جيش الدولة الإسلامي
أكاد أجزم بأن جيش الدولة الإسلامية الذي شكله و أسسه النبي عليه السلام في قرية يثرب هو جيشٌ علمانيٌ في تركيبته و ذو عقيدة إسلامية أساسها الدفاع دون أي اعتداء .
كان العرب مشتتون متناحرون متقاتلون كعادتهم , كانوا أقواماً و قبائل يستقوي فيهم القوي الضعيف , وكانت مجتمعاتهم قرويه قبلية صحراويه لا يملكون سوى السيف , و كانت قرية مكة ذرة تاجهم لذا كانت أم القرى و قريش كانت سيدةُ ذاك المجتمع المتهالك , و ما أن دخل النبي عليه السلام لقرية يثرب و عمل على بناء و تأسيس دولته الإسلامية و تم وضع الضوابط و القوانين العادلة فسرعان ما تحولت قرية يثرب من مجتمعٍ قبليّ قروي إلى مجتمعٍ مدنيّ و سميت ( بالمدينة ) .
قام النبي عليه السلام بتأسيس و بناء جيشٍ يحمي به هذا المجتمع بعناصره و مكوناته و يحمي به أول دولة مدنية كي يدافع به عنها و عن قانونها و نظامها الجديدين ,
و من خلال البحث الذي أعكف عليه حالياً في موضوع القتال و تشريعاته لفت انتباهي بعض الآيات التي تحمل في طياتها طبيعة و شكل هذا الجيش الذي أسسه النبي عليه السلام ,
تلك المكونات و العناصر ما كانت لتكون إلا في جيشٍ علماني و شمولي صُنع لحماية الجميع و للدفاع عنهم و تشارك فيه جميع الأطراف و الجهات دون النظر لعرقه أو للونه أو لدينه أو لمعتقده , شرط الالتزام بعقيدة هذا الجيش و المبنية على الدفاع لا الهجوم , و في هذا المقال سأتطرق لبعضٍ من الآيات التي نستشف منها بأن مكون هذا الجيش بعناصره لا ينحصر بمن آمن و اعتنق الدين الإسلامي من أتباع محمد عليه السلام , بل يتعداهم ليشمل القبائل العربية الأخرى التي لم تدين بدين الله جل وعلا بعد , أي ممن تخلفوا عن دينه و التي كانت بأمس الحاجة لمن يدافع عنها و يحميها من بطش قبائل العرب الأخرى , و ممن قد دخل منهم في معاهدات السلم و الأمن مع النبي عليه السلام و ما يترتب على تلك المعاهدات من دفاعٍ مشترك , كما كان يضم في صفوفه الكثير من المنافقين و المشركين أيضاً :
يقول جل وعلا ( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا* بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا ) 11-12 الفتح .
و يقول جل وعلا ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) 16 الفتح .
و يقول جل وعلا ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا ) 12-15 الأحزاب .
و يقول جل وعلا (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) 154 آل عمران .
و يقول جل وعلا ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) 5-6 الأنفال .
مع العلم بأن غالبيتهم كانوا يضعون الحجج الواهية و يتقاعسون عن واجب الدفاع و منهم من كان يهرب من ساحة القتال و منهم من كان يثبط من حوله و يهز عزيمته و الكثير من تلك الأمثلة تمثل أمامنا و خصوصاً ما وردنا في سورة التوبة و بعد دخول النبي عليه السلام لمكة .
فشتان الفرق الهائل ما بين الدولة الدينية و الدولة الإسلامية !