لطائف قرآنية ونظرات تحليلية (24/ 14 )
نظرات متجددة في الصلاة من يوم الجمعة
يقول الحق في كتابه
062009 { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (١٠) وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ (١١) } الجمعة
وفي البداية، علينا أن نلفت النظر إلى أن لفظة الصلاة لا يقتصر معناها، على الصلاة الحركية من قيام وركوع وسجود، وإنما يمكن أن تأخذنا إلى معان أُخر،
فقد تعني الدعاء " وصلِّ عليهم "،
{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاوَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) } التوبة
وقد تعني ديمومة الصلة والتواصل مع الله " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) " الكوثر
صدر هذه الآية يشير إلى طبيعة الشكر، أو كيفية الشكر، وحسبما أراد الله بالصلاة، وهذا يعني الذهاب إلى عموم معنى الصلاة من كونها تعني دوام الصلة بالله، وديمومة التواصل مع الله بالدعاء وبالتسبيح والذكر والذي هو في حقيقته يعني أن يكون الله في قلبك في حركة حياتك اليومية، وأن يكون مقصود عملك هو رضى الله، وأن يملأ اليقين وجدانك بأن الله معك أينما كنت، أي.. أنها صلاة قلوب.. لا.. صلاة قوالب، وصلاة مشاعر.. لا.. صلاة شعائر.
ولسوف ننحو بإذن الله في تدبر هذه الآيات على نحوين
أولا : أن لفظة الصلاة تشير إلى الصلاة الحركية
ثانيا : أن لفظة الصلاة تشير إلى الصلة والتواصل والذكر
وسوف نبدأ بأولهما
أولا : أن لفظة الصلاة تشير إلى الصلاة الحركية
وسنبدأ في تحليل ألفاظ هذه الآيات من هذا المنطلق
- بدأت الآية بـ " .. يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ.." فنرى أن التوجيه هنا ورد إلى الذين آمنوا منكم أي إستقر الإيمان في قلوبهم، وتعريف الإيمان هو :
التعريف الأول للإيمان : هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.
التعريف الثاني : هو اليقين بغيب، نقلا عن موثوق.
التعريف الثالث : هو الإقتناع الوجداني بما لا يمكن إثباته.
التعريف الرابع : هو الترجمة الفعلية، أو هو التطبيق العملي لمفهوم تعاليم
الإسلام على أرض الواقع
والإيمان حرية مطلقة للمرء، حيث أشار الحق سبحانه وتعالى معربا عن هذه الحرية
{ وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ
بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ
مُرۡتَفَقًا (٢٩) }الكهف
- ثم ثنت الآية بـ " .. إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ.." وهذه تعني أول نداء للصلاة من يوم الجمعة،
وأول نداء للصلاة في أي يوم مواكب لوقت صلاة الفجر.
ونود لو نلفت النظر إلى أن ورود " .. إِذَا.." في كلمات الآية يعني أنها شرطية حتمية الوقوع، وهذا يختلف عن إستخدام " إن " فهي شرطية إحتمالية الوقوع.
والملاحظ أنه قد وردت الإشارة إلى التجمع للصلاة بـ " .. إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ.."، ولم ترد
( إذا أُذن للصلاة...)، فالشاهد أن هناك فرق بين النداء للتجمع للصلاة من حيث أنها تدارس وتدبر وصلة، وبين الآذان لإقامة الصلاة الحركية.
- ثم تعاقب بعد ذلك " .. مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ .. " ، وورود " مِن " التبعيضية هنا لا تشير
إلى وقت بعينه، وإنما تشير إلى أن ميقات صلاة الجمعة لم يحدده الله بوقت صلاة الظهر، بل يمكن أن يواكب أي صلاة من صلوات يوم الجمعة.
- بعدها وردت " .. فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ.. " وفيها إشارة إلى أن الصلاة هي نوع خاص
ورفيع من أنواع الذكر.
