هل فى القرآن الكريم إشارة عن جريمة عائشة فى موقعة الجمل ؟ ( 1 من 2 )
مقدمة
1 ـ القرآن الكريم حق مطلق لا ريب فيه . وما نستخلصه تدبرا قرآنيا هو إجتهاد بشرى يخطىء ويصيب ، وإذا أصاب فهو حق نسبى . التاريخ ليس دينا إلاهيا . لا يصبح دينا إلا فى خرافات الأديان الأرضية التى تقدس البشر وتاريخهم المصنوع . روايات التاريخ لو صحّت فهى حقائف نسبية وليست مطلقة ، هذا لأن التاريح منتج بشرى وصناعة كتبها المؤرخون ، وهم بشر يخطئون ويصيبون ويسيطر عليهم الهوى . هناك أحداث تاريخية كبرى كالفتوحات وما يسمى بالفتنة الكبرى والخلفاء ( أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ) يكون صعبا ـ علميا ـ إنكار وجودها ووجودهم . ولكن ـ اسلاميا ـ لا ضرر من إنكار وجودهم ، فلن يحاسبنا رب العزة جل وعلا عن وقائع التاريخ الذى كتبه البشر .
2 ـ القرآن الكريم ذكر بعض تاريخ الماضين من الأمم السابقة والأنبياء السابقين عليهم السلام ، وذكر لمحات من تاريخ معاصر عن النبى محمد عليه السلام ومن كان حوله . بموت النبى محمد وإنتهاء القرآن نزولا عاش بعض أصحابه ، وأصبح لهم تاريخ عالمى هزّ العالم ( الفتوحات ) وتاريخ محلى لا يزال قضية مشتعلة حتى الآن ، وهى الحروب الأهلية بين الصحابة ، وأبرزها موقعة الجمل ، والتى قادتها عائشة بنت أبى بكر التى يقول التاريخ إنها كانت زوجة للنبى محمد عليه السلام .
3 ـ القرآن الكريم ذكر ( أزواج النبى ) فى اوامر ونواهى تشريعية خاصة بهن ، وفى إشارات تاريخية . كما ذكر أصنافا من الصحابة ، منهم السابقون والمنافقون ومن فى قلوبهم مرض ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا . لكن بدور ذكر أسماء لأشخاص سوى ( زيد ) المعروف تاريخيا بأنه زيد بن حارثة ( الأحزاب 37 ) . التاريخ المصنوع يذكر أسماء الصحابة وأسماء أزواج النبى . ما ذكره رب العزة يجب الإيمانه . ما ذكره المؤرخون لا يدخل فى دين الاسلام .
4 ـ ( عائشة بنت أبى بكر ) أشهر أزواج النبى تاريخيا . وعائشة بالذات إرتكبت خطيئة كبرى ، فقد فجّرت أول حرب أهلية فى تاريخ المسلمين ( موقعة الجمل ) وصارت بها شخصية جدلية ، يقدسها الدين السُّنّى ويلعنها الدين الشيعى .
5 ـ ما إرتكبته ( عائشة ) من جريمة هل هناك إشارة له فى القرآن الكريم ؟ .
قلنا إنّ الله جل وعلا ذكر بعض التاريخ الماضى لبعض الانبياء السابقين ، كما ذكر بعض التاريخ المعاصر للنبى محمد . والله جل وعلا أشار الى تاريخ سيحدث ، نبّأ به مسبقا ، مثل الفتنة الكبرى والحروب الأهلية بين قوم النبى الذين كذّبوا بالقرآن ، قال لهم جل وعلا فى سورة مكية : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) بعدها قال لهم مؤكدا عن هذا المستقبل الذى سيعايشونه : ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الأنعام ) . وقد تحدثنا فى هذا فى كتابنا ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وهو منشور هنا . وذكررب العزة جل وعلا ـ فى رأينا ـ إشارة الى دور عائشة فى جريمة الفتنة الكبرى . وهذا موضوع هذا المقال .
أولا : فى سورة الأحزاب
1 ـ سورة الأحزاب نزلت بعد موقعة الأحزاب ، وقد إحتوت على إشارات تاريخية لهذه الموقعة ، وبعض التشريعات الخاصة بالنبى وأزواجه وحُرمة بيته ، ومنها أوامر لنساء النبى وللمؤمنين .
2 ـ ونستشف منها إتهاما خفيّا مبطنا ، لبعض زوجات النبى ولبعض الصحابة المؤمنين ـ وليس المنافقين ــ الذين كانوا يتطفلون على بيوت النبى ( بيوت أزواجه ) ، وكان ذلك يؤذى النبى فيستحى مواجهتهم ممّا إستدعى ان ينزل الوحى قرآنا . فى خطاب مباشر لهم قال جل وعلا لل ( مؤمنين )! : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ ) .
3 ـ يهمنا هنا قوله جل وعلا لهم بألا يقتحموا حجرات نساء النبى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) ثم هذا التعليل المُقلق عنهم وعنهن : ( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، ثم التحريم لأى تفكير أو مشروع فى الزواج منهن : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) الأحزاب )، ثم هذا التحذير مقدما لما يجول بخاطرهم وخاطرهن : ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) الأحزاب ) . ثم حصر وتحديد من يدخل عليهن من المحارم : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) . ثم خطاب إلاهى مباشر بالتحذير لهنّ بأن الله جل وعلا شاهد عليهنّ :( وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) الأحزاب ) ، ثم اللعنة الالهية فى الدنيا والآخرة التى ستحيق بمن يؤذى الله ورسوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) الأحزاب ).
