
وقلت إنه لا يعنيك هدم المسجد الأقصي.. فالقدسية ستظل في المكان حتي لو هدم المسجد.. دون أن تعتبر الهدم تعبيراً عن ضعف عربي واستسلام لغطرسة عدو متجبر.
إن المجد يا "عوا" لا يأكل من جثث البشر.. ولا يترعرع في ظل التهجم والتهكم عليهم.. إن كل ما فعلناه ــ وربما ما لا تستوعبه ــ هو أننا استقلنا من وظيفة مغنٍ في الكورس الجماعي.. ورفضنا نصوص الأناشيد التي كانت تجترها الجوقة بشكل غريزي.
استقلنا من قبيلة الظلام التي تحاول أن تفرض نفسها علينا وربما تتحمس لك وتمنحك بركتها وأصواتها.. فليس من عادة القبائل أن تسمح لأبنائها بالخروج علي طاعتها ومناقشة آرائها بشكل علني.. ليس من عادة القبيلة ــ أية قبيلة ــ أن تقبل بمبدأ النقد الذاتي.. فالصحراء شديدة الغرور.. وشمسها سيف نحاسي لا يقنع بالجدل والحوار.
النقد الذاتي والاختلاف وقبول الآخر شيء مخالف لطبيعة المدرسة السياسية التي تعلمت وتربيت فيها، ولم تجرؤ علي القفز من فوق أسوارها.. وقناعتها بالتفوق والتميز والاستعلاء علي غيرها و«سوبرمانيتها» قناعة لا تقهر.. فمن ينتمي إليها من طينة.. وبقية البشر من طينة أخري، هم من معدن الألماس وسائر الكائنات من فحم.. هم التاريخ والآخرون هوامش غير مرئية علي جانبيه.
وكل هذه الصفات تصنع الفاشية.. والفاشية لا مكان لها في دنيا الديمقراطية، لذلك.. فهزيمتها آتية لا ريب فيها.. مهما طال الزمن أو قصر.
يا "عوا" كان الله في عوننا منك.