- تلى ذلك " .. وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ .. " وهنا لنا وقفة، فالأسواق لم تكن لتعقد وقت الظهيرة،
وفي القيظ وفي أعلا درجات الحرارة، ولا يعقل أن يأمر الله بأمر فيه أذى للعباد، والسائد في الجزيرة العربية - حيث تنزل القرآن - وحتى في قرانا المصرية، بل في قرى الدول التي تقع في المنطقة المدارية، وحتى الآن، أن تعقد الأسواق بعد صلاة الفجر، وحتى الضحى،وبعد هذا تنفض الأسواق حيث يصبح الحرغير محتمل.
" .. وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ .. " هنا تعتبر بحق مقياسا لمدى إلتزام المرء ، بل يمكن أن تعتبر مقياسا لدرجة إيمانه ، لأن المحك الرئيسي هو المصلحة المباشرة، والعائد اللحظي، ويعتبر تفضيل المرء لإجابة نداء الداعي للصلاة عن المكسب المباشر نتيجة البيع، دليلا على قوة إيمانه.
ومن الجائز أن تكون " .. وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ .. " تعني الإبتعاد أثناء عمليات البيع عما يشين ، مثلا عدم الغش ، وعدم المغالاه في الأسعار، وعدم إحتكار السلع، وعدم إخفاء البضائع لرفع أسعارها.
- ثم إلى الآية التالية حيث تصدرها " فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ
مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ .. " ، وهذا أمر بالإنتشار والسعي ، لم تشر الآية من قريب ولا من بعيد للعودة لعمليات البيع والشراء ، لكن الكلمات أشارت إلى الإنتشار في الأرض إبتغاءً لفضل الله.
- هذا... بالإضافة إلى أن سورة الجمعة مدنية التنزيل، أي أنها تنزلت بعد التهجير، وقد
قضى رسول الله عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم قرابة العشر سنوات في المدينة، وهو ما يعني أكثر قليلا من الخمسمائة أسبوع، أي أنه صلى خمسمائة جمعة، ولكل واحدة منها خطبتين، أي أنه يجب توافر ما يزيد قليلا عن الألف خطبة، في الكتب الناقلة للمرويات، ففي أي منها وردت ولو خطبة واحدة ؟؟
- فضلا عن أن صلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة الفجر ركعتين وصلاة الجمعة كذلك، كما
أن كلا الصلاتين الفجر والجمعة جهريتان، وصلاة الظهر سرية..!!
ألا ترون معي أن هناك ثمة تطابق بين الصلاتين ( صلاة الجمعة وصلاة الفجر ) في عدد الركعات، وطبيعة جهرية الصلاة في الصلاتين، بينما هناك تباعد فيما بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر فالأخيرة أربع ركعات، وهي صلاة سرية...!!!.
- "... وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ..."
ويشكل هذا المقطع علامة إستفهام كبيرة، فكيف يمكن أن يترك الناس جماعة الصلاة وينصرفوا إلى اللهو أو للتجارة ويتركوا إمامهم ( ومن هو إمامهم ؟ ، إنه رسول الله عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم ) قائما يصلى وحده ؟
فذلك يثير قضية مهمة، وذلك فيما يخص هيئة صلاة الجماعة !!
والشاهد هو أنه لا ينطبق مفهوم كلمات الآية، مع الهيئة التي تقام بها الآن صلاة الجماعة !!
مما يعني أن هناك ثمة هيئة أخرى كانت تقام بها صلاة الجماعة، وهي أن يجتمع الناس للصلاة، وبعد إقامة الصلاة يصلي كل واحد منهم وحده منفصلا عن الآخرين، لأنه أدعى للخشوع في الصلاة منفردا بدلا من إستدعاء الدنيا إلى ذهن المصلي في الصلوات الجماعية،
فهي تـُباعد بين الصلاة والخشوع، فالمصلي مرتبط بميقات الإمام، فمثلا لو أراد المصلي أن يطيل السجود أو الركوع، أو يبكي أو يزيد في التسابيح والدعاء، فإن تكبيرة الإمام سوف تقطع عليه تسبيحاته.
