كان هناك رجل حكيم، يقضي حياته رحالة في أرض الله، لا يلبث في مدينة، أو قرية، إلا قليل، هدفه نشر الإصلاح بين الناس، فبات الناس يتباركون به، وينتفعون بعلمه وإصلاحه.
وفي أحد أيام الربيع المشمس الجميل قرر الحكيم مغادرة قرية كان قد مر عليها، ومكث بها أيام، بناء على طلب أهلها، حتى وجب الرحيل، فطلب منه أهل القرية الإنتظار لحين أن تضع سيدة حملها، ليبارك مولودها ويدعو له، فإنتظر الحكيم، حتى وضعت السيدة حملها، طفلة جميلة، أسمتها "حنان".
فتقدم الحكيم يحمل الطفلة، ليقرأ لها القرآن، ثم دعا لها قائلاً : ندعو الله أن تكون رحيمة بالناس، رابطة الجأش، شديدة البأس.
فقاطعته أم حنان فجأة !، قائلة : أطلب من الله أن يكف عن إبنتي شرور الدنيا وبأسها، وأن تكون في منأى عن مواجهة الصعاب، هي وذريتها.
فقال الحكيم : إعلمي يا إمرأة .. أن ما دعوته لإبنتك، هو سؤالك.
ردت المرأة : إن قريتنا مسالمة، وليس لنا حاجة بالجأش أو البأس !.
سكت الحكيم، وسلم الطفلة للمرأة، ثم غادر القرية.
وتمر السنوات كعادتها سريعاً، وتكبر "حنان" وتتزوج، وتنجب ولداً، فكانت عليه دائمة الخوف، والشفقة والحنان، كحال أمها عليها !، فلا هي تسمح له باللعب مع باقي أولاد القريه، ولا هي علمته فنون القتال، خشية أن يصيبه مكروه في التدريب، حتى شب إبنها، ورأس متجر أبيه، وتقدم لخطبة إحدى بنات القرية، إختارتها له أمه.
وفي يوم زفافه، طلبت منه خطيبته، أن يصطاد لها غزالاً، فخرج الشاب مضطراً، خارج حدود القرية، دون علم أمه، في صحراء مكتظة بالذئاب، وهو الشاب الأليف، الذي لا يعرف فنون القتال، فأحاطت به الذئاب، فهم الخوف في قلبه، وأصبح يركض عله ينجو من أنيابهم، لكن المسافة كانت بعيدة بينه وبين حدود القرية، فصاح بأعلى صوته يطلب النجدة، حتى سمعه بعض من شباب القرية، فخرجوا لنجدته، وما أن رأت الذئاب شجاعة شباب القرية، حتى فروا من أمامهم هلعاً.
لكن الذئاب تركت الشاب، بعد أن أصابته بأنيابها، فعاش قليلاً .. يقاسي الألم، وحنان تذرف الدمع على إبنها، أما جدته فظلت تلطم على وجهها، حتى وافته المنية، وساءت حالة حنان، وشعرت أمها بأن كاهلها قد زاد حملاً، فها هي قاربت تغادر الدنيا تاركة إبنتها الوحيدة ثكلى !، حتى كادت تفقد عقلها، وأصبح حالها بؤس، يشفق عليها كل أهل القرية.
وعاد الحكيم إلى القرية، في اليوم التالي لحدوث المصيبة، فرحب الناس به، وإستبشروا به خيراً، وبينما وهو بينهم، أتت أم حنان تطلب لقاؤه، علها تجد عنده ما يخفف عنها، وعن حنان مصيبتهما، فإذا بالحكيم، بعد أن رأى المرأة "أم حنان"، يطلب من الناس ان يخرجوها من مجلسه، ناعتاً إياها بـ "إمرأة السوء".
تعجب أهل القرية من وصف الحكيم لـ أم "حنان"، فقصوا عليه قصتها، هي وإبنتها، وبعد أن إستمع رد قائلاً : ألم أقل لكم أنها .. إمرأة السوء.
شادي طلعت