حقوق الأســير

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٦ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
ما ردك عما يذكره ابن اسحاق عن قتل النبى محمد لأسرى بنى قريظة ؟
آحمد صبحي منصور

سيأتى الرد كاملا فى بحث عن ابن اسحاق وتشويه سيرة النبى محمد عليه السلام . ولكن نرد هنا بمقال سبق نشره فى جريدة الأحرار عن حقوق الأسير فى الاسلام ، وهذا نعتبره ردا مؤقتا على سؤالك الى أن يكتمل البحث المشار اليه .

 المشهور في كتب السيرة والتراث أن النبي عليه السلام قتل أسرى اليهود من بنى قريظة بعد استسلامهم ، وإن ذلك كان بحكم سعد بن معاذ ، وأن السماء باركت هذا الحكم وأيدته، وروايات أخرى تنسب للنبي عليه السلام قتل أسرى آخرين اثر غزوات أخرى ، فهل هذه الروايات صحيحة ؟ وهل حدث فعلاً أن قتل النبي عليه السلام الأسرى؟ .

إن تشريع القرآن ـ والذي كان يطبقه النبي عليه السلام ـ يرفض هذه الروايات التي صيغت وتم تدوينها في العصر العباسي بعد موت النبي بقرنين من الزمان ، تلك الروايات التي كانت غطاءاً تشريعياً لما ساد حياة المسلمين  من اقتتال مذهبي سياسي فيما بين الشيعة والسنة والخوارج وغيرهم ، وحيث كان قتل الأسرى المسلمين عادة سيئة بدأها الأمويون واشتهر بها الحجاج بن يوسف ،ثم احتاجت هذه العادة السيئة إلى تشريع يربطها بالإسلام فكان اختراع أحاديث تؤكد أن النبي كان يقتل الأسرى وكان يسبي نساءهم وأولادهم ، وتلك أكذوبة أخرى ارتبطت بقتل الأسرى ، وكل هذه الأكاذيب التي تسئ للإسلام وللنبي عليه السلام  تخالف القرآن وقد آن الأوان لمناقشتها بايجاز  .

وفي البداية فإن القتال في الإسلام لمجرد رد الاعتداء بمثله أى للدفاع عن النفس "البقرة190، 194" والمحارب المعتدي إذا استجار واستسلم فعلى الجيش المسلم تأمينه ورده إلى بيته آمناً بعد أن يسمع القرآن "التوبة6" وفي حالة الحرب إذا قال المحارب السلام عليكم أو ألقى السلام فقد حقن دمه ويحرم التعرض له" النساء 94" فهل تتفق هذه التشريعات مع تشريع آخر يحكم بقتل الأسير الذي استسلم ؟ أم يكون العكس هو رعاية الأسير وتأمين حياته وإعطاءه صورة حسنة وحقيقة عن الإسلام ؟ .

بعد غزوة بدر واجهت المسلمين مشكلة الأسرى والغنائم، ونزل تشريع الغنائم في سورة الأنفال ، وفيه النهي للمسلمين عن أن تكون الغنائم هى غاية القتال بل الدفاع عن النفس ونشر الدعوة، وفي هذا الإطار كان الحديث عن الأسرى في سورة الأنفال الذين اضطرهم المسلمون إلى دفع الفدية ، وفيها يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للأسرى  إنه جل وعلا يعلم ما فى قلوبهم ، فإن كان خيرا سيعوضهم مما أُخذ منهم ويغفر لهم ( الأنفال 70" ) بما يؤكد  تأنيب الله جل وعلا للنبى والمؤمنين لأنهم أطلقوا سراح أسرى قريش فى بدر مقابل مال ، وكان يجب إطلاق سراحهم بلا مال أو بالفداء شخص مقابل شخص . .

ثم نزل التشريع في التعامل مع الأسرى في المعركة في قوله تعالى " فإما مناً بعد وإما فداء "محمد4" أى إما أن تمن على الأسير بإطلاق سراحه وإما أن يفتدي نفسه إن كان قادراً على دفع الفدية وليس هناك حل ثالث ، أى ليس هناك قتل للأسير .

وبعد إطلاق سراحه مجانا أو بدفع فدية فإن تشريعات الإسلام تلاحقه بالرعاية ، إذ يصبح ابن سبيل .

وابن السبيل له حقوق في أموال المسلمين في الزكاة الرسمية، "التوبة61" والصدقة التطوعية "البقرة216" وفي غنائم الحرب "الأنفال 41" وفي الفئ أى إيرادات بيت المال "الحشر7" أى أن الأسير يسير في بلاد المسلمين فهو ابن سبيل تحوطه الرعاية والإحسان ، ومطلوب من المسلمين إكرامه وإطعامه من أفضل الطعام وبدون أن يتكلف كلمة شكر " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً وأسيراً ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً الانسان8 " .

هذا هو تشريع القرآن في رعاية الأسير ، ولكن طمست تشريعات المسلمين فيما بعد ذلك السمو الراقي في التشريع القرآني .

وحقاً فإن الإسلام العظيم يحتاج إلى من يعاني في سبيل إظهار حقيقته وليس محتاجاً لأولئك المتاجرين باسمه في دنيا المطامع والأحلام .

اجمالي القراءات 7665