ومما يؤكد هذا المفهوم، الإشارة القرآنية
017110 { قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا (١١٠)} الإسراء
ويجب أن نلاحظ أن أمر إبتغاء السبيل بين الجهر في الصلاة وبين خفوتها جاء بصيغة الإفراد "... وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا..."، في حين أن أمر الدعاء ورد بصيغة الجمع
"...قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ...".
أي أن كل من المصليين لا يجهر بقراءته للقرآن أثناء الصلاة، حتى لا يختلط الأمر على باقي المصلين أثناء صلاتهم، يجمعهم مسجد واحد، لكن كل منهم يصلي منفردا .
ملحوظة مهمة :
تنادى أصحاب الدين الإعرابي الأموي ( السلفيين )، وكذلك منظومة التواصل الثقافي والمعرفي ( الأبائيين )، بإسقاط صلاة الجمعة عن المسافر، مما يشكك في فرضيتها ظهرا من الأصل.
إذاً .. أما آن الأوان للتحقق من ميقات صلاة الجمعة وكيفيتها.... ؟؟؟؟؟
بل .. أما آن الأوان للتحقق من موعد آذان الفجر كي تنضبط صلواتنا وصومنا وفق مرادات الله..؟
ثانيا : أن لفظة الصلاة تشير إلى الصلة والتواصل والذكر
مختصر وبتصرف من مقال الأستاذ ( مصطفى طه الراوى)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) } الجمعة
الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا أنه فضَّل يوم من أيام الاسبوع عن يوم آخر، ولو كان ذلك كذلك، لذكر لنا فى آيات الخلق مسمى اليوم الذى خُلِقَ فيه أدم مثلا.
لم نجد فى الآية تحديد لمسمى الصلاة ( صلاة الجمعة ) مثلما أشار إلى وقتي صلاة الفجر وصلاة العشاء، في الآية (58) من سورة النور بل وردت من يوم الجمعة .
{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ
وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ (٥٨) } النور
الآية تقول " ... إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ..."
ونود لو نلفت النظر إلى أن ورود " .. إِذَا.." في كلمات الآية يعني أنها شرطية حتمية الوقوع، وهذا يختلف عن إستخدام " إن " فهي شرطية إحتمالية الوقوع.
صيغة النداء فى الآية مجهولة وليست معلومة، ولم يذكرها القرآن، والمنَادى أيضاً مجهول وليس معلوم ولم تتطرق الآية لمسمى الآذان أو المؤذن ولم يرد لنا ( أقيموا الصلاة ) بل فقط للصلاة من يوم الجمعة .
الجمعة لم يكن مسمى يوم من أيام الأسبوع، وأهل الجزيرة كانت مسميات الأيام عندهم نتيجة لحدث معين يشتهر به اليوم، فالجمعة عموما، هو يوم التجمع للسوق، فمن الممكن أن يأتى السوق فى وسط الإسبوع أو أخر الإسبوع، فالجمعة ليست إسم يوم، بل هوإشارة إلى يوم التجمع للتسوق، فهو يوم من أيام الأسبوع مخصص للتجارة والبيع والشراء.
إذاً .. النداء هو للتجمع فى السوق، يوم التسوق يوم البيع والشراء، لأنه وبالطبع ليس كل الناس تبيع و تشترى في ذاك اليوم، والآية لم تقل ( إذا نودى للصلاة فأقيموا الصلاة ) ولم نجد حتى إشارة للوضوء قبل الصلاة، أو جهورية الصلاة، بل نجد بعد النداء مباشرة "...فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ..."، وذكر الله هو تلاوة قرآنه وتدارس القرآن وتدبره والتفكر فيه، وليس الذكر هو الصلاة، بل الصلاة وسيلة للذكر
{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) } طه
فالصلاة هى وسيلة لذكر الله.