4 ـ ثم الخطورة بما تعنيه تلك التشريعات الخاصة بنساء النبى بإعتبارهن ( آل البيت ) أو ( أهل البيت ). قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) الاحزاب ). تخييرهن بين الطلاق الكامل والبقاء فى عصمة النبى أمر خطير ، يدل على شقاق بينهن وبينه حدث وإستحكم بما إستدعى نزول وحى قرآنى ، يُتلى الى قيام الساعة . الأخطر فى هذا التخيير إنه ليس مجرد تخيير بين إستمرار الزواج أو الطلاق الكامل ، بل هو تخيير بين الايمان بالله جل وعلا ورسوله والدار الآخرة وبين الكفر وزينة الدنيا .
5 ـ بعدها يقول جل وعلا لهن فى خطاب مباشر : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) الأحزاب ) هنا مضاعفة لهن فى الثواب والعقاب ، وتحذير لهن من الوقوع فى الزنا . وهذا لأنهن فى منزلة خاصة ، قال جل وعلا بعدها : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ ) ، وعليه ينهاهنّ جل وعلا عن مباسطة الرجال فى الكلام حتى لا يطمع الذى فى قلبه مرض ، والمعنى واضح : ( إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) الأحزاب )
ثانيا : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )
1 ـ ثم يأتى أخطر تشريع خاص بهنّ فقط ، قال جل وعلا لهن فى خطاب مباشر : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) الاحزاب )
2 ـ لأنهنّ ( أهل البيت ) فيحرم عليهن الخروج من البيت . عليهن المكوث فيه طيلة حياتهن بلا تبرُّج ، يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة ( بمفهوم التقوى فى السلوك والخشوع فى الصلاة وتزكية وتطهير النفس طاعة لله جل وعلا ورسوله ) . وهذا مع تلاوة القرآن الذى هو الكتاب والحكمة . بهذا يتطهرن من الرجس .
3 ـ وعليه فإن قوله جل وعلا : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) هو أمر محورى هنا . ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) هو يعنى إقتران بالبيت بلا خروج منه أبدا . ليس عليهن الخروج من بيوتهن للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . وقد كان المؤمنون والمؤمنات يخرجون معا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وكان على العكس ، يخرج المنافقون والمنافقات يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، فى مناخ من الحرية الدينية والسياسية كان معروفا ومألوفا فى دولة النبى الاسلامية ( التوبة 67 : 72 ). وليس عليهن الخروج للحج ، إذ عليهن فقط ما جاء خاصّا بهن فى الآيات السابقة .
4 ـ عائشة لو خرجت من بيتها لتؤدى فريضة الحج ستكون قد عصت أمر بها . لو خرجت من بيتها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتفعل الخيرات تكون قد عصت ربها . فماذا إذا كانت قد خرجت من بيتها لتشعل فتنة وتؤجّج أول حرب أهلية فتسببت فى قتل أكثر من عشرة آلاف شخص يتقاتلون حول الجمل الذى كانت تركبه ، إما مهاجما وإما مدافعا ، وكلهم يهتف ( الله أكبر ) ؟!
5 ـ لم تجد عائشة رجلا يعظها يذكرها بقوله جل وعلا لها ولهن : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) . كانت قد إعتادت الخروج من بيتها ، إذ إختلف المناخ عن عهد النبوة . أصبحت قريش بكل كفرها متحكمة ، اشعلت حروب الفتوحات ، وإنهالت أموال الفتوحات وغنائمها على صحابة الفتوحات ، وتمتعوا بالسبى من الأطفال والنساء والبنات ، يؤتى بهن وبهم الى المدينة والجزيرة العربية من الشام والعراق وفارس ومصر . وتوارى المؤمنون الحقيقيون السابقون فى الاسلام بعملهم خوفا على دينهم من هذا الطوفان الفاسد . وبهذا الانفتاح الفاسد المفسد بدأ مبكرا إتّخاذ القرآن مهجورا ، وتأسس عمليا وسلوكيا دين جديد ، حمل فيما بعد إسم السُّنّة ، يعنى الغزو والاحتلال والسطوة والاستبداد ، كما تم وضع أُسُس دين مناقض هو دين التشيع الكاره لخلفاء وصحابة الفتوحات . فى هذا المناخ أُتيح الحرية المطلقة للمنافقين الصرحاء العاديين والمنافقين الذين مردوا على النفاق فى عصر نزول القرآن وحياة النبى عليه السلام ، وقد أرهقهم كتم نفاقهم . إنطلقت قريش بزعامة ابى بكر وعمر وعثمان فى تأسيس عملى لدين متطرف فى الكفر والعدوان . وصل ليس فقط الى ظلم الملايين من ابناء الشعوب المفتوحة المقهورة المحتلة ، بل أيضا الى ظلم ظالمين آخرين هم الأعراب جنود الفتح . لذا ثاروا ، وقتلوا عثمان . وكانت عائشة تكره عثمان ، ولكن ثارت لمقتل عثمان حين علمت أن الذى تولى الخلافة هو ( على ) ، وزعمت لنفسها الحق بأخذ ثأر عثمان . لا نتصور فى هذا المناخ بالغ الفساد أن يجرؤ أحدهم على ردع عائشة . بل على العكس ، فقد وجدت آلافا مؤلفة سارت فى ركابها من الى البصرة لتحارب تحت إمرتها ، كيف لا . وقد كان الى جانبها كثير من الصحابة المشهورين ، أبرزهم ( الزبير بن العوام ) و ( طلحة بن عبيد الله ).!
6 ـ من يتذكر آيات سورة الأحزاب وقتئذ ؟
7 ـ هذا عن سورة الأحزاب . فماذا عن سورة التحريم ؟