فهمي لسورة التوبة ( الجزء العاشر )
فهمي لسورة التوبة ( الجزء العاشر )

أسامة قفيشة في الخميس ٣١ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فهمي لسورة التوبة ( الجزء العاشر )

( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 79 التوبة :

لازال الحديث عن أتباع النبيّ من القرشين الذين هاجروا للمدينة , ثم عادوا لمكة بعد سماح قريش لهم بالعودة بما يعرف ( بفتح مكة ) , و بعد أن تلا النبيّ على مسامعهم بيان النفير , و الاستعداد من أجل تخليص عمارة المسجد الحرام من يد قريش و وضعها تحت إدارة المؤمنين , و تلكؤهم في الاستجابة و خلق الأعذار و طلب الإذن و خلق المبررات الكاذبة , ثم بيان حالهم و كشف سريرتهم بأنهم كانوا منافقين أيام ما كانوا في المدينة مع النبيّ , بل تم كشف مخطط سابق لهم بإخراج النبيّ من المدينة و لكنه قد فشل ,

هؤلاء المنافقون كانوا ينظرون بنظرات السخرية و الاستهزاء ممن لا تجب عليهم دفع الصدقات , أي ممن لا يملكون المال الفائض و لكنهم أحبوا بأن يشاركوا دافعي الصدقات بالجزء القليل و اليسير بما يملكون طلباً للأجر و الثواب , فإن وقع بصرهم عليهم فإنهم ينظرونهم بنظرة سخرية و شماتة و استهزاء و استحقار للقليل الذي يقدمونه ( مع التنبيه بأن هؤلاء المنافقين يملكون المال و لكنهم لا ينفقونه - لا بالقليل و لا بالكثير -  بل كانوا يخفونه و يدعون بأنهم لا يملكون شيء ) .

( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) 80 التوبة :

بعد كل هذا الفضح و الكشف , و بعد تكرارهم و إصرارهم على نفاقهم , نلاحظ بكل وضوح سقوط مفهوم العفو الإلهي عنهم , فلا غفران لذنوبهم المتكررة بسبب عدم إيمانهم القلبي بالله و رسوله , مما تسبب بفسقهم .

( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) 81-82 التوبة :

1 - بعد أن تخلف هؤلاء القرشيون عن النفير و عن هذا النداء ولم يستجيبوا بالخروج خلف النبيّ و كرهوا ذلك , نجد بأنهم فرحوا بهذا الفعل , و كانوا يضحكون ممن استجاب و سار خلف النبيّ متجهاّ للمدينة و هم يحرضونهم بأن لا يتبعوا النبيّ في هذا الحر الشديد ( ضاحكين ساخرين ) .

2 - يأتي أمر الله جل و علا لنبيّه بأن يقول لهم بأن ضحكهم في الحياة الدنيا هو مؤقت , و سيقابله بكاءٌ دائم في نار جهنم جزاءً لما يفعلون .

من هنا ينتهي هذا المشهد , حيث كانت بدايته مع قريش و إبلاغها نقض العهد بسبب ما تسعى له , و من إعطائها مهلة الأربعة أشهر كي تتراجع و تتوقف عن مخططاتها السرية الانقلابية , و من ثم تسليمها للمسجد الحرام و تخليها عن إدارته ,

ثم جاءت الدعوة لأتباع النبيّ أهل مكة المهاجرون السابقون الذين عادوا لمكة بعد معاهدات و مواثيق ما يعرف ( بفتح مكة ) المبرمة مع قريش , و دعوتهم للنفير و الخروج مع النبيّ نحو المدينة للاستعداد و التأهب من أجل مقاتلة قريش فور انتهاء المهلة إن لم تخضع قريش و تتوقف عن محاولاتها الانقلابية و تسليمها للمسجد الحرام ,

بيان بأن غالبية هؤلاء القرشيون أتباع النبيّ قد تخلفوا عن أمر الخروج , و آثروا البقاء في مكة متمسكين بحطام الدنيا , فساقوا الأعذار و الحجج الكاذبة ,

و عليه بدأ الحديث في فضح هؤلاء بأنهم كانوا في هجرتهم منافقين غير مؤمنين , و تم كشف المكر الذي كانوا يمكرون به و هم في المدينة , ثم جاء التهديد لهم و الوعيد بنار جهنم لما كانوا يفعلون , و تم الإعلان و التصريح بأن هؤلاء بشخوصهم لن يغفر الله لهم طيلة حياتهم ( أي لا توبة لهم عند الله جل وعلا ) ,

و ينتهي المشهد بكل هذا الزخم من المعلومات و البيانات و يغادر النبيّ عليه السلام مكة بعد أن أنهى أداءه فريضة الحج متجهاً للمدينة , منتظراً انتهاء المهلة التي منحت لقريش المشركة و لمن يقف في صفها , فيعود من حيث جاء هو و القليل ممن لبى نداء النفير من المؤمنين صادقي الإيمان من القرشيين أهل مكة المهاجرين , و بالتأكيد قد عاد معه جميع من أتى برفقته من الأنصار أهل المدينة الذين جاؤوا لتأدية فريضة الحج ,

و لكن و قبل إغلاق هذا المشهد و الانتقال للمشهد الثاني لي رأيٌ خاص حول كل ما حدث من هذا البيان الناري الذي أدلى به الرسول عليه السلام في موسم الحج و في قلب مكة حيث تقف قريش بكل عزمها و كبرها و غطرستها , و أسأل نفسي كيف سمحت قريش له بذلك !

و الرأي في ذلك هو التزام العرب بدخول الأشهر الحرم و هو موسم الحج و التوافد لمكة , و هو ما منع قريش من رفع سلاحها ( أي هي العادات و التقاليد ) , و هناك سبب آخر و هو قدوم النبيّ عليه السلام و من معه مسالمين آمنين و من أجل أداء فريضة الحج .

اجمالي القراءات 4237