القاموس القرآنى : مصطلح ( كتم ) ( 3 من 3 ): أنواع أخرى من الكتم

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٥ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : مصطلح ( كتم ) ( 3 من 3 ): أنواع أخرى من الكتم

الكتمان القلبى :

عموما :

1 ـ يقول جل وعلا عن علمه بالغيب: ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنْ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)الانبياء )( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) النور ). ( الجهر ) عكس ( الكتم ) . تكرر هذا المعنى فى قوله جل وعلا : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) الرعد )

2 ـ سريرة الانسان هى مستودع أسراره ، لايعلمها غيره من البشر ، ولكنها مكشوفة معلومة لرب العزة جل وعلا .

نماذج للكتمان القلبى :

 لدى الملائكة  

1 ـ لا يسرى هذا على البشر فقط بل على غيرهم ممّن لهم سريرة ، ومنهم الملائكة . أخبر رب العزة جل وعلا أنه سيخلق خليفة فى الأرض ،عوضا عن يأجوج ومأجوج الذين كانوا مفسدين فى الأرض .  فقالت الملائكة لرب العزة جل وعلا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، فكان الرد إنه جل وعلا يعلم ما لا يعلمون : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) البقرة ) . وأودع الله جل وعلا فى نفس آدم علم الأسماء ، وتوارث أبناؤه هذا العلم فهم يطلقون على كل شىء إسما يعرفونه  به ، والطفل البشرى يولد ولديه قدرة مغناطيسية على إلتقاط وتعلم الكلمات ، وبهذه الكلمات والأسماء يختزن فى عقله المعلومات الخاصة بها، وقبل الرابعة من عمره يتعلم الحديث ، وفى حوالى السادسة يحصل على معلومات أساس فى حياته ، وهو لا يكف عن الأسئلة . كل هذا موروث من تعليم أبيه آدم الأسماء كلها .  قال جل وعلا : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة ) .

2 ـ لماذا قال جل وعلا للملائكة إنه جل وعلا يعلم مايبدون وما يكتمون ؟ هل كان بين المرئكة ملكا يكتم شيئا ؟ وهل ستأتى الفرصة لفضح هذا الفرد من الملائكة الذى يكتم فى سريرته شيئا ؟ نعم . كان من بين الملائكة إبليس ، وكان يخفى ويكتم شيئا . وأمر الله جل وعلا الملائكة بالسجود لآدم إختبارا لهم هل يبادرون بطاعة الآمر جل وعلا أم يرفضون ويتلمسون الأسباب ؟ قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (34) البقرة ). إنفضح ابليس ، وما كتمه فى سريرته ظهر فى رفضه السجود لآدم إباءا وإستكبارا فعوقب باللعن والطرد من الملأ الأعلى .

 كتمان الايمان والكفر :

1 ـ الايمان بالله جل وعلا يزيد وينقص. قال جل وعلا : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ). بل هناك من يتنقل بين الايمان والكفر ، قال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء  ). حسب مواقف الانسان وإرادته يتنقل الايمان ويتغير صعودا وهبوطا ، وقد يكون مكتوما فى قلبه ، ولكن يعلمه الله جل وعلا .

2 ـ قبيل موقعة (أُحُد ) وجيش قريش يأتى زاحفا نحو المدينة إستنفر النبى أهلها للخروج  دفاعا عنها ، فرفض المنافقون زاعمين أنهم لا يعرفون القتال ، قال جل وعلا عنهم : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) آل عمران). حين قالوا ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) كانوا الى الكفر أقرب منهم الى الايمان . والله جل وعلا هو الأعلم بما كانوا يكتمون .

3 ـ بعض المنافقين كان يدخل على النبى محمد عليه السلام يقدم له فروض الطاعة ، ثم إذا خرج من عنده روى عنه أكاذيب ، أى إن الكذب على النبى بدأ مبكرا بأولئك المنافقين ، والله جل وعلا هو الأعلم بما كانوا ( يبيتون ) أو ( يكتمون ) فى قلوبهم ، وقد اخبر الله جل وعلا النبى بهم وأمره بالاعراض عنهم . قال جل وعلا : (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء )

4 ـ وفعل نفس الشىء منافقون من أهل الكتاب ، يأتون للمؤمنين يقولون آمنا ، وهم فى قلوبهم الكفر مكتوما ، يدخلون به ثم يخرجون به ، والله جل وعلا هو الأعلم بما يكتمون ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) المائدة )

5 ـ من المنافقين أساتذة فى الكتمان ، هم الذين مردوا منهم على النفاق ، قال جل وعلا عنهم (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ) . وقد قلنا فى كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) إن صحابة الفتوحات بزعامة الخلفاء ( الراشدين ) هم أولئك الذين مردوا على النفاق وكتموه بكل قوة حتى لم يكن النبى محمد نفسه يعرفهم .

6 ـ وحذّر رب العزة المؤمنين فقال:( مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة ). قبلها قال جل وعلا عن المؤمنين الذين كانوا مؤمنين بمعنى الأمن والأمان وليس الامان القلبى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة )

7 ـ ومقابل كتم الكفر كان هناك أمير فرعونى يكتم إيمانه خوفا من فرعون : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) غافر)

كتمان الشهادة والمال

1 ـ حدثت جريمة قتل فى بنى اسرائيل فى عهد موسى ، وكتم بعضهم إسم القاتل ، فأمرهم الله جل وعلا أن يذبحوا بقرة ـ أى بقرة ـ فأخذوا فى التساؤل عنها ؛ ماهى ؟ ما لونها ؟...، وفى النهاية ذبحوها . وأمرهم الله جل وعلا أن يضربوا القتيل ببعض لحم البقرة ، فنطق باسم القاتل . وبهذا أخرج الله جل وعلا ما كانوا ( يكتمون ) . قال جل وعلا :  ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) البقرة )

2 ـ كتمان الحمل : على المطلقة إن شعرت بالحمل أن تبلغ به ولا تكتمه ، قال جل وعلا : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) (228 ) البقرة )

3 ـ ويحرم كتم الشهادة : قال جل وعلا : ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) البقرة )

4 ـ كما يحرم كتم وإخفاء الثروة بُخلا ، قال جل وعلا : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37) النساء ).

اجمالي القراءات 5174