ولكن فى الآية نجد أن ( فاسعوا إلى ذكر الله ) جاءت مباشرة فيكون الذكر هنا هو تدارس وتلاوة القرآن، وكما نقول هو مجلس تلاوة وتعلم وتدبر وتدراس .
والآية (2) من نفس السورة هى المفتاح لفهم نوع الصلاة من يوم الجمعة، فهى التى حددت لنا تماما كيفية هذه الصلاة .
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) }الجمعة
هنا يعتبر بداية مفهوم ما جاء فى السورة، فالنداء لإرجاء البيع والشراء و الحظوة بالعدد الكبير فى تجمعه للتسوق، لكى يتم تلاوة آيات الله على الناس وتعليمهم الكتاب أى آيات التكاليف والقوانين التى أمر بها الله والحكمة التى تحتويها كلمات القرآن، لتهذيب عمليات البيع والشراء ومراعاة الأمانة وإلتزام الصدق وعدم الغش ، ... إلخ
ثم إن أول آية فى السورة أيضاً حددت لنا أن التسبيح هو مذاكرة وتدبر آيات، حتى أن ذلك لو تم فى مجلس علم أو مع نفسك، فأنت تسبح الله، وهناك تسبيح آخر وهو سعيك لعملك فى غدوك ورواحك وفى حركة يومك طالما هو لله وبتقوى الله وتطبيق تكاليف الله فأنت تسبح لله وتذكره، أى تتحرك فى ملكه وبين خلقه من خلال أوامره ونواهييه .
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) } الجمعة
السورة تؤكد من خلال آياتها أن النداء ( وليس الآذان ) هو فى مكان محدد وهو السوق الذى يتجمع فيه الناس لتوفير إحتياجاتهم من مستلزمات حياتهم وهذا يكون تحقيق لأمر الله في التبليغ والمدارسة.
ثم إن الآية الاخيرة من السورة تؤكد لنا أن الموضوع بالفعل هو داخل السوق حيث ذكرت لنا أن الجميع مِن مَن حول النبى، إذا رأوا تجارة او لهوا تركوه ( قائما ) ولم تقل ( قائم يصلى ) ولم تقل أيضاً تركك البعض بل ( تركوك ) كلهم.
{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) }الجمعة
اللافت للنظر فى الآية هو {... وَذَرُوا الْبَيْعَ ...} والذى إعتـُمد عليه فى فهم الآية، ثم التأكيد الذى جاء فى الآية (11) من نفس السورة
{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا } ،
وكلمة { انفَضُّوا } تؤكد أنه كان مجلس للعلم من تلاوة وتعلم الكتاب الذى هو القوانين التى كلفنا بها الله والحكمة أيضا ً، ونلفت النظر إلى أن الله تعالى حين أشار إلى إنتهاء الصلاة فى سورة النساء أشار إليها
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا (١٠٣) } النساء
ولم يقل (إنفضت الصلاة )، وفي الآية قيد البحث، نجد " انفَضُّوا " أى كانوا فى مجلس، والمجلس إنفض فالصلاة هنا هى صلة وتواصل ومذاكرة وتدبر وتلاوة قرآن الله وتعلم الكتاب والحكمة، وهذه تأتي بعد "... فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ ..." في إشارة إلى الصلاة الحركية المتعارف عليها.
وللجمع بين الرأيين
نقول وبالله التوفيق، أن موعد صلاة الجمعة الحركية هو مواكب لصلاة الفجر، وبعد آدائها، " ... فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ...." يكون هناك تدارس لواحدة من سور القرآن ، أو لحزمة من آياته، تدبرا وتفكرا وتعقلا وتفقها، أو لبعض أحكامه، فنحقق بذلك مرادات الله فينا ومنا.
والله جلَّ في علاه، أعلا وأعلم،،،
مهندس / محمد ع. ع. خليفة
الأحد 14 يناير 2018
الموافق 26 ربيع الآخر 1439 هـ